أمراض عربية: أهم عرب أم أعراب؟ / د.فايز رشيد

 

د.فايز رشيد ( الأردن ) الخميس 9/4/2015 م …

الحال العربي الراهن يدعو إلى اليأس، هل أصبحت بعض الأنظمة العربية تقوم بتنفذ أجندة إسرائيلية؟ منذ ابتداء الحرب على اليمن.. أفردت الصحف الإسرائيلية مقالات عديدة لها، تتحدث عن اتفاق إسرائيلي مع إحدى الدول العربية لتدمير صواريخ حركة «أنصار الله» لأنها تشكل تهديدا لها (للكيان).

الانزعاج الصهيوني يعبّرعنه الصحافيون الإسرائيليون في مقالاتهم اليومية ومنها: ما قاله أليكس فيشمان في صحيفة «يديعوت أحرونوت»، «إن الحرب على الحوثيين تدخل في مصلحة إسرائيل، وهي فرصة لقطف ثمار استراتيجية وحيوية لأمن الدولة». أما بالنسبة لسيطرة الحركة على كل اليمن بالنسبة للكيان فوفقا لمصدر أمني صهيوني :»فإن الخوف الإسرائيلي ينبع من نصب صواريخ شاطىء – بحر على الشواطئ اليمنية، تمس بمسار حيوي بحري لإسرائيل من الشرق…. فمثلما يقوم التهديد على شواطئ حيفا وتل أبيب من حزب الله سيجري تهديد لميناء أسدود من الحوثيين». يشترك في التحليل لما يدور في اليمن كل الصحافة الصهيونية ومعاهد عسكرية وصحف غربية كثيرة، وكلها تؤكد على وقوف إسرائيل وراء الدولة العربية القائدة للحرب من أجل تدمير الصواريخ. كل ذلك يدعونا إلى التساؤل في عنوان المقالة؟

أيضا… من الضروري التوضيح أن «العرب» هم فرع من الشعوب السامية تتركز أساسا في الوطن العربي بشقيه: الآسيوي والأفريقي, المفرد هو «عربي», يتحدد على خلفيات إثنية, ثقافية, لغوية, اجتماعية واقتصادية. نسبت التوراة العرب إلى اسماعيل بن ابراهيم, يُصنّف العرب إلى ثلاث فئات: العرب البائدة (وفقا لابن خلدون هم: عاد وثمود وغيرهما), العرب العاربة (من نسل قحطان), العرب المستعربة (من نسل معد بن عدنان), يُطلق على الأخيرتين، العرب الباقية. يتصف العرب (الأقحاح) بالأصالة, الشهامة, الكرم, النخوة, إغاثة الضعيف والمستجير بهم, القوة, العزّة والعنفوان. أما «الأعراب» وفقا للقواميس والمعاجم العربية.. ووفقا لابن خلدون, سيبويه, ابن الأثير في كتابه «النهاية في غريب الحديث», ابن قتيبة, ابن عزيز, الشاعر حافظ ابراهيم : فهي كلمة تُطلق على ساكني البادية، وحتى لو لم يُنسبوا إلى العرب, وحتى إن لم يكن بدويا (هناك فرق بين البدوي والأعرابي) فإن «الأعراب» هم ومثلما وصفهم الله سبحانه وتعالى في القرآن الكريم: هم «الأشد كفرا ونفاقا» وذلك لجفائهم وقسوة قلوبهم وبُعدهم عن العلم. من ناحية أخرى لعلي أتفق مع الدكتور سليم الحص رئيس الوزراء اللبناني الاسبق، والشخصية الوطنية والقومية العربية المعروفة في مقالته التي دقّ الجرس فيها عاليا إيذانا بالخطر، حين عبّرعن «امتعاضه الشديد من العرب» وعن استمرار حبه وتزايد «عشقه» للعروبة.. ولعله ايضا، وبالقدر الذي يشير فيه الى مرارة الواقع بانكساره، وكل معطياته المحزنة والمؤلمة، فإنه يثير الشجن أيضا الى تلك المرحلة من التاريخ الحديث، حين كانت العروبة جامعا بين ابناء الامة الواحدة، وحين كانت الوحدة مطلبا جماهيريا عربيا من المحيط إلى الخليج.. حينها كان الهمّ الوطني لمطلق قطر عربي يجمع كل العرب، واذا كان الزمن الحالي هو غير ذاك، من حيث المواصفات الذاتية والموضوعية للشعوب العربية، فإن ذلك لا يقلل من اهمية ان تظل العروبة حاضنة لابنائها.. وهو الامر الذي خَفتَ كثيراً، للاسف، والذي واذا ما استمر، فإنه يهدد بالمزيد من الانحدار إلى الهاوية.

وفي البحث عن الاسباب لما وصل اليه الحال العربي من هزائم سياسية، اقتصادية، عسكرية، ثقافية واجتماعية، قد تتعدد الاجتهادات، انطلاقا من خلفية ووجهة نظر الباحث فيها، لكن قاسما مشتركا يظل بين كل الآراء، وهو أن كل العرب يتحملون المسؤولية، بالتأكيد وفق نسب متفاوتة، فالسلطات والحكومات العربية المسؤولة عن إيجاد الحلول دوما لاشكالات شعوبها، والتخفيف من معاناتها في كل المجالات، والسير بها نحو التقدم، وفقا لمتطلبات العصر بكل ما انتجه من تقدم وتطور ووسائل تقنية، وتنمية الشعور بالعروبة لمواطنيها، تتحمل الجزء الاعظم في التقصير، وهي غير النسبة التي تتحملها القوى الشعبية العربية.

ندرك اننا في زمن غير زمن «وامعتصماه» وغير زمن الخليفة العادل عمر بن الخطاب، الذي اعتبر نفسه مسؤولا عندما تتعثر شاة في بلاد الشام، ولا في زمن الخليفة الخامس عمر بن عبدالعزيز، حين كانت زكاة اموال المسلمين لا تجد من تعطى اليه. وفي غير زمن صلاح الدين الايوبي، لكن الدولة العربية التي هي مغرقة في قطريتها، اصبح هاجسها الوحيد حماية الذات، بعيدا عن كل الصيغ المختلفة في المجالات المتعددة للعمل الجماعي العربي، دول عربية كثيرة تقف عاجزة عن سداد فوائد ديونها، واخرى تسير في خصخصة القطاع العام، وتعاني من التضخم والغلاء بوتائر متسارعة، وانعدام التأمينات الاجتماعية والصحية لمواطنيها، في ظل انتشار متزايد للفساد وثراء البعض، ومختلف مظاهر القهر الاجتماعي ووسط ظروف من كبت الحريات، واضمحلال حقيقي للطبقات الوسطى فيها، حيث يزداد الفقراء فقرا والاغنياء غنى، وفق معطيات اقتصاد تابع للمتطلبات العولمية، بعيدا عن انجازات التنمية، ليس ذلك فحسب بل تأتلف لضرب الشعب العربي في إحدى دول الجامعة العربية، وسط التحدي الصهيوني لكل العرب والمطالبة بتحالف صهيوني ـ عربي! إنها المهزلة بكل أبعادها وتجلياتها.

لا نتجنى في تصوير بعض من حقيقة الواقع العربي الرديء، فمن يقرأ تقارير التنمية الاجتماعية الصادرة عن الامم المتحدة يصاب بالذهول لما يرد فيها من حقائق، وللعلم فإن برنامجا على إحدى الفضائيات العربية، استضاف منذ بضعة ايام خبيرا اقتصاديا، أورد بعض الحقائق التي تدعو الى الذهول، منها مثلا، أن دخل الفرد في كوريا الجنوبية للعام 2006 بلغ 28000 دولار في العام، بدلا من 89 دولاراً قبل عشرين سنة، والسؤال هو: ما الذي تمتلكه كوريا الجنوبية ذات الخمسين مليونا من ثروات تتمايز فيها عن الثروات العربية؟ بالتأكيد فإن ثروتها الاولى والاساسية هي الانسان، وعليه تراهن، للعلم فإن ميزانية كوريا الجنوبية تبلغ ضعفي ميزانـــــيات عدة دول عربية مجتمعة، مع أن النفط العـــــربي يشكل دخلا صافيا للدول العربية أضعاف دخل كوريا الجنوبية. لكــــن الأموال العــــربيــــة تذهب إلى مصاريف أصحابها في لندن وإلى الخزينة الأمريكية وإلى تمويل حمــــلات قمـــع الشعوب.

أما بالنسبة للقوى الشعبية العربية، فبدلا من التوافق وتجاوز محن اقطارها، إن في العراق أو في فلسطين أو في لبنان وغيرها.. فإنها تسير باتجاه تكريس الانقسام، بما يهدد وحدة هذه الاقطار. كل ذلك يضاف الى الكثير من الاخطاء التي مارستها هذه القوى في كل الاقطار العربية، التي ساهمت بشكل أو بآخر في الوصول الى ما نحن فيه من وقائع. اما بالنسبة للفرد العربي المطحون معظم النهار وآناء الليل لتدبير قوت عائلته واحتياجاتها، فهو في ابتعاد مستمر عن التأثير في المعادلة، وسط انتشار متزايد لمفاهيم بعيدة كل البعد عن العروبة والاصالة العربية، ولعل منها، طغيان الأنا، وفي بعض الاحيان، إنكار وجود «الانت»، الميل الى التحطيم في النقد بعيدا عن النقد الهادف.. وغيرها وغيرها.

أما الكثير من المثقفين العرب فللأسف يعيشون اشكالات حقيقية، ولعل منها، أن منهم من ينقلب الى ديكتاتور اشد من اعتى الانظمة قمعا، عندما ينتقل الى مواقع مسؤولة، التبرير للنظام الرسمي العربي في كل خطواته، حرف اتجاه معركة الثقافة العربية الرئيسي لصالح الثقافة القطرية، الانقلاب في المواقف الجديدة الى النقيض من مواقفه السابقة.. الغرق في المعركة ما بين التراث والحداثة، بعيدا عن المواءمة بينهما، وتوظيف التراث لصالح التطور والاخذ من الحداثة بما يوائم التراث، الامر الذي يصيب دوره التنويري بالضبابية للاسف. «إن الوعي هو انعكاس للواقع»، والاخير هو نتاج للوجود الاجتماعي، واذا ما بقي الخلل مستمرا.. فاننا في طريق التحول الى أعراب.. بعيدا عن العروبة والعرب.

 

قد يعجبك ايضا

التعليقات مغلقة.