لا تفرحوا كثيراً لقرار الباكستان / نضال نعيسة

 

نضال نعيسة ( سورية ) الخميس 16/4/2015 م …

بأغلبية مطلقة، صوّت البرلمان الباكستاني على قرار بعدم المشاركة في التحالف العربي، الذي يشن عدواناً بربرياً على الجمهورية اليمنية، تزامن مع انعقاد مؤتمر القمة العربية في السادس والعشرين من الشهر الماضي في شرم الشيخ، ولهذا البعد “العربي” أهميته ودلالاته البالغة، لكن البرلمان أعلن، في الوقت نفسه، عن دعمه للسعودية وتعهده بالحفاظ على أمنها، واستقرارها فيما لو تعرضت لأي عدوان.

وعلى الفور، انطلقت، وذهبت كثير من التحليلات السطحية إلى تأييد وتثمين الموقف الباكستاني “العقلاني” والتزامها جانب الحياد في هذا الصراع، واعتبار ذلك تحولاً هاماً في مجريات الحرب، وانهياراً وفشلاً للاستراتيجية السعودية وهذا غير دقيق بالمطلق.

وفي نفس السياق، ورغم أن هذه العملية كانت قد أثارت، ظاهرياً، حفيظة مسؤولين سعوديين وإماراتيين عبــّروا عن سخطهم لذلك، غير أن ذلك كله لا يتعدى الاستمرار بسياسة التضليل والألاعيب والحركات الإعلامية، إياها، خدمة وتغطية على أهداف وإستراتيجيات أخرى أبعد، وأعمق، وربما أخطر من ذلك بكثير وهي تتعلق، حقيقة، برزمة الأهداف المعروفة لهذه الحرب، ومنها ما يتعلق بالدور الكبير و”المأمول” لمصر في النزاع، والنية العارمة، لدى أكثر من طرف، لزج الجيش المصري في أتون هذا الصراع الدامي، وضربه وتفكيكه وإنهاكه بالتالي، فإن مجرد التفكير بالتدخل البري في “مقبرة الأناضول”، فهو عملية انتحار حقيقي لأي جيش في العالم.

 

ومن هنا فإن أية مشاركة للباكستان، والحال، ستعني “إنقاذا” للجيش المصري، وستخفف الضغط عنه، مستقبلاً، وستقلل من خسائره، وتقلص من حجم الأعباء الملقاة على عاتقه، وهذا، حقيقة، ما لا يخدم استراتيجية وأهداف الحملة، بالمطلق.

ثمة ريبة كبيرة، إذن، في القرار الباكستاني، ولا يجب أن يؤخذ بحسن نية على الإطلاق. فمن منظور وظيفي بحت، لا يعتقد أن الباكستان قادرة، أو أنها ستتمنع عن تلبية أية دعوة أو رغبة أمريكية للانضمام لأي تحالف أو منظومة أو عمل عسكري تدعمه الولايات المتحدة بقوة كما هو الحال في هذا التدخل، والعملية العسكرية في اليمن، فيما ينظر كثير من المحللين والمتابعين للباكستان كحديقة خلفية أمريكية Back Yard تــُطبق فيها الولايات المتحدة على القرار فيها وتقع في صلب المحور الأطلسي وتشكل أحد ركائزه وتخدم استراتيجياته، ومن هنا حقيقة تأتي خلفية القرار، ومن هذه الزاوية تم اتخاذه، ولا بد هنا من التعريج على موقف حليف سابق كأردوغان ادّعى حياده ورفضه للحرب على العراق في العام 2003، لكن تبين أن “جهود” أردوغان الطيبة كان يتم توفيرها وتخبئتها لمشاريع قادمة أخطر عرفت، وكشف عنها لاحقاً، وحقيقة فالحرب على اليمن “الضعيف” عسكرياً لا تستأهل في النهاية كل تلك “الهيصة” وذلك التحالف الواسع، وممكن لدول الخليج الفارسي وبتغطية ورعاية أمريكية أن تتكفل بها، والمطلوب اليوم توفير الإمكانيات الفائضة الباكستانية، وربما التركية، لمواجهة مرتقبة مع إيران التي أشغلت لوقت طويل بالملف النووي كي يتم تحييدها في “ثورات” العرب، ولا بد من التذكير أن نواز شريف، نفسه، كان مقيماً بضيافة ورعاية العائلة المالكة السعودية، طيلة فترة نفيه، عقب انقلاب الجنرال برويز مشرف عليه في العام 1999، واشتراط هذا الأخير خروجه من الباكستان مقابل إطلاق سراحه من السجن، وكان نوّاز شريف يتحين فرصة لم تتح له، وبكل أسف، لرد الجميل لآل سعود على كرم ضيافتهم وحسن وفادتهم له.

ومع الفشل الظاهري لحملة القصف الجوي السعودي على اليمن، وبدء المناوشات الحدودية وسقوط ضباط سعوديين قتلى جراء ذلك، وفي الوقت الذي تكثر فيه الأقاويل، ويتقدم فيه الحديث عن “التدخل” البري على أي حيث آخر، يكتمل بذلك طوق سيناريو الاستفراد بأم الدنيا، وتوريط جيش مصر، المرشح الأكبر والوحيد لهذه المهمة الشاقة والعسيرة التي تنتظره، وبعد أن أعلن رسمياً عن مشاركة الطيران المصري لأول مرة بقصف اليمن منذ يومين.

 

قولاً واحداً لا تملك لا الباكستان ولا تركياً، أن تقول “لا” للولايات المتحدة، ومن هنا، لا تفرحوا كثيراً للقرار الباكستاني “العقلاني” والجريء، فمقابل هذا الفرح الزائف، ثمة عائلات، ودول، ومجتمعات وعلى مستويات عدة ستبكي، وتنزف، وستذرف دماً، ودموعاً كثيرة، بعد قرار الباكستان هذا.

قد يعجبك ايضا

التعليقات مغلقة.