بداية هناك من يلومني على عدم وصف عباس بالرئيس. لا حق لهم في هذا اللوم لأن عباس ليس رئيسا شرعيا، وهو يخالف القانون الأساسي للسلطة الفلسطينية، وكذلك القانون الثوري لمنظمة التحرير الفلسطينية، وأنا لا أريد أن أكون منافقا وكاذبا على الشعب.
من استمع لخطاب عباس لدى المجلس المركزي الفلسطيني يدرك تماما أن خطاب ترامب واعترافه بالقدس عاصمة للصهاينة لم يؤثر في تفكير عباس ولا في خطابه للشعب ولا في مقاربته للقضية الفلسطينية. فهو بداية لم يعمل على تسهيل مسيرة المصالحة الفلسطينية نحو وحدة وطنية فلسطينية وذلك بعدم القيام بمبادرة تجاه قطاع غزة تشمل رفع العقوبات بخاصة فيما يتعلق بالرواتب. وهو أيضا أصر على عقد الاجتماع في رام الله والتي يتحكم الصهاينة بالدخول إليها. ولو كانت النوايا جيدة وأراد حضور ممثلين عن الجهاد وحماس والقيادة العامة لعقد الاجتماع في قطاع غزة الذي لا يسيطر عليه الصهاينة. ثم ما هي العبرة بتوجيه دعوة لممثلين عن حماس والجهاد وهو يعرقل دائما إعادة بناء منظمة التحرير بطريقة تأذن بدخول الفصيلين للمنظمة وعودة القيادة العامة إلى صفوفها؟ حماس والجهاد ليستا عضوين في منظمة التحرير، ولم يكن لدعوتهما لحضور الاجتماع معنى لأنه الحركتين لا صوت لهما وليستا من أصحاب القرار في منظمة ليستا عضوين فيها. وقد سبق أن أشرت إلى هذه المسألة في وسائل الإعلام ، لا حق للحركتين بالتصويت، وإن أعطاهما عباس حقا فإنهما أقلية قليلة من الحضور. وقد قلت لهما أن حضورهما سيضفي شرعية على الاجتماع، وهما سيتحملان مسؤولية أدبية على الأقل بخصوص القرارات التي يمكن أن تُتخذ.
كان قرار حماس والجهاد والقيادة العامة بعدم الحضور موفقا، وقد أنقذت هذه الفصائل نفسها من مسؤولية تاريخية لا تخدم الشعب الفلسطيني.
عباس في خطابه لم يقدم شيئا جديدا لم بصر عليه عبر سنوات رئاسته للسلطة. هو خشي أن يذكر أمريكا بالاسم في نهاية خطابه، وبقي يصر على الاستمرار في المفاوضات العبثية التي ألحقت كبير الضرر بالشعب الفلسطيني. وهو لم يأت على ذكر وسيط جديد بينه وبين الكيان الصهيوني، وإنما سيبحث عن بديل أممي وليس وسيطا منفردا. وكان من الصعب عليه أن يجد بديلا عن أمريكا ويقبل به الكيان الصهيوني. وهو أيضا قدم وصية للمجلس المركزي بأن يستمر الفلسطينيون بالمقاومة السلمية التي لم يعرفها حتى الآن للشعب الفلسطيني. المقاومة السلمية تشمل حوالي عشرين نشاطا وترتيبا في مواجهة الاحتلال، ونحن لم نفهم من عباس حتى الآن سوى أن المقاومة مظاهرات مع أجانب في بلعين وكفر قدوم. ليته يقف يوما على الشاشة ليشرح لنا معنى المقاومة السلمية، وكيف يمكن لنا أن نتحدث اصلا عن مقاومة سلمية في ظل الاعتراف بالكيان الصهيوني والتنسيق الأمني معه والجلوس معه على ذات الطاولة.
وبالنسبة لمقارنته وضعنا بوضع إيران من حيث معادلة خمسة +واحد، فإن المعادلة الإيرانية لا تنطبق علينا. إيران دولة قوية وقاغدرة وفرضت نفسها بالقوة، واضطر الغرب لأن يجلس معها للتفاوض من منطلق غير القادر، فأنجزت. أما نحن فيقطع أحدنا الكهرباء عن الآخر، ونحن في ظل عباس ازددنا تفرقا وشقاقا.
وعباس لا يؤيد المقاومة المسلحة لأنه لا يملك سلاحا. وماذا عن السلاح الذي بيد السلطة. أنا على قناعة بأن هذا السلاح ليس موجودا لمقاومة الاحتلال، ووفق وصف دايتون، هذا السلاح ليس قاتلا. لكن السلطة دأبت على القول بأن هذا السلاح يدافع عن الشعب الفلسطيني، وإذا كان كذلك، وهو ليس كذلك، كيف يقول عباس إنه لا يملك سلاحا؟
وطلب عباس في توصياته من مجلسه أن يعيد النظر بالاتفاقيات مع الصهاينة، ومن حيث أنه أوصى بالاستمرار في المفاوضات برعاية أممية فإنه يطلب من المجلس عدم المراجعة الجادة لأن في المراجعة الجادة ما قد ينسف المقاربة التفاوضية. وأوصى المجلس بالتدبر بشأن الاحتلال غير المكلف، والبحث بمسألة السلطة بدون سلطة. وإذا كان عباس يتمسك بالمفاوضات، فهو يتمسك بالاتفاقيات، والاتفاقيات تجعل من الفلسطينيين وكيلا أمنيا للكيان الصهيوني، وتجعل من الاحتلال احتلالا غي مكلف لأن الفلسطينيين يقومون بالمهمة. فالتناقض في التوصيات واضح، ولب الموضوع أن عباس لا يريد مغادرة الوضع الذي وصل إليه الشعب الفلسطيني، ويريد أن يبقي كل الشعب تحت سطوة العملية التفاوضية العبثية.
لم يأت عباس على ذكر إعادة ترتيب أوضاعنا الاقتصادية والمالية، ولم يطرح خططا تربوية وثقافية واجتماعية واقتصادية تعيد نبض الحياة النشطة للشعب الفلسطيني، وكأنه لا يعرف مدى التدهور الحاصل في مجالات التعليم والتربية والزراعة والحرف والإنتاج عموما. هناك من ظن أن عباس سيفجر قنابل في وجه أمريكا والكيان الصهيوني فيسحب اعترافه بالكيان، ويلغي اتفاقيات أوسلو، ويعيد النظر بالتحالفات، ويقدم الدعم للمقاومة الفلسطينية في غزة. كل هذا لم يكن إلا مجرد ظنون، ومن تابع عباس على مدى سنوات تسلمه للسلطة منذ عام 2005 لا يخطئ في فهم عقليته ولا يخطئ في التوصل إلى الاستنتاج الصحيح.
المجلس المركزي والمجلس الوطني لم يكونا يوما صاحبي قرار. دائما يتبع المجلسان ما تطلبه قيادة منظمة التحرير. والحضور الآن في رام الله من المؤيدين لعباس، ولا نتوقع أن يشذوا عن توصياته. ربما تكون قرارات المجلس أكثر زخرفة من الناحية اللغوية من توصيات عباس لكنه ليس من المتوقع أن تشذ عنها.
التعليقات مغلقة.