ماذا حققت العمليات العسكرية للجيش السوري ؟
الأحد 21/1/2018 م …
الأردن العربي – عمر معربوني …
بدأت وحدات الجيش السوري منذ ثلاثة شهور بمرحلة عمليات ميدانية عنوانها الأساسي هو استثمار نتائج عمليات ترحيل الإرهابيين من مناطق سورية مختلفة الى محافظة إدلب بما يشبه عملية حشر وتكديس في نطاق جغرافي محدد وهو ما يمكن أن نطلق عليه مسمّى الميدان الأخير حيث لا يوجد خيار للجماعات الإرهابية الاّ الإستسلام او القتال حتى الرمق الأخير، ففي هذه المواجهة الأخيرة لا يوجد أيّ احتمال يسمح لعناصر الجماعات الإرهابية بالرحيل إلى أي مكان ما يضعهم أمام خيارات ضيقة جداً خصوصاً إذا ما تابعنا التشكُّل الجديد للجغرافيا بنتيجة العمليات التي اطلقها الجيش السوري.
المفاجأة الإستراتيجية في العمليات الحالية كانت بتنفيذ الإندفاعات الميدانية على خطوط اقتراب لم تكن “جبهة النصرة تتوقعها ولم تكن ضمن حساباتها، فالتوقعات كانت ان يندفع الجيش السوري اندفاعة تقليدية على خط الطريق الدولي بين مدينتي مورك وادلب حيث المسافة تقارب 85 كلم يقع عليها كبرى معاقل “النصرة” بدأً بمورك مروراً بخان شيخون ومعرّة النعمان وسراقب وصولاً حتى إدلب وما بين هذه المدن من بلدات كانت ستجبر الجيش على خوض قتال مدن متتابع حيث نظّمت” النصرة دفاعات قوية ومتينة إضافة إلى حتمية تعرض وحدات الجيش المتقدمة لعشرات الكمائن في المناطق المحاذية لجبل الزاوية. ولأن القيادة العسكرية للجيش السوري تُدرك صعوبة العملية التقليدية والوقت الطويل الذي ستستغرقه وحجم الخسائر الذي سيترتب عن خوض معركة صدامية في قلب معاقل النصرة جاءت الخيارات مختلفة تماماً لتحقيق الهدف نفسه بوقت أقل بكثير وخسائر أقل.
الخيار البديل كان بدفع القوات نحو أبو الضهور وهي العمليات التي بدأها الجيش من غرب خناصر ومن ثمّ منريفي حماه الشمالي الشرقي وإدلب الجنوبي الشرقي في مناطق قليلة التحصين ولا يوجد فيها تجمعات سكنية كبيرة حيث تشكل سنجار اكبرها.هذه العمليات التي بدأت بشق ممّرات من اتجاهات الجنوب والشرق وفيما بعد الشمال تم تنفيذها بتقدم جبهي عريض لتحاش ي امكانية تطويق القوات المتقدمة والإلتفاف عليها ولإجبار الجماعات الإرهابية على تشتيت جهدها وتثبيت قواتها على مساحات كبيرة مكّنت وحدات الجيش السوري من كسر دفاعات “النصرة “بسرعة وحقّقت اندفاعات سريعة وحدّدت نقطة التقاء للقوات عند مطار ابو الضهور.
بوصول القوات من الجهة الجنوبية إلى مشارف مطار أبو الضهور واقترابها مسافة 2 كلم منه من الجهة الشرقية الشمالية ومن الجهة الشرقية يتبقى للقوات تنفيذ وثبة سريعة لإغلاق المنطقة الشمالية بواسطة القوات المتقدمة من الشمال الشرقي مستغلة منطقة مستنقعات السيحة شمال المطار حيث لا يمكن “للنصرة تنفيذ اية مناورات تحرك او التفاف ما يعني بقاء الجهة الغربية كمنفذ وحيد يمكن للجماعات الموجودة شرق المطار نزولاً حتى الجاكوسية والرهجان ان تنسحب منه والاّ فإنها ستصبح داخل الطوق وهي مساحة تقارب ال 1000 كيلومتر مربع.
بنظرة سريعة للميدان في بقعة العمليات على جغرافيا ارياف حماه وادلب وجنوب مدينة حلب بتنا امام متغيرات كبيرة في خرائط السيطرة لمصلحة الجيش السوري يمكن اختصارها على الشكل التالي حيث حقّقت عمليات الجيش السوري سيطرة على:
كامل قطاع جنوب مدينة حلب الشرقي بمساحة سيطرة تقارب 600 كيلومتر مربع وصلت فيه القوات المتقدمة من جنوب غرب مدينة السفيرة ومن غرب خناصر ومن جبل الأربعين في جنوب حلب الى مرحلة رسم خط جبهة جديد يمتد من جبل الحص شرقاً حتى بلدة وتل ماسح وصولاً حتى تل الشهيد وهو تل يؤمن سيطرة بالرؤية والنار على كامل المسافة الفاصلة بين تل الشهيد ومطار ابو الضهور من الجهة الشمالية .
السيطرة على ممّر بطول حوالي 45 كلم وعرض يقارب 25 كلم من العوينة شرقاً حتى غرب صوران في جنوب الممّر صعوداً حتى مطار ابو الضهور بجبهة عرضها 15 كلم وتثبيت خط جبهوي بمواجهة المدن الكبرى على خط الطريق الدولي .
في الشكل الحالي للعمليات باتت القوات المتقدمة على بعد 25 كلم من مدينة سراقب شمال غرب المدينة وعلى بعد 20 كلم من معرّة النعمان غرباً وعلى بعد 13 كلم من خان شيخون جنوب غرب وهو أمر سيُلزم الجماعات الإرهابية على ابقاء قواتها حيث هي دون التمكن من تعزيز اي جبهة يمكن أن يتقدم عليها الجيش السوري .
إن أية اندفاعة للجيش السوري باتجاه شمال سراقب سيضعها على بعد 15 كلم من مدينة إدلب خصوصاً إذا ما تم تعزيز الإندفاع بهذا الإتجاه بفتح اتجاهي تقدم من ريف حلب الجنوبي الغربي باتجاه غرب ابو الضهور ومن ريف حلب الجنوبي باتجاه الزربة والإيكاردا بعد التقدم الى العيس وبانص .
بهذا الشكل من التقدم حقق الجيش السوري نقلة استراتيجية بعمليات موضعية واختصر المسافات والوقت واسّس لعمليات لاحقة تحقق له قدرات مناورة عالية جدأ وتًرهق “النصرة” وتضعها امام خيارات صعبة ومعقدة حيث من المؤكد أن لا احد يستطيع توقع اتجاه الهجوم الرئيسي حيث باتت كل الإتجاهات هامّة للجيش السوري وخطرة على ” جبهة النصرة ” ويمكن للجيش التحرك على اي اتجاه يحدده في ظل عجز النصرة عن تأمين الحشد بعد تحول كل معاقلها الى جبهات مواجهة وبعد ان كانت خططهم القتال على جبهة واحدة ودعمها من الخلف اصبحوا مضطرين لاتفيذ عمليات مدافعة من الخواصر على جبهات يحددها الجيش السوري توقيتاً ومكاناً.
عمر معربوني – الميادين
التعليقات مغلقة.