الحوار الذي نريده بعد إسقاط العدوان
د .عبدالعزيز المقالح ( اليمن ) الجمعة 24/4/2015 م …
لم يكن حواراً ذلك الذي كان يدور بين القوى السياسية في بلادنا، وفي الآونة الأخيرة على وجه الخصوص. لقد كان جدلاً لا حواراً، والفارق كبير بين الحوار والجدل، الحوار يدور بين مختلفين وأحياناً بين غير المختلفين بهدف الوصول إلى رؤية جامعة تقوم على الإقناع والرضا. أما الجدل فهو –حسب تعريف المعاجم اللغوية- ضرب من اللدد والخصومة الكلامية، ولا يؤدي إلى نتيجة، بل على العكس يضاعف من حدة الخلافات ويباعد بين وجهات النظر إن كان هناك بين المتجادلين وجهة نظر أساساً. وهذا –في رأيي- هو ما تم في (حوار) القوى السياسية في بلادنا ابتداءً من مؤتمر الحوار الكبير الذي حشدت له الدولة المئات لإغراقه في متاهات من الجدل متعدد الأبعاد وصولاً إلى ما سمي بحوار ما بعد اتفاق السلم والشراكة ، وكان برعاية أممية لا تهش ولا تنش ولا كان لديها الرغبة الحقيقية في إنهاء ذلك (الحوار) بل كانت حريصة أشدّ ما يكون الحرص على إطالة زمن الجدل اغتناماً –كما يقول البعض- للاستضافة والعائد المادي اليومي الذي يسيل عليه اللعاب.
المشكلة السياسية في بلادنا لم تكن عصية إلى درجة تدويلها ، كانت في البداية محددة بقضيتين رئيسيتين هما قضيتا جنوب الوطن وصعدة، وكانت بعض الاقتراحات الجادة قد تكفلت بوضع التصورات العملية التي تحقق العدل وتحفظ على البلاد وحدتها واستقرارها، وكان أصحاب تلك المقترحات يتفقون على حقيقة كون المظلومية واضحة والمطالب لا تخرج عن إرجاع الحقوق إلى أهلها وتعزيز المواطنة المتساوية. كما اتضح بجلاء أن المشكلة كانت في البداية إدارية اجتماعية ثم أخذت بُعْدها السياسي نتيجة التصرفات الرعناء والتمادي في تجاهل الحلول والاحتكام إلى القوة في مواجهة المطالب التي لا يختلف اثنان على عدالتها. وهناك من يعتقد -وأنا واحد منهم- أن حشر القضيتين في حوار شامل وموسع يتناول سلسلة من القضايا المتعلقة بالشأن العام للوطن كالحكم الرشيد ونظام الإدارة المحلية والدستور، وحقوق المرأة والمهمشين وغيرها قد أجهز على القضيتين الرئيسيتين ووضعهما في هامش القضايا الأخرى التي أخذت اهتماماً إعلامياً وعملياً غير محدود.
لهذا لم يكن حواراً ذلك الذي شهدته بلادنا وفي الشهور الأخيرة خاصة ، وإنما كان جدلاً عقيماً وسقيماً قاد البلاد إلى الكارثة التي تعاني منها وفتح أجواءها لحرب لم تكن معقولة ولا مقبولة ولم يسبق لأحد من العقلاء أن تصور وقوعها تحت أي ظرف أو اعتبار والإشارات السالفة لا تعني رفض الحوار الحقيقي أو نقلل من أهميته أو تدعو إلى إغلاق صفحته فما يزال هو الأمل الوحيد للخروج من المحنة والتصدي لآثار العدوان ومخلفاته الرهيبة نفسياً ومادياً. ولكنه حوار مسؤول يتم استجابة حقيقية للواقع ومستجداته ويتم فيه استبعاد الإشراف الأممي وذلك النوع من الأشخاص الذين يجيدون بمهارة فائقة تمييع المواقف وفتح أبواب المتاهات التي تبعد المتحاورين عن مهمتهم الأساسية شديدة الوضوح كما يتطلب الأمر ارتفاع القوى الفاعلة ذات الوزن السياسي والاجتماعي عن اجترار أوجاع الماضي وتذكر الأخطاء والخطايا التي أصبحت بحكم ما أفرزه الواقع ثانوية وقاسماً مشتركاً بين الجميع وتوجيه كل الأنظار والتصورات إلى المستقبل بوصفه المحطة التاريخية التي سينطلق منها الجميع إلى بناء اليمن الجديد، يمن المواطنة المتساوية والدولة المدنية العادلة .
ويبدو لي، كما يبدو لكل ذي عقل في هذا الوطن أننا قد تعلمنا من أحداث الأيام الماضية السوداء ما لم نتعلمه في الخمسين عاماً الأخيرة من تاريخ هذه البلاد. وأن الدرس الذي تلقيناه لم يكن نظرياً بحال من الأحوال بل كان درساً عملياً قاسياً يحمل في طياته تجربة مكتوبة بالدم والحريق والرماد. وكما قد تكون الحرب الغادرة عند قوى الشر والعمالة وسيلة لتفكيك وحدة الوطن وتمزيق أوصاله وتخريب مقومات النسيج الوطني فإنها لابد أن تكون عند قوى الخير والشرفاء من محبي هذا الوطن وسيلة لترسيخ مفهوم المواطنة وتجاوز الخلافات والتسابق في تقديم التنازلات من أجل الوطن نفسه ولتتمكن سفينته من أن تمخر عُباب الحياة بعيداً عن الأنواء والأمواج العاصفة. وهنا يجدر التنويه إلى كم هي قذرة تلك السلطة التي لا يتم الوصول إليها إلاّ على جثة الوطن وجثث المواطنين ويالبؤس سلطة تتنافى مع كل القيم الدينية والأخلاقية والمدنية.
التعليقات مغلقة.