صلة مغامرة إردوغان في سورية بحساباته الداخلية الانتخابية

 




الأحد 28/1/2018 م …

الأردن العربي – الميادين –

تبدو العملية العسكرية التركية محدودة النتائج الميدانية ما سيعزز من احتمال مراوحتها في المكان بانتظار تعزيز خيار عودة الحكومة السورية للسيطرة على أراضيها في تلك المنطقة.

يبدو أن أبرز أهداف الحملة التركية في عفرين كان التحشيد القومي الداخلي لدعم أردوغان

صرح رئيس قيادة القوات الوسطى الأميركية جوزيف فوتيل، في كانون الأول/ ديسمبر من العام الماضي أن بلاده تعتزم البقاء في منطقة شرقي سوريا، إلى جانب حلفائها من العرب والكرد السوريين، طالما دعت الحاجة للقضاء على الدولة الإسلامية.

التصريحات المتبادلة بين أنقرة وواشنطن دفعت الرئيس الأميركي لتوجيه نقد لإردوغان “معرباً عن قلقه بشأن استخدام لغة ومفردات هدامة وكاذبة معادية لأميركا في تركيا”.

كما أصدر البيت الأبيض بياناً رسمياً حث فيه تركيا على “عدم التصعيد والحد من أعمالها العسكرية.. توخي الحذر، وتفادي خطر نشوب صراع مع القوات الأميركية” في المنطقة، في إشارة لتدهور علاقات البلدين لا تخفى على أحد. وأضاف البيان أن الرئيس ترامب في مكالمته الهاتفية مع نظيره التركي أبلغه أن “عملية غصن الزيتون.. تهدد بتقويض أهدافنا المشتركة في سوريا” واستقرار المنطقة بمجملها.

القرار الأميركي الداعم للكرد في سوريا، وعدم السماح لتدهور العلاقات مع أنقرة في نفس الوقت يعبّر عن تباين وجهات النظر “داخل المؤسسة العسكرية الأميركية” صاحبة القرار. يوضح الخبراء في الشأن التركي أنه في حال فوز كفة الرئيس إردوغان باستطاعة واشنطن عرض “صفقة جديدة” عليه من شأنها الضغط عليه ليعدل موقفه مرة أخرى “بالابتعاد عن موسكو” والعودة إلى حظيرة حلف الناتو.

المؤسسة العسكرية والاستخباراتية الأميركية تراقب عن كثب مجريات الميدان في محيط عفرين، وترصد بدقة “أداء الجيش التركي..” الذي يشكل ثاني أكبر قوة عسكرية في حلف الناتو بعد القوات الأميركية. كما “ترغب في توجيه إهانة عسكرية لإردوغان”، وفق المتداول أميركياً، بحكم عدم خوض الجيش التركي حروباً منذ سبعة عقود زمن الحرب الكورية، وبرع في تنفيذ الانقلابات العسكرية – باستثناء المحاولة الأخيرة.

وتعزيزاً لتلك الرغبة، سلمت واشنطن لأصدقائها الكرد أسلحة جديدة متطورة، منها ذخائر مضادة للدروع، والتي جربت ميدانياً ضد القوات لتركية أسفرت عن تدمير بعض الآليات في الهجوم على عفرين.

السفير الأميركي السابق لدى أنقرة، أريك إيدلمان، أوضح لشبكة (سي أن أن) للتلفزة أن “العلاقة بين الولايات المتحدة وتركيا متوترة جداً منذ زمن”، موضحاً أيضاً أن “هذه التوترات تتعمق في تركيبة النظام الذي يحاول إردوغان فرضه على تركيا والذي تعاديه أميركا”.

نظراء السفير من ديبلوماسيين سابقين أيضاً أعربوا عن حقيقة القلق من توتر علاقات البلدين والخشية من “انزلاق الحرب بين تركيا والكرد.. إلى مواجهة سياسية بين تركيا والولايات المتحدة”.

ماذا بوسع الولايات المتحدة فعله لحمل أردوغان على تعديل موقفه. يجيب الديبلوماسيين السابقين باحتمال قيام واشنطن بفرض عقوبات على تركيا “على خلفية شرائها منظومة دفاع صاروخي روسية من طراز إس-400، والتي تنتجها شركات روسية مدرجة على قائمة العقوبات والمقاطعة الأميركية؛ إلى جانب تشديد الضغوط على البنك التركي الذي أدين نائب رئيسه بتجاوز العقوبات المفروضة على إيران”.

في البحث حول أهداف أنقرة من العملية العسكرية أعرب معهد الدراسات الحربية في واشنطن عن اعتقاده بأنها من أجل “حماية الشريط الحدودي بين سوريا وتركيا؛ عزل مدينة عفرين؛ السيطرة على قاعدة منغ الجوية العسكرية (بالقرب من بلدة إعزاز السورية)؛ حماية خطوط الاتصالات البرية؛ وإنشاء موقع عسكري متقدم لقواتها كمنصة تواجد في منطقة تخفيف تصعيد مستقبلية مع القوات السورية والروسية”.

حتى اللحظة يبدو أن الداخل التركي، بسياسييه ورموزه ومؤسساته، يقف داعماً للعملية بل يقف “موحداً في دعم أردوغان .. للقضاء على الإرهابيين والحفاظ على وحدة التراب التركي”.

حتى زعيم المعارضة كمال كليش دار أوغلو صرح بأنه يدعم العملية؛ وكذلك المرشحة الرئاسية المحتملة، ميرال أكشنير، زعيمة “حزب الخير” التي تطمح لمنافسة إردوغان في جولة الانتخابات المقبلة. كما رصد دعم “البطريركية الأرمنية” في اسطنبول للعملية العسكرية. المعارضة اليتيمة أتت من أوساط “حزب الشعوب الديموقراطي” الذي يؤيده الكرد.

القيادات الكردية المتعددة وجهت سهام انتقاداتها لموسكو متهمة إياها بخيانة الكرد بعد اتخاذها خطوة تراجعية مما سمح للقوات التركية بالتوغل ومهاجمة عفرين.

ما جرى خلف الكواليس تناولته الأوساط الأميركية والعالمية وهو على تباين تام مع السردية الكردية.

الثابت أن روسيا عرضت على الكرد التوصل مع دمشق لنيل “حكم ذاتي في إطار الدولة السورية”, لكن القيادات الكردية “فضلت العصفور الأميركي الطائر في السماء على العصفور الروسي في اليد”. ويزيد الخبراء الأميركيين أن موسكو ربما لم تكن ترغب في اعتراض القرار التركي كون النتيجة “ستؤدي إلى معطيات مفيدة لروسيا”.

ما يمكن أن تؤدي إليه عملية تركية ناجحة بأفق معروف يمكن تلخيص أبرزها بالنقاط التالية:

إلغاء الأوهام الكردية بإنشاء جيب كردستان سوري؛ الضغط الميداني المترتب عليها ستدفع الكرد للتفاوض جدياً مع دمشق والتي بجانب موسكو بإمكانهما تقديم ضمانات أمنية من محاولات تركية مستقبلية.

لتاريخه تبدو العملية العسكرية التركية محدودة النتائج الميدانية ما سيعزز من احتمال مراوحتها في المكان بانتظار تعزيز خيار عودة الحكومة السورية للسيطرة على أراضيها في تلك المنطقة، ولجوء إردوغان إلى قبول المخارج الروسية لمأزقه العسكري والإدعاء بتحقيق نجاحات ميدانية لاستثمارها في الداخل التركي في الانتخابات القادمة، ويبدو أن أبرز هداف الحملة كان التحشيد القومي الداخلي لدعم إردوغان.

قد يعجبك ايضا

التعليقات مغلقة.