الترحيب الصهيوني باستلام النازية للحكم في ألمانيا
غازي حسين
احتلت فلسطين مكانة خاصة في السياسة الألمانية منذ أن تولى أدولف هتلر الحكم في كانون الثاني عام 1933، وحدد العاملان الأيديولوجي والمصلحي موقف ألمانيا النازية من الهجرة اليهودية إلى فلسطين، وإقامة «إسرائيل» ما دفع بالكاتب السويسري كارديل عام 1974الى نشر كتاب بعنوان: «أدولف هتلر مؤسس «إسرائيل» جاء فيه: «إن حلم الفتى النمساوي هتلر في فيينا هو استيطان اليهود في فلسطين وحقق حلمه القديم في إقامة «الوطن القومي لليهود بعد عدة سنوات من اضطهادهم». وربط في كتابه بين أصل هتلر الغامض وتأسيس «إسرائيل» وأكد في كتابه أن الناشر لانس ليبنفيلس ابن اليهودية هوبفنرايش وصاحب جريدة «استارا» المعادية لليهود في فيينا هو الذي أعطى هتلر مقولة «نحن المعادين للثوريين نعترف بحق اليهود في تأسيس دولتهم في فلسطين».
عندما تولى هتلر السلطة في ألمانيا رحبت الحركة الصهيونية الألمانية باستلام النازية للحكم خلافاً لموقف أغلبية يهود ألمانيا الذين كانوا يؤمنون بالاندماج ويعادون الصهيونية.
قامت النازية في بادئ الأمر بالقضاء على الشيوعيين والاشتراكيين والديمقراطيين والنقابات العمالية مفتعلة حريق الرايخستاغ في 27 شباط 1933 لتسويغ القضاء على الحزب الشيوعي الألماني.
وصدر في اليوم التالي (28) شباط مرسوم عطل الحريات الشخصية وحرية الصحافة والاجتماع، ووجهت السلطات النازية الإرهاب ضد الحزب الشيوعي وبقية الأحزاب،
وأغلقت الصحف وامتلأت السجون ومعسكرات الاعتقال بالمعتقلين السياسيين. وقاد الإرهاب النازي إلى هجرة كبيرة للألمان بحثاً عن الأمن والحرية والديمقراطية.
وامتد الإرهاب النازي إلى اليهود، فوقعت الاعتداءات على محلاتهم التجارية وارتفعت الهتافات في الشوارع: «اذهبوا إلى فلسطين».
ورأت الحركة الصهيونية في صعود النازية دليلاً على مقولة «أبدية اللاسامية» المتأصلة في المجتمعات الأوروبية والتي أطلقها تيودور هرتسل وتبنتها الحركة الصهيونية.
دعا غيرنغ، رئيس الرايخستاغ ووزير الداخلية في بروسيا رؤساء المنظمات اليهودية الألمانية في 25 آذار 1933 إلى اجتماع في مكتبه لمساعدة ألمانيا النازية لمنع انتشار حركة المقاطعة ضدها.
أكد ناومان رئيس اتحاد اليهود الوطنيين الألمان أن يهود ألمانيا هم ألمان قبل كل شيء وعارض دعوة الصهاينة الذين وضعوا إخلاصهم لوطنهم الألماني موضع الشك حينما دعوا إلى وطن خارج ألمانيا، وقال إن المنظمة الصهيونية هي مصدر الداء لانتشار العداء لليهود، وانتقد التنظيمات النازية وميليشيات الحزب النازي، وحمل الحزب النازي مسؤولية ما يجري ليهود ألمانيا، وبالتالي عبر عن موقف المنظمات اليهودية الاندماجية خلافاً للمنظمة الصهيونية الألمانية. أما ممثل المنظمة الصهيونية الألمانية فطالب بالعمل على إقناع اليهود بترك ألمانيا والهجرة إلى فلسطين، وظهر التطابق الكامل بين موقف زعيم النازية غيرنغ والصهاينة الألمان، ووجدوا أنفسهم في خندق واحد. وظهر بجلاء أن اليهود الاندماجين هم العقبة الكأداء في تنفيذ السياسات والمخططات النازية والصهيونية في أوساط يهود ألمانيا. واستجابت الحركة الصهيونية لمطالب غيرنغ وعملت على التهدئة ودب الخوف والقلق في الأوساط اليهودية في ألمانيا عندما قرر هتلر إعلان المقاطعة الاقتصادية ضد اليهود الألمان كخطوة مضادة لمقاطعة ألمانيا، واعتقدت الحركة الصهيونية أن مقاطعة المنتجات الألمانية تشكل مخاطر كبيرة على عملية تهجير يهود ألمانيا إلى فلسطين، لذلك كانت تطالب بعدم مقاطعة ألمانيا النازية.
وبعد الاجتماع مع غيرنغ قدمت الحكومة النازية في نهاية آذار 1933 التسهيلات للمهاجرين اليهود إلى فلسطين فقط، واستثنتهم من القيود على العملات الصعبة، وسمحت لهم بالحصول على الأموال اللازمة من العملات الصعبة للهجرة إلى فلسطين.
وسمحت وزارة الاقتصاد الألمانية في 19 أيار 1933 لصاحب شركة هانويتا الزراعية سام كوهين بإيداع مبالغ معينة في حساب الشركة للمهاجرين اليهود على أن تقوم الشركة بشراء السلع الألمانية، وتدفع المبالغ للمهاجرين بعد استيطانهم في فلسطين، وجرى توقيع اتفاقية عبرت عن المصالح المشتركة للطرفين، وزار ارلوزورف رئيس الدائرة السياسية في الوكالة اليهودية برلين في حزيران 1933، واتفق مع الدوائر النازية أن تحل المنظمة الصهيونية محل سام كوهين في الاتفاقية مع ألمانيا النازية ما ولّد الخلاف بين الأحزاب والمنظمات الصهيونية فأطلق متطرفان يهوديان الرصاص عليه بعد عودته إلى تل أبيب في 16 حزيران 1933، وترك مقتله أثراً كبيراً داخل الحركة الصهيونية، ولكن العلاقات والتعاون بين ألمانيا النازية والحركة الصهيونية لم تتأثر باغتياله.
بعث كورت بلومنفلد زعيم المنظمة الصهيونية في ألمانيا برسالة إلى هتلر وببيان تضمن موقف الحركة الصهيونية من ألمانيا النازية وجاء في رسالته تصوره للمسألة اليهودية وكتب فيها: «طلبت الدولة الليبرالية من اليهود الاندماج في محيطهم غير اليهودي، وشجع ازدهار الحياة السياسية والاقتصادية اليهود على التنصر والزواج المختلط، ورأى الاندماجيون أنفسهم جزءاً من الحياة الألمانية والثقافة الألمانية من دون أن يعيروا تبعيتهم اليهودية اهتماماً خاصاً».
وتناولت الرسالة الموقف اليهودي الصهيوني من النازية وجاء فيها: «تؤمن الصهيونية بميلاد ثان لحياة الشعب، فكما قام هذا الميلاد الجديد في الحياة الألمانية عن طريق الأخذ بالقيم القومية والمسيحية، كذلك يجب أن يحدث ذلك في حياة الجماعة اليهودية، وأنه يجب أن يكون العرق والديانة والمصير المشترك والوعي العرقي أساس الحياة لليهود».
وأكد أن الصهاينة ضد الزواج المختلط من أجل حفظ الجنس اليهودي النقي، وأنهى رسالته إلى هتلر بالدعوة إلى تشجيع الهجرة اليهودية إلى فلسطين، مشيراً إلى أن الدعاية من أجل مقاطعة المنتوجات الألمانية هي حركة غير صهيونية.
وكان معظم اليهود في ألمانيا يؤمنون بالاندماج، فيما كانت الحركة الصهيونية ضعيفة جداً في أوساطهم ولكن المفاوضات التي أجراها أرلوزورف والمصرفي سام كوهين وتوجهات ألمانيا لحل المسألة اليهودية، في ألمانيا أدت إلى تقوية الحركة الصهيونية انطلاقاً من المصالح المشتركة بين الطرفين حول تهجير يهود ألمانيا ونقل أموالهم إلى فلسطين. ولخص بلومنفلد الأهداف المشتركة قائلاً: «إن الدعوة إلى إقامة علاقات جيدة بين يهود ألمانيا والحكم النازي والتي يجب أن تقوم على أساس العرق والنوع ستجد صدى إيجابياً وتكون بديلاً عن الاندماجية». وأصدر الاتحاد الصهيوني الألماني في 21/6/1933 مذكرة حول وضع اليهود تضمنت تأييد الاتحاد الصهيوني لألمانيا النازية ولمفاهيمها ومنطلقاتها العرقية جاء فيها: «تعتقد الصهيونية بأن انبعاث الحياة القومية للشعب، الذي يحصل اليوم في ألمانيا مع التشديد الذي يتم على جذوره المسيحية وطابعه القومي هو ما يجب أن يحصل داخل المجموعة القومية اليهودية وبالنسبة للشعب اليهودي أيضاً.. إن اعترافنا بالقومية اليهودية يقدم لنا أسس صداقة صادقة مع الشعب الألماني وحقائقه الواقعية القومية والعرقية، فنحن ضد الزواج المختلط ونريد الحفاظ على نقاء الجماعة، ولبلوغ هذه الأهداف العملية تأمل الصهيونية في الحصول على تعاون حكومة (ألمانيا النازية) حتى لو كانت معادية لليهود، إن الدعاية لصالح مقاطعة ألمانيا كما تتم الآن وبطرق مختلفة هي في جوهرها دعاية مناهضة للصهيونية.
وكتب د.ج. برنس رئيس الاتحاد الصهيوني الألماني عن الترحيب باستلام هتلر للحكم قائلاً: «يشكل هذا الحدث الانعطاف التاريخي الذي هو بداية عودة اليهودي إلى يهوديته.. إننا نريد المحافظة على نقاء العرق اليهودي بدلاً من اندماجه في المجتمع الذي يعيش فيه»…
وقام الزعيم الصهيوني فلاديمير جابوتنسكي في عام 1933 بزيارة إلى ألمانيا وأعلن في ندوة نظمها له الاتحاد الصهيوني الألماني ترحيبه الحار بالعهد الجديد (عهد ألمانيا
النازية) وأمر أتباعه في ألمانيا بارتداء زي القوات النازية (إس ـ أ) ونادى بسحق الماركسية، واعتبر النازية الإنقاذ الوحيد من الماركسية.
وحدد وايزمان وبن غوريون موقف الحركة الصهيونية العالمية والوكالة اليهودية في رسالتين في 31 كانون الأول 1935 وتضمنت رسالة بن غوريون إلى سيمون ماركس الخلافات بين الاندماجيين اليهود والحركة الصهيونية وزعم فيها أن الحركة الصهيونية هي التي ستخلص يهود ألمانيا بينما هم يبذرون أموال شعبنا، ويخربون عملنا، ويهدمون الحركة الصهيونية إن لم نقف بحزم أمامهم، وإن أي مساعدة فعالة حقاً لليهود في ألمانيا يجب أن تتم من خلال مشروع الاستيطان في فلسطين.
ورفض بن غوريون في رسالته أية حلول لإنقاذ يهود ألمانيا خارج الإطار الصهيوني وجاء فيها: «لن نسمح للفوضى بتدمير جهدنا، لا يستطيع أحد الذهاب إلى أميركا إذا لم نرسله نحن أو نسمح له على الأقل، أنا أعرف أن فلسطين لا تستطيع حل مسألة اليهود الألمان كلياً، أن أي عمل انفصالي ذي طابع إنساني سوف يقوض أركان عملنا في فلسطين. وفي الوقت نفسه أعلنت الجهات الرسمية في ألمانيا النازية عقب اجتماع في 29 أيلول 1936 بوزارة الداخلية أن الغاية النهائية لسياسة الحزب النازي هي عدم بقاء أي يهودي في ألمانيا وأن سياسة وزارة الداخلية ترمي إلى هجرة يهود ألمانيا الكلية، وأن الخط الأساسي لهذه السياسة اعتمد على حشد جميع الوسائل لدعم هجرة اليهود، وإذا سارت الهجرة ببطء فيجب استخدام وسائل الإجبار لدفع عملية الهجرة بسرعة أكبر، ما أثلج قلوب الصهاينة في فلسطين وألمانيا وبقية الدول الأوروبية والولايات المتحدة الأميركية.
التعليقات مغلقة.