خط الغاز الروسي-التركي البديل للمسار الجنوبي / د.ابراهيم علوش

 

د. إبراهيم علوش ( الأردن ) الخميس 23/4/2015 م …

زار الرئيس الروسي فلاديمير بوتين تركيا في بداية شهر كانون أول 2014 وتمخض عن ذلك اتفاق، على ما رشح في وسائل الإعلام، لتصدير الغاز الروسي عبر تركيا إلى أوروبا الغربية، وهو ما يعني، إذا تحقق، خلط الأوراق الإقليمية بالنسبة لاصطفاف تركيا وروسيا في حروب الغاز، ولا يزال من المبكر التنبؤ بتداعيات مثل هذه الصفقة الروسية-التركية، غير أنها لن تتمخض عن إنهاء حروب خطوط الغاز، كما سنظهر أدناه، بل عن تصعيدها.

جاء الاتفاق بالأحرف الأولى بين تركيا وروسيا على تمديد خط غاز روسي إلى تركيا مترافقاً مع إعلان روسيا عن إيقاف العمل بخط “المسار الجنوبي” الروسي عبر البحر الأسود إلى بلغاريا بعدما وصل الحصول على تراخيص من الاتحاد الأوروبي لتشييد مثل ذلك الخط إلى طريق مسدودة، جزئياً لمنع روسيا من تعزيز سيطرتها على سوق الغاز الأوروبية، وجزئياً لمنع روسيا من تجاوز أوكرانيا في تصدير الغاز إلى أوروبا.

استفادت روسيا على هذا الصعيد من: أ – الخلافات بين الحكومة التركية والإدارة الأمريكية، ب – الخلافات بين الحكومة التركية والاتحاد الأوروبي بسبب استمرار رفضه ضم تركيا إليه، ج – إغراء تركيا بأسعار مخفضة للغاز الروسي، د – إغراء تركيا بتعزيز موقفها إزاء الاتحاد الأوروبي عندما تصبح محور أنابيب الغاز المختلفة إليه من بحر قزوين ومن روسيا.

بالمقابل، كانت روسيا قد انفقت سنوات عدة وقرابة 5 مليارات من الدولارات لتمديد جزء من خط “المسار الجنوبي” عبر البحر الأسود، ولذلك فإن تحويل مسار ذلك الخط باتجاه تركيا، بدلاً من بلغاريا، يمثل أقل الخسائر بالنسبة لروسيا، بخاصة أن المسار التركي الجديد يفترض أن يصل للحدود اليونانية، مما يحقق الغرض نفسه الذي كان يفترض أن يحققه خط “المسار الجنوبي” بإيصال الغاز إلى جنوب أوروبا دون المرور بأوكرانيا، والخط التركي، لو تحقق، يبقى في النهاية خطاً روسياً يفرض فرضاً على الاتحاد الأوروبي.

كذلك فرض انخفاض اسعار الغاز، بالتلازم مع انخفاض أسعار النفط، نفسه على القرار الروسي بتحويل مسار خط الغاز عبر البحر الأسود باتجاه تركيا التي تمثل ثاني أكبر مستهلك للغاز الروسي في أوروبا بعد ألمانيا، فهي سوق أكبر من أسواق بلغاريا وصربيا وهنغاريا الصغيرة، ويمكن أن تعوض روسيا أكثر عن انخفاض العائدات بسبب انخفاض اسعار الغاز عالمياً والعقوبات على روسيا بسبب سيطرتها على القرم، مع العلم أن خط “المسار الجنوبي” سيكلف أربعة أضعاف المسار التركي.

تتلقى تركيا حالياً حوالي 60% من احتياجاتها من الغاز من روسيا عبر خطين أحدهما “المسار الأزرق” والثاني عبر خط البلقان الذي يمر بأوكرانيا، ولم يمنع ذلك قيام حرب باردة بين روسيا وتركيا تمتد من سورية إلى الحديقة الخلفية لروسيا في القوقاز وآسيا الوسطى، ومن اعتراض تركيا الشديد على سيطرة روسيا على القرم، ومن محاولة تركيا تنويع مصادر غازها الطبيعي عبر تدشين خط “تاناب” في 9 نيسان 2015 الذي ينقل الغاز الأذري عبر تركيا إلى أوروبا الذي ترافق مع إعلان وزير الطاقة التركي تانر يلدز أن خط “تاناب” المدعوم من الاتحاد الاوروبي لا يتعارض مع تمديد خط غاز جديد من روسيا إلى تركيا يصل لليونان.  إذن روسيا ليس لديها أي أوهام حول الاصطفاف الاستراتيجي لتركيا ضدها لكنها تحاول الاستفادة من التناقضات بين صفوف أعدائها.

تركيز روسيا في تصدير الغاز انتقل إلى آسيا، ومن ذلك صفقتان مع الصين تقدر قيمة أحدهما بـ400 مليار دولار.  لكنها تحاول إنقاذ ما يمكن إنقاذه من “المسار الجنوبي” الذي اعلنت إلغاءه، خاصة أن وصول رئيس وزراء يساري للحكم في اليونان على استعداد للتغريد خارج سرب الاتحاد الاوروبي يزيد من إمكانية تصدير الغاز لجنوب أوروبا عبر اليونان إذا قبلت تركيا الطامحة للعب دور إمبراطوري بتمديد خط انابيب الغاز الروسي عبر أراضيها إلى اليونان.

باختصار، إغلاق الاتحاد الأوروبي أي أفق أمام خط “المسار الجنوبي” المتجه لبلغاريا دفعها للبحث عن بدائل فوجدت منفذا محتملاً عبر تركيا فحاولت روسيا إغراءها بصفقة مربحة وبتعزيز موقعها الجغرافي السياسي كممر لكل أنابيب الغاز المتجهة لأوروبا، وهو ما يعني سياسياً محاولة تحييد تركيا للتركيز على الصراع مع الاتحاد الأوروبي وتجاوز عقدة أوكرانيا، وهو ما لا يلغي أن صراع خطوط الغاز مستمر وعلى أشده، ولو بأشكال جديدة تستهدف مواجهة الإجراءات الأوروبية والأمريكية ضد روسيا بمحاولة اختراق تركيا بخط غاز يصل اليونان.  فهل ستنجح الخطوة الروسية؟  وماذا ستكون انعكاساتها السياسية على الإقليم؟  وإلى أي حد ستمضي تركيا بسياسة اللعب على الحبلين؟  هذا ما ستظهره الأشهر المقبلة…  ويبقى السؤال المركزي التالي: إذا كان الغاز الإيراني قد أسهم بتخفيف غلواء الموقف التركي في اليمن، هل سيسهم الغاز الروسي لتركيا بتخفيف غلوائه في سورية؟

قد يعجبك ايضا

التعليقات مغلقة.