التحديات ومواجهتها … إلى أين من هنا / د.معروف البخيت
د.معروف البخيت* ( الأردن ) الخميس 16/4/2015 م …
*رئيس وزراء أردني أسبق …
• كان من شأن الزلزال العربي الذي بدأ عام 2011 ، أن أثر عميقاً في المشهد الاستراتيجي الدولي والإقليمي، واحدث تحولات وتغييرات متسارعه. إذ انفجرت في العديد من الدول العربية صراعات سياسية واجتماعية شرسة، استناداً إلى موروث ثقافي، يأخذ بعضه منحى دينياً أصولياً، فيه تباينات حادة ، الأمر الذي أدى إلى ظهور تنظيمات متطرفة مسلحة.
• تمثلت النماذج الأكثر تطرفاً في تنظيمي جبهة النصرة والدولة الإسلامية ( داعش ). مارس تنظيم داعش في المناطق التي سيطر عليها القتل وجز الرؤوس وسبي النساء والحرق، ضمن إستراتيجية الترويع، والتي تعد ذروة الحرب النفسية، وتسهم في سقوط مناطق بيده قبل وصوله إليها، بسبب الهجرات وإشاعة فوضى الذعر، وهو استلهام معاصر لتجربة الاجتياح المغولي للمنطقة.
• استجاب العالم والإقليم للتهديد، وعلى نحو متفاوت، فعقدت اجتماعات إقليمية ودولية لبحث إستراتيجية مواجهة التنظيمات المتطرفة، وتشكل حلف بقيادة أميركا وعضوية العديد من الدول الأوروبية والعربية ومنها الأردن.
• محلياً، دار جدال حول فيما إذا كنا كأردنيين معنيين في هذا التحالف أم لا: هل هي حربنا أم لا، وفات القلة الذين يقولون بسياسة النأي بالنفس تاريخ علاقة الأردن والقاعدة ونسختها الأكثر دموية وشراسة داعش.
• بعد الحادثه الإجراميه، وقتل أسيرنا الطيار الشهيد معاذ الكساسبة بالطريقة الوحشية، التي تدل على حالة مرضية جمعية لهؤلاء المجرمين، انتهى الجدال السابق، حين تبين للأردنيين حجم الحقد والكراهية التي يكنها المجرمون للأردني، الذي حدث إن كان معاذ. وحدث التفاف عفوي غير مسبوق حول القائد والجيش العربي ومؤسساتنا الأمنية، سيما بعد الرد الحاسم والقاسي والسريع للقصاص من المجرمين من قبل نسور سلاح الجو.
• وقبل المضي قدماً لتناول الكثير من التساؤلات التي تدور في ذهن الأردني من مثل، إلى أين من هنا، كيف يمكن استدامة هذا التماسك الأردني الحالي، لابد من ذكر بعض الملحوظات:
أولاً : يستثمر تنظيما داعش والقاعدة ثورة الإعلام الالكتروني الهائلة بما تتيحه من فضاءات وإمكانات غير تقليدية في التواصل والتشبيك وبث الرسائل المروعة، ويمتلك كل منهما ماكنة إعلامية متقدمة سوف تستمر بالعمل على استهداف الداخل الأردني، بهدف إحداث شرخ بين الشعب والدولة عن طريق تكثيف الإشاعات المغرضة والكاذبة. وبالتأكيد، فان التعويل هنا على وعي الأردنيين لجهة محاصرة كل معلومة وإخضاعها لمحاكمة عقلية وعلمية، وهذا يتطلب أيضاً إعلاماً أردنياً يقظاً وشفافاً ومبادراً.
ثانياً : علينا كأردنيين أن نجمد خلافاتنا أو نؤجلها في هذه المرحلة، ونقف جميعاً ضد التنظيمات الإرهابية والأساس تنظيم داعش، لأنه يهددنا جميعاً مهما كانت آراؤنا، من كان في المعارضة أو في الموالاة، وبعد القضاء على هذا التهديد يمكن استئناف الحوار حول خلافاتنا.
ثالثاً : من المؤكد إن هناك العديد من التساؤلات التي لا تجد إجابات مقنعة في هذه المرحلة، وإنما سيجيب عليها التاريخ مستقبلاً، ومثال ذلك سؤال من صنع داعش ومن مولها أو يمولها. ولكن المؤشرات تدل على أنها صنيعة أجهزة استخبارات دولية وإقليمية، وهناك في التاريخ القريب، مثل لمحاولة توظيف فكرة الجهاد الإسلامي لقتال الشيوعيين في أفغانستان. وما شاهدناه ، بعد خروج الاتحاد السوفياتي من تنامي سرطاني للتنظيمات المتطرفة وأهمها القاعدة التي خرجت عن إرادة الذين أرادوا بالأصل توظيف هذه العناصر القتالية. وبالطبع، ثمة سؤال آخر مهم حول الأهداف الحقيقية لإطراف هذا التحالف الدولي، الذي نجد فيه تبايناً واضحاً في أولويات ومصالح كل مشارك، وعليه، علينا تجاوز هذه الأسئلة حالياً، مادامت لا تفضي إلا إلى المزيد من الجدل، ولا تخدم المعركة، لنقف كأردنيين في مواجهة تحدي داعش وممارساتها الإرهابية.
رابعاً : منذ الإعلان عن استشهاد الطيار ، بدأ يدور جدال مختلف وهو، المشاركة البرية أو عدم المشاركة ضد داعش. والواقع إن المشاركة البرية مستبعدة للأسباب التالية:
1. قواتنا البرية تسهم في إستراتيجية الحرب حيث أنها تقوم بتثبيت العدو وتمنع تغلغله.
2. تأكيد العراقيون والسوريون عدم رغبتهم في تواجد قوات على أراضيهم.
3. الحرب ضد داعش ليست حرباً بالمعنى التقليدي ولا تناسب الجيوش النظامية، وداعش لاتمسك ارضاً ولا تقيم مواقع دفاعية كلاسيكية ولا توفر أهدافاً للتشكيلات النظامية حتى تنفتح وتقوم بالهجوم التقليدي.
4. الجيوش العراقية والسورية والعشائر أكثر معرفة بطبيعة الأرض ( تجربة الصحوات ).
وخلاصة القول هنا، إنني اعتقد بأنة لا مجال لمشاركة برية ضد داعش أو حتى في التحالف العربي بقيادة السعودية ضد الحوثيين، مع انه يمكن تصور مشاركة برية ضمن تحالف عربي برعاية جامعة الدول العربية، إذا ما حددت الدول العربية أولوياتها، وتوصلت إلى أهداف محددة، وشكلت قوات من الدول العربية، بانصبة تناسب عدد السكان وقدرات كل دولة ومع ذلك، فان هذا مستبعد في المدى المنظور استناداً إلى تاريخ العمل العربي العسكري المشترك غير المشجع لأسباب عديدة.
البيئة الإستراتيجية الدولية والإقليمية – المنطقة العربية إلى أين
• قبل الحديث عن الأردن وكيفية المحافظة على حالة الإجماع الوطني والالتفاف المعنوي حول قيادة جلالة الملك والجيش، لا بد من إلقاء الضوء على حالة إقليم الشرق الأوسط والبلاد العربية، وذلك باستعراض سريع لأهداف وأحوال الإطراف المؤثرة في منطقتنا من أحداث وعنف:
أولاً : أميركا وأوروبا. ينصب اهتمام أميركا في المنطقة على امن إسرائيل وضمان تدفق النفط إلى الدول الحليفة ومحاربة الإرهاب ومنع وصول الإرهابيين إلى الأراضي الأميركية، بينما يتركز اهتمام الدول الأوروبية على استقرار دول شمال إفريقيا لوقف تدفق الهجرة شمالاً، وضمان عدم وصول الفكر الجهادي إلى الجاليات المسلمة في أوروبا. أميركياً، منذ جاءت إدارة اوباما على أساس برنامج عدم التورط في حرب جديدة وخروج القوات الأمريكية من العراق وأفغانستان، ظهرت تحليلات تتوقع نقل مركز ثقل الإستراتيجية الأمريكية إلى شرق آسيا. والواقع إن هذا التحول إذا حدث، لن يكون على حساب خروج الأميركيين من الشرق الأوسط، اقلها بسبب إسرائيل وفي سياق آخر، أظهرت الولايات المتحدة حماساً للتوصل إلى اتفاق مع إيران ضمن مباحثات مجموعة ( 5 + 1 )، وفعلاً تم التوصل إلى اتفاق إطار في 2/4/2015 في لوزان. وعلى الأغلب سيتم التوصل إلى اتفاق نهائي يسجل ايجابياً في الإرث السياسي لاوباما الذي أدرك صعوبة حصول اختراق في عملية السلام في الشرق الأوسط. لكن، عندما بدأت داعش بعملية خطف وقتل الأجانب بالطريقة الوحشية، بما في ذلك أميركيون، تم عقد قمة الناتو، وبدأت أميركا بتشكيل التحالف لمحاربة الإرهاب، ظهر التحالف بدون هوية محددة وولد هشاً وهلامياً وعلى ضوء تباين واختلاف أولويات أعضاء التحالف، جاءت الإستراتيجية التي تقوده مبهمة وغير مستقرة.
ثانياً : إسرائيل . لقد كتبت قبل سنتين قائلاً ( لو أن إسرائيل خططت لتدمير البنى التحتية لسوريا واستنزاف قواتها المسلحة ، لما أبدعت أفضل مما نتج عن الأزمة السورية القائمة واستمرار القتال الداخلي) وهذا يستمر صحيحاً. أما بخصوص أيران، فهي ألحت على الخيار العسكري لتدمير المنشات النووية وهي تضغط على أميركا لفعل هذا، ومن المشكوك فيه أن تكون إسرائيل قادرة لوحدها على القيام بالمهمة. وسوف تستمر إسرائيل في الضغط على الرأي العام الأميركي من خلال الكونغرس لرفض الاتفاق. أما داخلياً، فيستمر انزياح المجتمع الإسرائيلي نحو اليمين معرقلاً بذلك إقامة الدولة الفلسطينية في وقت قريب.
ثالثاً : التنظيمات المتطرفة. مع اجتياح تنظيم داعش لمحافظات العراق في 9/6/2014 وانطلاقاً من دير الزور والرقة وإعلان الخلافة في الموصل، جعل هذا الانجاز المفاجئ للتنظيم جاذبية لدى المخزون البشري الذي يغذي التنظيمات المتطرفة. ليس هذا فحسب، فقد أصبح لدى التنظيم موارد مالية كبيرة، إضافة لدعم التمويل والتسليح من بعض الدول. ومع إن داعش فقد الكثير من عناصره نتيجة قتاله وبسبب الحملة الجوية للتحالف، إلا أن الدلائل تشير إلى استمرار استقطابه للمزيد من المقاتلين وبشكل لافت من أوروبا. ومؤخراً ظهر التنظيم وبقوه في ليبيا ومن غير المستبعد ظهوره في اليمن.
رابعاً : إيران واذرعها . بالرغم من العقوبات الدولية على إيران، فقد تمكنت من الصمود اعتماداً على مواردها الذاتية، واستمرت بالمناورة وبناء مفاعلاتها النووية وتطوير صناعاتها وخاصة العسكرية. أما على الصعيد السياسي، فقد تمكنت إيران بمهارة من مد نفوذها إلى المنطقة العربية، فلقد استفادت من السياسات الكارثيه لقوة الاحتلال الأميركية في العراق، التي أدت في النهاية إلى تسليم العراق لإيران. كذلك بدعمها وتمويلها وتسليحها لحزب الله في لبنان، تمكن الحزب من الهيمنة على الساحة السياسية وأصبح لبنان كله مرتهناً للإرادة الإيرانية. وفي بداية الربيع العربي، وقفت إيران إلى جانب سوريا بقوة، بالمال والسلاح والقتال. واستطاع الحوثييون المقربون من إيران السيطرة على معظم محافظات اليمن وخاصة الشمالية بما قد يمكنهم من السيطرة على باب المندب. وهكذا نرى أن إيران كقوة إقليمية حققت مكاسب إستراتيجية هامة، بمد نفوذها إلى عدة عواصم عربية. وهو ما عبر عنه بزهو لافت، عدد من المسؤولين الإيرانيين، بالقول أن إيران اليوم تسيطر على أربع عواصم عربية، ومع ذلك فإن إيران تواجه تحديات كبيرة، لا تجعلها في وضعية المنتصر، ومن ذلك تحدي الإرهاب في العراق والذي بات يتاخم حدودها وكذلك الاستنزاف البشري والمادي في سوريا، فضلاً عن تأثير أسعار النفط في اقتصادها المنهك بسبب الحظر وكلفة الأزمة السورية على وجه الخصوص. وفي المقابل، استطاعت إيران إن تستثمر الحرب على الإرهاب لتحسين صورتها وموقعها في العالم وهي بتوصلها لاتفاق نهائي حول برنامجها النووي، تعول عليه طهران لاستعادة دور شرطي المنطقة، وبالاستفادة من ضعف وتراجع العامل العربي.
خامساً : تركيا . مع بداية الربيع العربي، تخلت تركيا عن سياسة ( صفر مشاكل ) مع جيرانها، فوقفت بحده ضد النظام السوري والرئيس بشار، وهي بهذا الموقف تلتقي مع السعودية، واتخذت موقفاً معادياً تجاه مصر والرئيس السيسي. لكن الأكثر أهمية أمران الأول هو غض الطرف عن آلاف المقاتلين الذين يعبرون من تركيا إلى سوريا وربما مرور الأسلحة. والثاني هو احتضان تركيا للتنظيم العالمي للإخوان المسلمين وقيادات الإخوان. وإجمالاً تتسم المواقف التركية بالغموض.
سادساً : الدول العربية . يمكن تقسيم الدول العربية إلى ( 1 ) دول عربية مهددة بالتقسيم ( سوريا والعراق ، ودول مهددة بالتقسيم والتحول إلى دول فاشلة ( اليمن واليبيا ) (2) دول فاشلة ( الصومال ) (3) دول مستقرة نسبياً ( دول الخليج ، مصر ، الأردن ، الاتحاد ألمغاربي والسودان) .
• فيما يتعلق بسوريا، فهناك إدراك متزايد بعدم قدرة أي طرف على الحسم العسكري لأسباب عديدة منها حالة الاستعصاءات على كل المستويات المحلية والإقليمية والدولية، وان الحل لابد أن يكون سياسياً، وهو الآمر الذي يبدو بعيد المنال حالياً.
• أما في العراق، فالقضاء على التنظيمات المتطرفة يتطلب مشاركة جميع المكونات والابتعاد عن سياسات المحاصصة والطائفية، الأمر الذي يسير ببطئ.
• أما بخصوص دول الخليج، فقد ذهبت السعودية إلى أقصى مدى ممكن في الضغط على الإدارة الأميركية وعلى مجلس الأمن من اجل اتخاذ قرار ملزم بإسقاط نظام بشار الأسد. ومن جهة أخرى، لا تنظر السعودية بارتياح لتباين مواقف شقيقاتها الأصغر تجاه الاتفاق الغربي مع إيران والوقوف على الحياد في الموضوع اليمني ( عُمان ) ودعم تنظيم الإخوان المسلمين ( المحظور مصرياً وسعودياً وإماراتياً ( قطر ). إما في اليمن ، وبعد تمدد الحوثيين في معظم محافظات اليمن، وكونها تنظر لإيران بأنها مصدر خطر على منظومة دول الخليج ، فقد سارعت وبشكل مفاجئ على تشكيل تحالف عربي من ( 10 ) دول، بدأ عملياته الجوية يوم 26/3/2015 وقبل مؤتمر القمة في شرم الشيح بيومين.
• أما مصر، قاعدة الارتكاز للعمل العربي المشترك، فتعاني من انتشار التنظيمات الإرهابية في سيناء، وهذا يضاف إلى حوادث العنف والتفجيرات في جميع أنحاء البلاد من تنظيم الإخوان المسلمين. أما على الجهة الغربية لمصر، فقد فشلت ليبيا في حواراتها، وازداد الأمر سوءاً بظهور داعش وقتلها المواطنين المصريين الأقباط بطريقة وحشية، وكان من شأن ذلك أن بدأت مصر حملة لتشكيل تحالف عربي لمحاربة الإرهاب وتشكيل قوة عسكرية عربية مشتركة.
• هذا الحال المعقد والمركب والمليء بالتقاطعات، والمشهد البائس للمنطقة والدول العربية تحديداً، يوحي بعدد من الملاحظات:
أولاً : تمر المجتمعات العربية بأزمة تاريخية حادة تتمثل في هذه الصراعات السياسة والمجتمعية الدائرة حالياً بغطاء مذهبي وطائفي. والأخطر أن الدولة الوطنية العربية أصبحت في أكثر من بلد عربي، تترنح، لصالح المليشيات المسلحة المتطرفة أو الطائفية، بحيث غابت الدول وانتشرت العصابات. وبنظرة عاجلة لحجم وعدد ونوعية المليشيات التي ظهرت، واحتلت مواقع على الأرض، خلال الأربع سنوات الماضية، يتضح إن المنطقة تدخل مرحلة يصفها بعض المحللين بأنها زمن المليشيات أو الطوائف.
ثانياً : يلاحظ انفراط عقد الأمة العربية ممثلة برمز وحدتها الجامعة العربية وصحيح القول أن الجامعة العربية ولدت عاجزة عن سبق وإصرار من قبل القوى الكبرى واغلب الدول العربية المؤسسة، ولكنها ألان انتهت تماماً، والدليل على ذلك أن أي أزمة في أي دولة عربية تتحول فوراً إلى مشكلة دولية، متجاوزة هياكل الجامعة العربية. يضاف إلى ذلك، إن بعض الدول العربية الثرية، ومهما كان حجمها، استطاعت في مراحل معينة من الهيمنة على الجامعة وقراراتها بما يخدم أجندات هذه الدول.
ثالثاً : كان الهدف المعلن من حملة ( عاصفة الحزم ) هو إعادة الشرعية لليمن وإعادة الإطراف لطاولة الحوار بما في ذلك الحوثيين. ويلاحظ إن وتيرة العمليات ليست مكثفة، وتركز على استنزاف البنية التحتية للقدرات القتالية للحوثيين وأتباع علي عبدالله صالح. وبرأيي انه إذا استمرت وتيرة العمليات بهذا المستوى المنخفض ومع مرور الوقت ستزيد ثقة الحوثيين وأتباع صالح على استيعاب هذه الضربات والاستمرار بالقتال. يضاف إلى ذلك، غياب أي ومبادرات سياسية أو نشاط سياسي لتحقيق أهداف التحالف ، مما قد يوحي. برغبة بعض القوى في استنزاف التحالف وخاصة السعودية. أما استمرار وتيرة الضربات الجوية اعتماداً على حدوث انتفاضات قبلية في اليمن ضد الحوثيين، فهذا سيؤدي إلى المزيد من تمزيق نسيج المجتمع اليمني وإطالة مدة الأزمة.
رابعاً: هذه التراجيديا السوداء التي نشاهدها، سوف تأخذ وقتاً طويلاً حتى تنتهي. قد يتم حسم المعركة عسكرياً مع التنظيمات الإرهابية في وقت قريب، لكن المعركة في البعد الأمني كما في البعد الايدولوجي، سوف تأخذ وقتاً طويلاً. وبناءً عليه فإنني أتوقع أن الدول العربية تحتاج من 5 إلى 15 سنه لتعود إلى حالة الاستقرار والبدء بتنمية بلادها، هذا حال البدء فوراً بالعمل الجاد الدؤوب والتوافقي لإعادة بناء الدولة الوطنية.
• على ضوء هذا، ماذا يمكن لنا كأردنيين أن نفعل لكي نديم حالة التماسك والالتفاف حول القائد والجيش. أن ما يهمنا بالدرجة الأولى، هو المحافظة على الأردن في ظل هذه الأمواج المتلاطمة من حولنا، ولحين خروج الأمة من هذه الأزمة.
• وابتداءً، لا يمكن لنا في الأردن التصدي للإرهاب وحدنا، ولا يمكن لنا القيام بإصلاح الخطاب الديني وحدنا، فالواقعية تتطلب إن نرتد إلى ذاتنا ونحصن بلدنا وان نقدم النموذج، مع استمرار تقديم المبادرات والأفكار ضمن إطار التعاون مع الدول العربية.
• المستوى الداخلي
• أولا: الإصلاح السياسي: يجب أن لا يؤدي انشغالنا بالحرب على الإرهاب عن استمرار مسيرة الإصلاح السياسي المتدرجة، وبوحي من رؤيا جلالة الملك في أوراقة النقاشية الخمس التي طرحها مؤخراً. علينا استكمال إقرار تشريعات قوانين الأحزاب، واللامركزية، وقانون الانتخابات، الذي يؤكد مغادرتنا لفكرة الصوت الواحد وبما يضمن العدالة وتوسيع قاعدة المشاركة الشعبية في اتخاذ القرار. إن من شأن وجود قانون انتخابات عادل أن يفرز نواباً على سويه عاليه.
• ثانياً: تقديم الهوية الوطنية الأردنية الموحدة، كإطار لوحدة الدولة في مواجهة الإرهاب على المستوى الإقليمي، وبما يتجاوز الهويات المختلفة والفرعية. وأية جهود لترسيخ مفهوم الهوية الوطنية الأردنية، لابد إن تنطلق من نظرة عملية وواقعية إلى هذه المسالة. فالقضية تقوم أساساً على معادلة بين طرفين، الدولة والمواطن، ومن المهم أن تتطابق أهداف الدولة والمواطن، بينما تكفل الدولة للمواطن مستوى ونوعية معيشة مقبولة، وتحفظ أمنه وسلامته وتمنحه فرصاً متكافئة مع الآخرين، يشعر حينها المواطن، بالمقابل، بان له مصلحة في وطنه، فالمساواة في الحقوق بين جميع فئات المواطنين هي الأساس لشعورهم بمسؤوليتهم المشتركة عن الوطن.
• ثالثاً: استعادة هيبة الدولة : إن من شأن الوطنية الأردنية، حال بلورتها ، أن تؤمن بسيادة القانون، وإنفاذه بعدالة على جميع المواطنين وبدون تمييز. وقد يكون من باب انفاذ القانون على الجميع , واستعاده هيبة الدوله ، معالجة مسأله الجلوه ، وانهاء معاناه الكثير من الاردنيين ، من خلال الالتزام الحازم للانظمة والقوانين . كما إن استرداد هيبة الدولة يتطلب من المسؤول تقديم نفسه كنموذج وقدوه بالالتزام بالاستقامة والنزاهة.
• رابعاً: تصويب العلاقة مع جماعة الإخوان المسلمين. هذه العلاقة الملتبسه هي من الملفات المسكوت عنها. فالأردنيون متدينون بالطبيعة، والملك الشهيد المؤسس هو من رعى جمعية الإخوان المسلمين، وهو الذي أوقع المصالحة التاريخية وبسلاسة بين الإسلام والعروبة، في بلورة الرسالة التي يحملها الأردن، وهي رسالة النهضة العربية الكبرى. وتدريجياً، تمكنت جماعة الإخوان المسلمين من القيام بالأدوار الدعوية والسياسية. لقد آن الأوان لفصل الدعوي عن السياسي. كذلك لا بد من فصل الجماعة عن حزب جبهة العمل الإسلامي من حيث الهيئات الإشرافية ( مجلس شورى ومكتب تنفيذي ) وبالنهاية لابد من التزام حزب جبهة العمل الإسلامي بقانون الأحزاب.
• خامساً : تطوير القيم والاتجاهات: الأردن جزء من منطقة تشهد مرحله صراع مذهبي وطائفي. ولدينا الآف من الشباب الذين يحملون أفكاراً مختلفة ومتشددة، ومع إنني لا أعول كثيراً على المؤسسات الدينية للتعامل مع هذه الفئة، بقدر إيماني بفعالية المؤسسات التربوية والثقافية. وان رؤيتي بهذا الشأن أن نبدأ بجيل الصغار في رياض الأطفال ومراحل التعليم الأولى، باشتراط تطوير المناهج، بالتركيز على قيم الإسلام من تسامح واعتدال وقبول الآخر. كما أن الثقافة بجميع وسائلها تستطيع التركيز على هذه القيم.
• أما بخصوص شبابنا التي يحملون أفكاراً متطرفة ومنهم من ذهب للقتال إلى جانب التنظيمات الإرهابية فيمكن اعتماد المناصحة مع بعضهم من قبل الهيئات المختصة، إضافة للمسار القانوني.
• والمهم، طالما أن الأردن غير قادر لوحده على خوض معركة الإصلاح الديني، فيكمن الحل في أن نذهب باتجاه الدولة المدنية الديمقراطية، مع بقاء التدين الفطري وبقاء الخطاب الإسلامي المعتدل، والعودة للتركيز على رسالة عمان ومضامينها.
• سادساً : دعم وتعزيز قدرات جيشنا العربي وأجهزتنا الأمنية، بشرياً وتقنياً ومعنوياً.
• سابعاً : إعادة خدمة العلم بشكل متطور وجديد.
• على المستوى الإقليمي
• أولاً : بما أن الأردن هو بقية البقية من الدول العربية المستقرة نسبياً ، فعليه واجب تجاه أمته ومحاولة لم شمل البقية وخاصة مصر والسعودية والإمارات والكويت وبعض دول المغرب، والدعوة للقاء طارئ تحت مظلة الجامعة العربية. وبالرغم من ضعف الجامعة العربية لغياب الإرادة، لابد من دعم الجامعة للتذكير بفكرة العروبة ، وبما يبعدنا عن الطائفية والمذهبية. لابد من إنشاء حلف عربي يتفق على إستراتيجية لمحاربة الإرهاب لاستعادة قيم العروبة والإسلام المعتدل والحداثة، وبما يضمن الأمن القومي العربي.
• ثانياً : بادر جلالة الملك بالحديث مع مصر والسعودية لعقد قمة إسلامية تحت مظلة مؤسسة الأزهر الشريف يحضرها الراغبون من الدول العربية والإسلامية يكون هدفها تبيان قيم الإسلام العظيم وان هذه التنظيمات المتطرفة الإرهابية لا تمثل الإسلام ولا المسلمين.
• وإنني اقترح أن يتبنى الأردن طرح فكرة تشكيل لجنة من كبار العلماء المسلمين تحت مظلة الأزهر للنظر في موروثنا الديني لغربلته والبحث في كل المنقول كأحاديث نبوية لحذف الأساطير والخرافات وحتى الإسرائيليات، وكل ما لا يتفق مع ما ورد في القرآن الكريم. ومع كل الاحترام والتقدير للسلف الصالح فهم غير معصومين من الخطأ، ولابد من إخضاع كل ما ورد إلى المحاكمة العقلية والعلمية .
التعليقات مغلقة.