هل أقول لأمريكا شكراً ؟! / ابراهيم ابو عتيلة

 

ابراهيم ابو عتيلة ( الأردن ) السبت 3/1/2015 م …

 

          لم يدر في ذهني في يوم من الأيام أن اقول لأمريكا وبأعلى صوتي “” شكراً “” ، فما فعلته الولايات المتحدة الأمريكية بالشعوب والدول الساعية للحرية لا يدع مجالاً لأي شكر ، بل بالعكس فإن افعالها تستدعي بالضرورة عكس ذلك ، ولا يمكنني أن أنسى يوماً ما فعلته في العراق ولا في سوريا ولا ليبيا وما حاولت أن تفعله في مصر منذ الخمسينات من القرن الماضي ولغاية الآن ، ولم يغب عن ذهني ما قدمته من دعم متواصل للكيان الصهيوني مذ نشأته وحتى الآن ، ذلك الدعم الذي تسبب في تشريد مئات الألوف من ابناء الشعب الفلسطيني وتدمير بيوت ألوف أخرى وتجريف أراضيهم  بالطائرات والسلاح والمعدات الأمريكية ، فكل ذلك مخزون في عقلي ووجداني وأدعو من أجل ذلك كل يوم بأن تعاني تلك الدولة التي تتجاوز بتصرفاتها كل الشرائع والقوانين كما عانى ضحاياها ،  فهي تمثل مصدر الداء والبلاء لكل شعوب الأرض التي تنشد التحرر وتتطلع للتقدم والازدهار، ولن أقول لها شكراً على ما تقدمه من فتات مشروطة لدول العالم الفقيرة فكل ما تقوم به لا يمثل إلا كونه قيداً لتلك الدول التي تقبل بتلك الفتات بما يكبل حريتها وقدرتها على إتخاذ القرار المناسب المعبر عن تطلعات وطموح شعوب تلك الدول ، ولن أقول لها شكراً لمحاربتها إرهاباً كانت قد اصطنعته من أجل تدمير منطقتنا والمس بشرائعنا .

          نعم ، لم يدر بخلدي يوماً أن اقول لإمبراطورة العالم شكراً ، فلدي من الأسباب الشيء الكثير ، ولعل فيما أسلفت نماذج ومؤشرات على اسلوبها في قهر الشعوب ، ولكني وبعد موقفها الأخير في تعاملها مع المشروع الذي قدمته مجموعة اتفاقية الخبث والخبائث المسماة باتفاقية أوسلو  لمجلس الأمن ، فإنني أجد لزاماً علي أن أقول لقاهر الشعوب … شكراً .. وأن اتباهى بقولها وترديدها مرات ومرات ، فهي وبموقفها من من ذلك المشروع المقترح ،  قد انقذت شعباً من نزوات قيادة تدعي تمثيله ، دون أن تكلف خاطرها بعرض مقترحها التخاذلي الاستسلامي على مؤسسات ما كانت تسمى “منظمة التحرير الفلسطينية ” ، مقترح قدمته دون أن تبالي برفضه المعلن من قبل أغلب فصائل تلك المنظمة بالإضافة لرفضه من قبل الفصائل الأخرى غير المنضوية لتلك المنظمة ، فكان ذلك تحدياً لطموحات وحقوق ومطالب شعب يناضل منذ ما يقارب المائة عام من أجل حق تقرير المصير على تراب وطنه ، وكأن من اقترحه كان قد راهن مسبقاً على إمكانية قبول مقترحه من الصهاينة ، فما اقترحه يمثل وصمة عار لن تمحى من على جبين نضال الشعب الفلسطيني ، فلقد لبى ذاك المقترح طروحات الصهاينة بالموافقة على إنشاء دويلة فلسطينية مسخة وعلى أساس حدود تستند إلى خطوط 4 يونيو/حزيران 1967 مع تبادل متفق عليه للأراضي ، مبقياً الباب مفتوحاً لمزيد من التنازلات ، عدا عن تعامله مع قضية اللاجئين بمنطق من الشفقة ” الانسانية ” ، متناسياً الحق الشخصي لكل لاجئ بالعودة والتعويض ، هذه الحقوق الت كفلتهما كل المواثيق الدولية ومسقطاً أيضاً أي احتمال بالمطالبات المستقبلية بأي من الحقوق ، كما وافقت سلطة أوسلو على أن تصبح القدس عاصمة مشتركة للكيان الصهيوني والدويلة الفلسطينية المقترحة ، حيث منح المشروع المسخ الحق للصهاينة في قدس الأقداس والعاصمة الدينية والتاريخية والسياسية لفلسطين ، فجاء الموقف الأمريكي لينقذ الموقف من وعد وعهد جديدين يضعان حداً لنهاية قضية ، فكان الرفض الغبي من أمريكا والصهاينة وتحريضها الآخرين على عدم التصويت لذلك المقترح من أجل رفضه من قبل مجلس الأمن  موقفاً على درجة عالية من الغباء فقد كان المشروع المقترح في اعتقادي فرصةً ماسيةً لبقاء الكيان الصهيوني وتجذره ، ولعل الغباء والطمع بتنازلات أخرى هو الذي دفع بالصهيونية العالمية وأمريكا لرفض ذلك المقترح ، فالصهاينة لن يقدموا لتلك القيادة القابعة في رام الله أكثر من إدارة للصراع وأكثر من حكم ذاتي هزيل يعيد للأذهان دور روابط القرى وهيئات المخاتير المجبرين على تزويد السلطات الأمنية بكل المعلومات المتعلقة بأي نشاط في القرية ويقوموا بمرافقة السلطات عند اقتحامها لأي بيت فيه مطلوب دون أن يكون لهم الحق بالمناقشة أو الرفض ليكون بذلك نسخة معدلة عن التنسيق الأمني .

          نعم ، اقول لأمريكا شكراً لغبائك ، فقد أضعت انت والصهاينة معك فرصةً لن تتكرر ، فلن تأتي قيادة مستسلمة كتلك القيادة في رام الله لتقترح لكم حكماً ذاتياً ، فما قدمته سلطة رام الله يمثل الصيغة الأكثر استسلاماً وتفريطاً عبر تاريخ الشعب الفلسطيني ، وقد أجمع الكثيرون على أن المشروع المقترح كان قد تجاوز وعد بلفور في شؤمه آثاره ،  من حيث أن وعد بلفور قد جاء ممن لا يملك وليس له أدنى حق بمنح الوعد فيما جاء هذا المقترح من قبل من يدعون تمثيل الشعب الفلسطيني ، الأمر الذي لو تحقق فإنه سيكتسب الشيء الكثير من شرعيتكم التي تروجون الأمر الذي سيحتاج معه الشعب الفلسطيني لسنوات لإزالة آثاره ، وما الغضب الشعبي الكامن !! عندما قدم المشروع ، وما موقف الفصائل – غير فتح – الرافض للمشروع والقابض على النار إلا مؤشر على عدم الرضا والبحث عن البديل .

وبعد شكري لك امريكا أقول لك لقد خذلت حلفاءك كما تفعلين دائماً ، فأثبت المقولة المعروفة للجميع للمرة الألف ” بأن ليس لأمريكا صديق إلا الكيان الصهيوني ” والشواهد على ذلك كثيرة سواء كانت تلك الشواهد في منطقتنا أم في مناطق العالم الأخرى فقد أحرجت من قدم المقترح ووضعته في مأزق كبير فها هو رئيس السلطة في رام الله ” وكوسيلة لحفظ ماء الوجه ” يوقع على وثائق الإنضمام إلى ( 20 ) اتفاقية ومنظمة ومعاهدة دولية بما فيها محكمة الجنايات الدولية والتي تأخر التوقيع عليها كثيراً بانتظار موافقتكم على المشروع المقترح ، ولم يكتف بالتوقيع .. فقد سلمها هذا اليوم فعلياً لمندوب سكرتير عام الامم المتحدة في رام الله ،

فهل سيقوم أيضاً بوقف التنسيق الأمني في الأيام القادمة كما سمعنا وكما تردد سابقاً ؟؟ أم سيكون له موقفاً آخر ؟؟ وكيف سيكون رد الفصائل المنضوية تحت رئاسة ” منظمة التحرير الفلسطينية ” والتي أعلنت رفضها للمشروع المقترح؟؟ وهل ستبقي عضويتها ونفسها تحت مظلة الرئاسة الحالية ؟؟ وما هو الرد المتوقع من تلك الفصائل التي لا تخضع للرئاسة الحالية للمنظمة ؟؟ وهل هناك إمكانية لتوافق وطني فلسطيني يحيي الميثاق الوطني الفلسطيني من جديد ويتبنى خيار المقاومة بدلاً من خيار المفاوضات والاستسلام والتفريط ؟؟ أسئلة كثيرة بانتظار الإجابة فالأيام حُبلى وسيأتي اليوم التي تضع فيها ما تحمل ….

         

         

قد يعجبك ايضا

التعليقات مغلقة.