هل ينجح سيف الإسلام في حل الأزمة الليبية؟ / وجدي عبد العزيز
وجدي عبد العزيز ( الخميس ) 8/2/2018 م …
حينما كانت طائرات حلف الناتو تقصف المدن الليبية كان يتظاهر الملايين من الليبيين في يوليو 2011 بطرابلس للمطالبة بوقف العدوان، والقصف البربري على الشعب الليبي، والآن، و بعد سبع سنوات يجد الشعب الليبي نفسه محاصرا بين مئات الميلشيات الإرهابية المسلحة التي تسيطر فعليا على الحياة اليومية، و تزيد من معاناتهم بالقتل والتعذيب، والاختطاف،فضلا عن تردي الأحوال المعيشية، وانهيار قيمة الدينار الليبي، واستمرار انقطاع الكهرباء، والمياه، ونقص السلع،وانهيار خدمات الاتصالات والنقل،رغم أن ليبيا تعد من أغنى الدول الأفريقية.
وأصبح الوضع في ليبيا يمثل خطرا كبيرا ليس بالنسبة للشعب الليبي فقط بل لكل شعوب المنطقة بداية من مصر التي يحاول الإرهابيون التسلل إليها عبر الحدود التي تبلغ نحو 1050 كيلو مترًا من الشمال عند البحر المتوسط، وحتى الحدود المصرية السودانية، والحدود الليبية التونسية، ومع الجزائر، وأيضا دول مثل تشاد ، والنيجر، حيث تنشط الجماعات الإرهابية المسلحة، وهنا تظهر أهمية الدور المصري في دعم ليبيا لمواجهة هذه الجماعات الإرهابية المسلحة لعودة الأمن والاستقرار إلى ليبيا بما يضمن رعاية حقوق الشعب الليبي، والعمالة المصرية في ليبيا التي تصل إلى أكثر من مليون مواطن مصري.
إن المتابع للشأن الليبي يدرك أن الليبيين يشعرون بأن وطنهم قد سلب منهم لصالح جماعتين الأولى متطرفة أتت من كل حدب، وصوب بدعوى طلب الشهادة، والجماعة الأخرى هي الجهوية “المناطقية”.
ونتج عن هذا الوضع هشاشة في الأحوال الأمنية بالإضافة إلى الانسداد السياسي الواضح للعيان، وتدهور اقتصادي بلغ ذروته جعل المواطن الليبي الذى لم نسمع منه أية شكوى من العوز، والفقر من قبل بات يئن من وطأة ارتفاع الأسعار.
وهكذا يتضح للجميع أن الوضع الحالي في ليبيا ينذر بكارثة، فالدولة الليبية تقف على حافة السقوط التي أفرزت العديد من المفردات الجديدة التي تعبر عن هذا الوضع المأساوي لم تكن موجودة في هذه الدولة من قبل مثل “القتل، الترويع، التهجير القسري، عمليات الإعدام الانتقامية، التفجيرات، التعذيب، والاختطاف، وتجارة الرقيق، والتخوين، والتآمر.
ونستطيع أن نجمل أسباب هذا الوضع في افتقار الساحة الليبية إلى وجود القائد المناسب صاحب الشخصية “الكاريزمية” التي يمكن أن يتمحور حوله الليبيون للانطلاق في العمل النضالي لمقاومة هذه الميلشيات، بالإضافة إلى فشل التنظيمات السياسية في تنظيم نفسها في أحزاب، وكيانات سياسية تستطيع أن تحسم المشهد السياسي بشكل أفضل بدلا من الانشقاقات، وحالة ثنائية الحكم الذى لا نجده إلا في البلدان التي تعمها الفوضى، بالإضافة إلى أن هناك العديد من الشخصيات المحسوبة على النظام السابق تصدرت المشهد السياسي، وهى غير مؤهلة لهذه المهمة، ولا تحظى بقبول جماهيري، بالإضافة إلى إصرار البعض سواء داخليا؛ أو خارجيا في التعامل مع ما يحدث في ليبيا من منطلق “الأنا المتضخمة” التي من الطبيعي أن تضر الوطن قبل صاحبها.
إن هناك حاجة ماسة للتوافق على شخصية وسطية لديها القدرة على تحقيق تقارب فكرى، وعملي،وتفعيل المصالحة الوطنية، ويمكن البناء على قانون العفو العام رقم 6 لسنة 2015 الذي شمل الدكتور سيف الإسلام القذافي نجل الرئيس السابق معمر القذافي، لضخ جيل من الشباب الذى يعتبر وقود حركة التغيير المأمول، وطرح الأفكار المستنيرة الخلاقة لإيجاد مستقبل واعد لبلدهم، يتميزون بالقدرة على التفكير الايجابي بأفق أوسع، وتوقعت العديد من الدوائر السياسية، والصحفية الغربية مثل مجلتي “فورين بوليسي” و “نيوزويك” إمكانية أن يصبح سيف الإسلام القذافي في الفترة القادمة قادرا على توحيد جهود الليبيين تحت قيادته مستعينا بخبرته، وحنكته السياسية في جمع الشمل، نظرا لما يدركه من معرفة جيدة لشكل خارطة التحالفات الاجتماعية الليبية، وبذلك يستطيع إعادة التوازن المجتمعي، واسترجاع البلاد من قبضة التنظيمات الإرهابية وكبح العبثية المنتشرة في ربوع البلاد التي تربط التطرف بالدين.
إن توحد القوى السياسية الليبية تحت قيادة تنطلق من الثوابت الوطنية، ومعالجة هموم ومعاناة أبناء المجتمع الليبي الذى سحقهم التطرف منذ سبع سنوات، مهمة لإعادة التوازن المجتمعي، التي تنطلق من الخصوصية التاريخية، والثقافية للمجتمع الليبي.
ولن يتحقق حلم التوصل إلى اتفاق يحقق المصالحة الشاملة بين أطراف النزاع إلا بمشاركة أنصار العقيد القذافي، ففي مصر يعيش عدد كبير من المهجرين قسرا من مؤيدي النظام السابق، وكذلك الحال في تونس يأملون العودة لبلادهم بقيادة سيف الإسلام القذافي للمشاركة في تحقيق المصالحة، والوحدة لبناء ليبيا الجديدة تحت مظلة الديمقراطية، والعدالة، والشفافية، وإعلاء قيم حقوق الإنسان.
إن الوضع الحالي في ليبيا لا يمكن أن يستمر، ولابد من طرح حلول تضمن مشاركة جميع أطياف الشعب الليبي المسالم،وتنزع أسلحة المليشيات الإرهابية، وإعادة تأهيل الكوادر الوطنية لبناء دولة قائمة على حقوق المواطنة، والانتماء بعيدا عن لغة العزل، والإقصاء، والتهميش التي تجرع مرارتها الشعب الليبي الشقيق.
وهذه هي المبادئ التي يعمل على تحقيقها مؤيدي سيف الإسلام الذي لم يكن له منصبا رسميا أثناء فترة حكم والده، ورغم ذلك عمل على تحقيق مشروع تحديث ليبيا عبر إيمانه بحرية الصحافة، والتوسط لحل الخلافات بين الحكومة، والمعارضة في عام 2006، كما ساهم في انجاز المساكن الشعبية في بنغازي، وشارك في مفاوضات إنهاء الأزمة الليبية مع الدول الغربية بإنهاء مشكلة “لوكيربي”، ونجح في تقريب العلاقات مع الغرب بعد التخلص، والتخلي عن الأسلحة الكيميائية في عام 2003، وأسس مؤسسة القذافي الخيرية التي ساعدت الكثير من الدول الأفريقية الفقيرة، كما سعى لوضع دستور لليبيا.
إن الدور الإنساني الذي لعبه سيف الإسلام في ظل حكم والده قربه من زعماء، وقادة القبائل الليبية، كان مؤثرا في حصوله على دعم مؤتمر القبائل، والمدن الليبية، ومازلت قبائل غرب، وجنوب ليبيا تحتفظ بتعاطف كبير مع النظام السابق بوجه عام، وسيف الإسلام بوجه خاص، ولذلك فإنه من غير المستبعد أن يعاود ممارسة نشاطه الإنساني، والسياسي لما يتمتع به من شخصية كاريزمية قادرة على تحقيق المصالحة الوطنية، وتوحيد المجتمع لمواجهة جماعة الإخوان الإرهابية، وبقية التنظيمات، والميلشيات المسلحة المتأسلمة
التعليقات مغلقة.