إعلام التضليل / توفيق أبو شومر

توفيق ابو شومر ( فلسطين ) الأربعاء 17/1/2018 م …

قالوا: إن للفلاسفة، والمفكرين، والمبدعين، حاسةً إضافيةً، تُضاف إلى الحواس المعتادة عند الآخرين، وهي قدرتُهم على استشراف المستقبل، وكفاءتهم في إشعال الضوء الأحمر أمام الأمم، للتحذير من العواقب والمخاطر التي تعترض طريقهم!




شكرا، للفيلسوف والمفكر، نوعام تشومسكي، على وضعه مجموعة من الاستراتيجيات المستخدمة حاليا في الإعلام، لغرض تسيير النظام العالمي الجديد، في الألفية الثالثة، أشار إليها، تشومسكي، قبل عدة سنوات، وما تزال حتى اليوم موضع دراسة وبحث، لأن هذه الاستراتيجيات تُطبَّق اليوم في معظم وسائل الإعلام في العالم.
هذه الاستراتيجيات لم تُؤسَّس للنهوض بالأمم ، وتطويرها، وفق الرسالة الإعلامية السامية، بل إن هذه الاستراتيجيات استُخدمتْ لاحتكار التقدم والتطور والازدهار، وفي الوقت نفسِه لترسيخ الجهالات، وتضليل الأمم الضعيفة ومنعها من المنافسة على الحضارة والرقي.
إليكم أبرز استراتيجيات التضليل، التي أشار إليها، تشومسكي، بتصرفي:
الأولى: افتعال المشكلات، وإشغال الشعوب بالقضايا الصغيرة والتافهة، كأزمات الاقتصاد، ومشكلات الكهرباء، والماء، لإبعادهم عن المشكلات الرئيسة، ثم طرح الحلول لتلك المشكلات الصغيرة، ولكن، بالتدريج البطيء.
إن إشغال الشعوب بالقضايا التافهة، يُبعدهم عن رؤية الحقائق!
والثانية: استخدام الوعود (السرابية) التي تجعل البشر يعتادون أن يعيشوا في خيالاتهم، أكثر من النظر إلى واقعهم، أي إنامتهم ليعيشوا الحلم، ويتخيلوا أن الغد الآتي أفضل من الواقع!!
والثالثة: مخاطبة العواطف، وليس العقول، باستثارة الغرائز، مما يؤدي إلى إثارة النزعات، الإثنية، والعرقية، والدينية، لتدخل الشعوبُ المغرَّرُ بها في حالة، (لاوعي)! هذه النزعات تُطغى على القوانين، وتُعيد إنتاجَ الفوضى، والإرهاب، كبدائل عن القوانين، ليتحوَّل أفرادُ المجتمع من أعضاء منتجين في المجتمع إلى جيشِ قبلي، عرقي، يحتمي بأنصاره، ويعتزَّ بأصوليته اعتزازا أكبر من اعتزازه بوطنيته.
الرابعة: التعامُل مع الشعوب، كما يُتعامَل مع الأطفال، واستخدام أسلوب التغرير بالجمهور، وذلك باختيار مناهج تعليم حشوية مُنفِّرة في المدارس الحكومية، فكلما غررَّتْ الحكوماتُ والدول بالشعوب، تزداد القناعة بالمُغرِّرِين، وتُنفَّذ الشعوبُ أوامرهم، وتطيعهم، باعتبارهم مفوضين من الله!
والخامسة: تشجيع الشعوب على إدمان الرداءة، في كل مجالات الحياة، وبخاصة في مجال الفنون والآداب، بنشر الأغاني الهابطة، ذات الكلمات السخيفة الساقطة، ونشر إدمان استهلاك الطعام غير الصحي، لغرض بيع وتوزيع الدواء، بحيث يصبح التنافس في مجال إنتاج الرداءة هو الأوسع انتشارا، وبعد أن يقتنع المصابون بداء الرداءة، يشرعون باتهام أنفسَهم بأنهم السبب في كل الشرور!
السابعة: ترسيخ حالة، الدولة المكتئبة، والإحساس بالذنب، التي تشتهر بإلقاء اللوم على نفسها، وتعتاد جلد النفس، فيكتفي الشعب (المُذنب) بنقد ذاته، وينصرف عن الثورة على النظام الاقتصادي والسياسي، فتنتشر في هذه الدولة أبشع الأمراض، ويتفشَّى مرضُ الإحباط، ويتحول الإحباط إلى عدوى سريعة الانتشار، تنتقل من الكبار إلى الصغار، وبسبب هذه العدوى يفقد المصابُ بهذا الداء الرغبة في الإنتاج والإبداع، ويقصر جهدَه على البحث عن مهرب، ومهجر خارج وطنه!!
الاستراتيجيات الإعلامية التي أشار إليها تشومسكي، تُطبق الآن في معظم الدول(النائمة)، بدرجاتٍ متفاوتةٍ، وإذا أردنا إعادة ترتيب تلك البنود، فإننا يمكن أن نلاحظ بوضوح ذلك في فلسطين، حيث أصبحت حالةُ الدولةُ المكتئبة، المحبطة، التي تُلقي اللوم على ذاتها، هي الطبقُ الشعبيُ السائدُ، مع اشتقاقات الإحباط، كاليأس، وجلد الذات، والتشاؤم!!
ويأتي التجهيل، واستساغة الرداءة في الثقافة، والفنون في المرتبة التالية، وهذا أيضا ضمن استراتيجية التجهيل، التي تقتضي تغليب العواطف على العقول، لأن تسيير أصحاب العواطف وقيادتهم أسهل بكثير من تسيير أصحاب العقول.
أخيرا، إن الكشف عن هذه المؤامرة، ليس كافيا، بل يجب وضع استراتيجيات مضادة، استراتيجيات ثقافية تربوية توعوية، وتشجيع الفنون والآداب الجميلة الراقية، ونشر الثقافة لغرض توسيع المدارك والعقول، وتخصيص خلايا علاجية في الجامعات والمعاهد لإنتاج أدوية قادرة على إزالة أخطر أمراض المجتمع، الإحباط، واليأس، والتشاؤم!!

قد يعجبك ايضا

التعليقات مغلقة.