التعاون بين الصهيونية والنازية لحل المسألة اليهودية بإقامة اسرائيل في فلسطين

 

التعاون بين الصهيونية والنازية لحل المسألة اليهودية بإقامة اسرائيل في فلسطين  




د. غازي حسين

عمان 11 شباط 2018 ، الأردن العربي

عندما كتبت عدة حلقات عن العلاقة بين الصهيونية واللاسامية خالفني في الرأي بعض الزملاء وقالوا لي أن معاداة السامية تعني معاداة العرب.

إنني لا أتفق مع هؤلاء الزملاء بأن اللا سامية اليوم تعني معاداة العرب، على الرغم من وجود حركات عنصرية في البلدان الأوروبية والولايات المتحدة الأميركية معادية للعرب والمسلمين.

قبل كل شيء يجب التأكيد أن معظم يهود أوروبا الشرقية والغربية والولايات المتحدة الأميركية ينحدرون من أصل خزري، اعتنقوا اليهودية بعد أن اعتنقها ملكهم لصد غزوات الإمبراطورية التركية عن مملكته ولا يمتون لفلسطين أو للشرق بصلة.وهم الذين اقاموا اسرائيل.

إن المقصود بمصطلح اللا سامية هو معاداة اليهود، ولكن الصهيونية والكيان الصهيوني يطلقون اللا سامية على كل دولة أو سياسي في العالم ينتقد ممارسة الكيان الصهيوني للإرهاب والعنصرية والاستعمار الاستيطاني، وذلك لممارسة الضغط والابتزاز الفكري والسياسي على الحكومات والأحزاب والصحافة ومنعهم من توجيه الانتقادات لأعمال ومواقف «إسرائيل» الوحشية والهمجية والمنافية لأبسط حقوق الإنسان ومبادئ القانون الدولي.

ووصلت عنجهية ووقاحة الصهيونية والكيان الصهيوني حداً يصفون فيه العرب ومواقفهم الرافضة والمستنكرة للاستعمار الاستيطاني اليهودي للإرهاب والاحتلال الإسرائيلي باللا سامية.

وتتهم «إسرائيل» كل من ينتقد سياستها الإرهابية واغتصابها للأراضي والحقوق والمياه الفلسطينية والعربية وتهويدها للمقدسات الإسلامية في القدس والخليل وبيت لحم ونابلس باللا سامية.

ووصلت وقاحة الصهيونية حداً اتهمت فيه الصحف الأوروبية والأميركية التي نقلت بعض جرائم الحرب الإسرائيلية خلال غزو لبنان ومجازر صبرا وشاتيلا باللا سامية.

ووصف الصحفي الأميركي اليهودي بود هوتز الحديث عن ارتكاب إسرائيل لمجازر صبرا وشاتيلا قائلاً: «نحن نتعامل مع موجة جديدة من معاداة السامية».

وزعم الكاتبان اليهوديان أرنولد فوستر وبنيامين إبشتاين في كتابهما «اللاسامية الجديدة» إن انتقاد إسرائيل وسياساتها يعني معاداة السامية وكتبا يقولان:

«إن الطبيعة الجديدة لمعاداة السامية ليست بالضرورة هي العداوة تجاه اليهود كيهود أو حتى عداوة اليهودية كدين، إنما هي انتقاد إسرائيل».

فما هي حقيقة مصطلح اللا سامية؟ هل هو يتعلق باليهود والصهيونية والكيان الصهيوني أم يمتد ليشمل العرب الساميين؟

الأسباب التي أدت إلى ظهور اللاسامية:

تمتلئ التوراة والتلمود وبروتوكولات حكماء صهيون والأدبيات الصهيونية بكراهية الشعوب غير اليهودية والدعوة لإبادتهم وإخضاعهم وإذلالهم واعتبارهم حيوانات على هيئة بشر لخدمة اليهود، واستباحة حياتهم وأملاكهم وأراضيهم وأموالهم وتدمير منجزاتهم.

وتعتبر مقولة شعب الله المختار والنقاء العرقي لليهود المرتكز الأساسي لعنصرية اليهودية والصهيونية والتي رسَّختْ وترسخ في أذهان اليهود أنهم أنقى «الأعراق» وأذكاها والنخبة بين البشر وأن الدنيا وما فيها خلقت لهم وحدهم.

ويقود اعتقاد اليهود بالتفوق والذكاء إلى الاستعلاء على بقية الشعوب غير اليهودية، فينظر اليهود لغير اليهود نظرة تمييز وازدراء واحتقار وبغضاء وبشكل خاص تجاه الكنعانيين.

وتبرر عنصرية الصهيونية استخدام القوة والإرهاب والإبادة الجماعية والحروب العدوانية لتفرض تفوقها وهيمنتها على غير اليهود وحالياً على العرب والمسلمين. وتقيم الصهيونية والكيان الصهيوني النظم السياسية والحزبية والاجتماعية والقانونية على أساس عنصري معاد لغير اليهود.

إن عنصرية اليهودية وإيمان اليهودي بالاختيار والتقاء العنصري والتفوق يقوده إلى الانعزال وعدم الاندماج في الشعوب الأخرى.

وتصبغ التعاليم التوراتية والتلمودية شخصية اليهودي بالأنانية وحب الحياة المادية وجردته من الأخلاق والقيم الإنسانية والروحية. لذلك عندما قررت الكنيسة تحريم الربا في أوروبا احتكر اليهود التعاطي به. وظهرت شخصيتهم الجشعة والمستغلة على حقيقتها. وتخصصوا بأخذ الربا الفاحش. واستغلوا بعض أموال الربا في رشوة الأمراء والملوك وإفساد المجتمعات، والحصول على الامتيازات عن طريق رشوة النخب الحاكمة، وإلحاق الظلم والضرر بالفقراء.

وسخروا المال والمرأة للوصول إلى أهدافهم تماماً كما فعلوا مع فرعون مصر، وملك الفرس، ومع الضابط البريطاني الذي رسم حدود فلسطين مع سورية ولبنان عام 1923 ومع الرئيسين الأميركيين يندون جونسون وعشيقته عميلة الموساد ماتيلدا كريم وبيل كلنتون وفضيحته من مونيكا ليفنسكي لتوسيع التعدد اليهودي وتحقيق المخططات الصهيونية وابتزاز شعوب العالم وفرض السيطرة اليهودية عليهم.

وأدت شخصية اليهودي القائمة على الربا والسمسرة وامتصاص دماء الشعوب، ونشر الفتن والدسائس، والعمل على تحطيم المجتمعات غير اليهودية وإلى إشعال نيران الحقد والكراهية لهم، مما أدى إلى ظهور ما عرف باللا سامية في نهاية القرن التاسع عشر رداً على تصرفات وممارسات يهود أوروبا الشرقية وهجرتهم المتواصلة إلى ألمانيا وامتهانهم التجارة والربا والصيرفة والعمل في البورصة وسيطرتهم على المصارف ومحلات البيع الكبرى.

 ظهرت المبادئ والمفاهيم الإرهابية وكراهية الشعوب غير اليهودية في التعاليم التي رسخّها الكتبة وحاخامات اليهود، أي قبل ظهور الحركات اللاسامية بكثير. وانتشرت اللاسامية في الأماكن التي يوجد فيها اليهود كرد على معتقداتهم وممارساتهم وجشعهم ونفسياتهم المعقدة.

ركز اليهود على العيش في المدن الأوروبية الكبيرة التي تتركز فيها أهم المجالات الاقتصادية والسياسة والثقافية. وابتعدوا كلية عن العمل في الزراعة والصناعة والمناجم. وتخصصوا في الشؤون المالية والطب والمحاماه والثقافة والفنون لأنها تجلب المال الوفير والنفوذ الكبير.

ورفض هرتسل، مؤسس الحركة الصهيونية عمل «اليهودي الذكي» بالزراعة وحثه على الابتعاد عنها لأنها تؤدي إلى الثبات والاستقرار على الأرض والانتماء إلى الوطن. فعداء هرتسل للعمل الزراعي صدر عن إيمانه بمقاومة اندماج اليهود في الشعوب الأخرى لتهجيرهم إلى فلسطين.

توجه اليهود إلى العمل والتخصص في الحقل المالي، مما دفع بالعديد من المفكرين والسياسيين في أوروبا إلى الاعتقاد: «إن البورصة هي إله اليهود ومعبدهم».

وجلبت لهم السيطرة على البورصة والربا الفاحش المزيد من النفوذ والثراء والمزيد من العداء.

أكد العديد من المفكرين ومنهم كارل ماكس في كتابه «المسألة اليهودية» عام 1844 إن ثقافة اليهودي هي مصالحه، وأن الربا هي الثقافة العالمية لليهودي وأن المال هو الإله الدنيوي له، والصيرفة هي إلهه الحقيقي، وقوميته هي قومية التاجر، ويؤمن اليهودي بتقدم الإنسان الاقتصادي وتراجع النوع الإنساني، ويفضل أن يملك الدنيا خيراً له من الآخرة، لأنه يرفض الآخرة ومفهوم العالم الآخر.

وساوى الفيلسوف فريدريش انجلز اليهود بالمال. وأصبحت اليهودية مرادفة لكلمة الشؤون المالية.

وسيطر اليهود على البورصة في برلين وفي أهم المدن الأوروبية الكبيرة ويسيطرون اليوم على البورصة في نيويورك.

أدى التوسع في الصناعة واقتصاد السوق في القرن التاسع عشر إلى صعود مكانة اليهود الذين مارسوا المهن التجارية والأعمال المصرفية والصحافة والنشر والطب والمحاماة والموسيقى والغناء.

جاء المهاجرون اليهود من بلدان أوروبا الشرقية إلى ألمانيا، وكانوا من الفقراء والمعدمين، واتصفوا بالقذارة والتخلف الثقافي والانعزال وعدم الاندماج وبالفيتو. وأدى تدفقهم إلى ألمانيا في العقد الأخير من القرن التاسع عشر إلى تصاعد معاداة اليهود فيها. واعتبرهم العنصريون الألمان عناصر غير مرغوب فيها. وشكلوا استفزازاً دائماً في الأوساط الشعبية في المدن الألمانية.

وأدت التعاليم التوراتية والتلمودية واحتراف اليهود للكذب والغش والخداع وحب المال ومزاولة الربا والرشوة والفساد وكراهيتهم للشعوب غير اليهودية إلى تصاعد كراهيتهم في الأوساط الشعبية في ألمانيا.

وكانت المجموعات الألمانية التي ليس لها مصلحة اقتصادية أو اجتماعية أو سياسية في تلك الفترة، والتي تعمل على المحافظة على امتيازاتها ومكانتها الاجتماعية وبالتحديد الإقطاع والبرجوازية الصغيرة بتصعيد معاداة الغرباء واليهود بشكل خاص كغرباء.

نشوء مصطلح اللاسامية

ظهر مصطلح اللاسامية بالرغم من عدم دقته مع ظهور الصهيونية كحركة سياسية عالمية منظمة، أي تزامن تقريباً مع ظهور الحركات العنصرية ومع ظهور الصهيونية في أوروبا وهما وجهان لعملة واحدة وهي العنصرية.

إن الحركات اللا سامية والصهيونية والنازية حركات أوروبية الفكر والأصل والمنشأ والتربة، وتخدم هدفاً مشتركاً وهو معارضة اندماج اليهود وعزلهم وترحيلهم إلى فلسطين وإقامة فيتو يهودي كبير على شكل ثكنة وأداة عسكرية في يد الصهيونية العالمية والدول الاستعمارية لنهب الثروات العربية ومحاربة العروبة والإسلام والمحافظة على التجزئة والتخلف في الوطن العربي وتهويد فلسطين وإقامة إسرائيل العظمى الاقتصادية من خلال مشروع الشرق الأوسط الجديد.

نمت اللاسامية والصهيونية والحركات العنصرية الأخرى بنمو وتطور البرجوازية والاستعمار، وهي من نتاج المجتمعات الأوروبية القائمة على الاستغلال والاضطهاد والعنصرية والاستعمار. فالعوامل التي ساعدت على ظهور اللا سامية هي نفس العوامل التي ساعدت على ظهور الصهيونية وبقية الحركات العنصرية.

ولذلك لم تعمل الصهيونية في يوم من الأيام ضد الحركات اللاسامية، بل كانت تتعاون معها وتستغل نتائجها.

وتنطلق اللاسامية والصهيونية من اعتبار أن اليهود عنصر أجنبي بحب مقاومة اندماجه ودفعه إلى الهجرة.

وتخدم الحركات اللاسامية أهداف الحركة الصهيونية، لأنها تخلق جواً من الرعب لدى فقراء اليهود لمنع اندماجهم وعزلهم وتهجيرهم تماماً كأهداف الحركة الصهيونية. لذلك لم تقف الصهيونية في يوم من الأيام ضد الحركات اللاسامية بل كانت تنسق وتتعاون معها.

يزعم الصهاينة أن اللاسامية أبدية وأن سببها هو الحقد البشري على اليهود بسبب تفوقهم وذكائهم. إن اللاسامية ليست ظاهرة أبدية، ولا ترتبط برغبة الشعوب في معاداة اليهود وإنما تقود التعاليم التوراتية والتلمودية وجشع اليهود المادي وممارسات «إسرائيل» وأطماعها وإرهابها وأكاذيبها إلى انتقاد هذه المواقف والتصرفات والصفات المخالفة لأبسط المبادئ الإنسانية والقانونية.

ويستغل الصهاينة اللاسامية لإجبار اليهود الالتفاف حول الحركة الصهيونية باعتبارها الحل الوحيد لإنقاذهم من الاضطهاد حسب زعمها. وتوجه «إسرائيل» والصهيونية العالمية والحركات العنصرية في أوروبا اللاسامية ضد العرب الساميين من مسلمين ومسيحيين وضد المسلمين.

إن الزعم بأيدية اللاسامية وكراهية شعوب العالم لليهود زعم لا أساس له من الصحة ولا يجوز الاعتقاد به، وبنفس الوقت لا يجوز وضع اليهود وإسرائيل فوق القانون الدولي، وفوق العرب والمسلمين وبشكل خاص الشعب الفلسطيني. فالصراع ضد اللاسامية صراع ضد الصهيونية والنازية وبقية الحركات العنصرية. وتحقق الصهيونية وجودها العنصري والاستعماري بواسطة اللاسامية والدول الاستعمارية واليهودية العالمية والكيان الصهيوني.

وتؤكد الكاتبة اليهودية حنا آرنتْ أن نظرية أيدية العداء للسامية تبرر وجود الحركات اللاسامية وتقول: «فإنْ كان صحيحاً أن الجنس الإنساني كان وما يزال مصراً على قتل اليهود طوال ما يزيد عن ألفي عام، فذلك يعني أن قتل اليهود عمل طبيعي، وبشري أيضاً، وأن كراهية اليهود مبررة من دون حاجة إلى تقديم الحجج»(2). ويقول فنكلشتاين مؤلف كتاب صناعة الهولوكوست: «لقد استغِلتْ مذهبية الهولوكوست الجامدة القائلة بكراهية الأغيار الأبدية لليهود، لتبرير ضرورة وجود دولة يهودية ولتفسير العداء الموجه لإسرائيل. فالدولة اليهودية بمقتضى هذه المذهبية هي الملجأ الوحيد أمام التفجير التالي للاسامية الإجرامية»(3).

الموقف الألماني من هجرة اليهود إلى ألمانيا

وسارت المناقشات حول اليهود في ألمانيا في ثلاثة اتجاهات:

الأول: اعتقد أن هؤلاء الأغراب وصلوا بسرعة إلى الرفاهية عن طريق أساليبهم غير الشرعية.

الثاني: اعتقد أن هؤلاء الأجانب ثقيلي الدم استخدموا الرشوة والفساد للوصول إلى النفوذ.

الثالث: اعتبرهم جواسيس على ألمانيا في الحرب، حيث لعبوا دوراً في إضعاف الجيش الألماني على جبهات القتال بمواقفهم المتخاذلة واستغلالهم للأوضاع الاقتصادية والاجتماعية التي سببتها الحرب، ورفعهم للأسعار، وصعدوا العداء تجاه اليهودي المرابي والمستغِل.

وأخذت بعض الأوساط الألمانية تخشى من هجرة ملايين اليهود الذين يشكلون من خلال مفاهيمهم الأجنبية الغربية وحبهم المخيف للمال وتعاطيهم بالربا واستخدامهم للكذب والخداع خطراً ثقافياً واقتصادياً واجتماعياً عليهم وعلى ألمانيا.

تتغذى وتنمو اللاسامية والصهيونية والحركات العنصرية الأخرى من البرجوازية والاستعمار، وهي من نتاج المجتمعات الأوروبية القائمة على الاستغلال والاضطهاد والعنصرية.

وضع الأستاذ الجامعي في برلين هاينريش فون ترايتشكة عام 1880 أسس «اللاسامية»، محذراً من هجرة يهود روسيا إلى ألمانيا، ومعلناً أن اليهود عنصر غريب في ألمانيا لا يريد ولا يستطيع الاندماج في الحياة الألمانية. وتأسست في نفس العام عصبة اللاساميين الأولى في مدينتي دريسون وبرلين. واستنتج في تلك الفترة الفيلسوف الألماني ارتور شوبنهاور «أن اليهود أساتذة كبار في فن الكذب».

قدّم اللاساميون في عام 1881 عريضة إلى المستشار بسمارك تحمل (300) ألف توقيع تطالب الحكومة الألمانية بمنع اليهود من دخول ألمانيا وإبعادهم عن وظائف الدولة. وانعقد في عام 1882 المؤتمر العام للا ساميين في ألمانيا والنمسا وهنغاريا. وصدر في ألمانيا كتاب بعنوان:

«أسس القرن التاسع عشر» لمؤلفه البريطاني هوستون تشامبرلين صوّر فيه تاريخ المدينة على أنه صراع بين الآريين، الصديقين والساميين اليهود الأشرار.

وأصدر الفيلسوف الألماني يوجين ديرينغ عام 1886 كتاباً قال فيه «إن العنصر اليهودي هو أسوأ عناصر العرق السامي، هدفه التسلط على العالم واستعباد الشعوب الأخرى».

تمكنت الحركة اللاسامية في ألمانيا من تنظيم نفسها عام 1923، حيث أخذت البطالة وأزمة السكن تتعاظم في المدن الألمانية وارتفع التضخم وتصاعد العداء لليهود. وثبت للشرطة في برلين أن الكثير من اليهود يمارسون التجارة غير الشرعية، مما ألحق الأضرار في الحياة الاقتصادية.

وراجت تجارة السوق السوداء والربا والنصب والاحتيال والتهريب. وهكذا قادت تصرفات يهود أوروبا الشرقية إلى إذكاء نيران معاداة اليهود (اللاسامية) التي لم تقابل بمعارضة تذكر في ألمانيا.

وتصاعدت اللاسامية في مدينتي برلين ونورنبيرغ بسبب تردي الأوضاع الاقتصادية في المدينتين. وقامت بنفس الوقت علاقات وثيقة جداً بين الصهاينة واللا ساميين.

وأدت تلك الأفكار والمؤلفات والحركات إلى بلورة الأسس النظرية للاسامية وللعنصرية الألمانية وعنصرية الصهيونية.

التعاون بين الصهيونية واللاسامية

تعاون المؤسسون الصهاينة ومنهم تيودور هرتسل مع الحركات اللاسامية ومع روسيا وألمانيا القيصريتين. ووصف هرتسل اللاسامية بأنها حركة مفيدة الشخصية اليهودية وقال عنها: «إن أعداء السامية سيكونون أخلص أصدقائنا الذين يمكننا الاعتماد عليهم، كما أن الدولة المعادية للسامية ستكون حليفة لنا». وأكد إن معاداة السامية هي أقوى محرّض للصهيونية.

وهكذا لم يتصد هرتسل والصهيونية للاسامية بالمفاهيم والمبادئ الإنسانية، بل ردوا عليها بتأسيس الصهيونية وتبنيها لعنصرية اليهودية وتأثرها بالعنصرية الألمانية. فوضع هرتسل كتابه «دولة اليهود»، ووضع المؤتمر الصهيوني الأول قراراته السرية والتي عرفت ببروتوكولات حكماء صهيون.

وأدى نشرها إلى تصاعد العداء لليهود، لأنها تؤكد على وجوب فرض السيطرة اليهودية على العالم.

وقامت علاقات وثيقة جداً بين المؤسسين الصهاينة وأعداء السامية. وكانت الحكومات والشخصيات الأوروبية المعادية للسامية تتعاون مع الزعماء الصهاينة وتساعدهم على تحقيق أهدافهم ومخططاتهم، لأنهم يرتبطون بنفس المصالح الطبقية لخدمة البرجوازيات والدول الاستعمارية في أوروبا.

لقد قابل الشعب البريطاني مجيء اليهود إلى إنكلترا بالعداء. فرأى هرتسل أن من مصلحة الصهيونية أن تلتقي مع مصلحة بريطانيا في تهجير اليهود منها إلى فلسطين والتعهد بالرعاية والحماية لهم مقابل تعهدهم بأن يكونوا في فلسطين «مخفراً» إمامياً للحضارة الأوروبية في وجه البربرية الآسيوية.

ويعني التعهد الصهيوني في خدمة المصالح البريطانية في البلدان العربية معاداة العروبة والإسلام.

وكان اللورد بلفور، وزير خارجية بريطانيا وصاحب وعد بلفور الاستعماري الذي قاد إلى تأسيس إسرائيل معادياً للسامية ويؤمن بأنه لكون اليهود عنصراً منفصلاً ويعارضون الزواج المختلط، ويؤمنون بدين يختلف عن ديانة بريطانيا، فإنه ليس من المفيد أن يبقوا في بريطانيا.

وأصبح اللورد بلفور بسبب آرائه المعادية للسامية أقرب المقربين إلى قادة الحركة الصهيونية وإلى العنصريين والإمبرياليين أمثال سيسيل رودوس ولويد جورج.

وأكد هرتسل في كتابه «دولة اليهود» وجوب تحالف دولة اليهود مع أوروبا المتحضرة ضد «الهمجية الآسيوية»، مما يظهر بجلاء وضع الأساس العنصري لدولة «إسرائيل» واختيار الصدام الدائم مع المحيط العربي الإسلامي لها.

وأكد هرتسل في كتابه «دولة اليهود» أنه: «لولا العداء للسامية لما كنا أو بقينا يهوداً، فأعداء السامية هم الذين جعلوا من اليهود شعباً واحداً على الرغم منهم، وإن لم يكن العداء للسامية موجوداً فمن الواجب استنباطه والإبقاء عليه شرطاً لوحدة اليهود وشعورهم بيهوديتهم والحفاظ على كيانهم الانعزالي الخاص».

وأكد زعماء الصهيونية بدءاً من هرتسل مروراً بين غوريون وحتى ناحوم غولدمان «إن اللاسامية ليست العدو الأساسي للصهيونية وإنما الاندماج في الشعوب الأخرى هو العدو الأساسي لها». لذلك يقول بوري إيفاتوف في كتابه «احذروا الصهيونية» «إن اللاسامية هي الحجر الثاني في بناء الإيديولوجية الصهيونية، فالصهيونية تعرف أن سلاحها الفعال إنما هو الاعتماد على الجهل وتأمين جو الرعب أي اللاسامية والعودة إلى الشوفينية».

الصهيونية واللاسامية الألمانية (النازية)

استقبل الصهاينة استلام آدولف هتلر للحكم في ألمانيا بسرور وفرح كبيرين. وبعثوا له بالتهاني على انتصاره على القوى الديمقراطية في ألمانيا لأنه برأيهم سيمنع هتلر اندماج اليهود في المجتمع الألماني وسيعمل على تنظيف ألمانيا منهم بتهجيرهم إلى فلسطين. واعتقدوا أن العداء للسامية سيشطب الاندماج ويقضي على الزواج المختلط.

وأصدر الاتحاد الصهيوني الألماني عام 1933 وثيقة هامة تضمنت تأييده لألمانيا النازية ومفاهيمها العرقية ومعارضة الزواج المختلط والاندماج للمحافظة على النقاء اليهودي. وسمحت له السلطات النازية المعادية للسامية بممارسة نشاطه العلني. وتوجهت ألمانيا النازية للتعاون معه بدلاً من الاتحاد المركزي ليهود ألمانيا المناوئ للصهيونية ويؤمن بالاندماج في الشعب الألماني وبالبقاء في ألمانيا.

واعتبرت قوانين تورنبيرغ العنصرية أن ألمانيا ليست وطناً لليهود الألمان، فالتقت مع الحركة الصهيونية التي اعتبرت اليهود الألمان يحملون الجنسية الألمانية فقط وليسوا بألمان وإن فلسطين العربية وطنهم.

وأدى تلاقي الهدف النازي بتنظيف ألمانيا من اليهود مع الهدف الصهيوني بتهجير يهود ألمانيا إلى فلسطين إلى التعاون الرسمي بين ألمانيا النازية والوكالة اليهودية في فلسطين كممثلة للحركة الصهيونية العالمية.

وأصبحت العلاقات بينهم علاقات تعاون رسمية، وسمحت النازية بحرية العمل للمنظمات الصهيونية واضطهدت بنفس الوقت المنظمات الألمانية اليهودية غير الصهيونية.

استغل الصهاينة اللاسامية وأجبروا اليهود على الالتفاف حول الحركة الصهيونية باعتبارها الحل الوحيد لإنقاذهم من الاضطهاد وتهجيرهم إلى فلسطين.

إن اللاسامية ليست ظاهرة أبدية، ولا ترتبط برغبة الشعوب في معاداة اليهود، ولكن تصرفات اليهود وتعاليمهم التوراتية والتلمودية والصهيونية وبرتوكولات حكماء صهيون وممارسة الكيان الصهيوني للإرهاب والعنصرية والحروب العدوانية والمجازر الجماعية والاستعمار الاستيطاني تقود إلى كراهيتهم وانتقاد شعوب العالم لأفكارهم وأساليبهم الإرهابية والعنصرية وقيمهم غير الإنسانية.

لقد قامت النازية على أساس فكرة تفوق العرق الآري على بقية الأعراق بالنقاء والذكاء، والمحافظة على الانغلاق العنصري وممارسة الإرهاب والعنصرية والحروب العدوانية تجاه الشعوب الأخرى.

وتقوم الصهيونية على أساس الاختيار الإلهي لليهود وتفوقهم بالذكاء والنقاء وبوجود شعب يهودي عالمي يعيش في الشتات، وعلى فكرة ازدواجية الولاء والانغلاق وتهجير اليهود إلى فلسطين وترحيل العرب منها.

وأدى التشابه النظري والقواسم المشتركة بين الحركات العنصرية اللاسامية والنازية والصهيونية إلى التشابه والتعاون فيما بينهما في الأساليب والممارسات.

استخدمت ألمانيا النازية الإرهاب والحروب العدوانية والإبادة لاستغلال واضطهاد الشعوب الأوروبية، لذلك تصدّت الشعوب الأوروبية للنازية وقضت عليها وتعلن رفضها واستنكارها للنازية وجرائمها الوحشية.

وتستخدم «إسرائيل» الإرهاب والحروب العدوانية والإبادة والاستعمار الاستيطاني لإقامة «إسرائيل العظمى» واغتصاب الأرض والثروات العربية وتهجير اليهود إليها وترحيل العرب منها، لذلك ترفض الشعوب العربية الصهيونية وتعمل على مواجهتها. وتصوّر الصهيونية مواجهة العرب للاستعمار والعنصرية والإرهاب بمعاداة السامية.

تعاونت الصهيونية مع ألمانيا النازية بضوء أخضر من هتلر نفسه، وتجلى التعاون بتوقيع اتفاقية هافارا بين وزارة الاقتصاد النازية والوكالة اليهودية في فلسطين لتحويل أموال اليهود الألمان على شكل منتجات ألمانية إلى فلسطين، وتنظيف ألمانيا من اليهود بإدخالهم سراً إلى فلسطين بإمكانيات ألمانيا النازية. وعندما طالب الحزب النازي بإلغاء الاتفاقية وثار النقاش حولها تدخل هتلر وحسم النقاش وقرر استمرار ألمانيا النازية في دعم اتفاقية هافارا لترحيل يهود ألمانيا إلى فلسطين.

انهارت بعد القضاء على النازية جميع النظريات العنصرية بما فيها اللاسامية وتبنت الأمم المتحدة مكافحتها ومكافحة جميع الحركات العنصرية اللاسامية وتقوية الصهيونية.

صَعَدتْ اليهودية العالمية إلى القمة في الولايات المتحدة الأميركية وبعض البلدان الأوروبية بعد الحرب العالمية الثانية وبعد القضاء على النازية.

وتغلغل اليهود في جميع الأحزاب الشيوعية والاشتراكية وغيرها وأثروا في مواقفها واتجاهاتها الفكرية والسياسية. وازدادوا غنى وثراء ونفوذ وامتيازات في البلدان الأوروبية وعلى حساب دافعي الضرائب هناك.

وتصاعد إرهاب وعنصرية «إسرائيل» وحاخاماتها والمجتمع الإسرائيلي ويهود العالم بشكل منقطع النظير.

وخدم الحديث عن معزوفة اللاسامية والنازية والهولوكوست واختلاق الأكاذيب والمبالغة فيهما ويخدم جمع الأموال والتعويضات وهدايا الأسلحة «لإسرائيل» بما فيها الغواصات النووية وجعل إسرائيل الملاذ الوحيد من خطر اللاسامية المزعومة.

وأساءت اليهودية العالمية استخدام التاريخ للأهداف الصهيونية باستغلال معزوفة اللاسامية والمبالغة فيها وتخليدها لتخليد ابتزاز «إسرائيل» لشعوب العالم وحكوماته وبشكل خاص ألمانيا الموحدة.

وتعمل الصهيونية العالمية على استثمار اللاسامية المزعومة وجرائم النازية للتغطية على الإبادة التي تمارسها «إسرائيل» تجاه الشعب العربي الفلسطيني وللحيلولة دون تثبيت صفة العنصرية على الصهيونية والكيان الصهيوني على الرغم من التشابه النظري والعملي والتعاون بين الإيديولوجيات والحركات اللاسامية والصهيونية والنازية.              

ارتكبت النازية جريمة الإبادة ضد المعادين لها من ألمانيا وأوروبيين ويهود غير صهاينة والفجر. وارتكبت «إسرائيل» الحروب العدوانية والإبادة ومجازر دير ياسين وبحر البقر وصبرا وشاتيلا وقانا، ولا تزال ترتكب الهولوكوست على الشعب الفلسطيني وتعمل ليل نهار على إبادته وترحيله وتوطينه ومسحه من الوجود وعرقلة تطوره وتقدمه وتهويد وطنه.

وصف اللاساميون اليهود «بالحقراء» وبالحيوانات ويصف الصهاينة العرب بالحشرات والصراصير والأفاعي والحيوانات التي تسير على قدمين. ويطالبون كما أعلن الحاخام عوفاديا بإبادتهم بالصواريخ.

قامت اللاسامية والصهيونية على سياسة الترحيل (الطرد)، أي طرد اليهود من ألمانيا وأوروبا وطرد العرب من فلسطين.

وطالبت بتطهير البلاد من الأجانب ومارست العنصرية والتمييز العنصري وسياسة العزل وحظر الاختلاط ودفعهم للهجرة.

ولا تزال الصهيونية تعتبر أن اليهود هم شعب الله المختار وشعب مقدس وعرق نقي وهبه يهوه الأرض العربية من النيل إلى الفرات. وتعتبر اللاسامية والصهيونية أن الإرهاب أداة سياسية مشروعة تجاه الأجانب لتحقيق مصالحهم وتحقيق نظرية المجال الحيوي لألمانيا في أوروبا وللصهيونية في الوطن العربي.

اللاسامية وانتقاد إسرائيل:

وجهت اللاسامية والصهيونية التعاون بينهما لتهجير يهود أوروبا إلى فلسطين العربية، وتوجهان نشاطهما حالياً ضد العرب (الساميين) والمسلمين: فتغذيان الكراهية والبغضاء والملاحقة في المتجمعات الأوروبية والأميركية تجاههم لخدمة أهداف الصهيونية وتعمد «إسرائيل» على تأجيج اللاسامية بين فترة وأخرى لتحقيق الأسباب التالية:

 

  1. ـ حمل اليهود الذين قررت تهجيرهم على الهجرة إليها.
  2. ـ حمل يهود العالم على تقديم المزيد من المساعدات المالية إليها، والمزيد من الدعم السياسي والإعلامي لممارستها الإرهاب والإبادة وتدمير المنجزات العربية كسياسة رسمية مستمرة.
  3. ـ ممارسة الضغط والابتزاز على حكومات وشعوب أوروبية معينة للقضاء على أي صوت يرتفع معارضاً حروب إسرائيل العدوانية ووسيلة أساسية لجلب الأموال وهدايا الأسلحة والهجرة اليهودية إليها.

وتلجأ إلى استغلال اللاسامية عندما تشعر بأن الرأي العام العالمي بدأ يعارض سياستها الإرهابية والعنصرية.

وتسخِّر ما لها من سيطرة ونفوذ على كبريات الصحف والمجلات ومحطات الإذاعة والتلفزيون ووكالات الأنباء في الولايات المتحدة الأميركية وأوروبا للوصول إلى إقامة «إسرائيل العظمى» من النيل إلى الفرات.

وثبت بجلاء أنه عندما تتصاعد الانتقادات لسياسة «إسرائيل» في البلدان الأوروبية ترفع المنظمات اليهودية والسفارات الإسرائيلية سلاحاً حاداً وفعلاً في وجه منتقدي إسرائيل وتقول:

«معاداة إسرائيل تعني اللاسامية»، وذلك لإسكات أي انتقاد لها ولممارسة الإرهاب الفكري والابتزاز السياسي ضد الأوروبيين والعرب في أوروبا.

ثارت ثائرة اليهودية العالمية «وإسرائيل» على شارل ديغول عندما قال عن اليهود«بأنهم مترفعون متكبِّرون ومحبون للسيطرة»(4).

واتهم اليهود ديغول باللاسامية والاتجاه العرقي. ووضعته اليهودية العالمية على قائمة المعادين للسامية، لأنه طلب من إسرائيل عدم القيام بحرب حزيران العدوانية عام 1967، وحذرها من مغبة ضم الأراضي العربية بالقوة. وخلفه الرئيس بومبيدو (الديغولي) فورث عنه تهمة اللاسامية، مع أنه تعمد في أول تصريح له بعد نجاحه في الانتخابات ذكر الجرائم البشعة التي ارتكبتها النازية بحق اليهود.

وهاجمه أنصار «إسرائيل» بعنف، ووصلت الحملة ضده ذروتها خلال زيارته للولايات المتحدة في شباط 1970، لأنه فرض حظراً على تصدير الطائرات والسفن وقطه الغيار إلى جميع بلدان منطقة الشرق الأوسط.

وأشعل يهود أميركا حملات التشويه والتشهير ضد الجنرال جورج براون، رئيس هيئة أركان الجيوش الأميركية بسبب تعرّضه إلى وطنية يهود أميركا في إحدى خطيه. وشنوا حملة شنعاء ضده على الرغم من أنه نظّم الجسر الجوي إلى «إسرائيل» خلال حرب تشرين 1973 وأنقذها من الهزيمة، واتهموه بمعاداة السامية. وشنوا حملة عنيفة ضد السناتور فوليرايت لأنه حذر من مغبة الاستمرار في دعم سياسة إسرائيل دون أخذ المبادئ الإنسانية ومصالح أميركا بعين الاعتبار.

ودفع كبرايت ثمن موقفه بخسارة مقعده في مجلس الشيوخ.

يعتقد القادة الصهاينة بضرورة وجود واستمرار اللاسامية، لأن استمرارها ضروري من أجل تقوية «إسرائيل». واختلقت الصهيونية ثلاثة أنواع من اللاسامية لتقوية الصهيونية والكيان الصهيوني:

الأول: اللاسامية العربية. والثاني: اللاسامية الروسية. والثالث: اللاسامية المسيحية.

أعطت اللاسامية وتعطي الغطاء لكل إرهابي يهودي، فإذا كان أحد السياسيين اليهود في أوروبا أو أميركا فاسداً فإن اللاسامية توفر له الغطاء لإنقاذه من تهمة الفساد.

وفرّتْ اللاسامية الغطاء والحماية للإرهابيين والمجرمين ورجال العصابات اليهود وقادة الكيان الصهيوني، فتهمة اللاسامية توفر الحصانة لهم جميعاً، فلا يتجرأ أحد على ذكر الإرهابي أو المجرم اليهودي لئلا يعتبر من اللاساميين.

وحسب المنطق اليهودي فإن أي شخص لا يوافق 100% على سياسة «إسرائيل» يعتبر معادياً للسامية، وأي انتقاد يوجهه أوروبي أو حتى توجهه الأمم المتحدة لإسرائيل تعتبره المنظمات اليهودية بأنه مظهر من مظاهر اللاسامية.

إن اليهود الأميركيين يعتبرون التهجم على «إسرائيل» قمة معاداة السامية.

يقول الكاتب الأميركي ألفريد ليننتال: «لقد تمخض عن رد الفعل العاطفي الذي ولدته المذابح الجماعية للنازية الوصية الحادية عشرة المقدسة والتي تقول: «لا تكن معادياً للسامية» وكذلك وصية ثانية عشرة ومؤداها: «يجب عليك أن تكون معادياً لمعادي السامية»(5).

زعمت الصحيفة البريطانية «باربارا أميل» في ديلي تلغراف أن السفير الفرنسي في بريطانيا دانيال برنار قال «إن كل أزمة الأمن الدولي الراهنة يمكن أن تتحمل مسؤوليتها إسرائيل، تلك الدولة الصغيرة القذرة»(6).

قامت اليهودية العالمية وصوّرت السفير بأنه معاد للسامية. فرد ايف شاربنتيه، المتحدث باسم السفير الفرنسي وقال إن السيد برنار «انزعج تماماً لاعتباره معادياً لإسرائيل والأسوأ لاعتباره معادياً للسامية».

وأكد أن السفير في حديثه مع زوجة بلاك، صاحب دعوة العشاء «كان يقول إن المشكلة محدودة جغرافياً على نحو لا يصدق لكن حجم النتائج المترتبة عليها مع ذلك كبير والمضاعفات في أنحاء العالم هائلة»(7).

وعندما أعلن مهاتير محمد، رئيس وزراء ماليزيا السابق أن اليهود يقومون بإدارة العالم بالوكالة، اتهمته المنظمات اليهودية وإسرائيل باللاسامية. ورد على اتهامه في مؤتمر صحفي بعد اختتام قمة منظمة المؤتمر الإسلامي قائلاً: «إن عدم القدرة على انتقاد اليهود من دون أن تتهم بمعاداة السامية يعبرّ عن تحيز ضد المسلمين». وقال مهاتير: أن يقال لي أنه لا يمكنني ذكر وقائع تاريخية يعني إسقاط حقي في حرية التعبير»(8).

وتلجأ «إسرائيل» إلى معزوفة اللاسامية والهولوكوست عندما تبدأ أوروبا بانتقاد مواقفها وممارساتها المخالفة لأبسط مبادئ القانون الدولي وحقوق الإنسان فتخترع الأكاذيب حول معاداة السامية لتقضي على معارضة السياسات الإسرائيلية.

نشرت المجلة الالكترونية «هريتيكال برس ـ بريطانيا في 16/8/2003 دراسة تثبت استغلال «إسرائيل» والحركة الصهيونية العالمية والمؤتمر اليهودي العالمي لمعزوفة اللاسامية وورد فيها:

في عام 1958 عقد المؤتمر السنوي لمنظمة المؤتمر اليهودي العالمي في جنيف. وألقى د.ناحوم غولدمان، رئيس المؤتمر كلمة حذّر فيها من خطورة انخفاض مستوى العداء للسامية، لأن هذا الانخفاض سيؤدي إلى ذوبان اليهود في المجتمعات التي يعيشون فيها خارج إسرائيل»(9).

إن توجيه أي انتقاد للممارسة «إسرائيل» للإرهاب والعنصرية والإبادة والاغتيالات والتدمير وبناء المستعمرات ومصادرة الأراضي والمياه والحقوق الفلسطينية والعربية يبرر اتهام المنتقد باللاسامية، وذلك انطلاقاً من مركزية «إسرائيل» لدى اليهودية العالمية، وبهذا يصبح أي انتقاد لها بمثابة هجوم على اليهود.

ويتهم اليهود كل أولئك الذين لا يوافقون «إسرائيل» على سياساتها وممارساتها في منطقة الشرق الأوسط باللاسامية، وعلى سبيل المثال استنتج بول ماكلوسكي، مرشح الحزب الجمهوري لعام 1982 لمجلس الشيوخ الأميركي إن سياسات إسرائيل ليست في صالح أميركا. «وقد ذعر نتيجة فشل واشنطون في كبح جماح إسرائيل عن بناء المستوطنات (المستعمرات) الجديدة في الضفة الغربية التي حتى الحكومة الأميركية قد وصفتها بأنها غير شرعية، كما ذعر لعدم تمكُّن الحكومة الأميركية من إرغام إسرائيل على وقف الاستعمال غير الشرعي للأسلحة المزودة من الولايات المتحدة»(10).

وعلى الفور هاجمت الصحافة الأميركية الموالية لإسرائيل ماكلوسكي ووصفته بأنه «من جماعة اللاساميين رديئي السمعة». وهكذا جلب موقف ماكلوسكي الذي يتماشى مع مبادئ القانون الدولي وقرارات مجلس الأمن ومع موقف الحكومة الأميركية من المستعمرات اليهودية تهمة معاداة السامية.

وعندما طالب بعض الطلبة في الجامعات الأميركية بمقاطعة «إسرائيل» احتج لورنس سامرز، رئيس معهد هارفارد على الدعوة وقال أنه يهودي غير ممارس، ولكنه بات يشعر برذاذ العداء للسامية يطاله. «ورد عليه ادوارد سعيد قائلاً بأن من يكون رئيساً لمعهد هارفارد لا يمكنه إدعاء وجود تمييز ضده. فيهود الولايات المتحدة هم أكثر حضوراً في الفئات المحظوظة والنافذة في المتجمع من نسبتهم إلى عدد السكان»(11).

ووصلت الوحشية والكذب بالمستشرق اليهودي الأميركي برنارد لويس حداً اتهم فيه العرب الساميين بالعداء للسامية وبالنازية. وتحدث عن النازية العربية المزعومة في كتابه «الموجز للألفي سنة الأخيرة من حياة الشرق الأوسط». ولا تزال اليهودية العالمية و«إسرائيل» تستميت في إلصاق تهمة اللاسامية والتعاون مع النازية بالعرب للتغطية على تعاونها مع النازية ومع جميع الحركات اللاسامية والعنصرية في العالم، بما فيها نظام الابارتايد العنصري المنهار في جنوب إفريقيا.

وعندما فاز كورت فالدهايم، الأمين العام الأسبق للأمم المتحدة برئاسة الجمهورية في النمسا من خلال انتخابات ديمقراطية في 9 حزيران 1986 ثارت ثائرة المؤتمر اليهودي العالمي الذي اكتشف فجأة أن فالدهايم خدم في الجيش الألماني إبان شبابه واتهمه باللاسامية.

وتهجمت المنظمات اليهودية على النمسا واتهمتها باختزان مشاعر اللاسامية لانتخابه.

ووصل النفوذ اليهودي حداً في أوروبا أعلن فيه البرلمان الأوروبي عن الحزن العميق لنجاح فالدهايم، بالرغم من أن الشعب النمساوي شعب ناضج وديمقراطي وحر، ودولته دولة محايدة، وتتمتع بمكانة عالمية محترمة، وأن ماضي فالدهايم مسألة شخصية تخص النمسا وشعبها وليست اليهودية العالمية و«إسرائيل».

وتعرض المفكر الفرنسي روجيه غارودي إلى اتهامه باللاسامية وإلى ملاحقته قانونياً بسبب كتابه «الأساطير المؤسسة للسياسة الإسرائيلية»، والذي قلل فيه من عدد الضحايا اليهود على أيدي النازيين.

وتقوم إسرائيل في الوقت نفسه بغرس كراهية العرب في الكتب المدرسية والمناهج التعليمية، وتجبر بعض الحكام العرب والقيادة الفلسطينية على تغيير المناهج التعليمية. وتحافظ على كل ما ورد في الكتب المدرسية فيها من أطماع وأكاذيب وعنصرية ووحشية. ويتضمن على سبيل المثال كتاب «التقاليد الشفهية عند اليهود» المعد للمدارس الثانوية ما يلي:

«لقد أمر الله أن نرث هذه البلاد. وهذه الوصية لها مفعولها إلى الأبد. لا يحق لنا أن نترك هذه الأرض في أيدي أي شعب كان، وفي جميع العهود والأزمنة»(12).

وهكذا تشحن الكتب المدرسية التلامذة اليهود بكراهية العرب وبالدعوة لاغتصاب أراضيهم وحقوقهم وإبادتهم مما يجسِّد اللاسامية أي عنصرية الصهيونية الموجهة ضد العرب الساميين.

زالت النازية من ألمانيا والاستعمار الاستيطاني الفرنسي من الخبراء والعنصرية من روديسيا والبرتغال ونظام الآبارتايد من جنوب إفريقيا ومصير الكيان الصهيوني ككيان استعمار استيطاني ونظام عنصري وإرهابي إلى الزوال.

المصادر

  1. مجلة صوت فلسطين، العدد 412 في أيار 2003، ص38.
  2. د. نورمان فنكلشتاين، صناعة الهولوكوست، دار الآداب بيروت 2001، ص58.
  3. د. فنكلشتاين. المصدر السابق نفسه.
  4. الفريد لينتال، ثمن إسرائيل، الجزء الثاني، دمشق، ص248.
  5. الفريد لينتال المصدر السابق ص216.
  6. السفير في 20/12/2001.
  7. المصدر السابق نفسه.
  8. مجلة الطلائع، العدد 1372، دمشق في 4/11/2003 ص20.
  9. جريدة المحرر، العدد 420 في 31/10/2003، ص18.
  10. مجلة صوت فلسطين، مصدر سابق، ص38.
  11. السفير في 10/10/2002.
  12. جريدة الوطن الكويتية في 18/9/1986.   

قد يعجبك ايضا

التعليقات مغلقة.