المجلس الوطني الفلسطيني والبرنامج المرحلي د.غازي حسين

عمان ـ 20 كانون ثاني ، الأردن العربي




لعب المجلس الوطني الفلسطيني منذ دورته الأولى في القدس عام 1964 وحتى دورته السادسة عشرة في شباط 1983 دوراً أساسياً في إبراز الكيان الفلسطيني وبلورة الشخصية الفلسطينية المناضلة وتدعيم النضال الفلسطيني ضد الصهيونية والامبريالية والرجعية وفي بلورة أهداف ومبادئ الثورة الفلسطينية. وحافظ على الميثاق الوطني وجسد الوحدة الوطنية وضم جميع الفصائل والقوى والشخصيات والكفاءات الفلسطينية. فالمجلس الوطني في دورته الأولى بالقدس أعلن قيام منظمة التحرير الفلسطينية وأقر الميثاق القومي والنظام الأساسي والأطر القيادية لمنظمة التحرير الفلسطينية. وأكد على وجوب تحرير فلسطين التاريخية.

وتصدى في دورته الثانية عام 1965 إلى بداية الانحراف العربي الرسمي عن ثوابت النضال الفلسطيني عندما أعلن بورقيبة في أريحا موافقته على التقسيم والصلح مع العدو الصهيوني. واعتبر المجلس الوطني تصريحات بورقيبة خيانة عظمى بحق قضية فلسطين. وقرر في دورته الثالثة في أيار 1966 إنشاء جيش التحرير الفلسطيني لتحرير كل فلسطين. وقرر في الدورة الرابعة في تموز 1968 فصل رئاسة المجلس الوطني عن رئاسة اللجنة التنفيذية وانتخاب أعضاء اللجنة التنفيذية بـ م.ت.ف من قبل المجلس الوطني. وأكد المجلس أن الهدف هو تحرير فلسطين (كل فلسطين) وممارسة الشعب العربي الفلسطيني السيادة عليها بالكفاح المسلح. وأعلن رفضه للقرار 242. وتولت فصائل المقاومة في دورة المجلس الوطني الخامسة في شباط 1969 بالقاهرة قيادة منظمة التحرير. وانتخب المجلس لجنة تنفيذية جديدة وتولى عرفات رئاستها، بعد أن رفع شعار:

“منظمة التحرير لحملة البنادق وليست لنزلاء الفنادق”.

وقررت الدورة الخامسة التصدي بحزم إلى كافة الحلول السلمية والاستسلامية، ورفض كافة الاتفاقات والقرارات والمشاريع التي تتعارض مع حق الشعب الفلسطيني الكامل في وطنه، والتصدي بحزم لكل المحاولات المشبوهة التي تستهدف إنشاء كيان فلسطيني زائف يهيمن عليه الاستعمار والصهيونية.

وقرر المجلس في دورته السادسة في أيلول 1969 رفض كافة الحلول الاستسلامية وبشكل خاص القرار 242. وأكد أن هدف الثورة هو التحرير الشامل والكامل للتراب الفلسطيني وإقامة الدولة الديمقراطية الفلسطينية البعيدة عن كل أشكال التمييز الديني والعنصري.

وأكد المجلس في دورته السابعة في حزيران 1970 على رفض المجلس القاطع لكافة الحلول التصفوية. وعلى أثر إعلان مبادرة روجرز الأمريكية للتسوية انعقد المجلس الوطني في دورة استثنائية في مخيم الوحدات في عمان بتاريخ 27/8/1970 وأعلن رفضه لقرار مجلس الأمن 242 ومعارضته لمبادرة روجرز.

ورفض المجلس الوطني في دورته الثامنة بتاريخ 5/3/1971 إقامة دويلة فلسطينية على جزء من فلسطين وقرر أن الحل الوحيد للقضية الفلسطينية هو تحرير التراب الفلسطيني كاملاً بالكفاح المسلح.

وقرر المجلس الوطني في دورته التاسعة في القاهرة بتاريخ 13/7/1971 “التمسك الكامل بالحقوق الكاملة للشعب الفلسطيني في تحرير وطنه بالكفاح الشعبي المسلح وتجديد الرفض الحاسم لجميع الحلول السلمية والاستسلامية والمشاريع التي تتعرض للحقوق الطبيعية والتاريخية للشعب الفلسطيني بما في ذلك القرار 242 ومشروع روجرز.

وحدد المجلس الوطني في دوراته التي جسدت الوحدة الوطنية حتى مجلس عمان الانشقاقي عام 1984 موقفه الواضح والصريح برفض القرار 242 والتسوية الأمريكية والتمسك بالميثاق الوطني والوحدة الوطنية والكفاح المسلح وتحرير فلسطين من رأس الناقورة حتى رفح ومن النهر حتى البحر.

وتعتبر دورة المجلس الوطني الثانية عشرة في حزيران 1974 نقطة انعطاف في مسيرة منظمة التحرير الفلسطينية وتوجهاتها نحو التسوية السياسية، حيث أقرت الدورة برنامج النقاط العشر (البرنامج السياسي المرحلي) لـ م.ت.ف.

ترفض النقطة الأولى من النقاط العشر قرار مجلس الأمن رقم 242 لأنه يطمس الحقوق الوطنية للشعب الفلسطيني، ويتعامل مع قضيته كقضية لاجئين، ولو كان غير ذلك لما رفضته المنظمة.

وتنص النقطة الثانية على أن م.ت.ف تناضل بكافة الوسائل وعلى رأسها الكفاح المسلح لتحرير الأرض الفلسطينية وإقامة سلطة الشعب الوطنية المقاتلة على كل جزء من الأرض الفلسطينية التي يتم تحريرها.

تشمل عبارة “بكافة الوسائل” الوسائل السياسية والدبلوماسية خلافاً لما كان عليه في الماضي باعتبار الكفاح المسلح الطريق الوحيد لتحرير فلسطين.

وتعني عبارة الأرض الفلسطينية من وجهة نظر ياسر عرفات والولايات المتحدة ليست فلسطين كلها كما نص عليها الميثاق الوطني وإنما الأراضي الفلسطينية التي احتلتها اسرائيل في حرب حزيران العدوانية عام 1967 أي الضفة والقطاع.

وبالتالي استبدلت النقطة الثانية من البرنامج المرحلي تحرير فلسطين بعبارة تحرير الأراضي الفلسطينية، وذلك لتسهيل الطريق أمام قيادة عرفات للانخراط في التسوية السياسية.

وتضمنت النقطة الثانية أيضاً عبارة “إن المنظمة تناضل من أجل إقامة السلطة الوطنية المستقلة المقاتلة على كل جزء من الأرض الفلسطينية التي يتم تحريرها”.

تعني هذه العبارة أن قيادة منظمة التحرير قبلت بأقل من هدف تحرير فلسطين، مما يجعل هذه العبارة من أخطر العبارات التي وردت في النقاط العشر رسختها قيادة عرفات بعد أن رفضها المجلس الوطني وذلك بإضافة كلمة “المقاتلة” عليها، لترضي وتموه وتضلل الفصائل المتمسكة بالميثاق الوطني وتحرير كامل التراب الفلسطيني، لأنه بمجرد الاتفاق على إقامة السلطة عن طريق المفاوضات المباشرة، فلن تكون مقاتلة، (أو نفاثة كما علق عليها خالد الحسن مستهزئاً) في ظل الانتصار والاحتلال الاسرائيلي والهزيمة العربية والانحياز الأمريكي. فالتسوية السياسية بالرعاية الأمريكية لا يمكن في أي حال من الأحوال أن تقود إلى دولة فلسطينية مستقلة ذات سيادة وطنية.

وأسقطت النقطة الثالثة عبارة “لا للمفاوضات” وذلك لفتح الطريق أمام الاتصالات السرية مع الصهاينة ثم الانتقال من السرية إلى العلن كما حدث بالفعل فيما بعد.

وتابعت النقاط العشر سيرها لتعبيد الطريق أمام الانخراط في التسوية الأمريكية في النقطة الرابعة والتخلي عن تحرير كامل التراب الفلسطيني ونصت على إقامة الدولة الديمقراطية. وبالتالي نجحت هذه النقطة من النقاط العشر في تكريس شعار “الدولة الفلسطينية الديمقراطية” كأهم شعار من شعارات منظمة التحرير الفلسطينية بدلاً من “تحرير كامل التراب الفلسطيني”. ووضعت الأساس لفكرة التعايش بين العرب واليهود. وانطلاقاً من ذلك أعلن عرفات تأييده لإقامة اتحاد كونفدرالي فلسطيني– اسرائيلي- أردني على غرار اتحاد الفيلوكس الذي طرحه حزب العمل الاسرائيلي واقترح ضم لبنان إلى هذا الاتحاد.

ونصت النقطة السابعة على أن م.ت.ف تناضل في ضوء هذا البرنامج من أجل تعزيز الوحدة الوطنية، وبالتالي وضعت هذه النقطة السابعة الالتزام بالبرنامج المرحلي برنامج النقاط العشر كشرط أساسي للوحدة الوطنية الفلسطينية.

جسد برنامج النقاط العشر الانتهاك الفظ للميثاق الوطني وقرارات المجلس الوطني في دوراته الإحدى عشر ومبادئ وأهداف الثورة الفلسطينية. وظهر بجلاء نجاح ياسر عرفات في الانحراف عن برنامج التحرير ووضع منظمة التحرير على سكة التسوية السياسية لكي تقبل به واشنطن وتل أبيب في ظل اختلال ميزان القوى العربي والدولي لصالح العدو الصهيوني.

توجه عرفات بعد الموافقة على النقاط العشر إلى مؤتمر القمة العربي في الرباط في تشرين الأول 1974 الذي اتخذ القرار التالي: “تأكيد حق الشعب الفلسطيني في إقامة السلطة الوطنية المستقلة بقيادة منظمة التحرير الفلسطينية، بوصفها الممثل الشرعي الوحيد للشعب الفلسطيني، على أية أرض فلسطينية يتم تحريرها”.

وهكذا اعترفت جميع الدول العربية بأن منظمة التحرير هي الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني. وأعربت عن استعدادها القبول بما تراه المنظمة لقضية فلسطين.

توجه عرفات إلى الدورة الثامنة والعشرين للأمم المتحدة متسلحاً بموافقة المجلس الوطني في دورته الثانية عشرة على النقاط العشر وباعتراف جميع الدول العربية في قمة الرباط أن م.ت.ف هي الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني وطرح في 13/11/1974 أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة فكرة إقامة الدولة الفلسطينية الديمقراطية لليهود والعرب في كل فلسطين. وخاطب الدول الأعضاء بعبارته المشهورة: “لقد جئتكم يا سيادة الرئيس بغصن الزيتون مع بندقية الثائر فلا تسقطوا الغصن الأخضر من يدي”.

وبعد انتهاء الجمعية العامة من مناقشة قضية فلسطين وافقت على القرارين الهامين 2336 و2337. وينص القرار الأول على “أن الجمعية العامة 1-تؤكد من جديد حقوق الشعب الفلسطيني في فلسطين، هذه الحقوق غير القابلة للتصرف وخاصة: أ-الحق في تقرير مصيره دون تدخل خارجي.

ب-والحق في الاستقلال والسيادة الوطنيين.

ج-وتؤكد من جديد أيضاً حق الفلسطينيين، غير القابل للتصرف في العودة إلى بيوتهم وممتلكاتهم التي تشردوا منها وتطالب بإعادتهم.

وجاء في القرار 2337 دعوة م.ت.ف إلى الاشتراك في دورات وأعمال الجمعية العامة بصفة مراقب ودعوتها إلى الاشتراك في دورات وأعمال كل المؤتمرات الدولية التي تعقد برعايتها.

أعلنت الجبهة الشعبية رفضها للنقاط العشر وانسحابها من اللجنة التنفيذية لـ (م.ت.ف) وجاء في البيان الذي أصدرته بهذا الخصوص أن السبب هو “لكي لا تتحمل مسؤولية الانحراف التاريخي الذي تسير فيه قيادة المنظمة”.

وجاء في البيان: “لقد بقينا نناضل ضمن إطار م.ت.ف واللجنة التنفيذية لتثبيت النهج السليم لميثاق المنظمة وقرارات مجالسها الوطنية، ولكننا بدأنا نكتشف يوماً بعد يوم أن قيادة المنظمة ضالعة في عملية التسوية، تريد تمريرها على الجماهير جرعة وراء جرعة، وتسير في عملية انحرافها بشكل متدحرج هدفه وضع الجماهير في نهاية الأمر أمام الأمر الواقع”.

شكلت النقاط العشر بوابة العبور من تحرير فلسطين إلى التسوية الأمريكية، وشكلت بداية التنازلات في الموقف الوطني الفلسطيني، وكرست الانحراف عن الميثاق الوطني وصولاً إلى إلغائه في دورات المجلس الوطني اللاحقة.

وتابعت قيادة عرفات الركض وراء التسوية الأمريكية والاستمرار في العمل على تغيير برامج النضال الفلسطيني بقبول الشروط الأمريكية والإملاءات الاسرائيلية دفعة دفعة وخطوة خطوة إلى أن وقع عرفات اتفاق الإذعان في أوسلو عام 1993 وأنهى الانتفاضة الأولى بعد أن فشل العدو الصهيوني بالقضاء عليها. وألغى الميثاق على دفعتين في دورة المجلس عام 1996 وعام 1998 في غزة وبحضور الرئيس الامريكي كلنتون.  وجاء محمود عباس ليكمل المسيرة التي بداها عرفات مما ادى الى تدمير الحقوق الوطنية لشعبنا العربي الفلسطيني.

قد يعجبك ايضا

التعليقات مغلقة.