عن مؤتمر “سوريا الى إعادة البناء” / د.خيام الزعبي

 

 

د.خيام الزعبي* ( سورية ) الإثنين 20/4/2015 م …

*مدير مكتب صحيفة العالم الجديد بدمشق

تتجه أنظار السوريين صوب جامعة دمشق حيث مؤتمر “سوريا الى إعادة البناء” بعد الحرب الشرسة التي عاشوها على مدار خمس سنوات ولا زالت مشاهدها حاضرة في أذهانهم، حيث آلاف الشهداء والجرحى ناهيك آلاف المنازل والمدارس التي دمرت وبها غيرّت ملامح أحياء بأكملها في بعض المناطق، ورغم الثمن الكبير الذي دفعه السوريون في تلك الحرب إلا أن الأمل يحذوهم في أن ينجح المؤتمر في التوصل الى مخرجات لإعادة البناء، وضمن هذا الإطار برز من جديد دور مشاركة وزارة التربية “11مشارك” بهذا المؤتمر الذي سيعقد على مدرج جامعة دمشق خلال الفترة 23-26 نيسان2015م، كشريك فاعل ومؤثر في إعادة الإعمار والمساهمة في تقديم أفكار ومقترحات علمية تساعد في التخفيف من المنعكسات السلبية للأزمة وتخدم مشروع إعادة البناء وتعزز التشاركية بين الجهات الحكومية والخاصة.

يناقش المؤتمر على مدار أربعة أيام عدداً من المحاور الرئيسية أبرزها محور الإرهاب والمجازر والإنتهاكات التي تعرض لها الشعب السوري ومحاور أخرى تتعلق بالبناء الإنساني والمادي، وتبادل الأفكار والخبرات بين المشاركين ضمن طاولات مستديرة يلتقي فيها خبراء محليون ودوليون متخصصون في الموضوعات المطروحة بغية صياغة مقترحات علمية وتقانية تخدم عملية إعادة الإعمار بمفهومه العريض التي سيجري عرضها في الجلسة الختامية ليتم تأطيرها على أرض الواقع.

تنتظر وزارة التربية، إنتهاء هذه الحرب الشرسة، والدخول في مرحلة إعادة الإعمار، ومن المؤكد أن المضي قدماً في تحقيق التنمية وإعادة البناء، مرهون في شكل كامل بحلول الأمان والإستقرار، لذلك تسعى إلى ربط أنشطتها بحاجات المجتمع وتطلعاته وهو ما يؤكد أهمية الوزارة التي تعد من أهم أركان تطور المجتمع والحاضنة الأساسية لتطور العلوم ضمن إطار مشروع تنموي وطني متكامل وشامل، فهي تسعى الى مشاركة أهل العلم والتقانة بخبراتهم ومقترحاتهم للتخفيف من آثار الأزمة ووضع رؤية لرسم معالم سورية الغد، وإنطلاقاً من ذلك تعمل الوزارة منذ فترة على تحضير ملف متكامل حول مرحلة إعادة الإعمار بكل متطلباتها ومستلزمات نجاحها فيما يخص العملية التربوية في القطر.

تنبع أهمية مشاركة وزارة التربية لهذا المؤتمر، من عدة إعتبارات، أولها التأكيد على الدور الريادي للوزارة في مجال التعليم، بإعتبار أن العلم والتربية والثقافة هي الأدوات القادرة على مواجهة مشكلات المجتمع والتغلب عليها للوصول الى مستقبل مشرق من خلال عملية بناء نظام تعليمي قادر على مواجهة تحديات الحاضر وطموحات المستقبل، وثانيها قدرتها على بناء شخصية الإنسان، وإعادة تشكيل ثقافته، بما يتواءم مع عادتنا وقيمنا وأخلاقنا من ناحية، وبما يتناسب مع مستجدات العصر الذي نعيشه وسيطرة العولمة عليه من ناحية أخرى، فضلاً عن بناء منهج التواصل الحضاري وخلق روح المواطنة وجعل الإنسان الرأسمال الحقيقي في البناء البشري والتنموي، وبالتالي إن الطموح يقودنا الى جعل هذه الوزارة الصرح الذي يعول عليه جميع السوريين من أجل بناء الحياة المتمناة.

في سياق متصل تعتبر التربية هي أساس بناء الوطن وشخصية المواطن، فبالتربية تبنى وتنهض الأمم، لذلك  يعد التعليم في سورية محور التنمية الأول في مختلف أنشطة وخطط الدولة، ووزارة التربية  ماضية في تنفيذ إستراتيجية تطويرية تم إعدادها بعناية بالتشارك مع مؤسسات المجتمع وصُناع القرار، والطموحات لا حدود لها في أن نعايش تعليماً متقدماً يتفق مع آمال وتطلعات المواطن، حيث تتضمن الخطة جملة من المشروعات الكبرى التي تتمحور حول إعداد جيل التنمية، من خلال الإهتمام ببناء شخصية الطالب وتعميق المسؤولية فيه بوصفه عنصراً رئيساً مشاركاً في بناء الوطن، بدءاً من مرحلة رياض الأطفال التي أفردت لها الوزارة مشروعاً تشجيعياً بالغ الأهمية، ووصولاً إلى المرحلة الثانوية المؤهلة لدخول الشباب مرحلة التعليم الجامعي أو الاتجاه لسوق العمل.

تحرص الوزارة رغم الظروف الراهنة على إستقرار العملية التربوية وإنتظامها وتطوير المناهج الدراسية من خلال مشروع إستراتيجي قطع شوطاً لا بأس به لتستوعب مفاهيم وقيم الرؤية الجديدة للتطوير، والمتغيرات العلمية والتقنية والمعلوماتية، والحوار والتعايش الكوني والإنفتاح على الحضارات الأخرى، لتبقى محافظة على علاقات متوازنة بقيمنا وخصوصيتنا من جهة ومتطلبات الإرتقاء الحضاري والتعايش الكوني من جهة أخرى، واليوم فإن هاجس الوزارة الأول هو “إعادة إعمار المدارس” التي تعرضت للتخريب على أيدي التنظيمات الإرهابية المسلحة، حيث خرجت أكثر من 5000 مدرسة من الخدمة منذ بداية الأزمة بسبب إعتداءات التنظيمات الإرهابية وإستهدافها للقطاع التربوي كما بلغ عدد المدارس المستخدمة لإيواء المهجرين أكثر من 600 مدرسة وهناك ما يقارب 17 ألف مدرسة تستقبل 4 ملايين و300 ألف تلميذ وتلميذة حيث قدرت أضرار القطاع التربوي بنحو 170 مليار ليرة بينما بلغ عدد شهداء هذا القطاع ما يقارب الألف شهيد بينهم خمسمئة طفل.

في إطار ذلك ما زالت وزارة التربية بكل مديرياتها ورغم حرب الإستنزاف التي تستهدفها، تستطيع أن تبرهن للجميع إنها حتى الآن مازالت قادرة على الصمود، والدليل على ذلك إستمرار  التعليم وقدرته على التكيّف مع مآسي الصراع، لا شك أن هذه المؤسسة إنطلقت برسالة هدفها بناء الإنسان المنتج وتطوير قدراته وتوفير روافد تعليمية ملائمة له، والإرتقاء بمستواه تعليمياً وإقتصادياً وفكرياً، وتهيئته بصورة جيده لإكتساب المعارف والخبرات والمهارات الفنية والتقنيات الحديثة التي تؤهله للإنتاج والعطاء والخلق والإبداع بوصفه محور التنمية الشاملة وغايتها الأولى، كل هذا مما جعل التعليم يصمد في وجه الدمار والصراع ويعود لينتعش بعد كل مواجهات مسلحة، كونه يجسد الوحدة الوطنية، ويحقق للشعب السوري من عوامل التوحيد ما عجز عنه الآخرين.

مهمتنا اليوم وضع المجتمع السوري على سكة النهضة الشاملة المطلوبة وغلق الصفحات السوداء التي ملأتها سيئات الماضي الكئيب وفتح صفحات جديدة ناصعة البياض نرسم فيها مستقبلنا المشرق ونخطط في ثناياها ملامح قادمنا الجميل، ليكن شعارنا منذ هذه اللحظة “الإنطلاقة” نحو البناء وإعمار سورية وبناؤها بالتوعية المجتمعية للوصول بها الى ناصية الدول المتطورة، فسورية ستبقى على الدوام صامدة بفضل محبة والتفاف الشباب حولها، وستنهض من الحرب الحالية أكثر عزيمة في مواجهة الدمار والخراب، فبزوال الأزمة سيعود كل شيء إلى ما كان عليه قبل الأزمة، لأن سورية  قادرة على أن تنجب من جديد العلماء والأطباء والمهندسين، سورية التي بنت القاعدة الصناعية من المعامل والمصانع وشيدت الجامعات والمعاهد وبنت المستشفيات قادرة أن تبنيها من جديد والأهم إن الإنسان السوري لم يهزم من داخله ومازال يقف بالمرصاد ضد المشاريع والخطط الإستعمارية ضد أمتنا العربية، وبإختصار شديد إن وطننا سورية يحتاج أكثر من أي وقت مضى إلى جهودنا وعزائمنا، وهذا يتوقف على قدرتنا في أن نشجع جميع الأفراد على تحمل مسؤوليتهم والمشاركة من موقعهم في العمل على التغيير في أخلاقيات المجتمع وإستعادته لقيم الصدق والصراحة والأمانة، وضرورة العمل بروح الفريق الواحد لضمان نجاحهم بالرغم من كل المعيقات التي ستواجهنا.

[email protected]

 

قد يعجبك ايضا

التعليقات مغلقة.