هل ينتظر السوريون العاصفة أم يصنعونها .. ومن يضع اللجام في فم العاصفة؟ / نارام سرجون

 

 

نارام سرجون ( سورية ) الأحد 26/4/2015 م …

من لم يكن قلبه كالقذيفة في صدره فعليه في الحرب ان يبحث عن صدر دجاجة أو عصفور يخبئ فيه قلبه الوجل .. لأن الحرب تريد صدورا قلوبها كالقذائف ..

ومن لم يكن صوت قلبه في الحرب كالرعد في السماء فليذهب الى مدارس القطط ليتعلم المواء .. فهناك لارعد ولابرق ولامطر ولاحتى عواء ..

ومن لم يكن لروحه صبر البنادق ولعينيه قسوة فوهاتها ولمعانها فعليه أن يضع روحه اللينة في حقيبة سفر ويهرب في قارب الى سواحل ايطاليا أو أن يعلقها في خزانة كثياب الحرير المقصب .. وعليه أن يذهب الى أقرب كازينو وملهى ليسمع قرع الكؤوس بالكؤوس وقرقرة الأراكيل .. فالحرب ليست للقلوب الضعيفة ..

تبدو التغيرات الميدانية الأخيرة للبعض في الشمال والجنوب وكأنها غير مطمئنة للصدور اثر تقدم القوى المدعومة تركيا وسعوديا في بعض القطاعات الحدودية .. ويخشى البعض أنها مؤشر ضعف عسكري أو خلل في ميزان القوى منذ انطلاق عاصفة الحزم في اليمن التي ترافقت بصيحات الحرب ورقصات التحدي وكأنه قرار اقليمي باطلاق معركة شاملة وعاصفة من الجنوب الى الشمال .. وللناس الحق في التساؤل والقلق وهم لايسمعون الا القليل ولايعرفون الا النزر اليسير مما تبثه قنوات في منتهى الدهاء والتضليل والحرب النفسية .. أو مما يتسرب من غرف القيادة السورية التي تضطر في ظروف الحرب الى التكتم المفهوم والتخطيط المكتوم ..

وفي نفس الوقت يلاحظ أن الأتراك والسعوديين يدعون متعمدين في سياق حرب نفسية مكشوفة من أن محمد بن سلمان يريد اطلاق عاصفة في سورية ويرافق هذا الاعلان أحاديث عن زيارة زهران علوش الى تركيا وكأنها زيارة الفيلدمارشال مونتغومري – الذي هزم رومل – الى الجنرال دوايت ايزنهاور في اميريكا الذي يمثله (عبدالله المحيسني السعودي) لتحديد موعد سقوط برلين ومايسمى (يوم د) .. وفي كل يوم لابد ان يقال في الاعلام الثوري ان علوش فعل شيئا .. التقى واجتمع وحضر وسافر وسيحضر .. والرجل مشغول بتحضيرات معركة العلمين من دوما .. ويقولون ان علوش مكلف باطلاق الهجوم على العاصمة .. وبأن الهجوم سيكون بالتوافق بين عدة جبهات .. وهناك في الواقع استعراض سينمائي واستثمار بروباغاندا فيه ذكاء لاينكر تردده بسذاجة بعض المواقع السورية الوطنية وتروّج دون علم لشخصية علوش واتصالاته ونشاطاته وكأنه جاء ليكسر معادلات الشرق الأوسط ومعادلة فلاديمير بوتين والرئيس بشار الأسد .. وأكثر مايثير السخرية أن يتخيل أحد أنه يمكن لمجموعات (مونتغومري دوما) أن تحطم ثلاثة أسوار عسكرية فولاذية مكونه من 100 ألف عسكري حول دمشق من بينهم قوات نخبة وحرس جمهوري ..

وعلوش ابن دوما أعجبته الحكاية الاسطورية وخاصة أنه معروف بين أصحابه ومعارفه بالمباهاة والمفاخرة والاستعراضية التي يتميز بها أبناء ريف دمشق في دوما حيث عقلية “العقيد” والقبضاي صاحب “الشبرية” الزعيم الذي يتحدث عنه الرجال في مجالسهم وبعد صلاة الجمعة .. وحكاياته أعجبت معجبيه .. وحكايات معجبيه أعجبت معجبي المعجبين .. ولكن انتظروا لتروا يوما قريبا كيف تنتهي أسطورة الفيلدمارشال مونتغومري دوما وصاحبه ايزنهاور المحيسني بشكل مسرحي ..

وهنا لمن يظن ان مونتغومري دوما وايزنهاور المحيسني سيهزمان معادلة حديدية اتفق عليها الرئيس بوتين والرئيس الأسد فاننا نطمئنكم أن مافي جعبتنا من حقائق يجعلنا مطمئنين .. فتخلي السوريين عن السلاح الكيماوي لم يكن بالمجان بل تمت مقايضته بسلاح نوعي جدا استعدادا لمواجهة محتملة كبرى مع داعمي زهران والمحيسني مجتمعين .. وكان كلام الرئيس السوري أكثر من واضح وفيه رسالة لمن يريد ان يستوعب المضمون وهي انه “لدينا سلاح لايقل تأثيرا وتدميرا عن السلاح الكيماوي بل ويتفوق عليه ولذلك وجدنا أنفسنا لسنا في حاجة له طالما لدينا سلاح يقوم بنفس الوظيفة” .. ولكن سنذيق طعمه لمن يشتهي عندما تنضج نهايات المعركة .. والمندوب السوري في الأمم المتحدة في رده على تهديد السعودية لايقول كلامه متحديا وارتجاليا من اجتهاده بل كما يرده من دمشق ليوصله حرفيا .. لمن به صمم ..

لاأريد التورط في الكشف عن معلومات عسكرية فائقة الحساسية لم يؤذن بالحديث عنها .. الا أن التطورات العسكرية الأخيرة التي فاجأت البعض كانت متوقعة نسبيا في الأوساط العسكرية التي كانت تتابع المشهد وتلاحظ أن هناك محاولة لشد انتباه الجيش السوري بشتى الوسائل والمعارك نحو هدف ثانوي فيما يتم التحضير لهدف أساسي .. والتوقعات العسكرية والاعلامية منذ شهرين كانت تتحدث عن اشتداد المواجهات وعن نقلة نوعية في حجم الهجوم على القوات السورية بعد انطلاق عاصفة الحزم السعودية واقتراب التوقيع النهائي على الاتفاق النووي الايراني .. المعلومات القليلة في الطرف السوري تشير الى أن الاندفاعة التركية الاخيرة – ولاأكشف سرا هنا – كانت بسبب تقارير عن قوات سورية ضخمة يتم تدريبها في معسكرات متفرقة اما داخل او خارج سورية باشراف روسي ايراني في صمت نسبي .. وهذه القوة هي التي كلفت بالجبهة الشمالية كلها وانجاز مهمة اقفال جبهة الشمال لتضع لجاما في فم أي عاصفة أو مغامرة تريد المرور بسورية شمالا ..

الملفت للنظر هو صمت مريب – لايعرف سببه الا القيادات العسكرية السورية العليا – لهذه القوة السورية التي تقدرها بعض التقديرات الغربية بما يتجاوز ثمانين ألف مقاتل مكلفة بجبهة الشمال فقط تدعمهم أعداد كبيرة من المدرعات .. ولاأدري ان تم حشدها كاملا بعد .. والغريب أن دخول ادلب وبعض المدن في الشمال من قبل المسلحين لايبدو أنه حرك هذه القوة التي نقل بعض منها الى التخوم منذ شهرين وكأنها تنتظر حدثا ما .. البعض يعتقد أن ذلك مرتبط باقتراب عاصفة الحزم السعودية التركية من المساحة السورية والتي يتم التحضير لها اعلاميا ونفسيا .. ولكني اشك كثيرا ان تفكر أي من الدولتين في هذه المغامرة .. الا أنني لن أكون مندهشا ان سمعت أن السوريين هم الذين يحضرون لعاصفة حزم عبر هذه القوة .. أو لعملية “لجام العاصفة” ..

وعلى الناس أن يتذكروا ان هناك اجتماعا أعلن لأول مرة عنه بين الحلفاء السوري والعراقي والايراني منذ ايام والذي كان بمباركة روسية للبحث في أشياء هامة منها مايقال عن وضع اللمسات النهائية على قوة عسكرية مشتركة تعنى بطموحات عاصفة الحزم السعودية التي قد تفكر بالتمدد .. وضرورة وضع لجام في فم العاصفة .. ومن هنا يفسر المتابعون اسراع بوتين بتزويد ايران بصواريخ س 300 .. لاستكمال قوس التحرك لهذا التشكيل العسكري الناشئ برعاية روسية ..

الأشهر الثلاثة القادمة تحمل الكثير وتحمل بعض المنازلات والتحديات ومحاولات السيطرة على معنويات السوريين لكن من الضروري ان نعلم أن الغاية الرئيسية من هذا التحضير العسكري للقوات المشتركة التي ذكرت هو وضع لجام فولاذي في عقول السعوديين والاتراك وحلفائهم الغربيين والاسرائيليين .. لأن مجرد اطلاق هذه القوة العسكرية سيعني أنه آن اوان التفاوض للحل السياسي ..الذي لابديل له الا العاصفة التي تصارع العاصفة ..

لذلك لاتبدو معارك الشمال الا مخاضات وتحضيرات لمرحلة قادمة من عمليات تركية سعودية غايتها كسر اللجام .. وهنا يجب على الجميع أن يدرك أن المعركة هي معركة كل واحد فينا .. ولذلك فان كل متطوع في الجيش والدفاع الوطني هو مايخشاه أردوغان وسلمان أكثر من خشيتهما من السلاح الروسي وتكنولوجيا الصواريخ .. لأن كل مايريده المعتدون هو أن تبقى الصواريخ والدبابات السورية دون مقاتلين أو بصدور بلا قذائف .. فالقلب الجسور هو القذيفة .. وهو اللجام الذي يكبح جماح العاصفة .. فساعدوا أبناءكم ورجالكم كي تكون قلوبهم كالقذائف والحمم .. ومن كانت في صدره قذيفة فليذهب الى حيث تلتقي قلوب كالقذائف حيث مواقع الجيش السوري .. فهي لجام الأعاصير ..

ومن خلال بعض المعلومات أستطيع أن أقول بثقة متناهية ان في يد الرئيس الأسد وفي يد الجيش السوري لجام العاصفة ولجاما لكل من يعتقد ان فمه لا لجام له .. ولذلك لاتستغربوا أن أحس كلما تحدثت مع العسكريين السوريين والمقربين من الرئيس الأسد أن مافي صدري قلبا كالقذيفة .. وان صوت خفقانه رعد .. وبالنتيجة فانني لاأحتفظ بقلبي في خزانة ولاأضعه في قارب من قوارب الموت والهجرة .. بل أنتظر أن أرى بنفسي اللجام في أشداق العاصفة ..

قد يعجبك ايضا

التعليقات مغلقة.