سورية .. ما بعد مرحلة الإنتصار ..

الأربعاء 10/1/2018 م …




محمد شريف الجيوسي –

بعد الإنكسارات والهزائم يطفوا على السطح ( من في قلوبهم مرض ) من منظري ومبرري هزائم ومنافقين وإنتهازيين ومروجي إشاعات وتجار حرب وبشر وتبييض عملة ومهربي مخدرات وجبناء وهاربين من يد العدالة وخونة وسماسرة أوطان ودعاة فتن وتكفير وانقسامات إثنية وتدين كاذب طائفي ومذهبي تكفيري متعصب متشنج.

وأغلب من سبق سيجد بين النصوص الدينية التي تستيقظ فجأة من سباتها لتعميق الشقة بين أبناء الوطن الواحد (أي وطن) ولا بأس من العودة أيضا الى ما سلف من النصوص التاريخية والميثولوجيا ، وهي النصوص التي لا خلاف عليها كنصوص مجردة ، ولكن الاختلاف في الفهم للنصوص وفي تطبيق المفاهيم ، ولكل ممن سلف وغيرهم حتى الأسوياء من غيرهم فهمه المختلف للنصوص ، ولطريقة تطبيق المفاهيم .

بعد الإنكسارات يظهر اولئك ، وينتسى الشهداء والجرحى والمشردون وإسرهم ..

وما يحدث بعد الإنكسارات، يَحدثُ شِبهه بعد الإنتصارات ( وهي معادلة عامة لا تقتصر على دولة أو شعب) حيث يكثر المنافقون والإنتهازيون وتجار الإنتصارات والمنظرون المزيفون وحاملو الطبول والمباخر والطامعون في حصة من كعكة الإنتصار،  كما يظهر الذين كانوا في الجحور ويكثر انتهازيو المناسبات حتى من كان منهم طافياً أثناء الحرب، كما يظهر كتبة التقارير ضد المناضلين، وينتسى الشهداء والجرحي وأسرهم في زحمة القوانين البروقراطية وصعود الإنتهازيين واختفاء الشرفاء الذين لم يقوموا بواجباتهم لأجل الظهور..

والآن وسورية توشك على تحقيق الإنتصارالمظفر الناجز، على العصابات الإرهابية وداعميها ، فهي معنية بمواجهة مرحلة ما بعد الإنتصار،ليس فقط بـ (إعادة البناء) للبنى التحتية والمساكن والمصانع واستعادة الزراعة والسياحة والمستخرجات الأحفورية لأوضاعها ، الخ وإنما أيضا، مواجهة تلك الشرائح المنافقة الإنتهازية، وما زرعته العصابات الإرهابية من غرس خبيث في العقول والنفوس بين أبناء الشعب الواحد.

قلت سابقاً أكثر من مرة ، أن سورية منتصرة وان الرخ السوري سيفرد جناحيه على المنطقة ، وما زلت أقول يقينا ، أن سورية لن تعود فحسب إلى ما كانت عليه قبل الحرب الإرهابية عليها ، ولكن بدور إقليمي ، يعلم أعداؤها والأصدقاء والرماديون أنه قادم، وأن موازين القوى الإقليمية والدولية متعلقة بهذا الإنتصار والدور .

ومن هنا فإن رصيد القوى المنهزمة المعادية لسورية وللتغيير والعدل والأمن والإستقرار في العالم، يتوقف على ما ستفرزه حالة ما بعد الإنتصار من ( صعود المنافقين والإنتهازيين وتجار الإنتصارات والمنظرين المزيفين وحملة الطبول والمباخر والطامعين في حصة من كعكة الإنتصار، وعلى من كانوا في الجحور وانتهازيي المناسبات السابقين وكتبة التقارير ضد المناضلين، واعتماداً على البروقراطية ) التي تُنسى أسر الشهداء والجرحى ولا تكافيء المناضلين ومن أبلوا أثناء الحرب .

وبهذا المعنى ستكون سورية أمام نوع من الحرب الباردة ، تتوزع على 3 فئات، الأولى الجماعات المشار إليها، وهي الأشد خطراً،فهي ستعمل على ان تكون جزءاً من النظام السياسي السوري واختراقه ، والثانية الدول والجهات الخارجية الممولة والمنسقة للفئة الأولى، وهذه بحكم هزيمتها غير قادرة على فعل مباشر يذكر إلا من خلال الفئة الأولى ،والفئة الثالثة هي الخلايا النائمة من بقايا العصابات الإرهابية،وربما تكون الأقل خطراً، حيث ستندثر مع مرور الوقت وتتحول إلى جزيئيات مجهرية لا فعالية لها تذكر..

قد تكون الحالة السورية أشد تعقيداً من مجرد دولة (منهزمة) أو مجرد دولة منتصرة .. فسورية التي أحدث الإرهاب الدولي فيها فترة ما أحدث من تدمير وسيطرة على مناطق واسعة منها وسرق ودمر من موارد وارتكب من قتل وتهجير داخلي وخارجي للملايين وزرع للسموم في النفوس والعقول ، هو نوع من ( الإنكسار) لكنه إنكسار لم يدم زخمه طويلاً .. فاستعادت الدولة الوطنية السورية زمام المبادرة بمساعدة أصدقائها ووعي شعبها وبطولات جيشها، وإرادة وحكمة قيادتها ، بمواجهة تحالف عدواني إرهابي دولي واسع .

إن مساعدة أصدقاء سورية لها في الحرب،ستكون غيرها بعدها، حيث سيكون الإعتماد على الذات أكبر ، لا اقصد على صعيد إعادة البناء المجرد ( من بنى تحتية ومدن ومصانع وموارد الخ ) وإنما على صعيد الحيلولة دون اختراق ( الفئات الـ الثلاث للدولة الوطنية السورية والإستيلاء عليها من داخلها وتحقيق ما لم تحققه في الحرب ) .

بكلمات، أخال سورية ؛ الدولة الوطنية بقيادتها الراهنة ، وبكل مفاصل إنتصارها كافة ، معنية منفردة ، بالإستعداد لمواجهات ذات طبيعة جديدة ، أشد تعقيداً ودقة وحساسية ، تحفظ وجهها العروبي القومي الإشتراكي الوحدوي ولحمتها الوطنية المتماسكة، واجتراح الآليات والأساليب والوسائل لتحقيق كل ذلك واستكمال نسيج دورها الإقليمي بيقين المنتصر الواثق .

[email protected]  

نقلاً عن ورقية وموقع البناء اللبنانية ليوم الأربعاء 10 كانون ثاني 2018

 

قد يعجبك ايضا

التعليقات مغلقة.