هل يمكن الحديث عن نقابات يسارية، وأخرى يمينية، وأخرى لا يمينية، ولا يسارية؟…..12

محمد الحنفي




التخلي عن المبادئ تحريف للممارسة النقابية:…..1

الأردن العربي 1 شباط ،

فالنقابة والعمل النقابي، إما أن يكونا مبدئيين، تحترم فيهما مبادئ النقابة، والعمل النقابي، وما أن يصيرا تحريفيين.

ذلك أن التحريف من أسهل ما يمكن أن نلجأ إليه، خاصة إذا تسلط الانتهازيون / التحريفيون على القيادات النقابية: المحلية، والإقليمية، والجهوية، والوطنية: القطاعية، والمركزية.

وألوان التحريفية كثيرة، ومتعددة، غير أننا من خلال عملنا، ومن خلال نضالاتنا المطلبية، نلاحظ أن ما هو بارز، وواضح من الوان التحريف، يتمثل في:

1 ـ كون الإطار النقابي، وما ينتجه من عمل نقابي، يتسم بالممارسة البيروقراطية، التي تمركز كل شيء بين يدي القيادة المحلية، أو الإقليمية، أو الجهوية، أو الوطنية، التي تحتكر التقرير، والتنفيذ بين يديها، بناء على ما تراه هي، وما تقرره، لا ما تراه القواعد، ولا ما تسعى إلى تحقيقه، ولا بما يراه المستهدفون بالنقابة، وبالعمل النقابي. والقيادة في مستوياتها المختلفة، عندما تحتجز كل شيء بين يديها، فلأنها تحرص على خدمة مصالحها الاقتصادية، والاجتماعية، والثقافية، والسياسية، حتى تتحقق تطلعاتها الطبقية، التي لا ترقى إلى طموحات العمال، وباقي الأجراء، وسائر الكادحين؛ ولكنها، في نفس الوقت، ترقى إلى مستوى فاعلية البورجوازية المغربية الهجينة، والتابعة، التي لا علاقة لها بطموحات الشعب المغربي، والتي تعيش على النهب، وعلى امتيازات الريع المخزني، وعلى الاتجار في الممنوعات، وعلى التهريب، وغير ذلك.

والقيادة البيروقراطية، التي تتمتع بكافة الامتيازات، لا تختلف منابع ثروتها، عن منابع ثروة البورجوازية المغربية، نظرا لكونها تمارس الخيانة في حق العمال، وباقي الأجراء، وسائر الكادحين.

2 ـ كون الإطار النقابي،، تابعا لجهة الدولة، أو لحزب معين. ومعلوم أن تبعية النقابة، أخت بيروقراطيتها، والقيادات النقابية التي تلتزم بالتوجيه الحزبي، أو بتوجيه جهاز من أجهزة الدولة المخزنية، تتكون لديها مصالح خاصة في ذلك، إما في علاقتها بحزب معين يوجهها، أو في علاقتها بالدولة، أو بأحد أجهزتها، مما يجعلها لا تفكر إلا في مصالحها الخاصة، وفي تحقيق تطلعاتها الطبقية، على حساب العمال، وباقي الأجراء، وسائر الكادحين. وتنسى ما من أجله وجدت النقابة في الواقع، حتى تتصنف إلى جانب البورجوازية الهجينة، والمتخلفة، وحتى تتمتع بنفس امتيازاتها، وتمارس الخيانة، بأبشع صورها، في حق العمال، وباقي الأجراء، وسائر الكادحين، الذين يعانون من الاستغلال الهمجي، في ظل ممارسة التسلق الطبقي، من قبل القيادات المحلية، والإقليمية، والجهوية، والوطنية.

3 ـ كون الإطار النقابي جزءا لا يتجزأ من الحزب، ومن ينخرط فيه ينخرط تلقائيا في الحزب، مما يجعل هذا الإطار، لا يختلف في ممارسته، وفي فكره، وفي توجهه، عن الإطار البيروقراطي، خاصة، وأن مهمته تنفيذ القرارات الحزبية، في قطاعات العمال، وباقي الأجراء، وسائر الكادحين. وقيادات هذا الإطار: المحلية، والإقليمية، والجهوية، والوطنية، لا تختلف عن أجهزة النقابة التابعة، والنقابة البيروقراطية، في حرصها على خدمة مصالحها الخاصة، في أفق تحقيق تطلعاتها الطبقية، حتى تتصنف إلى جانب البورجوازية المغربية المتخلفة، ومن أجل أن تصير لها نفس الامتيازات: الاقتصادية، والاجتماعية، والثقافية، والسياسية. وحتى تصير ممارسة للخيانة العظمى، التي لا يمكن أن تعتبر إلا خيانة حزبية، وخاصة إذا كان هذا الحزب يوظف الدين الإسلامي: أيديولوجيا، وسياسيا، لتصير الخيانة مزدوجة: خيانة العمال، وباقي الأجراء، وسائر الكادحين، وخيانة الكادحين المومنين بالدين الإسلامي، حتى تزداد الخيانة عظمة.

4 ـ كون الإطار، يتحول على يد قيادته، التي تتمتع بكافة الامتيازات، إلى مجرد مجال للإعداد، والاستعداد لتأسيس حزب معين، دوسا لمبادئ الديمقراطية، والتقدمية، والجماهيرية، والاستقلالية، والوحدوية، وللمركزية الديمقراطية، والمحاسبة الفردية، والجماعية، التي لا قيمة لها؛ لأن المسؤولين عن النقابة، يرفعون وثيرة النضال، لا من أجل انتزاع المزيد من المكاسب، بل من أجل إيجاد علاقات معينة على المستوى الوطني، من أجل توظيفها، في إطار الإعداد، والاستعداد لتأسيس حزب معين. وهذا الحزب يصير هو التعبير السياسي الداعم للنقابة، والخاضع لتوجيه قيادتها. وهو ما يجعل حضور المبدئية، واحترام المبادئ، وتفعيل الديمقراطية الداخلية، غير ذي معنى. وهذه الممارسة، في حد ذاتها، تتصنف في نفي منتجي التحريفات النقابية التي أتينا على ذكرها.

ونقابة كهذه النقابة الموجهة لحزبها، تجتمع فيها كافة أنواع النخب النقابية، ذات الطبيعة الانتهازية. إلا أن وجود هذه النخب، لا ينفي وجود مناضلين أوفياء، إلا أنهم لا يعون ما مدى خطورة الممارسة الانتهازية، التي تمارس هنا، أو هناك، في هذا الفرع، أو ذاك، وفي هذا الإقليم، أو ذاك، وفي هذه الجهة، أو تلك. وهو ما يقتضي ضرورة ممارسة النقد، الذي يستلزم النقد الذاتي، والمحاسبة الفردية، والجماعية، التي تقتضي اتخاذ الإجراءات لتطهير النقابة من العناصر الانتهازية، والعمل على المحافظة عليها، من تسرب الانتهازيين، ووصولهم إلى مراكز القرار، وإلى القيادة، في مستوياتها المختلفة.

وما يجمع بين هذه الأشكال من التحريفات النقابية، هو المركزة في التقرير، والتنفيذ.

فالجهاز البيروقراطي يتحرك بناء على قرار القيادة، والنقابة التابعة تتحرك بناء على أساس التوجيه الذي تتلقاه القيادة، من أي جهة موجهة، والنقابة الحزبية تتحرك بناء على قرار الحزب، والنقابة المعتبرة إطارا للإعداد، والاستعداد لتأسيس حزب معين، نجد أن قرارها رهين بإرادة القيادة النقابية. وهو ما يعني غياب الديمقراطية الداخلية، في جميع الإطارات النقابية / التحريفية، وغياب احترام إرادة القواعد النقابية، وغياب استحضار رأي المستهدفين بالنقابة، والعمل النقابي، من العمال، وباقي الأجراء وسائر الكادحين.

ومركزة القرارات النقابية، وتنفيذها، من قبل القيادة النقابية، يجب أن يجابه بالرفض، من قبل القواعد النقابية، ومن قبل المستهدفين بالنقابة، وبالعمل النقابي، من أجل فرض احترام المبدئية، واحترام المبادئ النقابية، حتى يتم الحفاظ على سلامة النقابة، أي نقابة، وعلى سلامة العمل النقابي، أي عمل نقابي، من التحريف الذي يجعل النقابة، والعمل النقابي، دون مستوى طموحات العمال، وباقي الأجراء، وسائر الكادحين.

وهذه النقابات القائمة، لا وجود فيها لا لاحترام المبدئية، ولا لاحترام المبادئ النقابية، ولا لاحترام إرادة القواعد النقابية، ولا لاحترام رأي المستهدفين بالنقابة، وبالعمل  النقابي، مما يجعل كل شيء فيها، رهينا بإرادة القيادات النقابية.

والنقابات الأكثر تمثيلية، كما يسمونها، لا تشبه إلا أحزاب الأغلبية، التي يصنعها المخزن، خاصة، وأن عدد المنتمين إلى كل النقابات، لا يتجاوز 15% من العمال، وباقي الأجراء، وسائر الكادحين، إن لم تكن هذه النسبة قد تقلصت.

ولذلك، فنحن عندما نحتكم إلى الواقع، نجد أن التمثيلية النقابية الأكثر، هي التي نجدها خارج النقابات، أما النقابات الأكثر تمثيلية، فكان يجب أن تحمل اسم النقابات الأكثر تمثيلية للأقلية المنتمية إليها، من العمال، وباقي الأجراء، وسائر الكادحين.

وفي ظل سيادة ما يمكن تسميته بالفساد النقابي، الذي صار يزكم الأنوف، والذي لعب دورا كبيرا في إبعاد العمال، وباقي الأجراء، وسائر الكادحين، عن النقابات، فإنه لا يمكن الحديث عن الأداء النقابي السليم، ولا عن تطوره لصالح العمال، وباقي الأجراء، وسائر الكادحين، بل في معظم النقابات، نجد أن السيل بلغ الزبى، وجاوز الحزام الطبيين، بسبب تحول الواقع النقابي، إلى مرتع للانتهازية، وللانتهازيين، كنتيجة لبيروقراطيتها، أو لتبعيتها، أو لحزبيتها، أو لاعتبارها مجالا للإعداد والاستعداد لتأسيس حزب معين.

ونقابات كهذه، وخاصة تلك التي تدعي أنها أكثر تمثيلية للأقلية المنتمية إلى مختلف النقابات، في ظل سيادة التزوير، الذي تعودنا على اللجوء إليه، في أي انتخابات، لصناعة أي خريطة معينة، لا يمكن اعتبارها إلا فاسدة، ولا يمكن الحكم على الانتخابات، التي صنفتها أكثر تمثيلية، إلا بالتزوير، خاصة، وأن النظام المخزني، عودنا على صناعة الخرائط السياسية، والنقابية، وغيرها من الخرائط، التي يفصلها على المقاس.

ومثل هذه النقابات، التي تعج فسادا، وانتهازية، نرى أن من واجب النقابيين الحقيقيين، والقواعد النقابية الحقيقية، والواعية بما آلت إليه أوضاع النقابات، والعمل النقابي، أن يعملوا على تصحيح مسارها، على مستوى إعادة الهيكلة، من أجل استبعاد العناصر الانتهازية الفاسدة، من الأجهزة، ومن أجل فرض احترام المبدئية، والمبادئ النقابية، ومن أجل فرض ممارسة النقد، والنقد الذاتي، ومن أجل تفعيل المحاسبة الفردية، والجماعية، في أفق إنتاج عمل نقابي سليم، خال من كافة أشكال الممارسات، التي تفسد النقابة، والعمل النقابي، حتى تستعيد النقابة مكانتها، ومن أجل أن تتحول إلى نقابة فاعلة، في الواقع الاقتصادي، والاجتماعي، والثقافي، والسياسي للعمال، وباقي الأجراء، وسائر الكادحين.

قد يعجبك ايضا

التعليقات مغلقة.