يا خسارة يا بو خالد / جميلة شحادة
لم أواكب حقبة الزعيم جمال عبد الناصر، لكنني أحببته من السرد الأول الذي سمعته عنه من والدتي، تلك الغريبة بين نساء الحمولة. والغريبة، هو الوصف الذي أطلق على أمي عندما كان يدور الحديث عنها بين نساء الأعمام والعائلة عامة، وذلك لبعدها عن أهلها الموجودين في سوريا.
كنتُ في الخامسة من عمري عندما سألت والدتي عن صورة الزعيم عبد الناصر، والتي تصدرت أحد جدران غرفة نومها. يومها، لم أكن أعرف لمن هذه الصورة؟ وظننتها لأحد أخوالي الذين لم تملّ والدتي الحديث عنهم ورسم أبهى وأجمل صورة لهم، كما لم تكل والدتي عن وصف مشاعرها ومدى حنينها وشوقها لرؤية إخوتها، فقد كانت تسترسل في الحديث عن هذه المشاعر والدمع يتلألأ في عينيها الجميلتين، ولا يوقفها عن المتابعة، الا عبارتي المفاجأة لها، عندما لا أعود أقوى على استيعاب حزنها:
– سأقول لأبي عنكِ عندما يعود، أنتِ بتحبيناش، إنتِ بتحبي أخوتكِ. كنت أقول عبارتي هذه بصوت يخنقه البكاء، لتتوقف والدتي عن الحديث وترحمني من تلال الحزن التي جثمت على صدري فخنقت أنفاسي.
حدثتني والدتي عن جمال عبد الناصر البطل عندما سألتها عن صورته المعلقة على الحائط، ولا أظنها كانت على إطلاع كبير بسيرة هذا العملاق، وإنما كان حديثها عنه عاطفيا، وعلى ما يبدو، هو الحديث الذي تناقله الناس فيما بينهم عن عبد الناصر بعد مماته في الثامن والعشرين من أيلول سنة 1970، أو الذي سمعته النساء من أفواه رجالها. علمتُ من والدتي أن هذا البطل قد ترك دنيانا قبل 4 سنوات، ولمحبة الناس له، وضعت معظم العائلات في الناصرة والقرى المحيطة بها صورًا له.
وشاءت الصدف أن يصطحبني والداي معهما، في ذات الأسبوع الذي حدثتني فيه والدتي عن عبد الناصر، لحضور حفل خطوبة لابنة أحد أصدقاء والدي في قرية الرينة. وهناك، لفتت انتباهي صورة الزعيم عبد الناصر المعلقة على الحائط خلف مصمدة العروس، أما الأمر الأغرب فهو دخول النساء من أهل العريس وهن يرقصن على أغنية تغنيها إحداهن وترددها النسوة وراءها. لم تكن كلمات الأغنية موجهة للعروس، بل كانت لأبي خالد، نعم، فقد كانت تصدح حناجر النساء بِ :
يا خسارة يا بو خالد ، لو راح عنك ميي، لو راح عنك ميي
مين يوقف في الميدان، ويستقبل الأهلية، ويستقبل الأهلية؟
يا خسارة يا بو خالد لو راح عنك مليون، لو راح عنك مليون
مين يوقف في الميدان ويستقبل ليفي اشكول، ويستقبل ليفي أشكول.
الى آخر الأغنية التي لم يعلق منها بذاكرتي، الا الذي كتبته آنفا. وبفضول طفلة في الخامسة من عمرها، أردتُ أن أعرف من هو أبو خالد؟ هل هو والد العروس أم هو والد العريس؟ فملتُ نحو والدتي وسألتها:
– مين أبو خالد؟ ولم أعرف حتى الآن، لماذا لم أسألها من هو ليفي اشكول؟ هل لأني استصعبت لفظ الاسم أم لجهلي بأن هذا اسم أصلا لشخص؟
وهمست والدتي في أذني، مجيبة عن سؤالي:
– أبو خالد هو عبد الناصر، مش قلتلك يما كل الناس بتحبو.
التعليقات مغلقة.