حصيلة ما سمي “بالربيع العربي” الدكتور بهيج سكاكيني

عمان ، 1 شباط ، الأردن العربي

سبع سنوات مرت على ما سمي بـ “الربيع العربي” والذي كان يأمل البعض في بداية الاحداث التي انطلقت من تونس أن تأتي هذه التحركات الشعبية والجماهيرية ” بتغيرات جذرية” وقلب واقع الحال لما هو أفضل لصالح الجماهير التي انتفضت على واقع القهر والظلم الاجتماعي والفساد المستشري في أجهزة الدول والبطالة المستشرية والتي بلغت حدود قياسية. ولا عجب ان القطاع الشبابي شكل صلب وجوهر ومهندس هذه التحركات سواء في تونس أو مصر ولعبت شبكة التواصل الاجتماعي دورا في تحشيد قطاعات واسعة من الجماهير للمشاركة في الحركات الاحتجاجية. وتضاربت التحاليل والانباء عن هذه التحركات منذ البداية فمنهم من إعتقد ان الظروف الضاغطة على قطاعات عديدة هي التي حركت هذه القطاعات في الشارع والبعض اعتقد ان هنالك عناصر خارجية استغلت هذه الظروف الضاغطة وخاصة في قطاع الشباب وكانت تسعى الى عملية “تغير النظام” على غرار الثورات الملونة التي شهدناها في جورجيا وأوكرانيا على سبيل المثال. وبغض النظر عن هذه التحليلات ودقة توصيف كل منها بالرغم من ان كاتب هذه السطور يعتقد ان هنالك أيدي خارجية لعبت دورا أساسيا في هذه التحركات وخاصة مع وجود حوداث متكررة وخيوط مترابطة لهذه الاحداث تدلل ان المايسترو المخطط والمنفذ واحدا، فإن هذه التحركات تميزت بغياب الجسم القيادي لها وبالتالي لم يكن مستغربا غياب برنامج واضح لهذه الحركات مما أدى الى سهولة استلابها من قبل حركة الاخوان المسلمين في تلك البلاد وخاصة في تونس ومصر وربما كان هذا من المخطط له ضمن حركة الاسلام السياسي التي دعمته الولايات المتحدة في تلك الاونة والتي كانت تامل من خلاله ان يتسلم الاخوان المسلمين قيادة الدفة السياسية في المنطقة وكانت تركيا اردوغان داعم إقليمي قوي لهذا التحرك ومنخرطة به كلية.




وفي خضم “الربيع العربي” قامت بعد الانظمة الملكية في الخليج العربي وخاصة السعودية باستخدام “الجهادية” والمجموعات الارهابية المتطرفة في إعادة رسم المنطقة بما يخدم مصالحها الضيقة بنشر الفوضى والحروب في البلدان المنافسة لها في التأثير وقيادة المنطقة. وضمت قائمة ضحايا هذه السياسة القصيرة المدى والعدوانية الدولة السورية والعراق واليمن وليبيا. ولم تحرك الدول الغربية ساكنا على الافعال الاجرامية التي اتبعتها

السعودية في هذه الدول بل على العكس فقد أيدتها سياسيا في المحافل الدولية وقامت ببيع الاسلحة المتطورة لها والمساعدة اللوجيستية في تهريب وإيصال الاسلحة للمجموعات الارهابية التي كانوما زالت تقاتل الانظمة العربية الوطنية وذلك لتحقيق المصالح المشتركة من خلال تدمير القوى العسكرية والسياسية التي تقاوم نهب ثروات ومقدرات بلدان المنطقة التي طالما حلمت بها الدول الغربية. ومن هنا يستطيع المرء أن يتفهم اعتماد القوى الغربية على التحالف السعودي الاسرائيلي الذي بدأ يظهر الى العلن واستخدامه كأداة في اعادة هيكلة وتقرير مصير المنطقة برمتها إن استطاع هذا التحالف القيام بهذه المهمة بتوفير الدعم السياسي والدبلوماسي والعسكري اللازم للقيام بهذه المهمة. وكل هذه المخططات الجهنمية يراد إمرارها تحت غطاء “نشر الديمقراطية” ومكافحة الارهاب الذي اوجدته الولايات المتحدة والسعودية وبعض دول الخليج الاخرى منذ بداية الثمانيات في أفغانستان الممثل بتنظيم القاعدة والتي خرج من رحمها العديد من المجموعات الارهابية المنتشرة في بقاع الكون الفسيح الى جانب منطقتنا.

في تونس ومصر ادت تحركات “الربيع العربي” الى اسقاط الانظمة وتولي الاخوان المسلمين سدة الحكم في البلدين ولو لفترة قصيرة سرعان ما اسقط حكمهم في مصر بتحركات مماثلة وتدخل الجيش المصري والذي جاء بحكم الرئيس السيسي الاتي من المؤسسة العسكرية المصرية التي رأت في مجيء الاخوان المسلمين تهديدا لها وللمكتسبات والامتيازات التي حصلت عليها خاصة في زمن الرئيس مبارك. اما في تونس فقد اتعظت حركة الاخوان المسليمن الممثلة بحركة النهضة بما حصل بمثيلتها في مصر ورأيناها تتجه وربما مكرهة الى خطوات اكثر تصالحا مع الاطياف السياسية التونسية.

ومن الملاحظ ان الدول التي اصيبت ببلاء ما سمي “الربيع العربي” ما زالت تعاني من هذا البلاء وإن بنسب متفاوتة بما فيها تونس ومصر وليبيا وسوريا واليمن لغاية الان.

تونس ما زالت تعاني من المشاكل السياسية والاقتصادية الحادة جانب منها يعود الى الارث الذي ورثته من نظام زين العابدين الفاسد وكذلك من أعمال إرهابية تطل برأسها بين الحين والاخر، ومن هنا فإن عدم الاستقرار على المستويات السياسية والاقتصادية والاجتماعية ما

زال سيد الموقف والصراعات بين القوى الساعية للتغير الحقيقي الذي يخدم فقراء الوطن وتلك القوى التي ما زال لها إرتباط إجتماعي وسياسي مع النظام القديم ما زالت قائمة. ومصر ليس بأفضل حال فهي ما زالت تعاني من الارهاب الذي يضرب بين الحين والاخر داخل العمق المصري وفي مناطق حكومية حساسة الى جانب بعض الاماكن الاقتصادية والسياحية مما كان له تأثيرا سلبيا على السياحة في مصر التي تعتبر احدى الانشطة الاقتصادية الهامة التي تؤمن لمصر جزء لا يستهان به من الدخل القومي. والى جانب ذلك فقد أدت الاحداث الى مزيد من الضغوط على مصر التي ترزح تحت وضع إقتصادي مؤلم وحاد، من دول إقليمية ودولية التي ساعدت في عملية إبتزاز واضحة على حساب دورها الاقليمي على وجه التحديد وبالتالي محاصرتها سياسيا. ومن كان ينتظر عودة مصر الى دورها الاقليمي الفاعل عليه أن ينتظر طويلا وخاصة مع وجود قوى أقليمية تعمل بشتى السبل الى عدم عودة مصر الى هذه الدور الوازن والفاعل.

وقد أدى التدخل المباشر لحلف الناتو في ربيع 2011 في ليبيا تحت حجج “حماية المدنيين” الى اسقاط نظام العقيد القذافي بالرغم من فترة شهر العسل الذي طال بين نظامه والغرب بعد ان تخلص من مخزون الاسلحة الكيماوية التي لديه، الى جانب دفع تعويضات لعائلات ضحايا لوكيربي وكذلك دفع عشرات الملايين من الرشاوي لقيادات اوروبية ودعم حملاتهم الانتخابية وفتح الباب للاستثمارات الاجنبية في قطاع الطاقة وغيرها. وربما كانت بعض خطاياه التهديد بوقف التعامل في الدولار عند بيع نفط بلاده وكذلك توغله في التأثير في القارة الافريقية والخوف من تضرر المصالح الامريكية والفرنسية على وجه التحديد في تلك القارة الغنية بالمصادر الطبيعية من بترول ومعادن ثمينة وكان لا بد من التخلص من نظامه والمجيء بنظام يتساوق كلية مع المخططات والمصالح الغربية الى جانب تقسيم البلاد. وما خلفه هذا التدخل العسكري المباشر هو تحويل البلد بأكمله الى بؤر يسيطر عليها امراء الحرب ووجود حكومتين متنازعتين وتحولت ليبيا الى مرتع لداعش وغيرها من التنظيمات الارهابية وركيزة لتصدير الارهاب الى سوريا ومصر على وجه التحديد الى جانب خلق منطقة آمنة للارهاب المهاجر. هذا بالاضافة الى تحويلها الى بؤرة نشطة للهجرة الغير شرعية من الدول الافريقية الى الشواطئ الاوروبية التي تسببت بكارثة

سياسية وإقتصادية لمعظم دول الاتحاد الاوروبي التي قام العديد من دوله بإغلاق حدودها وأصبحت ارتدادات الهجرة الغير شرعية لاعداد غير مسبوقة تهدد النسيج الاجتماعي في العديد من الدول الاوروبية الى جانب نمو التيارات والاحزاب المتطرفة فيها كما إتضح من نتائج الانتخابات المحلية والبرلمانية والرئاسية في تلك الدول. هذا الى جانب تحويل ليبيا الى مركز لبيع وتهريب السلاح وتجارة المخدرات والبشر. وما زال شبح الحرب الاهلية يهدد بتقسيم البلاد وهذا ما تسعى له الولايات المتحدة وبعض الدول الاقليمية وذلك ضمن مخطط القضاء على الدول الوطنية بتقسيم البلدان الى كانتونات على أسس طائفية ومذهبية وعرقية متحاربة فيما بينها.

اما في سورية التي بدأت تتعافى نسبيا من حرب كونية شنت عليها من قبل دول إقليمية ودولية التي عمدت على استخدام وتجنيد مجموعات إرهابية من اكثر من ثمانين دولة فقد عايشت حرب عدوانية شرسة ادت الى دمار هائل في البنى التحتية للبلد الى جانب استشهاد مئات الالاف من المدنيين. وقد أدى الصمود الاسطوري للشعب السوري والجيش العربي السوري وعدم تصدع أجهزة الدولة الى جانب صمود القيادة السورية والتدخل الروسي والايراني ومقاتلي حزب الله والقوات الرديفة الى القضاء على البنية الرئيسية للمجموعات الارهابية والوقوف صفا واحدا ضد مخطط تقسيم الوطن السوري. وبالرغم من التحولات الميدانية لصالح الدولة السورية الى حد كبير فإن محاولات الولايات المتحدة وأذنابها في المنطقة لافشال الحلول السلمية والعمل على تقسيم الوطن السوري باستخدام ما يسمى بقوات سوريا الديمقراطية والتي في معظمها مكونة من وحدات حماية الشعب الكردية التابعة للحزب الديمقراطي الكردي السوري، الذي يسعى وبمساندة ودعم أمريكي واضح من إقامة كيان كردي مستقل في الشمال السوري تحت مظلة “الفيدرالية” التي ما هي الا الشعار الخادع للانفصال عن الجسد السوري وخطوة على طريق تقسيم البلاد.

أما اليمن فبعد ان كانت البلد على قاب قوسين من توقيع الاتفاقيات بين المكونات السياسية والقبلية والاجتماعية بها والتي كان يعول عليها إخراج اليمن من حالة الصراعات والفوضى والتدخلات الخارجية وخلق الظروف المناسبة للنهوض بهذا البلد جاء العدوان من قبل السعودية في أذار من عام 2015 ليقوض هذه الاتفاقيات في محاولة لاعادة اليمن الى

الهيمنة والتسلط السعودي عليه الذي دام عقود من الزمن. وشكلت السعودية ما عرف بـ “التحالف العربي الاسلامي” لتوسيع قوى العدوان على اليمن ودعم هذا التحالف سياسيا ودبلوماسيا وعسكريا وذلك عن طريق عقد صفقات التسليح حتى بالاسلحة الكيماوية المحرمة دوليا. دمر اليمن بأكمله من بنى تحتية وقتل واستشهد عشرات بل وحتى مئات الالاف من سكانه من المدنيين ومن لم يستشهد من القصف المستمر الذي لم يتوقف يوما واحدا منذ بدء العدوان الغاشم فقد فتكت به الامراض نتيجة نقص الادوية العلاجية أو من الكوليرا التي أصابت أكثر من مليون يمني جلهم من الاطفال أو من الجوع لنقص المواد الغذائية التي تسبب من الحصار البري والجوي والبحريالذي فرضته قوى العدوان الذي تقوده السعودية تحت أعين “المجتمع الدولي” الذي صمتت دوله على هذا العدوان الغاشم من أجل حفنة من الدولارات هنا وهناك تدفع من الخزينة السعودية. والان اكثر من اي وقت مضى يتعرض اليمن الى عملية تقسيم بين الشمال والجنوب كما يتضح الان وخاصة مع بروز الخلافات السعودية الاماراتية على السطح وبشكل جلي حول تقسيم مناطق النفوذ والاهداف الاستراتيجية لكل منهم في اليمن. هذا الى جانب تسعير وادامة الحرب الاهلية في اليمن وتنامي المجموعات الارهابية به بما فيها تنظيم داعش والقاعدة.

سبع سنوات مضت على ما سمي” بالربيع العربي” وما زالت المنطقة تكتوي بنار الحروب والدمار وعدم الاستقرار. وتعايش بالاضافة الى ذلك حالة من الاستقطاب السياسي لم تشهده المنطقة على الاطلاق في تاريخها المعاصر والذي ادى بوضوح الى بروز محورين اساسيين. محور متساوق مع المخططات الغربية للمنطقة ويلعب دورا رئيسيا كأداة لتنفيذ الاستراتيجية الامريكية في المنطقة وعلى استعداد لفتح خزائن بلادها ودفع مئات المليارات في سبيل تدمير المنطقة لمصالح أنانية ضيقة. ومحور يقف متصديا للمخططات التدميرية التي تقودها الولايات المتحدة والكيان الصهيوني في المنطقة الساعي لتكريس نهب مقدرات المنطقة والهيمنة عليها وإخضاعها لمشيئة البسطار الامريكي. الصراع بين هذين المحورين يظهر جليا في العديد من البؤر في منطقتنا ويشتد ومن المرجح ان يمتد الى مناطق أخرى.

ومهزلة المهازل أن نرى السعودية تدعي ان تدخلها في دول المنطقة وخاصة سوريا والعراق إنما يتأتي لدعم “التغيرات الديمقراطية” وهذا التدخل بالطبع لا يمت الى الديمقراطية بصلة لا من بعيد أو قريب وهي التي تعتبر من أكثر الدول تخلفا في المنطقة في هذا المجال حيث الدولة تدار من قبل ولي الامر بمنطق القبلية في القرن الواحد والعشرون. الأولى بالعائلة المالكة ان تنظر الى نفسها في المرآة لترى قبح هذا الوجه الذي لا تزيله مليارات الدولارات التي من خلالها يتم شراء الدول ومراكز الابحاث الغربية وكتبة السلطان وفتاوي الائمة ورجال الدين التي تحلل جماع الزوج لأمراته المتوفاة على سبيل المثال لا الحصر. فلا دستور ولا إنتخابات ولا حرية رأي وحيث اية كلمة حرة تقال يقطع رأس قائلها بحد السيف وفي الاماكن العامة أو يسجن مدى الحياة إذا ما رأف بحاله ولي الامر.

ونختتم بالقول ان التحركات الجماهيرية زمن “الربيع العربي” التي صنفها البعض خطأ “بالشرارة الثورية” والتي انتشرت في بعض دول المنطقة بدعم كامل من قبل الدول الغربية وخاصة الولايات المتحدة وبعض الدول الاقليمية وخاصة الخليجية منها بالاضافة الى تركيا لم تؤدي فقط الى تدمير فادح في اقتصاديات دول المنطقة قاطبة بل انها جلبت معها الموت لمئات الالاف من البشر والمآسي لعشرات الملاين من البشر الذين أجبروا على ترك منازلهم ومصادر رزقهم وتحولوا الى مهاجرين ونازحين في بعض دول المنطقة كما اضطر بعضهم الى الهجرة خارج المنطقة.

قد يعجبك ايضا

التعليقات مغلقة.