اليسار، دوره وموقعه في عالم عربي يتأسس من جديد (1-2)
** “إلتحاق ذَيلي”
تعايشت احزاب اليسار مع الأنظمة وراحت تبشّر بنظرية التطور اللارأسمالي السوفياتية، مما أدى ببعض الأحزاب الشيوعية الى الالتحاق الذيلي بأحزاب البرجوازية فأضعفت من خلال ذلك استقلاليتها وراحت تبحث عن مشاركه شكلية في السلطة عبر نائب هنا ووزير هناك في ظل مسميّات جبهة وطنية تقودها الاحزاب القومية الحاكمة. هذا الالتحاق أدّى الى إخراج الاحزاب الشيوعية، عدا البعض القليل منها، من دائرة التأثير والفعل الثوري المعارض والى اقتصار برامجها على رؤى إصلاحية، مما أفقدها الاثنين معاً، المعارضة والسلطة على السواء.
**خصائص ومهام
دون أدنى شك لا يخلو صراع في العالم من أن يكون أحد أسبابه الرئيسية صراعاً اجتماعياً- طبقياً وهو يصلح لكل بلد في العالم يقوم نظامه على استغلال الانسان للانسان. وما افتقدته برامج الاحزاب هو تحديد خصائص كل بلد وتحديد المهام النضالية المرحلية، الأمر الذي أدّى إلى القفز فوق الشروط والقوانين الموضوعية التي لا يمكن تحقيق الاهداف السياسية من دون إدراكها. خاصة وان ما تشهده الدول العربية من أحداث تتعدد فيه التناقضات بين الاستبداد والديمقراطية، وبين التحرر الوطني والهيمنة الاستعمارية، بين دولة القبائل والعائلات والدولة المدنية، وبين المشروع الوطني والمشروع الإسلامي- الإرهابي.
إذا كان اليسار العربي طيلة القرن الماضي قد فشل في تحقيق أهدافه وطموحاته وبقي خارج المواقع السلطوية، مستقبلاً القرن الجديد وهو على أزمة حادة فهل يقدر هذا اليسار على استعادة حضوره وحجز مكان قيادي له في مرحلة إعادة تأسيس عالم عربي جديد؟!
من غير الممكن التطرق الى هذا الموضوع دون المرور على تجربة اليسار في القرن الماضي. فالمنطقة العربية تدخل في مرحلة تحوّل كبير وحراك شعبي وسياسي غير مسبوق وإعلان ثورات وانتفاضات ما زالت تناضل من أجل تغيير الواقع القائم. هذه الأحداث تكشف عن واقع عربي تتغير ملامحه وتؤكد أن المنطقة مستمرة لفترة بعيدة على الصراعات والتدخلات الاجنبية الاستعمارية والحروب الاهلية، مرحلة تعكس بصورة جليّة الواقع العربي المتداعي بعد مرور قرن على تأسيسه يمكن تقسيمها الى مراحل ثلاث.
**المرحلة الاولى: مرحلة التأسيس
وهذه قد حصلت بعد الحرب العالمية الاولى التي أدت الى هزيمة العثمانيين الذين حكموا العالم العربي ما يقارب الأربعة قرون كان خلالها منقسماً بين ولايات وسناجق، فاقتسمه الاستعمار الانكليزي- الفرنسي استناداً الى اتفاقية سايكس- بيكو حيث بُنيت الدول ورُسمت حدودها الجغرافية على قاعدة الالتحاق والتبعية ووُضعت تحت سلطة الملوك والأمراء والإقطاع.
في ظل هذا الواقع وعلى وهج انتصارات ثورة اكتوبر الروسية تأسست الاحزاب اليسارية- الشيوعية العربية مترجمة النظرية الماركسية، وناقلة لها الى المجتمع العربي، مُسقطة بذلك نظرية ثورية متقدمة جداً تدعو الى التغيير الجذري، على واقع مُستعمَر ومتخلّف جداً في كافة المجالات، تسوده العلاقات الاقطاعية والتخلّف الاقتصادي وتعمّه الأميّة الشاملة، وبالتالي لم تتحول الماركسية بالممارسة الى حالة ثورية وخلق واقع ثوري في غياب الشروط الموضوعية والمكونات الحقيقية القادرة على القيام بثورات اجتماعية طبقية ، بقدر ما بقيت ضمن مهمات نضالية مطلبية.
وما ميّز تلك المرحلة سياسياً هو التحاق الاحزاب الشيوعية العربية بالمدرسة السوفياتية وتوجهاتها إما لقصور في طرح مسألة السلطة في بلدانها، وإما لخوف من اتهامها بالتحريفية كما حصل مع العديد من الأحزاب الشيوعية العالمية التي لم تنضو تحت لواء التعاليم السوفياتية وقراراتها السياسية. ومن تلك القرارات تأييد الاتحاد السوفياتي لانشاء كيان صهيوني على أراضي فلسطين، ما أدى بمعظم الشيوعيين العرب الى الالتزام بذلك القرار الذي بقي وصمة عار على مواقف الاحزاب العربية دفعت ثمنها طويلاً من الانفكاك الجماهيري عنها، كما أنها اتخذت مواقف معارضة لقيام وحدات عربية أو غير متماهية معها (في ظل شعور شعبي عربي عارم في تلك المرحلة)، سبقها غياب اهتمام جدي بالقضايا القومية في برامج الاحزاب، بينما تعايشت مع الأنظمة وراحت تبشّر بنظرية التطور اللارأسمالي السوفياتية، مما أدى ببعض الأحزاب الشيوعية الى الالتحاق الذيلي بأحزاب البرجوازية فأضعفت من خلال ذلك استقلاليتها وراحت تبحث عن مشاركه شكلية في السلطة عبر نائب هنا ووزير هناك في ظل مسميّات جبهة وطنية تقودها الاحزاب القومية الحاكمة. هذا الالتحاق أدّى الى إخراج الاحزاب الشيوعية، عدا البعض القليل منها، من دائرة التأثير والفعل الثوري المعارض والى اقتصار برامجها على رؤى إصلاحية، مما أفقدها الاثنين معاً، المعارضة والسلطة على السواء. وصل اليسار الشيوعي في نهاية القرن الى الازمة التي ما يزال يبحث عن حل لها بعد أن تعمقت بانهيار الاتحاد السوفياتي.
ورغم النهوض الكبير للفكر الماركسي بعد منتصف الخمسينات من القرن الماضي لم يترك هذا الفكر تأثيره الثوري في صفوف الجماهير الشعبية والعمالية بتثبيت وعي طبقي على الوعي الديني والعشائري رغم الجماهيرية الواسعة التي اكتسبتها تلك الاحزاب بفعل نضالها المطلبي.
بينما نرى بالمقارنة أحزاباً يسارية في اميركا اللاتينية، ولا سيما أيضاً بعد منتصف القرن الماضي، عرفت تطوراً غير مسبوق لماركسية أكثر التصاقاً بالواقع الاجتماعي وخارج الأحزاب الشيوعية التقليدية، واستمرت تلك الأحزاب اليسارية بتصاعدها واتساع جماهيريتها رغم انهيار الاتحاد السوفياتي ونجحت في تثبيت تجربة متميزة في فهمها وممارستها للديمقراطية على المستويين السياسي والاجتماعي.
**المرحلة الثانية: في مرحلة الاستقلال الوطني
بعد الحرب العالمية الثانية استطاعت دول عربية عديدة أن تستفيد من موازين القوى الدولية الجديدة ومن إنهاء النفوذ الاستعماري الفرنسي- الانكليزي، وفي ظلّ تحد كبير وخطير بإنشاء الكيان الصهيوني على أرض فلسطين، نشأ عالم عربي بقيادة سلطات عسكرية تمثل مصالح البرجوازية المتوسطة والصغيرة مدعومة من الاحزاب القومية منهية بذلك عهد الملوك والاقطاع في بلدانها، حاملة معها منظومة فكرية-ثقافية قائمة على شعارات تقدمية (وحدة-حرية- اشتراكية) متبنّية مهمة تحرير الأرض الفلسطينية. إلا أنّ هذه القوى سرعان ما سقطت بشعاراتها ومنظومتها الفكرية بعد حرب 1967 وهزيمتها أمام اسرائيل، فسقط معها شعار “الحل بالجيش”، وتحوّل همّ الحاكمين الأساس الى التمسك بالسلطة فتماهى الحاكم بالوطن وبالدولة عبر ديمقراطية 99,9% وهتافات الجماهير “بالروح، بالدم، نفديك يا….” وليس يا وطن، على قاعدة شعار لويس الرابع عشر “أنا الدولة والدولة أنا”.
لكن المفارقة هي أن الأخير كانت لديه دولة بينما لم يكن الأمر كذلك عند الحكام العرب، وأصبح مفهوم الأمن القومي معبِّراً عنه بأمن الرئيس وعائلته، وتحوّل المعارض للنظام بنظرهم الى معارض للوطن والدولة، وبالتالي وقع عليه اتهام الخيانة الوطنية وكان مصير المعارضين القبر أو السجن او النفي. وانتقل العالم العربي الى حالة غير مسبوقة من التبعية والارتهان السياسي والى التفكك وازدادت الخلافات بين الدول العربية وتهمشت الجامعة العربية وراح كل نظام يبحث عن كل ما يساعد على تأبيد الحاكمين في السلطة عبر الوراثة والفساد، ولم تعد القضايا القومية وخاصة القضية الفلسطينية تحظى بأيّ اهتمام فعلي لديهم، فتُركت فلسطين لأهلها وارتفعت اعلام إسرائيل في قلب عدة عواصم عربية.
وبالمقابل أدت التراكمات المتسارعة على المستوى الاقتصادي الاجتماعي عبر سياسة “الانفتاح” الى هيمنة كاملة للقوى الرأسمالية على مقدرات البلاد، وتركزت الثروات في يد طبقة رأسمالية محدودة وفي ايدي الحاكمين وعائلاتهم، مما أدى الى تعميق الأزمة المعيشية للمواطنين، وبالتالي إلى تشديد قبضة القمع لضبط أيّ تحرّك واعتراض شعبي، وكان من نتيجة ذلك انفصام بين الأنظمة وشعوبها التي باتت مهيّأة للتجاوب مع أيّة دعوة ترى فيها انقاذاً لها من الفقر والعوز والتسلّط، وهذا ما ظهر في الاستجابة السريعة وغير المتوقعة لدعوة مجموعات من الشباب عبر وسائل التواصل الاجتماعي للمشاركة في الانتفاضات والثورات الشعبية. وقد شكلت حرب الخليج الاولى إعلاناً عن نهاية المرحلة الثانية.
**المرحلة الثالثة، الراهنة
وهي مرحلة “بناء عالم عربي جديد” تحت مسمى “مشروع الشرق الاوسط الجديد”. كان التمهيد لهذا المشروع في حرب “تحرير الكويت” التي قال عنها بوش الأب “لسنا امام تحرير دولة صغيرة من سيطرة دولة أقوى منها، إننا أمام بناء نظام عالمي جديد”. وشكلت أحداث 11 أيلول مقدمة لغزو العراق عام 2003 حين وضع المشروع الاميركي موضع التنفيذ المباشر وأعلن بوش الابن شعاره “من ليس معنا فهو ضدنا ولا مواقف رمادية للدول بعد اليوم”. وكانت المراهنة الأساسية على الحرب الاسرائيلية على لبنان عام 2006 لتدمير المقاومة، إذ صرّحت حينها وزيرة الخارجية الاميركية كونداليزا رايس بأن “على نتائج هذه الحرب سيُبنى مشروع الشرق الاوسط الجديد”، واستكمل أوباما هذا النهج بخطاب له في جامعة القاهرة أعلن فيه أن الحليف القادم لأميركا في الشرق الاوسط هم “الجماعات الإسلامية السلفية”.
في ظل هذا الواقع العربي المريض والمتداعي لم يقتصر وضع المنطقة على المشروع الاميركي- الصهيوني وحده، بل على ضفافه ظهر مشروعان آخران هما المشروع الإيراني حيث الفرصة التاريخية لتَمدّد إيران في المنطقة مستفيدة من جوهر المشروع الاميركي القائم على تفتيت وتقسيم الدول العربية الى دويلات مذهبية وإثنية. فالحاجة الأمنية والاقتصادية دفعت بإيران الى موقف يرفض الهيمنة الاميركية والصهيونية والى أن تكون طرفاً أساسياً في المنطقة عبر التواجد الشيعي في كل من العراق وسوريا ولبنان والبحرين واليمن والسعودية الخ….
والمشروع الآخر هو المشروع التركي القائم على حلم استعادة الخلافة الاسلامية بعدما رُفض طلب تركيا الانضمام الى الاتحاد الاوروبي فراحت تسعى لإقامة تكتل من دول إسلامية أسوة بتكتلات الدول التي نشأت في العالم.
أمام هذه المشاريع تحولت المنطقة العربية الى ساحة مفتوحة للحروب وللتدخلات الاجنبية يسودها ويتمظهر فيها الفكر الاسلامي السياسي وشعار “الحل بالإسلام” في ظل ضعف ومأزق الاحزاب القومية واليسارية على السواء. ولم تتوان القوى السياسية ذات الطابع الديني في الانخراط عملياً منذ وصولها الى السلطة في المشاريع المطروحة المدعومة من الرجعية العربية ومال النفط العربي. وهذه المشاريع واجهتها صعوبات كبيرة منذ هزيمة اسرائيل في عام 2006 وانسحاب اميركا مجبرة من العراق والسقوط السريع لحلفائها الاسلاميين من السلطات مما اضطرها الى خلق تنظيمات ارهابية سلفية فتحت لها الباب للعودة مجدداً الى المنطقة بالقوة العسكرية وبطلب عربي هذه المرة للقضاء على ما يسمّى “داعش واخواتها”. لكنّ المشروع الاميركي نفسه استطاع أن ينشر الفوضى والاقتتال الداخلي وإثارة الصراعات الطائفية والمذهبية والاثنية وأسس لقيام فيدراليات ما يشير الى ان المنطقة مرشحة الى فترة طويلة من الصراعات والحروب والتدمير.
ومن الاهمية بمكان ما حصل من ثورات بشكل أساسي في كل من تونس ومصر عبر نزول الملايين من الجماهير الى الشوارع. وكي لا نقع في الأوهام، لم تحصل بعد تحولات ذات طبيعة ثورية. فالانتفاضات والثورات ما زالت تدور في الاطار الدائري وليس التصاعدي، وهي ما زالت لديها ميول تصالحية بسبب غياب فاعليه القوى اليسارية فيها. وآخر تعبيرات ذلك شهدناه بعودة الشعب المصري الى الوقوف وراء الجيش اعتراضاً على محاولات الإسلاميين تحويل مصر الى دولة دينية وحجبت اصواتها عن حمدين صباحي وعن برنامجه “الطبقي”. وبموازاة ذلك أعادت الانتخابات الاخيرة في تونس اليمين الليبيرالي الى سدة الحكم وهذا ما يؤكد من جديد، أن لا ثورة شعبية ناجحة دون برنامج ثوري وقيادة ثورية. وما الشعار الذي رفعته الجماهير “الشعب يريد اسقاط النظام” الذي شارك فيه الليبيرالي واليساري والاسلامي سوى المدخل الى فتح الباب أمام صراع اجتماعي حاد يتحدد من خلاله طبيعة النظام الاقتصادي والاجتماعي في المرحلة المقبلة.
فأين اليسار العربي من الأحداث الدائرة وما مشروعه للمرحلة المقبلة؟
** أمام حال من الضياع والفراغ
يُجمع اليسار العربي تقريباً على أن حركة التحرر الوطني العربية انتهت الى فشل كان من نتيجته سقوط منظومة الأفكار والشعارات التي رفعتها السلطات العسكرية العربية والأحزاب القومية. وفي المقابل ينبغي أن يعترف هذا اليسار أيضاً بأن مشروعه التغييري قد انتهى الى مأزق، وعلى هذا المأزق تقدم الإسلام السياسي ورفع شعار “الحل بالإسلام”، وعلى هذا الواقع المهزوم لحركة التحرر الوطني طُرح مشروع الشرق الأوسط الجديد.
إن اليسار العربي في اللحظة الراهنة أمام أمّة عربية ومجتمع عربي في حال من الضياع والفراغ لم يسبق لهما مثيل. فلا قائد “ملهم”، ولا أحزاب بديلة مؤهلة، ولا مرجعية وازنة وقادرة على ضبط ما يحصل من أحداث وحروب ومتغيرات قد تطيح بدول او تغيّر حدوداً، وربما تقتلع شعوباً من اوطانها. واذا سلّمنا بأن النظام العربي السابق قد سقط فإنّ ملامح النظام الجديد ما زالت مجهولة.
يقول غرامشي: “عندما يموت العالم القديم ولم يولد الجديد يظهر في الظلمة بينهما أشباح الوحوش”.
والنظام العربي المنهار فشل في بناء دولة عربية حديثة وبقيت الدول كيانات مفتقدة الى المرتكزات الأساسية التي يحتاجها نشوء الدول. وهذا ما تبيّن بوضوح لحظة سقوط أنظمة الاستبداد إذ أنّ القاعدة الاجتماعية ما زالت قائمة على القبيلة والعشيرة والطائفية والاثنية وتلك هي اتفاقية ودولة سايكس- بيكو. لذا فاليسار العربي بحاجة الى إعادة تقويم للمرحلة الماضية لأن مهمته في الوقت الراهن قد تكون أصعب من السابق وأكثر تعقيداً بسبب تشابك التطور الصناعي والتكنولوجي والعلمي مع واقع القوى المنتجة، وهو ما توقعه ماركس من تقدم سيشمل جميع مناحي الحياة من وسائل المعرفة والاتصالات والآلة، ممّا يؤدي الى تفاقم الاستغلال من قبل رأس المال وتزايد الفقر والبطالة والاستعباد للفئات الشعبية والتفاوت الكبير في الثروة بين الطبقات الاجتماعية.
إن الخشية أمام هذا التطور تكمن في أن يقع اليسار مرة أخرى في حرق المراحل أو في فصل الصراع الاجتماعي عن الصراع الوطني والقومي. ومن المكابرة عدم الاعتراف بذلك. وإلا ما معنى أن تبقى أحزاب اليسار الماركسي العربي حوالي قرن بكامله لم يتحقق لأيّ منها اهدافه السياسية رغم ما اكتسبت تلك الاحزاب من تأييد جماهيري واسع في بلدانها. وما نقرأه مجدداً في وثائق غالبية الاحزاب ما يزال يعتمد على تحديد التناقض الراهن والمرحلي بين الطبقة العاملة وبين القوى الرأسمالية – هل هذا التحديد يعبّر عن حقيقة الصراع الدائر اليوم في العدد الاكبر من الدول العربية؟ – ودون أدنى شك لا يخلو صراع في العالم من أن يكون أحد أسبابه الرئيسية صراعاً اجتماعياً- طبقياً لكن هذا التحديد ساد منذ تأسيس الاحزاب الشيوعية العربية وهو يصلح لكل بلد في العالم يقوم نظامه على استغلال الانسان للانسان. وما افتقدته برامج الاحزاب هو تحديد خصائص كل بلد وتحديد المهام النضالية المرحلية، الأمر الذي أدّى إلى القفز فوق الشروط والقوانين الموضوعية التي لا يمكن تحقيق الاهداف السياسية من دون إدراكها. خاصة وان ما تشهده الدول العربية من أحداث تتعدد فيه التناقضات بين الاستبداد والديمقراطية، وبين التحرر الوطني والهيمنة الاستعمارية، بين دولة القبائل والعائلات والدولة المدنية، وبين المشروع الوطني والمشروع الإسلامي- الإرهابي. هذه التناقضات جميعها تتطلب مهام ذات طبيعة مجتمعية لا يمكن حصرها بحزب واحد او بطبقة اجتماعية بعينها، لأن الصراع الدائر بشكله الرئيسي الراهن هو بين الطموحات الشعبية وحقوقها الاجتماعية والسياسية والسيادية من جهة وبين المشاريع التي تنطوي على تقسيم وتفتيت الدول العربية الى دويلات وفيدراليات مذهبية واتنية وأنظمة رأسمالية تابعة. (يتبع حلقة ثانية)
التعليقات مغلقة.