إيمان شمس الدين: “الحضارة الحقيقية تتجسد في تطوير القيم الإنسانية وتعميق إنسانية الإنسان”
الأردن العربي – كتبت نسرين نجم ( شبكة الفجر الثقافية )..
حملت رسالة الكتابة الهادفة كمسؤولية بهدف التوجيه والإرشاد، كتابات تتميز بالتجديد وبالإبداع وبغنى فكري وثقافي ومعرفي تحاكي العقل وترفض فيها الخضوع والخنوع للاستبداد والظلم ولكل ما يعيق تطور ونهضة الإنسان، ساعية بشكل دائم إلى حث الفرد على أن يقوم بنفضة لعقله ولداخله الروحي والنفسي ليكون كما أراده الله عزّ وجلّ خليفته على الأرض. حول أهمية الكتابة شؤونها وشجونها وبعض المواضيع المتنوعة كان لنا هذا اللقاء مع الكاتبة والصحافية في جريدة القبس الكويتية والباحثة الأستاذة إيمان شمس الدين:
* الكتابة اليوم اختلط فيها الغث بالثمين والزيف بالحقيقة:
اختارت الكاتبة إيمان شمس الدين الكتابة ليس عن عبث بل عن وعي وإدراك وقناعة فقد ارتبطت بهذا العالم لغايات سامية ولأهداف رسالية قيمة فهي تقول: “ذُكِر القلم في القرآن الكريم بصيغة القسم، لأهمية ما يمكن أن يسطره من كلمات وتتحول إلى أفكار تؤثر على سلوك الأفراد والمجتمعات، بل قد يكتب القلم جملة تقيم حروبًا أو تشيع السلام. لذلك تعتبر للكتابة أهمية محورية في المعارف والعلوم، وعلى مر التاريخ حفظت المعارف وحفظ التاريخ عبر الكتابة سواء على الأحجار أو على جلد الحيوانات أو بعد ذلك على الورق. وتُعَبّر الكتابة عن أفكار صاحبها، وتعكس خبراته العلمية وتجاربه فيها أو تجاربه الحياتية الاجتماعية وتجربته الدينية، أو تنقل لنا حقبًا تاريخية سابقة كحدث وكحضارة، وغيرها من الغايات والأهداف التي تندرج جلها تحت عنوان العلم والمعرفة. كانت الكتابة سابقًا وسيلة لنقل المعارف وتوثيقها، ولنشر الوعي في المجتمع، أو لحفظ علوم لعظماء ارتقت بمستوى البشرية وصنعت لها الحضارة. ولا يخفى على القارئ الكريم كيف استخدمت الأنظمة الحاكمة عبر التاريخ الكتابة وجل أصحابها لنقل أحداث التاريخ بعين السلطة لا بعين الحقيقة. وكانت تدفع أموالًا طائلة لذلك، وكم أثر هذا التزوير على مسيرة الحضارة الإسلامية وعمل على انكفائها. الكتابة أمر فطري كونها مرتبطة بالعلم والمعرفة بل من لوازمها، ومن منا لا يكتب؟ أما الهدف من ورائها فكثيرة هي الأهداف نوجز أهمها وفق تعدد الغايات بين الخير والشر:
– نشر الوعي بعلمية وموضوعية عالية وتوضيح حقيقة ما يجري في العالم، ومحاولة نشر المعارف والعلوم للنهوض بقابليات الناس المعرفية، وهؤلاء قلة.
– التنفيس عن الكبت الناتج عن القمع وعدم التعبير عن الذات وتحقيقها في الخارج، فيحاول التعبير عنها في تلك الوسائل ليشعر بنوع من الراحة الآنية المؤقتة بأنه أنجز أمرًا عبر فيه عن وجوده.
– تزييف الحقائق وتزوير الواقع، وصناعة وعي مزيف، وتوجيه الجماهير باتجاه روايات القوى المهيمنة وممارسة الشيطنة بحق من تحاربهم هذه القوى.
– هواية يمارسها البعض فيعبر بها عن تلك الهواية.
– وسيلة للتواصل مع الآخرين وتشبيك العلاقات والاطلاع على فضاءاتهم الثقافية، ومحاولة عمل صداقات جديدة خارج الإطار التقليدي الذي يعيش به.
– محاولة اصطياد بين الشباب والبنات من خلال الاستعراض المعرفي والثقافي.
– وسيلة للتجنيد الاستخباراتي للنخب تكون بوابته الثقافة والعلم والمعرفة.
– كتابة للتاريخ بعيدًا عن السلطة وبطريقة علمية توضح حقيقة أحداث الماضي لمحاولة صناعة مستقبل على ضوء تلك الأحداث بشكل أكثر قربًا من الواقع”.
إنطلاقًا من هذا تقدم لنا الأستاذة إيمان شمس الدين صورة بانورامية للواقع الاجتماعي والتربوي لمجتمعاتنا العربية والإسلامية فتقول: “لا يختلف كثيرًا عن الماضي من حيث الاستغلال والتوظيف للتزوير وصناعة وعي مزيف، لكنه يختلف من حيث كثير من الأهداف ومن حيث الأدوات. فغالبًا كانت الكتابة من قبل عظماء التاريخ في حضارتنا لأجل توثيق العلم ونشر الوعي ونقله للأجيال القادمة، رغم بدائية الأدوات والجهد الكبير المبذول مع الوقت في سبيل هذا التوثيق المعرفي.
هذا فضلًا عن العلمية والدقة في كتابة المؤلفات والمخطوطات من قبل أصحاب الأقلام الموثوقة، التي كانت تجهد لنقل الحقيقة في قبال التزوير الذي كانت تمارسه السلطات من خلال كتبة باعوا أقلامهم وضمائرهم بحفنة من المال، كما هو حال كثير من الكتبة اليوم. ففي السابق لم يتصد للكتابة والتأليف إلا أهلها أو من يمتلك المكنة والقدرة والمعرفة. ورغم تطفل بعض المتسلقين عليها سابقًا، لكن مستوى المتصدين علميًّا كان جديرًا بكشف المتسلقين والدعاة.
اليوم باتت الكتابة والتأليف متاحة للجميع، خاصة بعد انتشار وسائل التواصل الاجتماعي، فاختلط الغث بالثمين والزيف بالحقيقة، وتضاءلت قيمة الكتابة في ذهنية الناس، هذا فضلًا عن عدم امتلاك أغلبهم القدرة على تمييز العلوم والمعارف الحقيقية من تلك المزورة أو السطحية، وتحت وطأة ضغط الاستبداد والظلم والقمع ومع توفر وسائل التواصل الاجتماعي للجميع. ولا يخفى عليكم أن توافر وسائل التواصل الاجتماعي أحد أهم سلبياتها تسطيح الوعي وتغييب الوعي العميق، وتحولها لوسائل فتنة وإشاعة في أغلب الأحايين. وتعكس هذه الوسائل في كثير من الأحيان بل تعبر عن مستوى الثقافة والمعرفة الموجودة في أوساطنا. هناك طفرة شبابية تصاحبها حاجة دؤوبة لإثبات الذات مع شبه غياب لمشروع توظيف هذه الطاقات في سبيل نهضة المجتمع، بل يتم توجيه هذه الطاقات من قبل قيادات العولمة بطريقة تمحو هويتهم وترسم لهم معالم هوية هجينة لتعود بزراعتهم في أوطانهم لا لبنائها والحفاظ على هويتها، بل لصناعة هوية جديدة مهجنة تميع مسلمات المجتمع وثوابته وتعيد بناء منظومة معايير جديدة وبعيدة عن روحنا الإسلامية وثقافتنا القرآنية.
وهذا لا يعني عدم وجود وجه آخر يواجه ويقاوم ويحاول البناء، لكنه ما زال ضعيفًا كمشروع مواجهة، بل أظنه لم يرق إلى مشروع”.
هذه الصورة للواقع المعاش والتي كما ذكرت لا تزال ضعيفة في المواجهة ومحاولة البناء، دفعتنا لسؤالها عن العنف المستشري برأيها، فهل تعود أسبابه إلى جرثومة العنف الموجودة داخل كلّ منا، أم أننا لم نعد نفقه إلا أبجدية العنف؟ ترى الأستاذة شمس الدين: “للعنف مناشئ جذرية أهمها بل أساسها يتمثل في وجود سلطة مستبدة تمارس العنف اتجاه الشعب، وتسمى بالسلطة الأبوية لمحوريتها حول شخص واحد أو السلطة الكنسية لشبهها باستبداد الكنيسة في القرون الوسطى، ويتوارث المجتمع هذا العنف بالاحتكاك اليومي الاستبدادي، ويتحول مع التقادم ثقافة مسلمة بل يولد أجيال عليها معتقدين أنها الواقع الحقيقي الأوحد، إلا ما ندر. فيمارس الأب في الأسرة ما يُمارَس عليه في الخارج من عنف واستبداد، فينشأ جيل متشرب فكرة العنف كخيار أوحدي. هذا فضلًا عن وجود فهم موغل في التشدد حول عدة مجالات:
– المجال التربوي وسلطة المعلم على تلاميذه وممارسته للتعليم بالعنف تحت عنوان التربية.
– في المجال الأسري سلطة الأب ومحوريته في كل شؤون الأسرة، وارتباط احترامه بفكرة العنف لا الحب.
– في المجال الديني وسلطة الكهنوت إن صح التعبير، بحيث تهيمن فكرة التشدد وارتباطها بفكرة رضا الله، فكلما أوغل الإنسان بفهم متشدد للدين كلما ارتبط ذلك في لاوعيه بإحراز رضا الله.
– في المجال السياسي تعبر فكرة الحاكم عن استبداد حقيقي مشرعن حتى لو مارس ولي الأمر كل أنواع القتل والعنف فسيكون ذلك مقبولًا تحت عناوين شرعية أهمها طاعة الحاكم”. وتتابع كلامها: “لاحظي في المجتمعات التي حكمها مستبدون مدة طويلة تربت فيها أجيال عديدة على العنف، راقبي بعد سقوط سلطة الاستبداد سلوك الأجيال التي تربت في ظل هذا المستبد، ستجدين سلوكًا مشابهًا عنيفًا يوميًّا في حركة هذا المجتمع وفي دورانه الحياتي اليومي. وقد يتطلب مجيء أجيال عديدة جديدة لتخلص هذا المجتمع من فكرة العنف المكتنزة في لا وعيه وفي وعيه. لذلك أول خطوة نحو التخلص من العنف هو نقد الذات والتخلص من كل ثقافة العنف، وفي ذات الوقت التخلص من كل أوجه الاستبداد وتأصيل عميق لمفاهيم كالحرية والعدالة وما يرتبط بها من لوازم”.
وهنا نسأل إذا ما جعلت الحضارة والتطور الإنسان العربي مستهلكًا فقط لا منتجًا فترى شمس الدين بأن: “الحضارة الحقيقية تتجسد في تطوير القيم الإنسانية وتعميق إنسانية الإنسان وفق قاعدة الإنسان المتأله ومحورية الله في الوجود، وليس قاعدة إنسان الأرض ومحوريته في الوجود، والتطور يكون في تطور قابليات العقل لإدراك حقيقة وجوده ووظيفته، وتطور منظومة قيمه ومبادئه لعمارة الأرض وشياع الحب في الوجود وبناء جسور حقيقية بين الناس ببعضهم وبين الناس وخالقهم كون الاستقامة على الطريقة تكون نتيجتها الماء الغدق. ومع مقارنة بسيطة مع ما سميتِه حضارة وتطورًا ستجدين أنها حضارة مادية محورها الإنسان ومنفعته الغرائزية والتطور المادي مرتبط بالرأسمال ونموه لا بالإنسان وتكامله، بالتالي ستكون نتيجتها التشييء والاستهلاك كقيم أساسية تتناسب وبناءها الحضاري المادي الرأسمالي”.
* نهضة ونفضة وتطوير:
لدى الكاتبة إيمان شمس الدين مقالة تحت عنوان: “إعادة تصنيع التاريخ” الأمر الذي دفعنا لسؤالها هل فعلًا التاريخ يعيد نفسه أم نحن من لم نخرج من رداء التبعية والخنوع؟ فتجيب: “تلك الأيام نداولها بين الناس، فالمسؤول عن صناعة الحدث التاريخي هو الإنسان، نعم هناك عوامل خارجية كعلل ناقصة لكنها لا يمكن أن تشكل حدثًا إلا باختيار وإرادة الإنسان الذي يتمم العلة ويصنع الحدث. اعتبارنا من الماضي له قيمة في صناعة المستقبل، وإعادة نفس الأحداث الماضية بنتائجها يعني أننا لم نعتبر من ذلك ومازلنا ندور في دوامة العنف والاستبداد الذي يعيد تصنيع نفس الواقع بوجوه مختلفة. فصناعة أحداث التاريخ مرتبطة بعدة أمور أهمها:
– سنن التاريخ وهي قوانين ثابتة لا جبرية ولكنها قوانين ترسم لنا معالم الطريق كقوانين تحكم مسارات التاريخ.
– اختيار الانسان وإرادته ووعيه. فالسنن أو القوانين يرتبط تطبيقها وإقامتها باختيار الإنسان ووعيه وإدراكه لما يختار، ومواجهته لكل المعوقات التي تقف أمام هذه القوانين الناظمة. لذلك هي قوانين لا جبرية يشكل فيها اختيار الإنسان العلة التامة في تطبيقها ونفوذها.
لذلك أستطيع القول إننا كبشر الجزء الأهم في تصنيع هذا التاريخ”.
وفي مقالة أخرى للكاتبة إيمان شمس الدين حملت عنوان: “العدالة ومؤثرات النهضة الشاملة” تتحدث فيها عن منظومة القيم وأهميتها بتوجيه السلوك وضبط النفس، السؤال الذي يطرح نفسه هل استطاعت منظومتنا القيمية أن تكون المحفز لتحقيق العدالة والنهضة أم أنها تحتاج إلى نفضة؟ ترى بأن: “ما يحتاج إلى نفضة هو الإنسان وبكلمة أدق عقل الإنسان وداخله الروحي والنفسي. لقد أرسل الله أنبياء وأقر شريعة ووضح السبل والطريق، وحفظ لنا القرآن من التحريف بالتالي بقي أن نعمل عقولنا بتجرد ونزكي نفوسنا وأرواحنا من كل دنس كي ندرك حقيقة الوجود ووظيفتنا فيه ونعود لفطرتنا دون تلوث كي نستطيع تطبيق منظومة القيم كما هي لا كما تهواها غرائزنا. قل كل يعمل على شاكلته، والشاكلة هو ما شكله الإنسان وصبغ به ذاته من طباع وغرائز أبعدته عن فطرته أو قربته منها، شوهت الفطرة أو أبقتها سليمة، “إلا من أتى الله بقلب سليم”، فلدينا فطرة ولدينا شاكلة، الأولى مودعة في كل البشر بالتساوي، والثانية هي خاصة بكل إنسان واختياره وسلوكه فإما يبقي فطرته سليمة نقية لتصبح شاكلته مطابقة لفطرته، وإما يشوه فطرته بشاكلة تبتعد فيه كثيرًا عن هذه الفطرة وتشوهها”.
بالانتقال إلى واقع المرأة العربية والمسلمة، هل استطاعت أن تفرض ذاتها على الساحات العلمية والفكرية والسياسية؟ وما هي العوائق التي تمنعها من التقدم؟ فتقول: “طالما كان دور المرأة في المجتمع محل نقاش في كثير من المجتمعات خاصة البدائية والتقليدية منها، فصاغ هذا النقاش إشكاليات قلقة أصبحت غالبًا عائقًا اجتماعيًّا في تطور وعي المرأة واختلاطها بالأفكار والثقافات المحيطة، واطلاعها على آخر معطياتها وإنجازاتها. تأخر المرأة عن هذا الركب شكل لها حاجزًا عن المواكبة والمعاصرة لكثير من إشكاليات عصرها الثقافية والفكرية، وجعل هذه الساحة حكرًا – في كثير من الدول والتجمعات – على الرجل. ولا ننكر في هذه العجالة وجود مناضلات في هذا المجال، يحاولن الالتحاق بركب الفكر والثقافة، والنضال في ساحاته في سبيل مواجهة محاولات طمس الهوية الإسلامية، وتغيير ديموغرافيا الثقافة الإسلامية وطمس معالمها.
الحديث عن دور المرأة يدفعنا للحديث عن قابلية المجتمع لدورها أولًا وأنماط المجتمعات واختلافها في البعد الثقافي خاصة فيما يتعلق بفهم أدوار المراة. هناك هدر لإنسانية المرأة وقهر لأنوثتها. التخلص من القهر يتم بمقاومته ورفضه، لكن هدر قيمتها الإنسانية لا يمكن التخلص منه إلا بتضافر الجهود من قبل كل الجهات لإعادة موضعة قيمتها الإنسانية بالتساوي مع إنسانية الرجل والاعتراف بوظيفة الخلافة الإلهية الموكلة لها على أساس النوع. ومن أنواع الهدر انتقاص إنسانيتها وتحويلها لمتاع ورعية لا تملك حتى تقرير مصيرها في بعض الدول العربية والخليجية خاصة. وهنا نتكلم عن الهدر الخاص الذي تكون المرأة من أهم ضحاياه حيث يقول الدكتور مصطفى حجازي في كتابه الإنسان المهدور حول الهدر الخاص: “يختزل دور كيان المرأة كملكية عصبية وأداة إنجاب ومصاهرة، كما يُهدر كيانها من خلال جعلها ملكية العشيرة والأسرة (من خلال ملكية الأب والأخ للبنت ومن بعده الزوج لزوجته) كما يهدر كيانها من خلال تحويلها إلى أسطورة الضعف والعار، حيث يستخدم كموضوع لإسقاط ضعف الرجل وهدره عليها، كي يعود فيكتسب شيئًا من التوازن والقيمة التعويضية من خلال هذا الإسقاط”.
لا يمكن لاي أمرأة الانطلاق للتنمية الثقافية قبل الانطلاق في تهيئة القابليات الاجتماعية لتقبل وجودها في الساحات الاجتماعية. والتأسيس لمبدأ الكرامة الإنسانية والنهوض بمفهوم المساواة المتفرع من مبدأ العدالة. والتأسيس لمفهوم ولاية الرجل وحدودها والتمييز بين ولايته الأسرية وشراكته مع المرأة اجتماعيًّا على أساس الكفاءة.
تحديد هذه الحدود ومعالمها ورسم دلالات المفاهيم وترشيد الوعي بها هي خطوة قبلية لتنمية دور المرأة الثقافي والفكري والسياسي وإن عدت هذه جزءًا من التنمية. ثم تحديد معالم الطريق نحو تحقيق تنمية ثقافية مستدامة وتراكمية. فالمجتمع هو ساحة العمل، والتعليم والتربية هي المحطة الأولى للانطلاق”.
وإلى أي حد تتقاطع وتتشابه المجتمعات العربية والإسلامية في بعض خصائصها؟ وهل هذا دليل عافية؟ ترى بأن: “في كل محيط اجتماعي وجغرافي هناك هوية جامعة عكسها القرآن بمفهوم الأمة، فوجود هوية جامعة ذات ثوابت واحدة تحقق شخصية الأمة كما وردت في القرآن وهذه بذاتها نقطة قوة وتشكل حصانة أمنية وثقافية ودينية للمجتمعات في المحيط الجغرافي الواحد. وهذا لا يعني محو الهويات الخاصة بكل مجتمع، فكل مجتمع له هويته الخاصة التي لا تتنافى يفترض مع الهوية العامة الجامعة، وكل مجتمع له صبغة وبصمة تميزه. فهوية الأمة لها ثوابت كبيرة تحفظ كينونتها وتمنع التحكم بها والهيمنة عليها من المستبدين، لكنها تستمد ديمومتها وسريانها من الهويات الخاصة لمجتمعات ذات الجغرافيا الواحدة والتي تتطور قابلياتها العقلية وبالتالي هويتها الخاصة، هذا ما يجب أن يكون، لكن ما هو كائن اليوم مخالف في كثير من جوانبه ما يحب أن يكون، اليوم نتيجة وجود أنظمة مستبدة في ظل عولمة إمبريالية فإن المشتركات التي صنعتها تلك الأنظمة كرست من جهة فرقة المجتمعات ومن جهة ثانية انغلاقها على ذاتها. فباتت الهويات الخاصة المختلفة لا سببًا للثراء المعرفي والغنى الوجودي المتعلق بالهوية العامة، بل تحولت الهويات الخاصة للعنة وفتنة تكرس الفرقة والتنحار بين مجتمعات الجغرافيا الواحدة، مما فتت مفهوم الأمة وألغى الهوية العامة لحساب الهوية الخاصة، وبدل أن تكون الهوية العامة موحدة ومقومة لوجودنا وتستلهم تجددها وسريانها عبر الزمن من الهويات الاجتماعية الخاصة المتغيرة والمتطورة مع تبدل الزمان وتطور قابليات العقول، باتت الهوية الخاصة هي الأساس ودمرت الأنظمة هويتنا العامة تحت مفهوم الأمة حتى تتمكن من رقابنا والهيمنة على عقولنا وثرواتنا. فالتقاطع والتشابه أمر وارد ويفترض أن يكون مورد عافية، لكنه تبدل إلى نقمة وفتنة وعائق”.
ضياع الهوية إلى جانب أسباب أخرى دفع الفرد للشعور بالاغتراب داخل الوطن فكيف يمكن علاجه؟ ومن المسؤول عن زرعه في نفوس الشباب؟ تجيب الأستاذة إيمان شمس الدين بالقول: “الاغتراب له عدة أسباب أهمها:
– السلطة التي تقود الوطن وآليات حكمها له ومدى نفوذها فيه وكيفية توظيفها لطاقات المواطنين.
– فاعلية مؤسسات المجتمع الأهلية وقدرتها على توظيف طاقات الشباب وإبداعاتهم في سبيل تطوير المجتمع والوطن.
– الأسرة وقدرتها على بناء أفرادها واستنطاق مهاراتهم ومن ثم توظيفها وتطويرها في المجالات الصحيحة.
المشكلة اليوم في أوطاننا تكمن في السلطة الفاسدة المستبدة، وفساد السلطة يعني فساد مؤسساتها وبالتالي تعطيل طاقاتها وعدم توظيف تلك الطاقات كما يجب. والفساد ينشأ عنه الظلم، والظلم شعور يعيشه المواطن قد يتحول فيما بعد إلى نقمة يتفجر كثورة ضد السلطة، وقد يبقى في داخل الفرد لينشأ عنه شعور الاغتراب. خاصة في الأفراد المبدعين والمتميزين، فحالة الاغتراب تزداد لديهم خاصة مع تهميشهم وعدم تقدير وتوظيف طاقاتهم في نهضة الوطن والمجتمع. فالعدالة أساس النهضة وغيابها سبب كل فشل وضياع وظلم واغتراب. مواجهة الظلم والسعي نحو تحقيق العدالة هو العلاج الأنجع لكثير من مشاكلنا الذاتية الداخلية والاجتماعية الخارجية، ومواجهة الفساد يتطلب إرادة جمعية ومثابرة ومواجهة والأهم التخلص من كل مصالح فردية شخصية”.
التعليقات مغلقة.