الكويت الجديدة برؤية تقدمية / أحمد الديين
احمد الديّين* ( الكويت ) الخميس 11/1/2018 م …
* كاتب يساري كويتي …
كلمة الاستاذ أحمد الديين الأمين العام للحركة التقدمية الكويتية في ندوة: الكويت الجديدة برؤية تقدمية
الكويت الجديدة ليست مجرد حلم، بل هي حاجة ملحة وضرورة موضوعية… الكويت الجديدة هي البديل الوطني والديمقراطي والاستراتيجي الذي يجب أن نعمل من أجل تحقيقه إذا أردنا تجاوز الوضع القائم الذي آلت إليه الكويت اليوم وذلك جراء تحكم مصالح القوى الطفيلية في مختلف مفاصل الدولة وهيمنتها على مراكز القرار السياسي والاقتصادي والتشريعي والتنفيذي، وما صاحب ذلك التحكم وتلك الهيمنة من نهب منظم ومتواصل لموارد البلاد؛ وفساد مستشر في جميع قطاعاتها؛ وتعطيل مقصود لخياراتها التنموية، وتهميش متعمد لقواها المنتجة وتحديداً لقوى العمل الوطنية، وتكريس لتخلف النظام التعليمي، وذلك بالترافق على المستوى السياسي مع الانفراد بالسلطة والتضييق على الحريات والعبث في النظام الانتخابي وتشويه الممارسة البرلمانية وسوء الإدارة السياسية للدولة وعدم كفاءة إدارتها العامة.
مَنْ المسؤول؟
علينا قبل طرح البديل، أن نحدد الأطراف المسؤولة عما إليه وضع الكويت الراهن… إذ أنه في ظل اقتصاد ريعي يقوم بدور وظيفي متخلف في إطار التقسيم الدولي للعمل ضمن النظام الرأسمالي الإمبريالي فإنّ السطوة السياسية ستكون بالضرورة في أيدي القوى المرتبطة بالنظام الرأسمالي الإمبريالي العالمي من شيوخ متنفذين، وطغمة مالية، وكبار الوكلاء التجاريين، وكبار الملاكين العقاريين، والبرجوازية البيروقراطية الطفيلية من كبار المتنفذين في الجهاز الإداري للدولة، وهؤلاء لا مصلحة تربطهم بالبناء الوطني ولا بالعمل المنتج وبتصنيع النفط بدلاً من تصديره كمادة خام ولا صلة لهم بتحديث الدولة وتحقيق التنمية، وذلك ما داموا قادرين على الاستيلاء على الجزء الأكبر من الثروة الوطنية عبر النشاطات الطفيلية والتنفيع، حيث أن سياسة توزيع الثروة والدخل الوطني موجهة بالأساس وفق مصالحهم… ويكفي دليلاً على ذلك أن نتذكر أنّ هذه القوى عندما استأثرت بالسلطة على نحو مطلق في ظل الانقلاب الأول على الدستور في النصف الثاني من السبعينات وبداية الثمانينات قد خلقت لنا أكبر عملية نهب مضاربية عبر “سوق المناخ”، التي انفجرت عندما عجز المضاربون عن السداد، وقد بلغ عدد الشيكات والمعاملات 28815 شيكاً آجلاً قيمتها حوالي 26,7 مليار دينار كويتي، وأُجبرت الدولة على التدخل عن طريق إنشاء صندوق برأسمال قيمته خمسمئة مليون دينار لضمان حقوق الدائنين نقداً أو بموجب سندات صادرة عنه، ثم تمت زيادته في عام 1988 بمبلغ آخر هو 670 مليون دينار كويتي.
وكذلك هي الحال عندما عندما استأثرت هذه القوى الطفيلية المتنفذة بالسلطة بشكل مطلق في الانقلاب الثاني على الدستور في النصف الثاني من الثمانينات وبداية التسعينات فقد أنجزت أكبر عمليات سرقة واختلاسات للاستثمارات الخارجية وناقلات النفط، ولم تحقق في ظل انفرادها بالسلطة المطلقة أي تطور تنموي للبلاد.
لقد كرست هذه القوى الطفيلية المتنفذة عن عمد هيمنة القطاعات غير الانتاجية كالعقار والمضاربة على النشاط الاقتصادي، كما أعاقت عن قصد هذه القوى الطفيلية المتنفذة تطور القوى المنتجة المادية والبشرية، ويكفينا أن نضرب مثالاً على ذلك بتعمد تهميش قوى العمل الوطنية في القطاع النفطي منذ أواسط ثمانينات القرن الماضي عبر تلزيم معظم أعمال ذلك القطاع لشركات المقاولات التي تستعين بالعمالة الوافدة الهامشية وتخضعها لأبشع أنواع الاستغلال، وذلك بهدف منع تشكّل طبقة عاملة صناعية كويتية قوية.
وساهمت هذه القوى بحكم طبيعتها الطفيلية غير المرتبطة بالبناء الوطني وتطوير القوى المنتجة في تخلف التعليم، الذي لا تعيره أدنى اهتمام، بحيث انحدر تراجع ترتيب الكويت في مؤشر جودة التعليم الأساسي ضمن بين دول العالم من المرتبة 93 في 2013 إلى المرتبة 103 في العام 2016، وتراجع مؤشر التعليم العالي والتدريب في الكويت ضمن مؤشرات التنافسية العالمية من المرتبة 82 ضمن دول العالم في 2012/2013 إلى المرتبة 94 قي العام 2016/2017.
وهذه القوى الاجتماعية الطفيلية تحديداً هي المسؤولة عن النهب المنظم لموارد الدولة، ويمثل الفساد جزءاً بنيوياً منها وليس مجرد سلوك فردي، حيث تراجعت درجات الكويت ضمن مؤشر مدركات الفساد العالمي من 5.3 من عشر درجات في 2003 إلى 4.53 من عشر درجات في العام 2016.
وبحكم مصالحها المتعارضة مع غالبية المجتمع، فإنّ القوى الطفيلية المتنفذة ذات طبيعة رجعية معادية للديمقراطية، وهي التي وقفت وراء الانقلابات المتكررة على الدستور في 1976 و1986، وعطلت التطور الديمقراطي ومنعت وجود حياة سياسية فاعلة ومنظمة، وأفسدت الحياة السياسية عبر أشكال مختلفة، مثلما حدث ويحدث منذ العام 1963 وإلى يومنا هذا، حيث لا نزال نقف في المربع الأول نفسه الذي كانت تقف عليه الكويت في 1962 وهو ضرورة الالتزام بدستور الحد الأدنى والعمل على تطبيقه بعد أكثر من ستة وخمسين عاماً على إعلان ذلك، إذ جرى تكريس مشروع سلطة المشيخة والانفراد بالقرار وتم إفراغ دستور الحد الأدنى من معظم مضامينه الديمقراطية.
باختصار إنّ النهج القائم الذي تسيّر على أساسه الأمور في بلادنا هو الذي قاد الكويت إلى الوضع الذي آلت إليه اليوم، وذلك جراء تحكم المصالح الضيقة للقوى الطفيلية المتنفذة.
مَنْ هي القوى الاجتماعية المتضررة من النهج القائم؟
إنّهم الغالبية الساحقة من المجتمع من عمال وصغار موظفين وأصحاب مهن وكذلك رجال أعمال مرتبطين بالسوق المحلية وبالانتاج الوطني لا مصلحة لها في هذا الوضع القائم، بل أنهم متضررون منه سواء مباشرة على المدى القريب أو على المديين المتوسط والبعيد، ذلك أن مصلحة الغالبية الساحقة من المجتمع إنما تكمن في كويت جديدة هي كويت التنمية والتحديث والتقدم والتطور الوطني والديمقراطية والعدالة الاجتماعية.
كيف يمكن بناء الكويت الجديدة؟
لا يمكن تجاوز هذا الوضع القائم بكل سلبياته وعلله إلا بعملية تصحيح، بل عملية تغيير تقودنا نحو الكويت الجديدة… ومثل هذا التصحيح للوضع القائم وتحقيق البديل المتمثل في الكويت الجديدة لا يمكن أن تقوده الأطراف ذاتها التي ساهمت في خلقه، بل أن هذه القوى لا تزال مستفيدة من بقائه على حاله، فهي بالتالي جزء من المشكلة ولا يمكن أن تكون هي في الوقت ذاته جزءاً من الحل… كما لا يمكن أن يتم هذا التصحيح والتغيير نحو الكويت الجديدة عبر دور منفرد يقوم به شخص واحد أياً كان موقعه ومهما كان إخلاصه وتفانيه، وذلك بمعزل عن مشاركة المجتمع، وتحديداً مشاركة القوى الاجتماعية المتضررة من الوضع القائم التي هي صاحبة المصلحة في تصحيحه وتغييره… وكذلك لا يمكن أن يتم التصحيح والتغيير على نحو متسق مع مصلحة غالبية المجتمع عبر آليات غير ديمقراطية وغير شفافة وغير خاضعة للمساءلة والمحاسبة والرقابة الشعبية والدستورية.
ما هو المدخل الأول للتصحيح والتغيير؟
ليكن واضحاً أنّ المدخل الأول للتصحيح والتغيير، بل المدخل الأول للتنمية هو المدخل السياسي، ذلك أن التصحيح والتغيير في الاقتصاد أو في التعليم أو على مستوى التشريع يتطلب أولاً ألا ينحصر القرار السياسي بأيدي القلة التي تمثّل القوى الاجتماعية المتنفذة، بل يفترض أن تكون هناك مشاركة شعبية حقيقية في عملية اتخاذ القرار السياسي، أي أن يكون القرار السياسي قراراً ديمقراطياً، وأن تكون الإدارة السياسية للدولة معبرة عن مصالح أوسع الفئات الشعبية في المجتمع وليست ممثلة لمصالح قلة محدودة من كبار المتنفذين، وبالطبع المطلوب لتحقيق ذلك أي لتعبئة طاقات المجتمع وموارد البلاد في عملية التنمية أن تكون الإدارة السياسية للدولة إدارة تقودها عناصر كفؤة ونظيفة، وليست إدارة سياسية مترهلة ومحتكرة وفاسدة… وهذا يتطلب في حده الأدنى إطلاق الحريات العامة والالتزام بالدستور، والالتزام الجاد بسيادة القانون، وعدم الانفراد بالقرار، وإطلاق الحريات… أي باختصار فإن الإصلاح السياسي الديمقراطي هو مدخل التصحيح والتغيير المنشود للنهوض بالكويت ولبناء الكويت الجديدة، وهذا ما يتطلب بداية انفراجاً في الحياة السياسية، ووجود حياة حزبية منظمة، والانتقال من العمل الفردي على المستويات الانتخابية والبرلمانية إلى العمل السياسي المنظم والجماعي، وأن يكون النظام الانتخابي ديمقراطياً، وأن يكون هناك تداول ديمقراطي للسلطة التنفيذية، أي أن يكون هناك نظام ديمقراطي برلماني مكتمل الأركان بديلاً عن محاولة العودة إلى سلطة المشيخة، فالتنمية تتطلب تحديثاً وتقدماً ولا يمكن أن يتناسب التحديث والتقدم مع اتخاذ القرار السياسي وفق الآليات التقليدية السابقة لوجود الدولة الحديثة، وعليه فإذا أردنا أن تكون هناك كويت جديدة فيجب أن يعاد الاعتبار مجدداً إلى مشروع بناء الدولة الكويتية الحديثة الديمقراطية المدنية، التي تكون فيها الأمة حقاً وفعلاً لا قولاً مصدر السلطات جميعاً.
أي تنمية نريد؟
التنمية في بلد كالكويت يعتمد على مورد وحيد وناضب ومتذبذب الأسعار ليست ترفاً فكرياً، ولا هي خيار من بين خيارات، وإنما هي قضية حياة أو موت، هي قضية مصيرية، يتعلق بها مصير البلد ومصير الأجيال المقبلة ومستقبل الكويت.
وعندما نتحدث عن التنمية، التي تستهدف بناء الكويت الجديدة، فنحن لا نتحدث عن تنمية اقتصادية فحسب، بل لقد تخلى العالم عن المفهوم القاصر الذي كان يحصر التنمية في الجانب الاقتصادي وحده وفي تنمية الثروة المادية وحدها، وإنما نقصد بالتنمية التنمية الإنسانية، التنمية التي يكون هدفها الإنسان ومحورها الإنسان… التنمية الإنسانية التي تعني عملية توسيع الخيارات المتاحة أمام الإنسان، أي توفير المزيد من البدائل أمام الناس وتحسين نوعية حياتهم ورفع كفاءاتهم وضمان حقوقهم وحرياتهم، ، التنمية الإنسانية تعني تعبئة الناس بهدف زيادة قدراتهم على التحكم بمصائرهم ومستقبلهم ، التنمية الإنسانية معناها الاستثمار في قدرات البشر، سواء في التعليم أو الصحة أو المهارات حتى يكونوا منتجين وخلاقين، وبالطبع فإنّ التنمية الإنسانية تعني كفالة توزيع عوائد النمو الاقتصادي الذي تحققه الدولة توزيعاً عادلاً.
أما ما لدينا في الكويت فليس تنمية، حيث نجد أن خطط التنمية هي في الغالب خطط تقدم سرداً لقائمة من المشروعات المطلوب تنفيذها وتجميعاً حسابياً للميزانيات السنوية على مدى زمني محدد، ورصداً للتكاليف المالية للعقود والمناقصات المتصلة بها… وكفى الله المؤمنين شر القتال!
وكما هو معروف فإنه خلال الخطط التنموية السابقة والحالية جرى تحديد نسب وأرقام مستهدفة، ومعظمها لم يتحقق باعتراف التقارير الحكومية نفسها، وأبرز مثال على ذلك زيادة نسبة المواطنين إلى إجمالي عدد السكان وزيادة نسبة المواطنين العاملين في القطاع الخاص، حيث فشلت خطة التنمية في تحقيق ذلك، بل لقد انخفضت نسبة المواطنين أكثر مما كانت عليه إلى إجمالي عدد السكان ونسبة العاملين منهم في القطاع الخاص بين سنة بدء الخطة وسنة الانتهاء… كما تم إنشاء العديد من المشروعات وشق الطرق وإقامة الجسور وبناء المنشآت، وهي بالتأكيد مشروعات تحتاجها البلد، ولكن السؤال كم عدد العاملين والفنيين والمهندسين الكويتيين الذين جرى تشغيلهم لتنفيذ هذه المشروعات، وما الخبرات العملية والمهارات التي اكتسبها الشباب الكويتي من وراء تنفيذ شركات المقاولات لهذه المشروعات والطرق والجسور والمنشآت ما دامت هذه الشركات لا تشغّل العمالة الوطنية؟
الجواب معروف… والاستنتاج معروف… لا شيء من ذلك على الإطلاق… فهل نسمي هذه تنمية؟!
وكذلك الحال في مشروع ما يسمى “مشروع استغلال الجزر الكويتية الشرقية الحرة” الذي اصطلح على تسميته أحياناً بمشروع “تطوير الجزر ومدينة الحرير”… فنحن بالتأكيد مع أي مشروع تنموي من شأنه النهوض بالكويت، ونحن بالتأكيد ندعم أي توجه يستهدف الاستفادة من موقع الكويت وإمكاناتها في أي مشروع تنموي، ونؤيد أي توجه لاستعادة دور الكويت التاريخي كميناء نشط وكمركز تجاري يخدم منطقة شمالي الخليج، ونحن مع أن تكون الكويت نقطة اتصال في خطوط المواصلات الدولية أو للربط القاري، بل سيكون مفيداً أن يتم ربط هذا المشروع بالمشروع الصيني العظيم المسمى “الطريق والحزام” أو “طريق الحرير الجديد” أو “طريق الحزام الاقتصادي لطريق الحرير، وطريق الحرير البحري لقرن ال 21” الذي يشمل تشييد شبكات من الطرق وسكك الحديد وأنابيب النفط والغاز وخطوط الطاقة الكهربائية ومختلف البنى التحتية الذي طرحته الصين… كل هذا نتفهمه وندعمه، ولكن هناك فرقاً كبيراً بين هذا وبين ما طرح حول مشروع استغلال الجزر، الذي لم يتضح بعد ما هي عوائده الفعلية للدولة؟ وكيف يمكن أن تتحقق؟ عن طريق الضرائب على دخول الشركات المستثمرة؟ أم أنها ستعفى منها بحجة تشجيع الاستثمار؟ …وما هي طبيعة فرص العمل التي سيوفرها مثل هذا المشروع؟ هل سيكون هناك توجه لاستخدام قوى العمل الكويتية والاعتماد عليها وتدريبها؟ أم هو مشروع لاستقدام عشرات بل مئات الآلاف من العمالة الوافدة الجديدة في مجال الخدمات السياحية والترفيهية؟
إن الإجابة عن هذه الأسئلة المستحقة هي الأساس لإقناع الرأي العام ولتقييم المشروع بوصفه مشروعاً تنموياً يمكن أن يوفر بدائل عن الاعتماد على مورد وحيد وناضب، أو كشف حقيقة أن المستفيد منه هم أصحاب الشركات الأجنبية والمحلية التي سيوكل لها تنفيذ هذا المشروع السياحي الترفيهي.
ما هي ملامح المشروع التنموي لبناء الكويت الجديدة؟
إنّ الكويت الجديدة تحتاج بالأساس إلى مشروع تنموي وطني ديمقراطي تحديثي، ومثل هذا المشروع بالضرورة ينطلق من الواقع والإمكانات المتاحة والفرص الممكنة، فنحن بلد نفطي، ولكن حان الوقت للتوسع في الصناعة النفطية وليس في الاستخراج وتصدير النفط الخام، بحيث يتم تطوير القوى المنتجة بشرياً ومادياً في مجالات التكرير والمشتقات النفطية والبتروكيماويات والصناعات المعتمدة عليها… والكويت بحكم موقعها ودورها التاريخي كانت ميناء نشطاً ومركزاً تجارياً في منطقة شمالي الخليج، ويمكن استعادة هذا الدور… والجزر الكويتية يمكن استثمارها تنموياً ولكن في إطار دستوري أولاً، وبما يوفر عوائد فعلية مجدية للدولة ثانياً، وبما يوفر فرص عمل للشباب الكويتي ثالثاً… والمشروع التنموي يتطلب نهوضاً بالتعليم يبدأ بإصلاحه… والمشروع التنموي يتطلب وقف النهب المنظم لمقدرات الدولة، وليس فقط محاربة الفساد بمعناه العام المتمثل في استغلال النفوذ، فلا يمكن أن تكون هناك تنمية في ظل الفساد… والمشروع التنموي يتطلب توفير موارد لتمويل ميزانية الدولة عبر الضرائب التصاعدية على الدخول الكبيرة، وهي أعدل أنواع الضرائب، وليس عبر الضرائب غير المباشرة وغير العادلة اجتماعياً مثل ضريبة القيمة المضافة… المشروع التنموي يتطلب أن يقوم القطاع الخاص بمسؤوليته الاجتماعية في توفير فرص عمل للشباب الكويتي، وليس أن يواصل تراكم أرباحه عبر استغلاله البشع للعمالة الوافدة المحرومة من أبسط الحقوق… المشروع التنموي يتطلب أن يتحمل القطاع الخاص خياراته الاستثمارية، ولا يحمّل الدولة عواقب خسائره وسوء إدارته… المشروع التنموي في بلد كالكويت يتطلب تعزيز دور القطاع العام بوصفه القائد الفعلي لقاطرة التنمية الذي يقدم الكهرباء والماء والصناعة النفطية وخبز المطاحن والدقيق وخدمات التعليم والصحة، والمطلوب لتعزيز دوره تخليصه من الفساد والبيروقراطية والروتين وليس تصفيته وخصخصته لصالح كبار الرأسماليين، أما القطاع الخاص الاستحواذي والمعتاش على مناقصات وعقود الإنفاق الحكومي من دون أن يقوم بأي وظيفة اجتماعية نافعة، فلا يمكن أن يكون قائداً لقاطرة التنمية مثلما يدعي النيوليبراليون الذين انهارت نظرياتهم البائسة بعد أزمة النظام الرأسمالي العالمي في 2008 وأصبحوا في مقدمة من يطالبون بتدخل الدولة لحماية مصالح كبار الرأسماليين…المشروع التنموي يتطلب إدارة عامة ذات كفاءة لا يتولى المسؤولية فيها الفاسدون والمحظيون بالواسطات والمقربون للمتنفذين… المشروع التنموي يتطلب حلاً إنسانياً عادلاً ونهائياً لقضية الكويتيين البدون بإدماجهم في المجتمع والاستفادة منهم كجزء من القوى البشرية العاملة، وليس عبر إجراءات عنصرية بغيضة تعقد الأمر وتزيده تفاقماً… المشروع التنموي يتطلب مواطنة دستورية تقوم على المساواة وتكافؤ الفرص والعدالة الاجتماعية في علاقة المواطن بالدولة، وليس مواصلة التفتيت الطائفي والقبلي والمناطقي وتكريس الهويات الثانوية… المشروع التنموي يتطلب إعادة الاعتبار لمشروع بناء الدولة وليس إعاقته لصالح مشروع المشيخة.
***
أخيراً، حتى لا نخدع أنفسنا، ولا نخدع الناس… هذا المشروع التنموي ليس طريقاً مفروشاً بالورود، بل هو طريق تعترضه مصاعب وتعرقله مصالح وتواجهه تناقضات وصراعات طبقية اقتصادية واجتماعية وسياسية ويتطلب تعديلاً لموازين القوى ونضالاً ضارياً لتحقيق إصلاحات ولفرض التغييرات.
وغير هذا مجرد دغدغة لمشاعر؛ وترويج لأوهام؛ وخداع للنفس؛ وتضليل للناس… ولكن مع ذلك يبقى الأمل قائماً في الكويت الجديدة، وهو أمل يستحق النضال ويتطلب التضحية من أجل تحقيقه، ولا بديل سواه لبناء وطن واستمرار دولة قابلة للحياة في مرحلة ما بعد النفط.
التعليقات مغلقة.