الرايات السوداء ، الرايات البيضاء / احمد الحباسي
احمد الحباسي ( تونس ) الجمعة 19/1/2018 م …
ربما ظن البعض اننا نقصد بالرايات البيضاء هذا التنظيم المشتبه فيه الذى تشكل فى الظاهر بهدف الثأر للأكراد الذين تعرضوا للاعتداء حسب الادعاء من الجيش العراقى و ما يسمى بالحشد الشعبى ، هذا التنظيم لا علاقة له اصلا باللون الابيض و رفعه لافتات بيضاء لا يعنى أن الغايات سلمية و “بيضاء ” كما نظن لان عملية الثأر مهما كانت مبرراتها و دوافعها فهى عملية يسيل فيها الدم و تهدر فيها الطاقات و يختلط فيها الحابل بالنابل و يسقط فيها كثير من الابرياء ، اذن هذه الرايات هى مجرد فرق موت لا تختلف كثيرا عن فرق الفكر الارهابى الذى اتخذ اسماء و مسميات كثيرة منذ سقوط بغداد سنة 2003 و دخول القوات الامريكية الى العراق مدعومة بفيالق من العملاء و الانتهازيين و باعة الضمير ، و مع ذلك سنرجئ الحديث بالتفصيل عن هذه الجماعات الدموية الى فرصة قادمة بحول الله ، اذن ما المقصود بالرايات البيضاء ؟ نحن نقصد كل هؤلاء المطبعين و الخونة و المستسلمين و الانتهازيين و باعة الضمير الذين ينشطون يوميا فى وسائل الاعلام العربية و العالمية لنشر ثقافة الاستسلام الى العدو و التطبيع معه و تقديم التنازلات و الذين يقبلون ببيع الاوطان من باب ابتعد عن الشر و غنى اليه .
لهؤلاء نقول بمنتهى الاختزال و الصراحة ان هناك من يرفض بيع الوطن و من يرفض التطبيع مع العدو و مع الامبريالية و مع دول الخليج المنحية المتآمرة ، صحيح اصبحت معارضة طوفان التطبيع و ثقافة الاستسلام و بيع المبادئ مكلفة و متعبة و ربما بلا فائدة و لكن من حق الوجدان العربى المقاوم و المدافع عن الشرف العربى ان يصر الحاحا على الوقوف فى وجه هذا التسونامى المسموم الذى تتعرض اليه الامة العربية و على كل حال فعلى كل الخونة بمختلف مشاربهم و اهدافهم ان ينتبهوا أننا لن نرفع الرايات البيضاء فى وجه كل الذين سعوا منذ احتلال العراق و ربما منذ ابرام اتفاقية كامب ديفيد المشئومة الى خدمة المشروع الصهيونى الامريكى المدمر بإطلاق حملات اعلامية تستهدف الضمائر العربية لحثها على الاستسلام بمقولة أن أهل القضية قد باعوا القضية و بأن ابرام السادات لاتفاقية السلام مع العدو و زيارته التاريخية الى الكنيست و القاء ذلك الخطاب البائس فيها يشكلون بداية القبول بإسرائيل كواقع و كدولة و كجار و كطرف فاعل فى منطقة الشرق الاوسط ، ربما تريد ” الرايات البيضاء ” فى العراق اسالة الدماء للانتقام و ربما هو من رفع الرايات البيضاء للدخول الى نادى الخونة العرب و لكن من الثابت ان الوجدان العربى المناضل لن يرفع الرايات البيضاء للاستسلام للجزار الصهيونى .
الباحثون و المطلعون يعلمون ان داعش هى صنيعة مخابرات امريكية صهيونية خليجية ، ربما رفعت داعش الرايات السوداء من باب التمويه و الايحاء بكونها تنظيم اسلامى مجاهد فى سبيل الله و لكن الايام كشفت بالملموس ان الحقيقة مرعبة و مختلفة و قاسية و دموية لان هذه الجماعات لا تنتمى اصلا للإسلام و لا علاقة لها بأية ديانة كانت و لا علاقة لإفرادها بالعقل البشرى و بكل ما يختزنه البشر من مبادئ سامية ، فقط ، هى صنيعة شيطانية لا تختلف كثيرا عن فكر المحافظين الجدد الذى دمر العراق و لا عن فكر دافيد ابن غريون الذى نقل عدواه الى كل المجرمين الصهاينة الذين ارتكبوا المجازر ضد الشعب الفلسطينى منذ سنة 1948 الى الان ، و لا عن الفكر الوهابى التكفيرى الذى قتل الملايين من البشر الابرياء باسم الدفاع عن الاسلام ، هولاء الدواعش براياتهم السوداء الملوثة بدماء الابرياء فى كل مكان من العالم هم في واقع الحال سلاح جبان يخدم كل هؤلاء الذين ينكرون الاسلام و ينكرون على الشعوب الاسلامية العربية حقها فى الحياة بسلام ، هؤلاء الذين يزعمون أن الرايات السوداء او الرايات البيضاء هى بشائر القوم المتدينين الذين سيرفعون رايات الاسلام و يدافعون عن مبادئه المتسامحة هم سودُ الوجوه والقلوب لن تجنى منهم هذه الامة المنهكة سوى الدمار و الموت و الخراب .
مشكلة الشعوب العربية مع الشعارات الرنانة معروفة و مثيرة و لقد هزمت الوقائع اغلب هذه الشعارات التى دغدغت اسماعنا طيلة عقود من الزمن من ” لا صلح لا تفاوض لا استسلام ” الى شعار ” ما اخذ بالقوة لا يسترد الا بغير القوة ” الى شعار ” خيبر خيبر يا يهود جيش محمد سيعود ” الى شعار ” الاسلام هو الحل و ليس المشكلة ” الى شعار ” اسمعوا منا و لا تسمعوا عنا ” ، اليوم تغيرت الوجوه و تغيرت الشعارات بتغير الزمن و تغير القلوب و تغير الاهداف و بتنا نعيش زمن ” الرايات السوداء ” التى تذبح و تقتل و تسحل و تشوى لحوم البشر تحت رايات التكبير و التهليل ، بتنا نعيش زمن الرعب فى اقصى مداه و صار الواقع اغرب و اقسى من كل خيال جامح ، اليوم هناك عمائم بيضاء تعبث بالإسلام و المسلمين و تدعو جهرا للفتنة و القتل و التدمير بل تعد القاتل المجنون بالجنة و بالحور العين ، هذا زمن الرايات البيضاء التى تدافع عن التطبيع مع الصهاينة و تدفع الى الحرب الاهلية لتقسيم المقسم ، هناك جريمة و خطيئة كبرى ترتكبها الرايات البيضاء و الرايات السوداء و لكن بالمقابل هناك من لا يزال فيه دم ليتصدى رافضا رفع رايات الاستسلام البيضاء .
التعليقات مغلقة.