اليمن ينتصر صبرا …. والسعودية تحصد الخسائر بالجملة / أمين محمد حطيط
العميد الدكتورأمين محمد حطيط ( لبنان ) الجمعة 24/4/2015 م …
منذ اليوم الأول للعدوان السعودي على اليمن كنا نرتقب هزيمة نكراء تلحق بالسعودية التي حددت لعدوانها أهدافا تعجز بما تملك من طاقات وإمكانات وقدرات تعجز عن تحقيقيها، فالقرار السعودي بالعدوان على اليمن لم يكن قرارا يمت إلى الحكمة والمنطق العسكري بصلة، بل كان نتيجة سوء تقدير مترافق مع الوهم والظن الخاطئ، أو نتيجة الوقوع في فخ نصب لها واستدرجت اليه. فالسعودية كما يبدو ارتكبت عدوانها نتيجة قرار ا أحمق، وزحلقة أميركية على الأرجح.
وقد يكابر البعض أو يتعامى عن هذه الحقيقية أسبابا و نتائج ، أو يقلب الأمور و يحرف المشهد الذي آل اليه العدوان ،و هو مشهد من الوضوح لا يمكن أن يناقش فيه عاقل عارف، قد يدعي البعض بان السعودية “انتصرت”، وطبعا ورغم أن الادعاء هذا يثير السخرية والاستهزاء من مطلقيه لأنه يعاكس ابسط قواعد التقييم العسكري لنتائج المواجهات والحروب، والتي تتمثل بالقول بان “المهاجم ينتصر إذا حقق أهداف هجومه”، والسعودية لم تحقق شيئا مما حددته لهجومها من أهداف، رغم ذلك فأننا ومن اجل التاريخ والتوثيق نذكر بالأهداف والنتائج لنؤكد الهزيمة السعودية والنصر اليمني مقابلها.
و للإيضاح نذكر بان السعودية ادعت بانها قامت بعدوانها من اجل إعادة الشرعية الممثلة حسب قولها بعبد ربه هادي و حكومته إلى اليمن ، و من اجل طرد الحوثيين من صنعاء و من كل المحافظات التي دخلوها و إعادتهم من حيث أتوا أي إلى جزء من مناطق محافظة صعدة ، كما و تجريدهم من السلاح و حرمانهم من أي فرصة لامتلاك سلاح ثقيل أو متوسط ، ثم الزام اليمنيين بالمجيئ صاغرين إلى الرياض لحوار شكلي يفضي إلى التوقيع على حل وفقا للمبادرة الخليجية و بأشراف سعودي مباشر ,,, أي باختصار العودة باليمن إلى ما كان عليه قبل 21\9\2014 مجرد مستعمرة سعودية لا قول و لا راي لأهليها في شان بلادهم .
هذا ما أرادوا، ولكن شيئا من ذلك لم يتحقق، وأيضا للتوثيق نذكر بان السعودية أعلنت وقف عدوانها والواقع قائم على ما يلي:
أ. الرئيس الفار هادي لا زال في الرياض وليس لديه أي فرصة للعودة لليمن وإذا كانت فرصه قبل العدوان قائمة وأن في سقف منخفض فانه بعد العدوان بات معدوم الفرص كليا.
ب. حكومة البحاح كاث قبل العدوان مستقيلة ولكنها مقبولة لا بل متمسك بها لتصريف الأعمال وإدارة شؤون الدولة من مكاتب الوزرات والإدارات الرسمية وبحماية الجيش واللجان الثورية أما بعد العدوان فقد باتت منفية تصرخ عبر الحدود ولا تجد من يصغي اليها أو يتقبل فعلها.
ت. اللجان الثورية وأنصار الله كانوا قبل العدوان في صنعاء وبعض المحافظات التي لا تشكل 40 % من مساحة اليمن أما بعد العدوان وإثناءه فقد باتوا منتشرين على مساحة 85%من اليمن وأحد لا يقوى على المس بهم في وجودهم أو سلاحهم خفيفا أو متوسطا أو ثقيلا.
ث. قبل العدوان كان الحوار في الرياض مرفوضا لكنه كان مقبولا في قطر احدى دول مجلس التعاون الخليجي الذي تقوده السعودية أما بعد العدوان فقد بات أي مكان تابع لهذا المجلس العدواني مرفوضا كمحل للحوار اليمني وحدها عمان التي تثير حساسية السعودية تظل مقبولة لأنها لم تشارك بالعدوان.
وهكذا نجد أن السعودية لم تفشل فقط في تحقيق أهداف عدوانها لتتشكل هزيمتها وفقا للمعايير المألوفة ـ بل انها خسرت ما كان قائما في يدها وبات موقعها في اليمن بعد العدوان أسوأ بكثير مما كان قبل العدوان أي أن العدوان لم يفشل في تحقيق أي مكتسب للسعودية فحسي بل عجز عن المحافظة عما في اليد أيضا …وهنا تكون الهزيمة السعودية التي لا يناقش بها ألا أحمق أو جاهل أو مكابر متملق.
ولكن الأمور لم تتوقف هنا فالأخطر والأدهى برأينا ليست الخسارة أو الهزيمة محصورة في الساحة اليمنية فحسب بل أن الهزيمة والخسارة الأخطر تتعدى ما ذكر لتلامس البعد الاستراتيجي للمسألة وهنا نسجل بعض وجوه تلك الخسائر:
1) انكشفت السعودية في علاقتها مع اليمن وباتت دولة استعمار سابق، يختزن اليمني في صدره ضدها كل أنواع الحقد والكراهية، كراهية لا تغسلها الأيام والريالات والموعودة بإعادة الأمل. فقد خسرت السعودية اليمن إلى غير رجعة والأخطر من ذلك أن السعودية تدعي بان عدوانها أزال الخطر عن حدودها الجنوبية والحقيقة أن العكس هو الصحيح فقبل العدوان لم يكن هناك أي خطر يتشكل عبر الحدود أما الآن فالأمر تغير واليمن سيمتلك قراره المستقل وقد تجد السعودية نفسها قريبا عرضة لفسخ اتفاقية 1934 وإعادة المحافظات الثلاث إلى اليمن، كما أن السعودية خسرت أيضا ورقة التقسيم التي كانت تلوح بها في حال عجزت عن استعادة استعمارها لليمن كله.
2) انكشفت طبيعة السعودي وحجمها الفعلي في العالم العربي والإسلامي، وأظهرت بان أبوتها ورعائيتها كاذبة مزيفة وأنها من اجل مصالحها ونزواتها لا تتردد في اللجوء إلى الأجرام والقتل والتدمير، وصحيح انها كانت تفعل ذلك قبل عاصفة العزم لكنها كانت تلبس القفازات والأقنعة وتخفي بشاعة دورها الإجرامي أما اليوم فالأمر تغير وظهرت على حقيقتها وساديتها وطبيعتها الإجرامية العدوانية التي لن تدع عاقل يصدقها أو يثق بها. وإضافة إلى ذلك تبين أن ما كانت تدعيه السعودية من هيمنة ونفوذ ومحلا لأمر مطاع تبين انه كله امر واه لا محل له على ارض الواقع حيث تخلى عنها من كانت تظن انهم طوع أمرها من عرب ومسلمين وظهرت شبه وحيدة في ميدان العدوان. وظهرت بالمقابل مصر وباكستان في عقلانية وبعد نظر ستسجل في رصيدهما مستقبلا.
3) انكشفت في مقابل القوى الإقليمية المنافسة خاصة إيران وتركيا. حيث ظهرت إيران بخاصة دولة وعي وعقل وسلام، دولة تحرص على دماء المسلمين وأموالهم في مقابل السعودية التي ظهرت انها دولة ترتكب المجازر وتنزل الدمار والفتل بالشقيق والجار. وقد كان مذلا للسعودية في معرض الانكشاف والتنافس أن تعلن طهران وقف العدوان في اللحظة التي يأمر فيها سلمان ملك السعودية إرسال الحرس الوطني إلى الجنوب للتحضير للحرب البرية، ثم يتبين أن القرار بوقف العدوان اتخذ وأملي على السعودية فانصاعت، بينما تبين أن إيران كانت شريكا فاعلا في الوصول إلى مثل هذا القرار.
4) انكشف وضع السعودية في علاقاتها الدولية لجهة شراء الموقف بالدولار ـ فبعد صفقة ال 3 مليارات دولار التي دفعت لفرنسا تحت عنوان تسليح الجيش اللبناني رشوة لها على مواقفها من الملف النووي الإيراني والمسألة السورية تبين كما تناقل الأعلام الغربي أن السعودية انفقت والتزمت بما يصل إلى 6 مليار دولار للحصول على القرار 2216 بشأن اليمن الذي تجاهل عدوانها.
5) أما الانكشاف الأخطر فهو ما اتصل بالعلاقات البينية في أسرة أل سعود حيث ظهر التناحر و التنافر بين الأمراء في الأسرة إلى الحد الذي جعل أمير ينأى بنفسه عن الحرب و أمير يستفرد بالقرار و أمير ينازع بالصلاحية و كانت النتيجة شلل و إخفاق في الميدان و سلسلة من القرارات الخاطئة و السلوكيات المشينة و رائحة تزكم الأنوف إلى الحد الذ يحمل الملك على التدخل شخصيا لإلزام متعب رئيس الحرس الوطني بالمشاركة بعاصفة العزم حتى يختبر طاعته و انصياعه ، و يقطع الطريق على استمرار التداول في الخلاف الناشئ بين الأمراء ,,, لقد كشفت عاصفة العزم على العدوان كم أن الأسرة باتت واهنة خاوية ينخرها سوس التدمير الذاتي .
6) أما انكشاف الوضع العسكري للسعودية ووهنه فحدث ولا حرج ولن نستفيض في شرحه يكفي الإشارة فقط.
التعليقات مغلقة.