التحول الفلسطيني الإيجابي . . كيف نفهمه وكيف نتعامل معه ؟

الاثنين 29\1\2018




الاردن العربي –

محمد شريف الجيوسي

لم يسبق للرئيس الفلسطيني محمود عباس ( أبو مازن ) أن اتخذ موققاً ( متشدداً )  منذ مطلع تسعينات القرن المنصرم ،بل ومنذ السبعينات ، فهو مهندس اتفاق اوسلو مع الكيان الصهيوني وكل ما تلاه ، وصاحب مشاريع بديلة لإستخدام القوة المسلحة .

 لم يكن عباس منذ ان شغل موقع عضو اللجنة المركزية لحركة فتح في السبعينات، معنياً بالعمل في المجالات ذات الصلة بالمقاومة المسلحة،بل انصبت جهوده بصمت على إيجاد بدائل للعمل المسلح وليس تكريسه، فأنشأ مركزاً للدراسات في النصف الثاني من سبعينات القرن الماضي، وجند فريقاً ممن يجيدون اللغة الألمانية للبحث في حقيقة (المحرقة) الألمانية فوجدوا حقائق مذهلة، تثبت أن اليهود لم يُستهدفوا كيهود، وإنما استهدف من استهدف منهم ككل عميل أوخائن الماني لوطنه بغض النظر عن دينه، ( وقد  ينفي ابو مازن الآن هذا الاستنتاج لاعتبارات سياسية مفهومة).

بل ووجد الباحثون في الأراشيف الألمانية قياديين يهود كبار عسكريين ومدنيين في نظام هتلرالنازي،وكان ضحايا الغجر الأكثر عدداً بين كل المكونات الذين أعدمهم نظام هتلر، لكن أحداً لم يشير إليهم حيث لا بواكي لهم.

وجراء البحث المعمق أيضاً في ارشيف مؤسسة الأرض الفلسطينية الإستراتيجية في سورية التي أسسها المرحوم حبيب القهوجي (الذي أصبح لاحقاً عضواً في اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية) خلص عباس من خلال فريق بحثي إلى فكرة مفادها أن عماد البنية الديمغرافية الدنيا للكيان الصهيوني هم اليهود غير الأوروبيين الغربيين بخاصة، حيث يقوم هؤلاء بالأعمال الصعبة الشاقة ومنها حرس الحدود ، فيما يرفض اليهود الغربيون تولي هذه الأعمال ويختصون بتولي الوظائف العليا ، وفي مقدور هؤلاء العودة إلى دولهم الأصلية ، إذا ضاقت بهم الأحوال ، فيما العربي اليهودي لا يستطيع المغادرة .

وأوضحت الدراسات أن أغلبية هؤلاء العرب اليهود ، هُجروا قسراً حينا وأحيانا تحت التضليل الإعلامي والترهيب ، من العراق وسورية واليمن ومصر في أعقاب نكبة 1948 ( هناك تفاصيل مهمة في هذا السياق ).

ولعبت بريطانيا دورا في ترويعهم وتجميعهم وتهجيرهم، بل إن بعض اليمنيين اليهود ، اعتنقوا الإسلام للحيلولة دون تهجيرهم على متن باخرة بريطانية رست في ميناء الحديدة، وبعد هزيمة 1967، وما تبعها من ردود فعل شعبية هاجر  كثير من العرب اليهود من المغرب العربي إلى

الكيان الصهيوني ، وخلص ابو مازن إلى أنه لو تمت إعادة هؤلاء إلى بلدانهم العربية ، فسيتم تفريغ وتقويض الكيان الصهيوني من الداخل؛ دون حرب تذكر.  

وتمكن ابو مازن من إقناع اللجنة المركزية لحركة فتح باتخاذ قرار للعمل على إعادة العرب اليهود ، وتبنت منظمة التحرير الفلسطينية إقناع الجامعة العربية باتخاذ قرار بهذا الشان ،  واتخذت الجامعة قرارا بذلك فعلاً ، لكن الذي غاب عن الجميع ، إيجاد آليات لعودة هؤلاء ، وما تحتاج من أموال ومساكن وأعمال والأهم إعداد المواطن العربي المسلم والمسيحي لتقبل عودة هؤلاء؛ وإدماجهم في الحياة العامة وإيجاد فرص عمل، وهاجرت عائلة عراقية يهودية فعلاً وما لبثت أن غادرت إلى لندن وهناك عقدت مؤتمراً صحفياً أساءت فيه لجوهر الفكرة التي لم تتابع ولم يستخلص منها شيئاً، وربما كان للحرب العراقية الإيرانية دوراً في طيّها والإنشغال عنها في ملف آخر، حيث تراجعت أهمية القضية الفلسطينية إلى الأطراف .

 ومن خيارات أبو مازن البديلة للمقاومة المسلحة، التواصل مع الطوائف اليهودية المناهضة للصهيونية وأهمها ناطوري كارتا، ومع الأحزاب اليسارية داخل الكيان الصهيوني،على الرغم من ضعف هذه القوى وهامشيتها، والّف في هذا كتباً وأبحاثا، وحصل على الدكتوراة عن بحث يتحدث عن فلسفة الزعيم الشيوعي؛ لينين،رئيس الاتحاد السوفييتي الأسبق؛ فيمايتعلق بالصهيونية ، بعنوان (الحركة الصهيونية في أدبيات لينين ) .  

أردت القول إن نهج ومراهنات محمود عباس (السلمية) المعلنة منذ التسعينات لم تأت من فراغ ، ولم تكن منقطعة الجذور فقد كان دائماً بصدد البحث في خيارات خارج قوس الحرب والقوة ، وهو بذلك على النقيض من الزعيم العروبي القومي جمال عبد الناصر الذي أكد (أن ما أخذ بلقوة لا يسترد بغير القوة) كما كان ضد الإصطدام الفلسطيني مع سورية عام 1976 .. مخالفاً بذلك ياسرعرفات، كما لم يتورط كما حماس في المؤامرة على سورية ، رغم أن علاقات فتح كانت شبه مقطوعة مع سورية ، وتحسنت في ظروف الأزمة .

من هنا تأت أهمية التحول النسبي في شخصية محمود عباس باتخاذ قرارات غير مسبوقة ولو محدودة بمواجهة الكيان الصهيوني سواء أتخذت من قبله أو من قبل المجلس المركزي أو المجلس الوطني أو اللجنة التنفيذية أو من قبل الفصيل الأكبر في المنظمة حركة فتح .

صحيح أن هذه القرارات غير كافية وطنياً والمطلوب فصائليا وشعبياً المزيد ، لكنها تبقى قرارات مهمة وغير مسبوقة منذ التسعينات على صعيد كل ما سبق، تستحق الدعم المعنوي والمادي فلسطينيا وعربيا وإقليميا وإسلامياً وعالمياً، وعدم التعامل معها على نحوٍ عدمي،يتساوق موضوعيا مع استهداف العدو الصهيوامريكي الرجعي لها .

والمؤسف أن تواجه هذه التحولات بالتشكيك والعداء من البعض فلسطينيا وعربيا، كما لم يحدث بهذه القوة عندما لم تكن قد أتخذت، ما يدفع إلى التساؤل كيف يتلاقى النقيضان الصهيوني من جهة والوطني الفلسطيني وربما العربي من جهة أخرى . 

لا بد من النظر إلى تحولات أبو مازن الأخيرة(رغم بعض المصطلحات الديبلوماسية الاستهلاكية) بعين الجدية،فهو الآن على نقيضه الذي جبل عليه،في البحث عن البدائل إلا المقاومة،ولنلاحظ مثلا ما كتبته هيئة تحرير التجمع العربي والإسلامي لدعم خيار المقاومة في هذا الصدد،من حديث إيجابي عن حركة فتح..لندعم التحول الإيجابي ولا نفسح مجالاً لإسقاطه أو التراجع عنه، لنجذّره، ولنغلق الأبواب امام كل البدائل الأمريكية والصهيونية والرجعية والوهابية التكفيرية والإخونية ، ونحول دون مجيء الأسوأ ، لنعمل باتجاه تحقيق واقع ووقائع  تقود الى انجازات فلسطينية تلو أخرى.    

[email protected]

قد يعجبك ايضا

التعليقات مغلقة.