الصداقة بين الصدق و ” المصلحة “

تركي العازمي




من يتعلم من الحياة يفهم دروسها جيداً… ومع مرور الزمن وكثرة التجارب يصل الفرد إلى مرحلة الرشد الممزوج بالحكمة والحنكة.

أحد الزملاء بعث لي قولا في الصباح الباكر نصه «كل صفعة تعلمك درسا٬ وكل سقوط يدربك على الوقوف جيدا٬ وكل تجربة قاسية تخلف لك تذكارا من الحكمة٬ وكل طعنة تزودك بالثبات أكثر… فلا تحزن عند الصدمات٬ فلولاها لبقينا مخدوعين لمدة طويلة (هي قاسية… لكنها صادقة!)»… انتهى الاقتباس.

قال أمير المؤمنين علي بن أبي طالب «صديقك من صدقك لا من صدقك». ويعني هذا إن الصداقة من الصدق في التعامل مع من هو أهل للمصادقة. وكانت هناك عبارة عابرة نرددها تقول «الصديق وقت الضيق».

الشاهد إنني وجدت في رسالة صاحبي العزيز على نفسي مدخلا للحديث عن الصدق في التعامل وأثره في تكوين صداقات قد نحتاجها وقت الضيق، حيث إن مرحلة «الرخا» أمرها هين ويصعب معها معرفة أحقية البعض في مصادقتك وامنح وقتك لمن يستحق!

الحاصل ان المشاهد التي تتكرر وتطويها الأيام كانت تجمع أصدقاء بنيت علاقتهم على المصلحة وانتهت فور انتهائها.

أذكر هنا٬ ان زميلا قياديا حاول أن يعمل معه صديق الدراسة في جانب هو متخصص فيه ويبدو ان «الحاجة/الطلب» قد حجب لأن القيادي ظل طيلة عقود محتفظا بالصورة التي رسمها عن صاحبه وهو لا يعلم ان الحياة مدرسة قد غيرت من مستوى تفكير صاحبه مما دفع زميله إلى ترك الجمل بما حمل.

حتى على المستوى السياسي، نجد الرابط الوحيد هو «المصلحة»، بمعنى «أخو دنيا٬ عزيز وغالي٬ وغيرها من العبارات»، ينتهي أثرها مع تغير المصلحة أو جلوس أحدهما على الكرسي الوثير، لأن العلاقة لم تكن صداقة حقيقية تستحق الإبقاء عليها.

الزبدة: لا تترك مجالا للمصلحة أو أي منفعة عندما تنوي بناء علاقة دائمة مع قريب أو صديق. وقد تلاحظ انه في أحيانا كثيرة تجد الأمور طيبة ومريحة في التعامل بين طرف وطرف آخر، وما إن تدخل المصلحة على الخط تستنتج حينئذ انها لم تكن صداقة فعلية لانعدام ركن الصدق ٬ فالصديق لا تعلم حقيقة صداقته إلا من التجربة.

أحيانا نحتفظ بعلاقات تمتد لعقود نكتشف في الآخر أنها لم تكن مؤثرة في ظرف معين يكون صديقك طرفا فيه، ولهذا يقول شطر بيت للشاعر عبدالله علوش نصه «بعض البشر ودك حدود المعرفة معهم سلام».

إنه الإخلاص في العمل وهو ما أثبته قول السلف المأثور«قل لمن لا يخلص… لا تتعب»، لأن الإخلاص في العمل عندما يغيب يبقى عمل أو صداقة تربطها المصالح أو علاقة «ودية» تكشف المواقف انها لم تكن صادقة.

كن صادقا مع نفسك. اصدق القول وأصلح النية، ومن لا يقف معك في أحلك الظروف فأزحه من قائمة الأصدقاء لتنعم بفرص أفضل تمنحك أصدقاء يصدقونك ويصدقون معك قولا وفعلا. ولو أمعنا في النظر مليا في علاقاتنا لعرفنا القصد من وراء هذا المقال… الله المستعان.

قد يعجبك ايضا

التعليقات مغلقة.