في الذكرى العاشرة لرحيل حكيم الثورة جورج حبش / راسم عبيدات
تحل الذكرى العاشرة على رحيل الحكيم جورج حبش،احد اعمدة النضال القومي العربي والوطني الفلسطيني،وقضيتنا الفلسطينية تتعرض الى مخاطر التصفية والتبديد،حيث الإدارة الأمريكية الحالية المتصهينة انتقلت من مرحلة الإنحياز التاريخي لجانب دولة الإحتلال الى مرحلة المشاركة الفعلية في العدوان على شعبنا،من خلال القضم التدريجي لحقوقه،قرار المتطرف ترامب بإعتبار القدس عاصمة لدولة الإحتلال،وقرار نقل السفارة الأمريكية من تل ابيب الى القدس،وكذلك السعي الى تصفية قضية اللاجئين وحق العودة للاجئي شعبنا وفق القرار الأممي (194)،من خلال تخفيض المساهمات المالية للولايات المتحدة في ميزانية وكالة الغوث واللاجئين ” الأونروا”،وما أعقب ذلك من زيارة لنائب الرئيس الأمريكي المتصهين مايك بينس الى دولة الإحتلال،حيث عبر في خطابة المتصهين في الكنيست الصهيوني عن عداء مطلق لحقوق شعبنا الفلسطيني،وحقد وكراهية غير مسبوقتين،وقدم مطالعات في العنصرية والتطرف وتزوير الحقائق وتاريخ القدس،حيث شطب تاريخ كنعاني يبوسي عربي عمره ستة ألآف سنة،لكي يثبت لما يسمى بالأباء المؤسسين للصهاينة بان الإدارة الأمريكية الحالية أكثر صهيونية من الصهاينة انفسهم.
لم يكن تحليلك ورؤيتك الثاقبة يا حكيم الثورة مجافية للحقيقة،بل كانت صائبة مئة بالمئة،عندما قلت بأن امريكا رأس الحية،وهي العدو الأول لكل الشعوب المظلومة والمضطهدة،وهي كانت دائماً جزءاً من المشكلة وليس الحل،وها هي الوقائع تثبت ذلك،فملامح ما يسمى بصفقة القرن التي ستطرحها امريكا لحل الصراع العربي- الإسرائيلي وجوهره القضية الفلسطينية،مقدماتها التي ظهرت،تؤكد على انها مشروع تصفوي للقضية والمشروع الوطني الفلسطيني،وتأبيد وشرعنة للإحتلال،مقابل حلول مؤقتة وسلام اقتصادي،حيث القدس عاصمة لدولة الإحتلال،وتصفية لقضية اللاجئين وضم الكتل الإستيطانية الكبرى في الضفة الغربية وفرض القوانين والسيادة الإسرائيلية عليها،وأمتنا العربية التي كانت حالماً وطامحا الى ان تكون وحدتها طريق عودتنا الى فلسطين التاريخية،النظام الرسمي العربي حدثت تغيرات كبيرة في بنيته ودوره ووظيفته،وانتقل من مرحلة العداء للكيان الصهيوني ورفض الإعتراف والصلح والمفاوضات معه،الى مرحلة التنسيق والتعاون والتحالف معه،ولم تعد لا القدس ولا فلسطين قبلة العرب والمسلمين،وجرى حرف البوصلة وتحوير الصراع عن عمد وقصد من قبل بعض انظمة النظام الرسمي العربي،وفي ظل حالة الإنهيار غير المسبوقة للنظام الرسمي العربي،وجدنا امريكا تسوق مشروعها وخطتها المسماة بصفقة القرن،لتصفية القضية الفلسطينية بمشاركة وتواطؤ من قبل العديد من المشيخات العربية النفطية،وتحول الصراع بدل كونه صراع عربي- اسرائيلي الى صراع إسلامي- إسلامي( سني – شيعي،وبما يخدم المشاريع والأهداف الإسرائيلية – الأمريكية والإستعمارية الغربية في المنطقة،وفي المقدمة منها تامين حماية وجود الكيان الصهيوني ككيان متسيد ومسيطر في المنطقة لمئة عام قادمة،عبر العمل على تفكيك واعادة تركيب الجغرافيا العربية على تخوم المذهبية والطائفية والثروات،وبما يقسم العالم العربي الى كيانات إجتماعية هشة فاقدة لقرارها السياسي وإرادتها،وتعمل ك “نواطير” على ثروات شعوبها،لا تمتلك أي قرار بشأنها،وليس هذا فقط،بل شرعنة وعلنية علاقاتها التطبيعية مع دولة الإحتلال،واعتبار وجودها في المنطقة جزء من مكوناتها الطبيعية،وليست دولة احتلال تقمع شعوبنا وتحتل أرضنا.
نعم يا حكيم ثورتنا،فأنت عدا عن كونك مدرسة في الثورة والفكر والسياسة والأخلاق،فأنت تميزت بقدرتك على التحليلات السياسية والفكرية العميقة،وانت القائل بان هذا الصراع مع المحتل قد يمتد لمئة عام قادمة
،وعلى قصار النفس أن يتنحو جانباً،وها نحن نشهد بأن هذا الصراع مستمر ومتواصل،وشعبنا في اشتباك دائم مع محتل،يرفض أي حل يعترف بوجود شعبنا وحقوقه،حتى في دولة تقام على ما مساحته 22% من مساحة فلسطين التاريخية،دولة تقام على حدود الرابع من حزيران /1967 وعاصمتها القدس،وضمان حق العودة للاجئي شعبنا وفق القرار الأممي (194)،بل نجد هذا الإحتلال “يتغول” و “يتوحش” على شعبنا الفلسطيني على طول وعرض مساحة فلسطين التاريخية،فالقدس بعد قرار ترامب فتحت شهية الإحتلال،ومهدت الطريق له للتحرر من كل عبء قرارات الشرعية الدولية،حيث نشهد سلسلة من القرارات والتشريعات والقوانين العنصرية والمتطرفة التي تهود القدس وتأسرلها وتقلب واقعها الديمغرافي رأساً على عقب لصالح المستوطنين،وما يسمى بيهودية العاصمة الموحدة لدولة الإحتلال،إقرار مشروع ما يسمى ب”القدس الموحدة بالقراءتين الثانية والثالثة،قانون القدس الكبرى وضم الكتل الإستيطانية الكبرى اليها من جنوب غربها الى شمال شرقها،لكي تصبح مساحتها 10 % من مساحة الضفة الغربية،وبما يضمن ضخ 150ألف مستوطن اليها،واخراج القرى المقدسية الواقعة خلف جدار الفصل العنصري من حدودها،وهناك خطة ليس فقط لإخراجها من حدود ما يسمى ببلدية القدس،بل وفرض القانون العسكري الإسرائيلي عليها،سياسة التموضع الجغرافي والديمغرافي،التي تعزل مدينة القدس عن محيطها الفلسطيني،عبر سياسات التطهير العرقي،وبما يحول من يتبقى من العرب المقدسيين في المدينة،بعد خطط الإنفصال والتخلص من أكبر قدر من التجمعات السكانية المقدسية في شرق المدينة الى جزر متناثرة في محيط اسرائيلي واسع.
اما الضفة الغربية فتشهد تقطيعاً لأوصالها وتفتيتا غير مسبوقين،واغراقها بمئات ألآلاف المستوطنين،حيث بعد فرض السيادة والقوانين الإسرائيلية عليها متوقع أن يصل عدد المستوطنين فيها الى مليون مستوطن،وبما يلغي أي إمكانية لحل يقوم على أساس الدولتين،وكذلك هي أراض شعبنا في الداخل الفلسطيني- 48 – تسرق وتنهب عبر مشاريع تهودية اخطرها مشروع “برافر” لتهويد النقب،وهدم ما يسمى بالقرى غير المعترف بها كما حصل مع قرى العراقيب وأم الحيران وغيرها من ما يسمى بالقرى غير المعترف بها،وكذلك الخطر الذي يتهدد بهدم عشرات ألآلاف المنازل تحت ذريعة البناء غير المرخص.
إنتفاضة شعبنا الحالية يا رفيقنا الحكيم عالقة في عنق الزجاجة،بسب عاملنا الذاتي وتغليب المصالح الخاصة من طرفي الإنقسام (فتح وحماس) على المصالح العليا لشعبنا الفلسطيني ،وكذلك استطالة امد الإنقسام ،والذي أخذ في الإستدامة والتعمق،وعدم اتفاقنا على رؤيا واستراتيجية موحدتين،وحتى أشكال النضال التي يجب أن نخوضها،وكاننا أصبحنا مشاركين في تدمير قضيتنا ومشروعنا الوطني،فالقدس بتغريدة للمتطرف ترامب،شطبت من مشروع الحل،واعترف بها كعاصمة لدولة الإحتلال،وحجم هذه الجريمة المرتكبة،لم تدفع بنا نحو التوحد وإنهاء الإنقسام،بل نواصل جلد ذاتنا والتحريض على بعضنا وتحميل المسؤوليات،للتغطية والستر على عجزنا كقيادات وفصائل وأحزاب.
فهذا الزمن لم يعد هو الزمن الجبهاوي ولا الفلسطيني الذي خطبت فيه في دمشق العروبة في ذكرى مرور عام على الإنتفاضة الأولى – إنتفاضة الحجر،كانون اول /1987، حيث قلت ” أعلن لجماهيرنا العربية أن الجبهة ستبقى تعمل لاستمرار الانتفاضة لتجذير الانتفاضة ولتصعيد الانتفاضة وامتدادها حتى تأتي بكافة نتائجها الفلسطينية والعربية والدولية”.اليوم ثقة الجماهير بالفصائل والأحزاب تتراجع يوماً بعد يوم،وتلك الفصائل والأحزاب أضحت اشكالاتها وازماتها الداخلية عائقاً امام قيامها بدورها الكفاحي والنضالي،جزء كبير من قياداتها تكلست وتنمطت،وهويتها الفكرية تضيع،ومواقفها السياسية بلا لون او طعم،وشعاراتها اكبر بكثير من أفعالها يا حكيم،ولكن لا بأس نم قرير العين انت وكل شهداء شعبنا وامتنا من قاداتها ومناضليها،فالشعوب الحية لن تموت وقادرة على ان تنجب من يكمل الدرب والمسيرة.
التعليقات مغلقة.