((النضال الإسلامي اللاعنفي ممثّلا بمؤسسة “الأقصى))
ننشر هذا التقرير كما ورد من مصدره دون أدنى تدخل ، للإطلاع على كيفية عمل ” مؤسسة الأقصى للوقف والتراث وإعمار المقدّسات الإسلامية في فلسطين ” ، رغم أن لدينا العديد من الملاحظات سواء من حيث المصطحات أو المفاهيم أو الأساليب أو الإقتصار على بعض المقدسات في فلسطين دون غيرها ، كما الإستخلاصات .. لكننا ننشرها لنشهد طريقة تفكير فريق من شعبنا العربي الفلسطينيي هناك ، وللبحث في إمكانية تصويب الأخطاء حيثما وجدت
عمان ، 21ك2 ، الأردن العربي
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
النضال الإسلامي اللاعنفي
ممثّلا بمؤسسة “الأقصى للوقف والتراث وإعمار المقدّسات الإسلامية في فلسطين”
محاضرة الدكتورة إبتسام إبراهيم
(أستاذة مادة العلوم الإجتماعية في الجامعة الأميركية بواشنطن)
في ندوة “مركز الحوار العربي” في واشنطن، بتاريخ 17 مارس/آذار 2010
حول: “المقاومة اللاعنفية لدى الحركة الإسلامية في الأراضي الفلسطينية”
مقدّمة
منذ أوائل التسعينات، بدأت السلطات (الإسرائيلية) بسياسة تضيق للخناق على القدس الشرقية تشمل توسيع مسطح حدود البلدية، فرض ضرائب متعددة ومتنوعة على السكان الفلسطينيين، خاصة ما يعرف بضريبة الأرنونا، أي ضريبة البلدية، وجعل حصول السكان الفلسطينيين على تأشيرة للسماح لهم ببناء أو ترميم منازلهم ليس فقط مستبعدا بل مستحيلا. وتهدف هذه العوائق الى تفريغ مدينة القدس من سكانها العرب وتشجيعهم على الهجرة خارج القدس الشرقية. وبدت سياسة الخناق بأنّها تُصعّب على السكان العرب منذ بداية انفجار انتفاضة الأقصى. بينما في الواقع بدأت سياسة شد الحصار على مدينة القدس منذ عام 1993 عندما أصبح ممنوعا على سكان المناطق المجاورة للمدينة وعلى سكان الضفة الغربية وغزة الوصول للمدينة ممّا أسفر عن إغلاق حوالي 50% من المحلات التجارية في المدينة.
كما أن جدار الفصل العنصري الذي أقامته إسرائيل في الاراضي الفلسطينية لأسباب أمنية زاد بشكل سافر المتاعب وأثقل على حياة السكان العرب المقدسيين وضعضع اقتصاد المدينة أكثر مما كان عليه، وعزلها عن بقية المناطق الفلسطينية أكثر مما كانت عزلتها عليه سابقا. أما من بقي عليه التمكّن من الوصول للقدس من دون عائق فهم فلسطينيو الداخل أي فلسطينيو مناطق ال-1948، أي من هم من السكان المعروفين بمواطني دولة إسرائيل.
هذه الورقة تناقش ظاهرة الزيارات اليومية لفلسطينيي الداخل للقدس والمسجد الأقصى والتي تقوم بتنظيمها مؤسسة الأقصى لإعمار المقدسات الإسلامية والتراث والتي تديرها الحركة الإسلامية في منطقة ال-1948، وكيف أن هذه الرحلات والتي أخذت وما تزال طابعا دينيا متمثلة بعمل فرض ديني ولكنها تهدف بالوقت نفسه لتثبيت الهوية العربية لمدينة القدس، وتعبيرا عن رفض السياسة الإسرائيلية التي تهدف الى محو الطابع العربي لمدينة القدس وتفريغها من سكانها العرب وتحويلها، خاصة البلدة القديمة، مرتعا لليهود.
لكي نستطيع أن نتعرف على أهمية الدور النشط لمؤسسة الأقصى للوقف والتراث الإسلامي ومن أجل إعمار المقدسات الإسلامية وتثبيت الهوية العربية لمدينة القدس ودعم اقتصادها، سأقدم مقتطفاً يوضّح الأسس التي قامت عليها مؤسسة الأقصى ودورها كظاهرة سياسية تناضل ضد السيطرة الإسرائيلية للمواقع والأماكن المقدسة الإسلامية وحتى المسيحية في داخل إسرائيل وفي القدس العربية. ولكن سأضطر قبل ذلك أن أعطي فكرة عن دور الحركة الإسلامية في منطقة فلسطين ال48.
مؤسسة الأقصى والحركة الإسلامية في إسرائيل
تختلف الحركة الإسلامية في منطقة ال1948 عن بقية الحركات الإسلامية في فلسطين وفي العالم العربي، وبالتحديد تختلف بوسائل نضالها عن حركة حماس والجهاد الاسلامي في المناطق الفلسطينية المحتلة، وذلك لأن وضع فلسطينيي الداخل، حسب تصريحات قيادييها، يختلف بشكل جذري عن الوضع العربي ككل وعن المناطق المحتلة بالأخص. ولذلك، فإن اهتمام ونشاطات الحركة الإسلامية في إسرائيل ما هو الا عبارة عن ميكانيكية بديلة لدعم الأقلية الفلسطينية في إسرائيل. وبما أنها مؤسسة غير حكومية مُصرّح لها فمعظم جهود الحركة ترتكز في تعزيز الطابع الإسلامي لمسلمي الداخل الفلسطيني من خلال إقامة مشاريع تطويرية مختلفة تشمل مشاريع اقتصادية، تعليمية، دينية، اجتماعية، ومؤسسات خدماتية إنسانية. ولقد حدّد الشيخ كمال خطيب مهمّة الحركة الإسلامية لفلسطينيي ال 1948 في إحدى المقابلات معه قائلا: “ليس مهمة الحركة الإسلامية في البلاد أن تتحمّل مسؤولية العالم الإسلامي أجمع بل مسؤولية حركتنا تصب في حفظ النسل والنفس والأرض والدين والعقل والمال ودفع المظالم النازلة علينا كمسلمين في هذه البلاد ما استطعنا إلى ذلك سبيلا، وفي هذه الأثناء تصبح مهمة الحفاظ على مقدساتنا وعلى رأسها المسجد الأقصى من ضمن مسائل حفظ الدين كعلامات دالة عليه وذلك بما نملك من وسائل وآليات وإمكانيات وقدرات.” (أجرت المقابلة وكالة قدس نت، 2004).
وماذا تقصد الحركة الإسلامية بموضوع الميكانيكية البديلة لدعم الأقلية الفلسطينية في إسرائيل؟ المقصود هنا هو مبدأ مشروع المجتمع العصامي والذي حدّده قياديو الحركة بأنه عبارة عن فكر ومشروع يعبّر عن رفض الحركة الإسلامية للخيارات السياسية المطروحة، مثل خيار جعل إسرائيل “دولة كل المواطنين” أو فكرة “الحكم الذاتي” أو “دوله ثنائية القومية”، كما وضّحها باحثو علم الاجتماع والعلوم السياسية لفلسطينيي الداخل، وأذكر بالتحديد نهاد علي (2004) وأسعد غانم ومهند مصطفى. (2009).
وفكرة المجتمع العصامي تعني “بناء مؤسسات أهلية مستقلة في مجالات الحياة المختلفة… بهدف خدمة الجماهير العربية حسب المنظور الإسلامي، ولقطع التبعية بين الوسط العربي وبين دولة إسرائيل ومؤسساتها… [وذلك من خلال] إقامة مجتمع يعتمد على ذاته (أي بما يعني: مجتمع عصامي).” (غانم ومصطفى، 2009، ص. 241-5 )
فعلى سبيل المثال: فمنذ انتفاضة الأقصى تمّ إنشاء 30 جمعية ومؤسسة قطرية تعكس فكر المجتمع العصامي وترعى شؤون الطفولة، الطلاب الجامعيين، الإغاثة، الرياضة والشباب، الإعلام، الأدب والفن، الأبحاث والدراسات، الأرض والمقدسات، الرعاية الصحية والمستشفيات الأهلية والمدارس الأهلية.
فكما جاء على لسان الشيخ رائد صلاح صاحب فكرة المجتمع العصامي، فإن المشروع يعتمد على ثلاثة أصول:
- إحياء الموارد المالية. من أجل تأصيل إحياء الموارد الذاتية من خلال المنظور الإسلامي، مثل إحياء فريضة الزكاة وباب الوقف الإسلامي وباب الصدقة وباب الوصية، وهذا بحد ذاته “يفكك حالة التبعية الموجودة ويعمق من استقلالية القرار السياسي العربي، ويؤكد على ثوابته ويزيد من استقلالية المجتمع العربي دون الانفصال عن الدولة.” (غانم ومصطفى، ص.342)
- إقامة مشاريع ذات صلة شمولية والمقصود مشاريع من شأنها بناء الحياة الاقتصادية والصحية والاجتماعية وإدارتها بأيد عربية، مثل إقامة المدارس والمستشفيات الأهلية. وبالفعل تمّ تطبيق هذا المشروع فتمّ بناء مدرسة أهلية في أم الفحم وبناء مستشفيات أهلية في طمرة، الناصرة وأم الفحم.
- التواصل مع العالم العربي الإسلامي من حيث تشجيع التواصل في الخبرات والقدرات المالية ورفض فكرة التواصل مع الجمعيات والمؤسسات الأوروبية والأميركية الداعمة والتي تهدف وتسعى الى الهيمنة من خلال تقديم المساعدات المالية تحت شعار كاذب تسمّيه المساعدات الإنسانية.” (المصدر نفسه).
إحدى أهم مؤسسات الحركة الإسلامية والمعروفة في الداخل الفلسطيني هي مؤسسة الأقصى للوقف والتراث ولإعمار المقدسات الإسلامية الفلسطينية في إسرائيل، والتي أُنشئت في عام 1991، من أجل إعادة بناء المقدسات الإسلامية، وأيضا المسيحية، والتي قسم كبير منها هُدّم وتضرّر على أيدي الدولة اليهودية قاصدة بذلك اقتلاع الجذور التاريخية للشعب المسلم والمسيحي الفلسطيني في البلاد، فهدمت ما يزيد عن 1200 مسجد، وجرفت مئات المقابر وصادرت الأوقاف الإسلامية، وحوّلت الكثير من المساجد إلى خمارات وحظائر للأبقار وفنادق ومواقف سيارات، ووضعت يدها على الأوقاف الإسلامية متذرعة بعشرات القوانين التي سنّت خصيصاً لمصادرة الأراضي، وعلى رأس هذه القوانين قانون أملاك الغائب. وما زالت إلى الآن عشرات من المساجد تنتهك حرماتها، فبعضها تستخدمه بعض الجهات الإسرائيلية خمارات ومطاعم وحظائر لتربية المواشي، وتقوم دائرة أراضي إسرائيل بوضع المخططات الخبيثة الرامية إلى تهميش الوجود الإسلامي، فقامت بتحويل مسجد قيساريا ومسجد عسقلان وعين حوض إلى خمارات، وتصوير فيلم للعراة داخل المسجد الأحمر في صفد، وتحويل المساجد إلى حظائر للأبقار والأغنام.
وقد اعتمدت مؤسسة الأقصى في عملها في الدفاع عن المقدسات الإسلامية وحمايتها من خلال ترميم المقدسات وصيانتها. كما ونجحت بذلك في إيقاف الكثير من الاعتداءات مثل جرف المقابر الإسلامية والمسيحية في القرى المهجَّرة. ثم نجحت أن تسترد الكثير من هذه المقدسات بعد أن حاولت السلطات المؤسسات الإسرائيلية طمس هويتها. وعملت المؤسسة أيضا على إنقاذ عشرات المساجد والمقابر التي كادت تطمس بسبب الإهمال وعدم رعايتها، ووصول بعضها إلى درجة الانهيار أحياناً. وقد تم ذلك من خلال القيام بتنظيم المعسكرات العملية التي كان يشارك فيها المئات من الشباب الذين عملوا على إعادة بنائها وترميمها، كما وشمل العمل على صيانة المقدسات في المدن المختلطة (عكا، حيفا، يافا، اللد والرملة) التي يسكن فيها اليهود والعرب والتي تعرّضت فيها كثير من المقدسات الإسلامية والمسيحية الى الطمس.
بالإضافة الى ذلك، عملت مؤسسة الأقصى على توثيق كل الأوقاف والمقدسات بالكتابة والصورة الفوتوغرافية وأشرطة الفيديو وبادرت إلى إعداد النشرات المرشدة إلى مواقع الأوقاف والمقدسات لزيارتها. ثم تابعت وما زالت مؤسسة الأقصى أي تطور أو انتهاك، وتقوم بمعالجته بالطرق القانونية كنصب خيام الاعتصام والتوعية الإعلامية. ومنذ بدء عملها حتى يومنا هذا عملت مؤسسة الأقصى وما تزال على مطالبة الجهات الإسرائيلية بتحرير جميع المساجد التي حُوّلت إلى خمارات وبارات ومخازن.
العقبات التي تواجه مؤسسة الأقصى خلال عملها كثيرة وأهمها المعوقات التي تتلقاها من قبل المؤسسات الرسمية في البلاد، مثل ” دائرة أراضي إسرائيل ” والتي تسمّى “المنهال”، التي تضع أيديها على كثير من الأراضي الوقفية الإسلامية، تحت ستار قانون “أملاك الغائبين”، فتمنع قياديي وناشطي المؤسسة من الدخول الى المواقع الإسلامية في البلاد، ويتعرضون في حال دخولهم للملاحقة القانونية والشرطية. كما وواجهتهم عقبات وعراقيل من خلال أقسام الهندسة القطرية التي تقوم بتغيير الإحداثيات الهندسية، البلوكات والقسائم والخرائط التفصيلية. ثم أن أهم ما يصعب على عمل المؤسسة هو ما يسمّى بـِ” سلطة الآثار ” التي تملك قوة قانونية هائلة، وتقوم بالدخول الى المواقع الإسلامية دون إذن من أحد وتنتهك حرمة المساجد في القرى المهجرة أو المقابر، ويصعب مواجهتها بسبب الدعم القوي الذي تتلقاه من قبل المؤسسة الإسرائيلية. ثم إن هناك عراقيل من قبل السلطات المحلية اليهودية أو الشركات الإسرائيلية الرسمية والتي لها سلطة على بعض المواقع الإسلامية في البلاد والتي لا تبدي تعاونا مع مؤسسة الأقصى فيما يخص الأوقاف الإسلامية التي تحت سلطة هذه المجالس المحلية والبلديات اليهودية.
كما أن التعامل من قبل محاكم القضاء الإسرائيلي التي كثيرا ما تتهرب من إصدار القرارات بحق الأوقاف الإسلامية بحجّة أنها غير مخولة بإصدار مثل هذه القرارات.
زد على ذلك تخاذل الشرطة الإسرائيلية المتعمّد من القيام بدورها في المحافظة على الأوقاف الإسلامية أو منع الاعتداء عليها أو انتهاك حرمتها، خاصة أن هناك محاولات كثيرة من قبل جماعات يهودية متطرفة تهدف لتحويل بعض المصليات والمساجد الى كنس يهودية، كما أن وزارة الأديان الإسرائيلية تنكر حق المؤسسة بإقامة مشاريع لصيانة المساجد والمقابر.
كل هذه العقبات والعراقيل توضع أمام أعمال مؤسسة الأقصى، وهي لا شك عقبات كبيرة تحاول مؤسسة الأقصى تقليصها ومواجهتها وتجاوزها.
وقد اعتمدت مؤسسة الأقصى في نضالها من أجل إعادة الممتلكات التابعة للوقف الإسلامي والمسيحي من خلال حملات نضال لا عنفية متمثلة، كما ذكرت، بمتابعة قضائية ضد السلطات الإسرائيلية ومتمثلة بالتأكيد على التسامح الديني والعمل المشترك مع الأديان الاخرى وبالذات الديانة المسيحية من أجل إعادة هذه الممتلكات لأصحابها الشرعيين.
لكن معظم نشاطات جمعية الأقصى واجهت رد فعل عدائي من السلطات الإسرائيلية، وكما جاء على لسان المؤرخ الإسرائيلي ميرون بينبينيستي “تحدث مشادات بين المؤسسات الإسرائيلية الحكومية والجهات البلدية وبين مؤسسة الأقصى وعلى فترات متباعدة.” ولكنْ قياديو الحركة الإسلامية يدركون بأن السلطات الإسرائيلية ناقمة على مشاريع مؤسسة الأقصى وبالذات على مسيرة البيارق من خلال التضييق على سائقي حافلات ” مسيرة البيارق ” إمّا بسحب رخصهم أو بتغريمهم الغرامات المالية العالية وفرض أوامر على المشاركين في مسيرة البيارق تمنعهم من دخول المسجد الأقصى المبارك لمدة فترات زمنية محددة.
ومع استمرار النقمة والعداء من قبل المؤسسات الحكومية والملاحقة القضائية لمؤسسة الأقصى وقيادييها، تحافظ هذه المؤسسة على نوع من التعامل السلمي بالوسائل القانونية/القضائية ورفض الانجرار لاستعمال العنف، ووفق منشوراتها على موقع الإنترنت، تؤكد المؤسسة بتمسكها بالنضال السلمي المتسامح والذي يعبّر عن ماهية وطبيعة الدين الإسلامي المتسامح.
القدس والمسجد الأقصى
إضافة لتأكيدها على إعادة الوقف الاسلامي لأصحابه الشرعيين وإعمار المقدسات التى هُدّمت على أيدي الإسرائيليين في داخل إسرائيل، فإن ما تقوم به مؤسسة الأقصى خاصة في القدس المحتلة هو تعبير عن مؤازرة ومساندة فلسطينيي الداخل للأهل في الاراضي الفلسطينية وبالتحديد مؤازرة أهل القدس الشريف من أجل تثبيتهم في بيوتهم وممتلكاتهم والتي تعتبر، أي تلك الممتلكات، صمّام الأمان للمسجد الأقصى المبارك.
ولقد حظي المسجد الأقصى المبارك باهتمام كبير من قبل مؤسسة الأقصى، وذلك لمكانته الرفيعة لدى المسلمين بشكل عام كونه أول القبلتين. ومن خلال النداء بأن “الأقصى في خطر” تخاطب مؤسسة الأقصى كل المسلمين في العالم وخاصة المسلمين الفلسطينيين في إسرائيل، للتأكيد على أن وجود الأقصى وكل الحرم الشريف في خطر. وبذلك فقد عزّزت المؤسسة الحس الديني والتضامن الوطني لدى الاوساط المختلفة في المجتمع الفلسطيني وتعزيز النضال من أجل الأقصى.
وتعتبر المؤسسة بأن الواجب القومي والديني يفرض عليها العمل من أجل حماية الأقصى ونشر تقارير مفصلة عن الحفريات الإسرائيلية في أسفل المسجد الأقصى والمناطق المحيطة به وخطر هذه الحفريات مما أدّى الى تصدعات وانهيارات والتي بدت تظهر علنا في بعض الجوانب من مباني المسجد والبيوت في القدس القديمة والتي بات أهلها يعيشون في خطر دائم لتعرض منازلهم للانهيار بأي وقت.
قياديو مؤسسة الأقصى واعون لدور السلطات الإسرائيلية بتوفير الإمكانيات للمتشددين اليهود والذين يعملون على إثارة الشغب من خلال وصولهم للأقصى ومحاولاتهم المستمرة بتنفيذ أضرار لإحدى أهم المقدسات الإسلامية في القدس العربية. ولهذا، قامت المؤسسة بإنجاز عدّة أنشطة.
من برامج وفعاليات مؤسسة الأقصى بالحرم الشريف القيام بمعسكرات عمل أسبوعية ثابتة منذ عام 1996 وتحت إشراف وإدارة هيئة الأوقاف ولجنة الإعمار في المسجد الأقصى المبارك، والتي يتطوع فيها الشباب المسلم من مناطق الجليل، المثلث، النقب، مدن الساحل مثل عكا، حيفا، يافا، اللد والرملة، وأيضا من القدس والقرى المجاورة ملبيين بالمئات نداء مؤسسة الأقصى من أجل نجدته، فأنجزت هذه الإنجازات العملية والتي هدفت المؤسسة من خلالها الى إعمار المسجد الأقصى وحل مشكلة الإزدحام فيه والمساعدة على ترميم ما يحتاجه هذا البناء المقدس.
بينما يعتبر أهم مشروع تقوم به مؤسسة الأقصى من أجل حماية المسجد الأقصى هو مشروع “مسيرة البيارق” وهو مشروع شد الرحال إلى المسجد الأقصى، حيث تسير عشرات الحافلات يومياً إلى المسجد الأقصى مجاناً من جميع القرى في الداخل الفلسطيني على نفقة مؤسسة الأقصى حاملة معها الآلآف من مسلمي فلسطينيي الداخل من الجليل والمثلث والنقب لتأدية الصلوات في الحرم الأقصى الشريف وأيضا من أجل تثبيت وتعزيز التواجد الإسلامي العربي في القدس العربية بشكل يومي خاصة بعدما منعت سلطات الاحتلال الإسرائيلية أهالي المناطق المحتلة في الضفة والقطاع وحتى القرى المجاورة لمدينة القدس من الدخول الى القدس.
سميَّ هذا المشروع بالبيارق تيمناً بالمسيرة التاريخية التي نادى بها صلاح الدين الأيوبي والذي جندَّ جيوش المسلمين من كل البلاد العربية والإسلامية وخاصة مصر وسوريا للانضمام لصفوف حملة الدفاع عن القدس وتحريره من أيدي الغزاة الصليبيين في عام 1187. فبعد التحرير، أعلن الأيوبي عن يوم ثابت في كل عام، يستنفر فيه المسلمين من خلال تنظيم مسيرات تنطلق من كل الولايات العربية الإسلامية وتسير بعشرات الآلاف باتجاه المسجد الأقصى المبارك في الدفاع عنه وأيضا لدعم وإظهار مساندة للتواجد العربي والإسلامي في القدس. وسمَّى صلاح الدين هذا اليوم بيوم البيارق، كما شرحها الشيخ رائد صلاح، لسببين:
- أن المسيرات الحاشدة التي سٌيرت للمسجد الأقصى كانت ترفع البيارق، أي الاعلام.
- كما أن البيارق، وهي جمع بيرق والبيرق يعني النور، فلذا عُرفت مسيرة الأنوار، إذ أن المشاركين في مسيرة البيارق كانوا يحملون الأعلام نهارا والأنوار أي “المشاعل” ليلا من أجل إدخال الرعب في قلوب الصليبيين من حجم الآلاف المؤلفة المتجهة من أكثر من قطر إسلامي الى القدس وثم من رفع قيمة ومكانة المسجد الأقصى في قلوب أبناء الأمة الإسلامية وتذكيرهم بقبلتهم الأولى.
عملا بتجربة صلاح الدين الأيوبي قررت مؤسسة الأقصى تسيير حافلات تنقل كل من يريد شد الرحال الى المسجد الأقصى الشريف. وقد بدأت المؤسسة بهذا المشروع في عام 2001 بتسيير حافلات/باصات تنقل مجانا من يود السفر الى المسجد الأقصى من القرى والمدن في المثلث والجليل والنقب والمدن الساحلية لأداء الصلاة في ساحات المسجد الأقصى المبارك. ففي الشهر الأول للمشروع شاركت 17 حافلة ونقلت 850 مصلي ومصلية الى الأقصى. أما في الشهر التالي فقد وصل عدد الباصات الى 74 ونقلوا 3700 رجل وامرأة. ومنذ ذلك الحين ازدادت شعبية المشروع وأصبحت تصل العشرات من الباصات بشكل يومي الى القدس محمَّلة بالمصلين من كافة القرى العربية في الشمال والجنوب الفلسطيني. وحسب احصائيات المؤسسة، وصل الأقصى حوالي 3158 باصا حاملا 157900 مصليا في عام 2001، وفي عام 2002 وصل عدد الباصات الى 6406 حاملا 325300، وأما في عام 2009، فقد وصل عدد الباصات الى 10500 باصا حاملا 610800 مصليا.
والأهداف من وراء مشروع “مسيرة البيارق” كثيرة وأهمها:
- تضامن ودعم الأهل الفلسطينيين المسلمين في القدس من أجل الدفاع عن مسجد الأقصى. السياسات الإسرائيلية عززت سيطرتها على منطقة الجامع من أجل السيطرة. بل إنّ هذا ما تهدف اليه الجماعات اليهودية المتشددة. أما الرحلات المتكررة وبشكل يومي ستزيد من عدد المصلين المسلمين بشكل كبير، وهذا التواجد يحمي بحد ذاته المسجد ويعمّق الصلة الروحية بينه وبين المصلين. كما أن الفعاليات السنوية مثل “مهرجان الأقصى في خطر، ومهرجان صندوق طفل الأقصى، واحتفالات مصغرة في كل بلد عربي في فلسطين ال1948 يصب في تعميق الصلة مع الأقصى.
- هداية جيل الشباب المسلم الى الطريق السليم من خلال توفير دروس دينية في باحة الأقصى من أجل تعميق صلتهم بالأقصى وربطهم به ربطا عقديا وحسيا. ويؤكد الشيخ علي سعيد أبو شيخة رئيس مؤسسة الأقصى بأنه من خلال جلب وإعادة جيل الشباب إلى درب الهداية من خلال الدروس اليومية في الأقصى المبارك وإحياء سنَّة الاعتكاف في المسجد الأقصى وزيادة عدد المصلين يكون “إحياء الأيام الخوالي والدور الريادي للأقصى المبارك عبر تكثيف وجود المرابطين فيه لتعود للأقصى منارته المفقودة.”
- انعاش ورفع الاقتصاد في البلدة القديمة (داخل أسوار القدس) والذي تعرض وما زال لظروف صعبة نتيجة الحصار وتضييق الخناق من قبل السلطات الإسرائيلية. ففي هذا الدعم الاقتصادي نوع من التثبيت للأهل في القدس ” البلدة القديمة ” والرباط حول المسجد الأقصى المبارك.
- إعادة التواصل بين فلسطينيي ال1948 بالأقصى من خلال تكرار هذه الزيارات.
- وتقريبا لا يوجد بيت أو عائلة مسلمة من فلسطينيي ال1948 الا ورافق بعضٌ من أفرادها الرحلات المجانية ل”مسيرة البيارق” الى القدس. فقد جاء على لسان الشيخ كمال خطيب، أحد قياديي الحركة الإسلامية، أنه بمعدل 30000 شخص رافقوا مسيرة البيارق في كل شهر من عام 2004 مع العلم أن العدد الاجمالي لسكان مناطق ال1948 قد وصل تقريبا الى المليون ومائتين ألف عربي، حيث يصل عدد المسلمين إلى 900000 ولكن أكبر عدد يرافق مسيرة البيارق عادة ما يكون في شهر رمضان. فعلى سبيل المثال، في رمضان 2002 وصل 940 باصا إلى القدس من مناطق ال1948 بينما وصل عدد باصات مسيرة البيارق في رمضان 2009 إلى 1500. ووصل عدد الباصات الآتية من مناطق ال1948 في ليلة القدر في رمضان 2009 إلى أكثر من 200 باص.
يمكن تفسير إقبال الناس وتزايد الأعداد المرافقة لمسيرة البيارق خلال شهر رمضان بالتحديد بتعميق وازدياد الحس الديني والذي بالطبع يحتل حيزا أساسيا في قرار الناس بالسفر الى القدس من أجل الصلاة بالأقصى. ولكن، المعطيات من خلال المقابلات التي أجريت مع المسافرين يظهر أن الرغبة بالتسوق وعمل مشتريات العيد في سوق البلدة القديمة بالقدس يعتبر أيضا عاملا مهما في قرار السفر. وهذا العامل بالذات ترك أثرا بالغا على الاقتصاد والتجارة في بلدة القدس الشرقية والتي كانت تعتمد سابقا وبشكل أكبر على أهل القرى الفلسطينية في ضواحي القدس وأهل الضفة الغربية، بالإضافة لفلسطينيي 1948. ولكن ومنذ تفجر انتفاضة الأقصى انخفض مدخول التجارة بمدينة القدس العربية الى نسبة 40% مقارنة لعام 2000 حسب ما جاء في بحث عزام ابو السعود عام 2007. وهناك عوامل عدة ساعدت على هذا الانخفاض:
- حواجز الجيش الإسرائيلية والتي منعت مواطني قرى الضواحي ومناطق الضفة وغزة من الدخول للقدس الشرقية؛
- انخفاض حاد بمعدل الدخل للفرد في القدس والاكتفاء بشراء المؤن الاساسية وبمقادير قليلة؛
- انعدام السياحة في القدس العربية خاصة بين الأعوام 2002 – 2004؛
- وانخفاض حاد في عدد الزائرين المسلمين والمسيحيين للأماكن المقدسة في البلدة القديمة للقدس نتيجة الحصار الإسرائيلي والتوتر السياسي بالمنطقة. (أبو سعود، 2007، ص.106).
ومع أن هذا االتدهور الاقتصادي القاس والحاد والذي استمر خلال كل سنوات انتفاضة الأقصى، إلا أن أَوجُه اشتد منذ البدء ببناء جدار الفصل العنصري خاصة وبعدما أصبح مستحيلا على سكان بعض أحياء المدينة وقرى الضواحي القاطنين خارج الجدار من الدخول للمدينة. وحسب بحث لبرنارد سابيلا (2007)، فإن الجدار منع أكثر من 55000 مواطن قدسي من حاملي البطاقات الزرقاء والذين يسكنون في الأحياء الشمالية والشرقية للمدينة مثل حي الرام وأبو ديس من العبور الى القدس بعدما فصل الجدار أحياءهم وبيوتهم من التواصل مع مدينة القدس وفرَّق حتى بين أفراد العائلة الواحدة. (سابيلا، 2007، ص.30).
وهذا يؤكد بأن الهدف الرئيس لإسرائيل من بناء جدار يفصل قسم من سكان المدينة الواحدة بهذا الشكل هو التخلص من أكبر عدد ممكن من سكان القدس الفلسطينيين وفرض واقع ديموغرافي جديد يقلل من التواجد العربي في المدينة مع زيادة التواجد اليهودي الإسرائيلي بالوقت نفسه. ولهذا، فإن جدار الفصل، ونتيجة التقييدات المفروضة على تحرّك وتنقل السكان العرب والتقييد على نقل البضائع من وإلى القدس الشرقية، بأن ما تهدف اليه إسرائيل بلا شك هو ضرب وخنق اقتصاد القدس العربية، كما جاء على لسان ليلى فرسخ. (2006).
قياديو مؤسسة الأقصى يعللون انضمام آلآف المسلمين الفلسطينين من مناطق ال1948 لرحلات مسيرة البيارق المتكررة للقدس العربية وبتعريف ظاهرة عادة التسوق في سوق البلدة القديمة بعبادة اقتصادية شبيهة بعادة الزكاة، وهدفها دعم وتضامن مع الأهل الفلسطينيين المصممين على البقاء في القدس رغم عمليات الحصار والتهويد من خلال سياسة فرض الضرائب القاسية على أهل القدس.
فعلى سبيل المثال: يقول أحد أصحاب المحلات التجارية القريب من باب الحديد وهو أحد أبواب المسجد الأقصى بأنه “عبر مسيرة البيارق أصبحت الحركة التجارية تتقدم شيئا فشيئا خاصة في أيام السبت”، أما آخرٌ من الباعة في الطريق المؤدية إلى باب الأسباط فيقول: “مع اقتراب عيد الأضحى المبارك نرى هناك تزايداً في عدد الوافدين من عرب الداخل ونرى حركة تجارية نشطة خاصة أيام السبت.
وما أناقشه في بحثي هذا أن هناك وجهاً آخر لازدياد شعبية مسيرة البيارق يهدف الى خلق وجه معنى جديد لفكرة التضامن وخلق هوية جديدة عند عدد كبير من فلسطينيي ال1948 داخل الخط الأخضر. فالمشاركون برحلات المسيرة يرون بأن هذه الرحلات عبارة عن دعم لمدينة القدس والتأكيد على إبقائها مدينة حية يملؤها حضور وتواجد عربي وإسلامي من خلال زياراتهم اليومية والمتكررة لأقدس المقدسات الإسلامية في فلسطين، وأيضا من أجل الحفاظ على اقتصاد القدس العربية حيا ومزدهرا. فرغم أن هناك اختلافا عميقا بين الحافزين—الصلاة والتسوق—اللذين يجعلان كثيرا من الناس تنضم لرحلات مسيرة البيارق إلا أنهما يصبان في هدف واحد ألا وهو تعزيز الهوية العربية والمسلمة للقدس وتعزيز بالوقت نفسه الهوية الفلسطينية والإسلامية للسكان المسلمين العرب الفلسطينيين في إسرائيل.
هل هي عادة أم عبادة
كما ذكرت سلفا، فإن عددا من الذين تمّت مقابلتهم خلال الرحلات المنظمة لمدينة القدس بحافلات مسيرة الأقصى أجابوا بأن الهدف الأول للذهاب للقدس هو الصلاة ومن ثم التسوق في سوق البلدة القديمة. وظاهرة التسوق أصبحت تعتبر عادة وأن أداء فريضة الإيمان لا يكتمل إلا إذا تضامنوا مع أهل القدس من خلال التسوق من متاجرهم ودكانينهم بعد صرف بضع ساعات وبضع مئات من الشواقل قبل الدخول لمنطقة الحرم يقضونها في التبضع مما يحتاجونه من كتب، وملابس، وحتى بعض الأغذية والمواد التموينية مثل الحلويات والفواكه وورق العنب الطازج من فلاحات قرية الخضر وقرى الخليل. المقابلات التالية جمعتها من نشرات مؤسسة الأقصى والتي أرسلها لي أحد قيادييها عبد المجيد أغبارية.
فمثلا سفيان من أم الفحم: “اعتدت في الأشهر الأخيرة زيارة المسجد الأقصى والمشاركة في مسيرة البيارق، أقضي معظم وقتي داخل المسجد الأقصى للعبادة من صلاة وتسبيح وقراءة القرآن…، لا أذهب إلى السوق ولكني اعتدت بعد الخروج من المسجد الأقصى عبر باب الأسباط أن أشتري دائما بعض الهدايا لطفلي عبد الحميد من ألعاب وملابس وبعض المستلزمات البيتية، وبصراحة أشتري لأنني قد تعودت دائما في كل سفر أن أحمل بعض الهدايا للبيت… وأرى فعلا أن هذا التسوق يمكن أن يتحوّل من مجرّد عادة إلى عبادة يراد بها وجه الله وتثبت الأهل حول المسجد الأقصى المبارك “.
أمّا عبد الفتاح فيؤكد بأنه اعتاد منذ انطلاقة مسيرة البيارق المشاركة أسبوعيا كل يوم سبت وشدّ الرحال إلى المسجد الأقصى، فالركعة هناك بخمسمائة ركعة. ولا يترك فرصة سنحت خلال أيام السنة من عطل واستراحات في العمل إلا واستغلها لزيارة المسجد الأقصى المبارك: ” إن هذه المسيرة التي انطلقت قبل أعوام قليلة تعتبر مبادرة هامة من أجل إعمار المسجد الأقصى، أذهب أسبوعيا للصلاة، وأُكثِر من اصطحاب العائلة والأولاد معي كنوع من التوعية والارتباط مع المسجد الأقصى… أمّا عن المشتريات فأنا شخصيا أقوم بشراء الأشرطة الإسلامية والكتب والهدايا والألعاب، لنفسي ولأهلي وأقربائي وجيراني. وقد نويت هذا الأسبوع شراء معظم مستلزمات عيد الأضحى المبارك من السوق في القدس من حلويات وهدايا”.
“إننا نقوم بذلك كنوع من التعاطف والدعم لتثبيت سكان القدس القاطنين حول وقرب المسجد الأقصى، خاصة مع الوضع الاقتصادي الخانق هناك، وحبذا لو بادرت مؤسسة الأقصى بإقامة سوق مرتب ما بين باب الأسباط والموقف الذي تقف فيه الحافلات، فالوضع هناك بحاجة إلى تنظيم وترتيب، الأسعار الرخيصة نسبيا هي أحد أسباب إقبال الناس على الشراء، ولعل هذا سبب إضافي يجعل فكرة وإقامة سوق مرتب خاصة أيام الجمعة والسبت وفي مواسم الأعياد فكرة في محلها. حبّذا لو خرجت إلى حيّز التنفيذ “.
أكثر جمهور المتسوقين من المشاركين في مسيرة البيارق هم من النساء، والحاجة تمام تسافر أسبوعيا وغالبا يوم السبت إلى الأقصى عبر مسيرة البيارق. كانت تسافر من قبل ولكن بعد انطلاقة مسيرة البيارق ازداد سفرها وشد الرحال الى المسجد الأقصى وترى أن التجاوب يزداد يوما بعد يوم. والمبلغ الذي تصرفه الحاجة تمام محسن في كل رحلة ليس بالقليل: “أقوم بشراء الهدايا من ألعاب، وملابس لنساء أخوتي وهدايا لأبناء أخوتي وأخواني بمبلغ 600-700 شيكل في كل مرة “.
الحاجة تمام صاحبة دكان وهي تلاحظ أن الحركة التجارية مشجعة، وأن ما تقوم به هو نوع من التشجيع لأصحاب المحلات التجارية كي يعمروا الأقصى ويقفوا في وجه الخناق والتضييق في لقمة العيش عليهم، وهي في الوقت نفسه تشجّع الجميع على التسوق هناك، فالأسعار مقبولة وشعبية والأمر مهم.”
الحاج محمود خضر “أبو خليل” وزوجته رافقا تطور مسيرة البيارق منذ انطلاقها. كانا عندما انطلقت ينتظران هما وبعض الأفراد القلائل مرور حافلات مسيرة البيارق عبر الشارع الرئيسي، أمّا اليوم فينتظر المئات أسبوعيا الحافلة داخل القرية كل يوم أربعاء وسبت، وهذا أكبر دليل على ازدياد التجاوب والزائرين للمسجد الأقصى المبارك.
الحاج “أبو خليل” لا يوفّر جهدا لاقناع جيرانه وأهله وأقاربه وأهل بلده بالتوجه الى المسجد الأقصى، ويفنّد بكل ما أوتي من قوة الاشاعات المغرضة التي يحاول البعض من خلالها تخويف الناس من الأوضاع الأمنية وإمكانية التعرّض للضرر حين المشاركة في مسيرة البيارق وزيارة المسجد الأقصى المبارك.
يتحدث “أبو خليل” عن حاجة سكان القدس وخاصة داخل الأسوار وبجانب الأقصى الى الدعم المادي، ويجعل من التسوق إسهاما مباركا لمثل هذا الدعم، فقد صارحه أكثر من تاجر ” في الأيام التي لا تأتي به حافلات مسيرة البيارق ” لا نستفتح – لا نبيع شيئاً”. هذا دليل واضح على مساهمة مسيرة البيارق بالانتعاش الجزئي للاقتصاد في المحور القريب من المسجد الأقصى المبارك. إن هذا البائع يعرف أو يعترف أن هذه المئات التي تشتري وتحمل البضائع والهدايا لا تفعل ذلك لرخص في الاسعار فحسب، بل تفعل ذلك كنوع من التثبيت والعون والدعم للباعة وأصحاب المحلات.
تلخيص
وأودّ أن أنهي وأكرّر بأن مؤسسة الأقصى للوقف والتراث الفلسطيني في منطقة 1948 ومنذ بدء تأسيسها ركّزت كل مهامها ونشاطاتها بمواجهة السلطات الإسرائيلية من أجل الحفاظ على المقدسات الفلسطينية في أراضي ال48 والحفاظ على المسجد الأقصى، واعتمدت في مواجهة مخططات الحصار على الأقصى بالعمل بمبدأ نضال اللاعنف. فقد رأى قياديو الحركة الإسلامية في مناطق ال48 بأن طبائع وعقائد الدين الإسلامي من أجل عمل الخير والمعروف ومساندة الضعيف والمظلوم فرضت عليهم الاعتماد في نضالهم على مبدأ اللاعنف في مواجهة السياسيات الاسرائلية، ليس فقط لشؤون فلسطينيي الداخل بل شؤون وقضايا كل الأهل في الوطن الفلسطيني وبالتحديد قضية المسجد الأقصى والقدس.
فقد بادرت مؤسسة الأقصى بعدة مشاريع تشمل مشروع الخارطة المفصلة للمقدسات، ويعني ذلك مسحاً وتوثيقاً هندسياً وتاريخياً لكل المقدسات الإسلامية والمسيحية في البلاد؛ ترميم المقدسات وصيانتها وتنظيم زيارات المصلين بشكل مستمر لهذه المقدسات؛ إظهار وفضح الدمار الإسرائيلي للمقدسات الإسلامية والمسيحية من خلال نشرات وكتابات بشكل مستمر عن الموضوع وخاصة من حفريات وهدم تحت وبجوار المسجد الحرم الشريف والأقصى؛ وتأسيس فكرة وتنظيم الرحلات اليومية لمسيرة البيارق الى القدس والحرم الشريف.
بقدر ما تعتبر رحلات مسيرة البيارق كمنسك ديني تأتي يوميا بالآلآف من المصلين الى الأقصى بقدر ما تعتبر بالوقت نفسه وسيلة لدعم وتثبيت الهوية العربية والإسلامية لمدينة القدس من خلال رفضهم للسياسة الإسرائيلية الهادفة الى تفريغ المدينة من سكانها العرب. وهذا الرفض يأتي من خلال تعزيز التواجد العربي الإسلامي وتعزيز الهوية الفلسطينية المسلمة عند غالبية فلسطينيي ال48.
بحثي هذا لم ينتهِ بعد بل ما زلت أعمل عليه، وكما يقولون ما زال قيد البحث. هناك حاجة لإجراء مقابلات مُعمّقة مع قياديين آخرين في مؤسسة الأقصى والحركة الإسلامية لدى فلسطينيي ال48. هذه المقابلات سوف تفسر مدى نجاح المؤسسة بتعزيز التواصل وربط فلسطينيي الداخل بالقدس وأهالي القدس والأهمية السياسية لما ينتج من تعزيز الهوية العربية للقدس وبمَ يختلف عمل مؤسسة الأقصى في القدس وعن ما تفعله أحزاب ومؤسسات نضالية أخرى في فلسطين الداخل.
كما أنني قرّرت مع باحث زميل مراجعة الانشقاق في الحركة الإسلامية ورؤية خاصة بأن عمل مؤسسة الأقصى بدأ قبل أن يحدث انشقاق في عام 1996. فعلى سبيل المثال، نود معرفة ما إذا كانت نشاطات مؤسسة الأقصى تمثل الحركتين معاً أم الحركة الشمالية فقط والممثلة بقيادة الشيخين رائد صلاح وكمال الخطيب؟
التعليقات مغلقة.