قراءة في قرارات المجلس المركزي الفلسطيني / د. انيس فوزي قاسم
د. أنيس قاسم ( الجمعة ) 9/2/2018 م …
الأردن العربي – بتاريخ 14/1/2018، عقد المجلس المركزي الفلسطيني اجتماعه في رام الله، الذي جاء بعد مرور أربعين يوماً على القرار الأمريكي بالاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل. ويقوم المجلس المركزي بدور المجلس الوطني في الفترات الواقعه بين اجتماعات الأخير. وبتاريخ 15/1/2018، أعلن سليم الزعنون رئيس المجلس، القرارات التي اتخذت وكانت تغطي تسعة مجالات، وسوف نتناول الأهم منها.
لا شك أن المجلس كان واضحاً وقاطعاً في قرارين بالتحديد: الاول «أدان ورفض قرار الرئيس الأمريكي دونالد ترامب باعتبار القدس عاصمة لإسرائيل». والثاني «رفض الاعتراف بإسرائيل دولة يهودية». وهما قراران يستحق المجلس عليهما الثناء والتقدير. وفي ما عدا ذلك من قرارات، فيغشاها التشويش والاضطراب وعدم الجديه والتناقض، وهي صفات تميزت بها القيادة الفلسطينية عبر مسيرتها، عند صياغة بعض القرارات التي تمكنها من الذبذبة والمراوغة، وسوف نتناول بعض الأمثلة للتدليل على ذلك.
في البداية، لا بدّ من وضع تحفظ مؤداه أننا لا نعلم على وجه اليقين أن كان ما صدر عن المجلس هو «قرارات» وبالتالي تكون ملزمة للقيادة التنفيذية، أم أنها مجرد «توصيات» يترك أمر تنفيذها لرئاسة اللجنة التنفيذية. أن اللغة التي استخدمت هي لغة أقرب ما تكون إلى «إصدار قرار» مثل «يقرر» المجلس، و «تكليف» اللجنة التنفيذية، و «تقديم الإحالة» للمحكمة الجنائية، الخ. وما يدعو إلى هذا الاستفسار أن اللجنة التنفيذية تعاملت مع بعض القرارات السابقة على أنها توصيات، أي أنها لم تكن ملزمة لها. فهل نحن بصدد وضع مماثل؟
إن القرار الذي يعلن أن الولايات المتحدة الأمريكية «فقدت أهليتها كوسيط وراعٍ لعملية السلام» هو قرار سليم، إلاّ أنه يجب أن نتساءل ما إذا كانت دول المجموعة الأوروبية راغبة، أو قادرة على الخروج على الطوق الأمريكي، وان تلعب دور الوسيط. والأهم من ذلك، هل تقبل إسرائيل بوسيط آخر غير الوسيط الأمريكي وقد اختبرت هذا الوسيط ووضعت فيه الثقه شبه الكاملة؟ وهل، إذا استطاعت القيادة الفلسطينية تجنيد هيئة الأمم والمجموعة الأوروبية وروسيا للوساطة، هل ستقبل إسرائيل بهذه الوساطة؟ أن «الوساطة» الأكثر نجاعة والتي لم تقع تحت نظر القيادة بعد، هي أن تستخدم القيادة شعبها وتطمئن إليه وتمحضه الثقة أكثر من ثقتها في الوسطاء الدوليين الذين ذرعوا الأرض ذهاباً وإياباً بدون نتيجة. إن قيادة تستند إلى شعبها لا يمكن قهرها أو إحباطها. إن الجواب على سؤال الرئيس في خطابه أمام المجلس المركزي «لوين أروح..؟» هو «روح لشعبك» فهو السند الذي لا يلين ولا يرضخ ولا يضلّ. وهناك سؤال يتناسل من هذا القرار وهو هل كانت القيادة الفلسطينية تمارس «خداع الذات» حين قبلت بالشروط الأمريكية في ديسمبر 1988، وبدأت علاقات الحديث والتحادث مع الإدارة الأمريكية، التي لم تثمر شيئاً سوى الخداع. واستمرأت القيادة الفلسطينية لعبة الاستجابة السريعة للمتطلبات الأمريكية خلال هذه الفتره الممتدة لدرجة أنها قبلت أخيراً الشروط الأمريكية بقطع المعونة عن أهالي الشهداء والأسرى. أليس في هذا الرضوخ بالموافقة نوع من الاشتراك في فرض العقوبة الجماعية، وهي جريمة دولية على شعبها؟ وبعد كل هذا الرضوخ المستمر، يطالب رئيس المجلس المركزي في كلمته الافتتاحية الدول العربية بتنفيذ قرارات القمة العربية المنعقدة في عمان في عام 1980 ولاسيما القرار الخاص بقطع العلاقات مع أي دولة تعترف بالقدس عاصمة لاسرائيل أو تنقل سفارتها إليها. ألا يكون من الاولى أن تبدأ القيادة الفلسطينية بنفسها قبل أن تطالب الدول العربية بذلك؟
وعلى صعيد العلاقات مع إسرائيل، اتخذ المجلس قراراً ليس بقرار. فمن جهه، ينعى المجلس على دولة الاحتلال أنها تنصلت من جميع الاتفاقيات الموقعة معها، ويتوقع القارئ أن يصل القرار إلى النتيجة المنطقية وهي أن تتنصل القيادة بدورها من تلك الاتفاقيات، ذلك، واستناداً لأبجديات قانون العقود، فإنه «في العقود الملزمة للجانبين اذا لم يفِ أحد المتعاقدين بما وجب عليه بالعقد، جاز للمتعاقد الآخر بعد إعذاره المدين أن يطالب بتنفيذ العقد أو فسخه». والقرار المذكور لم يطالب المجلس بتنفيذ الاتفاقية ولم يقرر فسخها كذلك. فماذا يريد المجلس من قراره؟ قال المجلس في ذيل هذا القرار إن «الهدف المباشر هو استقلال دولة فلسطين»، فما علاقة هذا الهدف بتنصل إسرائيل من التزاماتها التعاقدية؟ لاسيما أنه لم يرد في أي من اتفاقيات أوسلو أي نصٍّ يذكر أن الاتفاقيات سوف تنتهي بإعلان دولة فلسطين، وما زالت القيادة، منذ توقيع اتفاق إعلان المبادئ، تردد مقولة إن الدولة الفلسطينية قائمة، ولكن لم يسبق لها إن قالت لنا أين هو سندها في ذلك، إلاّ أن يكون هناك اتفاقات سرية لم يكشف النقاب عنها بعد، أو أن استخدام تعبير «الدولة» هو لدغدغة المشاعر والأحلام الشعبية بدون ترجمة فعلية كما حدث في «إعلان الجزائر» لعام 1988. وما يزيد من إصرار المجلس على التشويش والمراوغة، حين يقرر أن الفترة الانتقالية التي نصت عليها اتفاقيات أوسلو الموقعة في أوسلو والقاهره وواشنطن «لم تعد قائمة» وبالتالي يطالب المجلس «المجتمع الدولي إلى تحمل مسؤولياته على أساس قرارات الأمم المتحدة ذات الصلة من أجل إنهاء الاحتلال وتمكين دولة فلسطين من إنجاز استقلالها». فإذا كان المجلس يعني ما يقول من إن اتفاقيات أوسلو انتهت، لماذا إذن هذا التنسيق الأمني واجتماعات رئيس الوزراء الدكتور الحمد الله مع وزير المالية الإسرائيلي في القدس، وكيف يستمر وجود «السلطة الفلسطينية» التي جاءت وليدة لاتفاقيات أوسلو؟ فهل «انتهت» اتفاقيات أوسلو أم أنها مازالت حيّة ونشيطة وفي كامل قيافتها؟
إن الفترة الانتقالية طبقاً لاتفاقيات أوسلو تنتهي – كما هو معروف- في مايو 1999، أي قبل حوالي عقدين من الزمن. فكيف تذكر المجلس العتيد هذا التاريخ الآن؟ وما هي النتيجة المنطقية لقوله إنها «لم تعد قائم’»؟ وهل يتوقع المجلس الموقر من الامم المتحدة أن تضرب إسرائيل على قفاها لكي تمكننا من إقامة دولة فلسطين؟ وهل تجري الأمور بهذه السذاجة؟ أم أن الأمر يحتاج إلى أكثر من مجرد «مفاوضات» بل يحتاج إلى جهد وعمل وتطوير أدوات ضغط على العدو؟ وإذا كان المجلس يعني ما يقول إن اتفاقات أوسلو «لم تعد قائمة»، فلماذا لا يتخذ قراراً حاسماً وواضحاً بخروجه منها؟ أم أنه مازال يراوغ تحت شعار «لعم» الشهيرة؟
ومن أشدّ القرارات التباساً هو قرار المجلس بـ»تكليف اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية بتعليق الاعتراف بإسرائيل إلى حين اعترافها بدولة فلسطين على حدود عام 1967 وإلغاء قرار ضم القدس الشرقية ووقف الاستيطان».
بداية، لا يعترف القانون الدولي بسحب أو تعليق الاعتراف بالدول ولا يعترف بالاعتراف المعلّق على شرط، والاعتراف الدبلوماسي إذا صدر لا يمكن استرجاعه. قد تقوم دولة بقطع العلاقات الدبلوماسية مع دولة اخرى سبق أن اعترفت بها، إلاّ أن قطع العلاقة الدبلوماسيه، لا يعني سحب أو تعليق الاعتراف، وهذا بالنتيجة يعني أن هذا القرار في شقه الخاص بسحب الاعتراف لا قيمة له. ثم يتناول القرار الاعتراف بالدولة الفلسطينية على حدود حزيران 1967. وهذه من القرارات الثابتة للقيادة الفلسطينية منذ ما يسمى بـ»إعلان الاستقلال» عام 1988 ظناً منها أن العالم سوف يكون مؤيداً لهذا الشعار وداعماً له، باعتبار أن المنظمة اعترفت لاسرائيل بحدود معينة. إلاّ أنه من الثابت ومن الحقائق غير القابلة لإثبات العكس أن إسرائيل هي التي مسحت بإرادتها وسلطتها المنفرده حدود 1967، وأقامت مستوطنات تتجاوز تلك الحدود، كما أن أكثر من 80% من جدار الفصل العنصري تجاوز تلك الحدود، وأن حركة الاستيطان وسرقة الأراضي الخاصة والعامة التي تمارسها سلطة الاحتلال جعلت من العودة إلى حدود الرابع من حزيران 1967 مسألة غير قابله للتطبيق. وهذا يعني أن إسرائيل مازالت تتمدد خارج الحدود التي اعترفت لها بها القيادة الفلسطينية. فلماذا تصرّ القيادة الفلسطينية على التمسك بهذه الحدود التي ترفضها إسرائيل وتعمل ليل نهار على مسحها؟ أليس أولى بالمصلحة الوطنيه الفلسطينية أن يعاد النظر في هذا الشعار ويكون الشعار الجديد: «أعطيناكم 77% من الأرض ورفضتم والآن فإننا نسحب العرض».
والمفاجأه الكبرى في قرارات المجلس المركزي هو القرار الوارد في البند (3) من «ثانياً» الذي ينص على «يجدد المجلس المركزي قراره بوقف التنسيق الأمني بكافة أشكاله». ووجه المفاجأة أن القياده، في ظنّنا، أعلنت اثناء أزمة البوابات الإلكترونية التي حاولت إسرائيل فرضها على مداخل الحرم القدسي في يوليو الماضي، أنها اوقفت التنسيق الأمني مع سلطة الاحتلال. فمنذ متى تمّ استئناف التنسيق الأمني؟ وفي علمنا لم يصدر بيان رسمي عن استئناف التنسيق الأمني. فإذا توقف فعلاً، لماذا «يجدد» المجلس المركزي قراره، ذلك أن القرارات عادة لا تجدد، بل تصدر وتوضع موضع التنفيذ إلى أن يتم تعديلها أو وقفها أو الغاؤها، إلاّ أنها لا تجدد. فهل هناك من يعلن لشعبه شيئاً ويمارس شيئاً آخر؟ إن مجزرة جنين الأخيرة، التي تمّ اغتيال بعض عناصر الخلية فيها كانت قد لجأت إلى جنين بعد اغتيال زعيم عصابة مستوطنين في نابلس، ما كانت لتتم بنجاح – على حد تعبير صحيفة «معاريف» الإسرائيلية (موقع عربي 21 تاريخ 21/1/2018)- بدون التعاون الأمني الفلسطيني (الرسمي طبعاً).
والشق الآخر من القرار (3) فهو «الانفكاك من علاقة التبعية الاقتصادية التي كرسها اتفاق باريس الاقتصادي، وذلك لتحقيق استقلال الاقتصاد الوطني». لا جدال في أن كل فلسطيني يطمح إلى الوصول للاستقلال الاقتصادي، إلاّ أن ذلك يستحيل في ظلّ وضع احتلال استيطاني عدواني وعدم إنجاز استقلال سياسي. فهل هذا الشق الخاص بالاستقلال الاقتصادي هو تغطيه على طبيعة اتفاق باريس الاقتصادي. ذلك أن التبعية الاقتصادية لم تكن بسبب اتفاق باريس، بل بسبب الاحتلال، إنما اتفاق باريس هو الذي استورد وأسس وكرّس ووطّن مؤسسة الفساد في أراضي السلطة الفلسطينية؟ وهل يمكن الانفكاك من اتفاق باريس الاقتصادي بمعزلٍ عن الخروج من قفص أوسلو برمته؟ لقد أثبتت مسيرة أوسلو خلال فترة نفاذها أنه لم يكن بالامكان تنفيذها والتقيّد بالالتزامات التي فرضتها في خدمة الاحتلال بدون توطين الفساد الذي أرسى قواعده اتفاق باريس، وبدون الفساد لم يكن لاتفاقيات اوسلو أن تعيش طيلة هذه الفتره. والدلائل أكثر من أن تحصى، وأهلنا الذين يعيشون في ظل ظروف أوسلو أدرى بشعابها وبآثامها.
ومن المثير للانتباه أن شبهة الفساد غالباً ما تحوم حول بعض رموز السلطة حصراً، ولم نسمع أن اياً من تلك الرموز كان مرشحاً لنيل جائزة تقدير على سلوك حميد ضد الاستيطان أو المستوطنين، أو إنجاز وطني قدم فيها خدمة لشعبه ضد الاحتلال، وبالتالي لم يكن من قبيل الصدفة أن تثار شبهات الفساد حول بعض حواشي السلطة في كل مرة يتم فيها إجراء صفقة ذات وزن أو تأثير اقتصادي. وهذا يؤكد أن سلطة الفساد هي السائدة وذات اليد الطولى وتتميز بالثبات والاستقرار. ثم نأتي إلى القرار رقم (5) الذي يتبنى فيه المجلس المركزي «حركة مقاطعة إسرائيل وسحب الاستثمارات منها، ودعوة العالم إلى فرض العقوبات على اسرائيل». إن القرار يستحق التقدير والتأييد، إلاّ انه يفضح واقعاً مريراً وهو، أن حركة المقاطعة قامت بها مجموعة من ذوي الحس الوطني السلمي والسليم، وقد حاربتهم السلطة العتيدة حرباً قاسية لأنها كانت تقول وتكرر علناً إننا «لا نريد نزع الشرعية عن اسرائيل». وينص القرار على المطالبة بفرض عقوبات على اسرائيل، فكيف يتم التوفيق بين «فرض العقوبات» على إسرائيل و»عدم نزع الشرعية» عن إسرائيل. فماذا يريد المجلس المركزي بالتحديد من اللجنة التنفيذية: هل يريد دعم حملة المقاطعة، أم يريد الحفاظ على شرعية اسرائيل؟ وإن كان يريد الاولى، فالواجب أن تقوم اللجنة التنفيذية برمي ثقلها خلف نشاط الحملة؟ وتجنّد سفاراتها للعمل على مساعدة الحملة ورصد الاستثمارات في الدول المضيفة، وتوريد المعلومات إلى الحملة الوطنية لملاحقة تلك الاستثمارات كما هو حاصل الآن حين تجنّد الحملة – بشجاعة وثبات- كل قواها لحمل المستثمرين على سحب استثماراتهم من إسرائيل.
وإذا حزمت القيادة أمرها، فإن المجال يفتح على مساحات واسعة في محاصرة إسرائيل دبلوماسياً في ساحات الأمم المتحدة ومنظماتها، وسياسياً لدى كافة دول العالم الصديقة والمحايدة، وقانونياً لدى المحاكم الوطنية في الدول التي تتبنى مبدأ الولاية القضائية الدولية ولدى المحكمة الجنائية الدولية، كما سوف يأتي شرحه، وإعلامياً بفضح النظام القانوني الذي تبنيه إسرائيل على أسس التمييز العنصري كما شرحه تقرير الأسكوا الموثق توثيقاً باهراً، واقتصادياً للانفكاك من الاقتصاد الاسرائيلي كلما كان ذلك ممكناً، وتجربة شعبنا في ذلك أثناء الانتفاضة الاولى كانت منارة فخر وإبداع، ولنا كذلك في تجربة جنوب إفريقيا خير دليل للعمل وتطويره.
ثم ورد في «رابعاً» من القرارات، ولاسيما الفقره (3) منها التي تنص على «تقديم الإحالة حول مختلف القضايا (الاستيطان، الأسرى، العدوان على قطاع غزة) للمحكمة الجنائية الدولية». إن هذا القرار هو «القرار الكاشف» الذي يصدر عن المجلس المركزي ويفضح فيه ما يردده مسؤولو السلطة بلا هواده. القرار الصادر عن المجلس ينص على «ضرورة تقديم الإحالة»، فهذا يعني، وبصريح العبارة، أنه ومنذ أن وقعت فلسطين على ميثاق روما وأودعت وثائق انضمامها في 2/1/2015، ودخل هذا الانضمام حيز التنفيذ في 1/4/2015، أن القيادة الفلسطينية لم تتقدم، طبقاً للماده (14) من ميثاق روما، بطلب «إحالة»، وطلب الإحاله يعني أن تطلب الدولة الموقعه على ميثاق روما إلى مدعي عام المحكمة التحقيق في «حالة» يبدو فيها أن جريمة أو اكثر قد ارتكبت وتطلب من المدعي العام «التحقيق في الحالة بغرض البت في ما إذا كان يتعين توجيه الاتهام لشخص معين أو أكثر بارتكاب الجرائم». اننا نعلم الآن، ومن قرار المجلس المركزي، أن ما قامت به السلطة ومنذ انضمامها إلى ميثاق روما بما في ذلك زيارات وزراء العدل والخارجيه الفلسطينيين إلى مقر المحكمة الدولية كانت عباره عن بلاغات أو شكاوى أو معلومات، إلاّ أنها «لا تحرك المدعي العام للتحقيق» وهو لا يتحرك غالباً إلاّ بـ»الإحالة». فالمسؤولون الفلسطينيون يكررون ذهابهم إلى المحكمة الجنائية ويعلنون ذلك للإيهام بأنهم يتحركون باتجاه المحكمة الدولية. فقد ورد، على سبيل المثال، أن البعثة الفلسطينية في هولندا قالت إن السيد رياض المالكي «رفع بلاغاً إلى مكتب المدعية العامة في المحكمة، يبين فيه معلومات حول جرائم الحرب والجرائم ضد الانسانية». وورد في التقرير ذاته أن الدكتور صائب عريقات قال إنه «تمّ رفع ثلاثة ملفات للجنائية الدولية» (جريدة الغد 25/6/2015). وأكدّ الأخ أحمد مجدلاني، عضو اللجنة التنفيذية، إن فلسطين سوف تحيل ملفات جرائم الاحتلال إلى المحكمة الدولية، ولاسيما تلك الاجراءات التي اتخذها الاحتلال في المسجد الأقصى ( العربي الجديد 25/7/2017). وورد أن الخارجية الفلسطينية قدمت بلاغاً إلى المحكمة الجنائية الدولية بشأن الطفلة عهد التميمي والأطفال الفلسطينيين الآخرين (الجزيره نت، 20/1/2018). وجميع هذه الأنشطة ليست الاّ بلاغات صحافية ولا تعني تحريك دعاوى قضائية. ولا يوجد تحديد زمني في إجراءات المحكمة حول ماذا ومتى يقوم المدعي العام بأي فعل من اجراء هذا البلاغ.
لا شك أن السلطة الفلسطينية تبعث بتقارير شهرية إلى المدعي العام بخصوص الجرائم التي يجري ارتكابها من قبل سلطة الاحتلال، إلاّ أن هذه التقارير لا تشكل «إحالة» طبقاً للماده (14) من ميثاق روما. ومن الثابت أن المدعي العام، السيدة فاتو بن سودا، زارت عمان، وإسرائيل والأراضي المحتلة، إلاّ أن تلك الزيارات كانت للسياحة والاطلاع والتعارف، ولم تكن جزءاً من التحقيق الناشئ عن «الإحالة».
هكذا تكشف بعض (وليس كل) قرارات المجلس المركزي في اجتماعه المنعقد تحت حراب الاحتلال، أن السلطة الفلسطينية قد تراءى لها أن المراوغة في قضايا مفصلية فلسطينية هو «براعة دبلوماسيه»، فتستطيع أن تعلن وتؤكد وتغطي رحلات مسؤولين كبار منها إلى لاهاي، مقر المحكمة الجنائية الدولية، بينما هي تحاول ذر الرماد في عيون الرأي العام الفلسطيني. والشيء ذاته يقال عن التنسيق الأمني. فما هي الجهة المسؤوله عن رقابة هذه المراوغة والمداهنة والتفلّت من مسؤوليات قانونية وأدبية وسياسية؟ ألم يحن الوقت لوضع حدٍّ لهذا الاستخفاف بالرأي العام، والسكين الامريكية وصلت إلى رقبة القدس.
التعليقات مغلقة.