تساؤلات حول الاتفاق النووي الايراني / العميد المتقاعد برهان إبراهيم كريم

 

العميد المتقاعد برهان إبراهيم كريم ( سورية ) الثلاثاء 28/4/2015 م …

*إيران حققت هدفها, بينما لم يحقق غيرها شيئا رغم علاقاتهم الوطيدة بالكبار.

*الكبار لا يحترمون أحداً , إلا من يفرض قوته وإرادته واحترامه عليهم ؟

سيبقى الاتفاق النووي الايراني مثار الكثير من التكهنات والتحليلات لعدة عقود أو سنوات.

فالاتفاق  كما يشاع يتألف من قسمان: قسم معلن تم نشره من قبل وسائط الاعلام. وقسم يتضمن بنود سرية لن تنشر قبل عدة عقود. والأسئلة  والشكوك بخصوصه تختصر بما يلي:

هل القسم المعلن هو مضمون الاتفاق؟ والمعلن عنه تضمن تخفيض مخزون اليورانيوم منخفض التخصيب من 10طن إلى 300 كيلوغرام, وعدم تخصيب اليورانيوم فوق معدل 3,67% لمدة 15عام. واستمرار التفتيش الدولي على منشآتها النووية لمدة 25 عام. وتعهدها بعدم تصنع البلوتونيوم في مفاعل آراك. وتخفيض عدد أجهزة الطرد المركزي. واستمرار العقوبات الأمريكية المرتبطة بملف الإرهاب وحقوق الإنسان.

وهل رمى الاتفاق بمراهنات بعض الأنظمة وبما روجته مراكز ابحاث ودراسات ومحللين سياسيين وعسكريين ونوويين وبعض وسائط الاعلام والفضائيات بسلة المهملات؟ وهؤلاء  راهنوا وجزموا  بأنه لن يكون هناك اتفاق, والضربة العسكرية قادمة لامحالة.

وما سر أن المفاوضات الحبلى به وضعته في مدينة لوزان, وبحضور الدول الكبرى الممثلة بالولايات المتحدة الأميركية وبريطانيا والصين وفرنسا وروسيا وألمانيا؟ وفي مدينة لوزان قبل قرن أغلق وطوى هؤلاء الكبار بحضور الصين الوطنية آنذاك ملف الإمبراطورية العثمانية بعد أن اصدروا وثيقة شهادة وفاتها ووثيقة توزيع ميراث تركتها.

وهل أنهى الاتفاق الحرب القائمة بين إيران والولايات المتحدة الاميركية وفرنسا وبريطانيا وكندا بصورة أشبه بمجريات ما حصل بعد الحربين العالميتين الأولى والثانية؟ فالحرب السياسية والدبلوماسية والاعلامية القائمة بين إيران من جهة والولايات المتحدة الاميركية وحلفائها من جهة ثانية مازالت مستمرة منذ أكثر من 37 عام.

وما هو الموقف الحقيقي الإيراني على المستويين الرسمي والشعبي؟  فالحكومة الايرانية تظهر سرورها بهذا الاتفاق مع بعض التحفظات عليه. بينما على الصعيد الشعبي فنصف الإيرانيون يؤيدونه, ونصفهم الآخر يعارضونه.

وهناك اختلاف وجدل كبير حول الاتفاق ،. فالرئيس اوباما أعتبر وجود معارضين للاتفاق في إيران دليل على انتصاره وانتصار بلاده في فرض إرادتها على إيران. بينما ترى الحكومة الإيرانية في هذه المعارضة للاتفاق قوة إضافية تمنحها حرية الحركة في حصولها على مكاسب إضافية, كي لا يتمكن  المعارضون من  إحباط ما توصل إليه المفاوض الإيراني ووفود ممثلي الكبار ومنعها من توقيعه في حزيران القادم.

وهل انتزعت إيران بهذا الاتفاق موافقة الكبار لتكون دولة بأنياب ومخالب نووية؟ فالاتفاق ضمن لإيران احتفاظها ببنيتها التحتية من الطاقة النووية السلمية، مع احتفاظها بقدراتها التسليحية المتطورة. وسيوفر لها الفرص لتنمية اقتصادها وزيادة الاستثمار الأجنبي فيها والتبادل التجاري بينها وبين دول العالم, وهو ما تطمح إليه.

وهل بدد الاتفاق حالة القلق والخوف التي كانت (تجتاح العالم ) من انفلات مشروع إيران وإدخال العالم والشرق الأوسط في سباق تسلح نووي إقليمي كارثي العواقب؟ فالعالم يعيش حالة من القلق نتيجة ارتفاع مستوى توترات واحتكاكات لقوات عسكرية اميركية وإيرانية في الخليج العربي, وارتفاع منسوب التهديدات بين كل من إيران من جهة وواشنطن وإسرائيل من جهة اخرى. وأي انفلات لأي توتر أو تهديد أو احتكاك رغم محدوديته سيلهب المنطقة بحرب قد تسبب في قطع إمدادات النفط.

وهل لهذه الأسباب اعتبرت الادارة الأميركية وأوباما الاتفاق بمثابة انتصار لبلادهم؟:

 فالاتفاق حقق للرئيس أوباما خياره الأول والذي يعتبره الأفضل له ولبلاده. وأعتبره بالاتفاق التاريخي الذي يخدم أمن بلاده. وحقق مطلب تخفيض أجهزة الطرد المركزي وتخفيض مخزون إيران من اليورانيوم ضعيف التخصيب, ووضع المواد الفائضة تحت إشراف الوكالة الدولية. وربط آلية رفع العقوبات الاقتصادية بتأكيد الوكالة الدولية من احترام إيران لتعهداتها في هذا الاتفاق.

وخيارات أوباما الثلاث لكبح الطموحات النووية الإيرانية: الأول: منع إيران سلمياً من الحصول على سلاح نووي.والثاني: توجيه ضربة عسكرية.والثالث: الانسحاب من المفاوضات والاعتماد على فرض العقوبات فقط. والخياران الثاني والثالث لهما عواقب قد تجره وبلاده إلى ما لا يحمد عقباه.

وهل قبول الكبار بمخالب إيران النووية هدفه حماية مصالحها وأمنها ولهذه الأسباب؟:

فالصين وروسيا تعتبران إيران بوابة آسيا الغربية, وهي من تتحكم بالخليج لطول شاطئها عليه, و بمضيق باب المندب الذي تمر منه شرايين النفط.

والسياسة الايرانية تتوافق في كثير من الأمور مع  الكبار بمحاربة الارهاب.

وواشنطن تعتبر حلف الناتو معاق ومبتور بدون إيران. ولم تيأس من إعادة إيران للناتو, ولهذا لا تريد ان تقطع أي حبل يوصلها ويربطها بإيران؟

والكبار يعتبرون أن أي تدخل في منطقة الشرق الأوسط وآسيا والمحيط الهندي  محكوم عليه بالفشل إن لم يحظ برضى أو موافقة أوحياد إيران.

وهل امتعاض إسرائيل ودول مجلس التعاون الخليجي من الاتفاق رغم جهود أوباما بإقناعهم بأن نشاطات إيران مراقبة, وأنه اخضعها للمسائلة, إنما أسبابه هي ؟:

عدم ارتياحهم لقبول الكبار بأن يكون لإيران مخالب نووية وسط محيطها.

وأن قبول الكبار بنووي إيران كأن الهدف منه موازنة نووي باكستان السنية بنووي إيران الشيعية. وكأنهم فرضوا على المسلمين أن يختاروا أحدهما لتمثلهم في مجلس الأمن الدولي الذين يجرون مفاوضات خلف الكواليس لتشكيله من جديد في ظل نظام عالمي جديد تجسد غلى الأرض بانتهاء الحرب الباردة.

وخوفهم من ان يكون الكبار (منحوا ) إيران دوراً إقليمياً جديد, يتيح لها بعض الهيمنة في المنطقة, كي يجنبوا بنظرهم منطقة الخليج حرباً خليجية رابعة.

وقلقهم من أن يكون الكبار قد توصلوا مع إيران إلى تسوية إقليمية بشان بعض الأزمات كالأزمة السورية واليمنية والبحرينية واللبنانية والعراقية والأفغانية.

وقلقهم من أن يكون دافع الكبار للقبول بالاتفاق النووي مع إيران هو اقتناعهم بحاجتهم الماسة لإيران في حروبهم الجديدة على الارهاب.

وموضوع الاتفاق النووي بحد ذاته بدأ كمفهوم عام2003م, وذلك لتثبيت دخول  الولايات المتحدة للعالم, من خلال تحويل التدخل المباشر إلى غير مباشر. واستبدال القوة الفعلية بالقوة الذكية. وهذا التحول جسّده الاتفاق.

والاتفاق ولد قيصرياً وعلى مضض رغم معارضة حلفاء الولايات المتحدة الأميركية من الحكومات الأوروبية ودول مجلس التعاون الخليجي وإسرائيل.

وتنفيذ هذا الاتفاق سيتم بعد ماراثون طويل من المفاوضات, والتي تتبع فيها واشنطن سياسة النفس الطويل المعتمدة على الصبر الاستراتيجي.

وهل دول مجلس التعاون الخليجي ترى أن مواجهة هذا الاتفاق بشقيه المعلن والسري  إنما يكون بانتهاج حزمة سياسات خلال المرحلة المقبلة, والتي تتلخص بما يلي؟:

استمرارها باتباع سياسات تتماشى وتتوافق مع الاستراتيجية الامريكية. وحتى تذليل كل العقبات والصعوبات والازمات والقضايا التي تعيق هذا التوافق.

تنويع تحالفاتها الدولية ببناء تحالفات جديدة مع  دول وتحالفات أخرى.

تطوير أطرها التنظيمية وبما يشمل السلطات التشريعية والتنفيذية والقضائية. وذلك بما يسحب البساط من تحت أقدام المنتقدين لهذه الدول والحكومات.

السعي لامتلاكها برامج نووية في مجالات غير عسكرية للحاق بإيران.

رفع مستوى الاحتكاك والتوتر فيما بينهم وبين إيران بما يدفع الكبار للبدء  بجهود تحد من طموح إيران الخليجية والاقليمية وتضمن أمن دول الخليج.

وهل سخط إسرائيل واليمين الاسرائيلي من الاتفاق وباراك أوباما هو لهذه الاسباب:

فالاتفاق حجّم الدور الإسرائيلي في المنطقة للحفاظ على المصالح الأمريكية.

وواشنطن بقبولها بهذا الاتفاق معناه أنها لن تقبل أن تكون إسرائيل التي تعتبر نفسها قوة كبرى قوة منافسة للقوة الأمريكية في أي مكان في أرجاء العالم.

والاتفاق أجهض محاولات نتنياهو بتحميل الرئيس اوباما وإدارته المسؤولية عما تعانيه حكومته وتحالفه وإسرائيل،رغم انه زار واشنطن دون استئذان اوباما وفق العرف والبروتوكول.والقى بخطابه في الكونغرس الأمريكي في 3/3/2015م. والذي أكد فيه على رفض حكومته لما تجريه واشنطن والكبار من مفاوضات مع إيران حول البرنامج النووي الإيراني.

والاتفاق حول النووي الايراني رمى باعتراضات نتنياهو في سلة المهملات. حيث تتسع في إسرائيل شقة الخلاف حتى القطيعة بين تيار رابين الذي يعتبر أن مصلحة  إسرائيل هي في الموافقة على ما تعرضه الادارة الأميركية التي تنتمي للحزب الديمقراطي. وبين الليكود وحلفائه الذي يؤيد الادارات الأميركية التي تنتمي للحزب الجمهوري ويعتبرها الأفضل لليمين وإسرائيل.

ونتنياهو يعتبر الاتفاق بمثابة صفعة قاسية له وجهها له أوباما وإدارته رغم أنه شكر الرئيس باراك أوباما في خطابه  أمام الكونغرس, حيث قال: نحن نقدر كل ما فعله الرئيس أوباما لإسرائيل وكذلك دعْمنا بمزيد من صواريخ اعتراضية خلال عملياتنا في الصيف الماضي. وسأكون دائماً ممتناً للرئيس أوباما لدعمه لنا. وإسرائيل ممتنة له وللكونغرس الأمريكي لدعمكم، وبخاصة المساعدة العسكرية السخية والدفاع الصاروخي، بما في ذلك القبة الحديدية.

واعتراض الكونغرس الأميركي على الاتفاق كما يقال سببه ان الكونغرس بات بين سنديان مصالح بلاده وامنها القومي ومطرقة اللوبي الصهيوني وبعض منظماته كإيباك.

وهناك تكهنات وتوقعات تعتبر ان الاتفاق سيفتح الباب لتحقيق أمور عدة, ومنها:

سيمثل الاتفاق فرصة تاريخية للدول العربية لتهدئة المنطقة الشرق أوسطية المتفجرة, وإعادة النظر في العلاقات فيما بينها وبين جوارها ومنهم إيران.

انفتاح اقتصادي وفتح أسواق تجارية بين الدول العربية وجيرانها. و هو ما يعزز متانة العلاقات السياسية والدبلوماسية بينها وبين جوارها فيما بعد.

إيجاد حل يدفع بإسرائيل وغيرها للانضمام الى الاتفاق النووي. وإيقاف تطوير سلاحها النووي لإيجاد منطقة خالية من سلاح الدمار الشامل.

ولو دقق أي أنسان بهدوء للأحداث السياسية خلال 4 عقود ,لاستنتج أمور أهمها:

سعي إيران منذ عهد الشاه لأن تكون دولة نووية, وتابعت هذا المسعى بعد ثورتها التي أسقطت الشاه. وحققت مسعاها في ان تكون دولة نووية بعد عدة عقود.

وكاد العراق أن يسبق إيران لولا تدمير حلمه النووي بتواطؤ دولي وإقليمي.

وحملت إيران  الدبلوماسية بيد والبندقية بالثانية لتحقيق مشروعها. بينما كان فحوى سياسات بعض الدول ؛ المساومة. أو سن قوانين تبيح المحرمات لتذلل عقبات استضافتها لدورة رياضية. أو لشراء ضمائر لجنة الفيفا لتمنحها استضافة مباريات كأس العالم.

فيما وظفت إيران قوتها بشكل علني بما حقق وخدم مصالحها لتذكر بتاريخها السحيق. بينما تتدخل بعض الدول بقواتها وقوتها وإعلامها لتدمير بعض الجيران والدول.

وإيران تهاجم إسرائيل في العلن, بينما بعض الأنظمة والحكومات  العربية والاسلامية  تنتقد إسرائيل بخجل وعلى استحياء,أو تقيم معها علاقات في الخفاء.وتربطها معها علاقات دبلوماسية أو عسكرية أو تجارية, أو تسعى لتطبيع العلاقات معها.

ولا تستثني إيران أحداً لتحقيق مصالحها, بينما هناك دول صفتها الاستثناء فقط.

وإيران حققت هدفها, بينما لم يحقق غيرها شيئا رغم علاقاتهم الوطيدة بالكبار.

هل يمكننا القول أن الكبار لا يحترمون أحداً , إلا من يفرض قوته وإرادته واحترامه عليهم ؟

قد يعجبك ايضا

التعليقات مغلقة.