رسالة إلى أم الشهيد “أحمد جرار” / ريما كتانة نزال
قَلْبُك حزين؛ غاضب وفاقد. لكنك سعيدة ومكتفية. مشاعر السعادة تتغلب على مشاعر الفقد والغضب. ليست إسقاطات رغائبية من جانبي، دعم خيار الابن المسكون بأبيه. زوجة شهيد وأم شهيد. كلاهما قضى بحثاً عن الفردوْس الموعود في السماء، زهدا في الفردوس المفقود على الأرض.
ما تميز به ابنك الذي مضى وحيدا، تركه رسالة عظيمة وطاهرة خالصة لوجه الوطن والله، مضى ويده على الزناد بينما عيناه ترنوان إلى تسامحك مع خطوته المنفردة، مطمئنا من حسن مغفرتك، فمضى تاركاً رسالة صادقة وحقيقية وتصنع الفرق المطلوب، بين ما قبل وما بعد الشهادة.
مضى ابنك دون رُتبٍ ومناصب وألقاب، مضى يحمل رتبة شهيد وشاهد. اكتفى بهذا القدر من التكريم سعيداً بأنه قاتل في ظل محيط مستسلم من الخليج إلى المحيط، ومتغيرات البيئة الإقليمية على وجه الخصوص، يقدم “أحمد النصر” نموذجه البديل، دون موازين قوى أرضية، إنها الفكرة الاعتراضية على اعتياد الإذعان.
قدّم ابنك مدوَّنته الخاصة في الزمن الصعب؛ أضاف بها على ما قدمه “باسل الأعرج” وغيره، إضافة أسطورية للنموذج الذي مثلته “عَهْد”. نماذج الارتقاء بالسقف السياسي. بتواضع جمّ نأى بنفسه عن الاعتبارات السياسية وقيودها، نأى بنفسه عن صفقات العصر المسخ.
لابنك أيتها الأم الصابرة قلب نقيّ وسليم،. ابنك قدّمَ تدخله عن وعي وإدراك: إحداث الفرق الذي يمكن معه مغادرة الأرصفة والنزول للشارع. النتيجة تتحقق كما أراد الشهيد، هبّة نابلس وحَلحول وقُصرة. لقد أثر الشهيد في مجتمعه؛ انتشلنا من بعض إحباطنا ويأسنا، تشككنا بنفسنا وقدراتنا، اعتياد تعداد الأرقام.
ابنك البطل خلط ابتسامته بالأسطورة ليقول لنا شيئا ما، نبيلا وأخلاقيا. ابنك بلا فذلكة استطاع تفكيك المضامين الصعبة للظلم المتوارث، لم يعد يحتمل استفحال الظلم المستفحل على هذه الكرة الأرضية؛ فمضى. مضى تاركاً الحقيقة بالقرب من ابتسامته على الأرض، ابتسامة لا تصلح للموت.
ابنك سيدتي وضعنا في مواجهة صعبة مع الاعتياد، أيقظ فينا الجانب الشخصي مع كل شهيد يرحل، رفض الاعتياد على الرحيل الدائم للأحبة، حصننا ضد اعتياد الظلم والإدمان عليه. قال لنا إن التطبيع مع الظلم يصيب الأصالة والحق في مقتل. حذّرَنا من التكيُّف مع الظلم، وعلى مشهد الجنازات الفلسطينية، تمرير سرقة حياة مسروقة. ابنك قرع جرس إنذار الوقوع في اليأس وبئس المصير.
لابنك سيدتي فضل خاص وعام، لقد أعاد لي حالة الاضطراب والتوتر والانتباه لآفة التكيف مع الموت. نبهنا إلى أننا جميعاً نحمل وجهاً واحداً، لنا حسابات مفتوحة في بنك الأهداف الإسرائيلية، نحشرج بزغاريد في الترح والفرح. ابنك حذرنا من الاختباء لدى بعثرة التصريحات فاقدة الحرارة، كإشاعة كاذبة.
أختم رسالتي متمنية لك موفور الاعتزاز والفخر والتفاؤل بأثر ابتسامة جميلة متروكة مع دمها على الشارع.
التعليقات مغلقة.