من سوريا إلى مصر: خريف الإخوان يتمدّد! / د. رفعت سيد احمد
ترى كيف لنا أن نقرأ بيان الإخوان الأخير عن الهجوم التركي على عفرين السورية، وتبريرهم لهذا الهجوم؟ هل هي التحالفُات القديمة تتجدّد؟ هل هو ردٌّ للجميل بعد احتضان أردوغان لقادة “الجماعة” عقب ثورة 30/6/2013 في مصر وتبنّيه لخطابهم بل واختراعه لشعار “رابعة” الشهير إثر صِدامهم الدامي مع الشرطة والجيش في منطقة رابعة في مدينة نصر في القاهرة! أم هو العداء المُتأصّل لديهم تجاه كل ما هو قومي عربي سواء جاء من سوريا أو من مصر؟ أم هو سوء التقدير الكامل الذي لازَمَ هذه الجماعة تجاه أحداث المنطقة منذ سبع سنوات سُمّيت بالربيع العربي والتي كانوا دائماً فيها يتّخذون الموقف الخطأ في التوقيت الخطأ؟ وينحرفون في بوصلة عملهم السياسي والوطني بعيداً عن الاتجاه الصحيح!
حول هذه القضية دعونا نُسجّل ما يلي:
أولاً: يُطالب بيان الإخوان المسلمين حول عفرين بمُساندة مَن أسمته بالجيش الوطني السوري الذي تأسّس في كانون الأول/ ديسمبر الماضي والمُكوَّن من 39 فصيلاً مسلّحاً ينتمي أغلبهم إلى ما سُمِّي سابقاً (بالجيش الحر)، وأنها تسانده ومعه الجيش التركي الداعِم له، لأن الجماعات المسلّحة في عفرين، تُعَدُّ في عرفهم جماعات انفصالية، وهي (أي جماعة الإخوان) ضد هذه الروح الانفصالية؟ والسؤال هنا بأيّ دليل من تاريخ ومواقف الإخوان في سوريا وخارجها، كانوا هم دُعاة (للوحدة) وضد الانفصال؟ ألم يكن ما جرى في مصر خلال فترة تواجدهم السياسي (2011-2013) وحُكمهم مصر، عنواناً للتمزّق الوطني، والانفراد بالسلطة والقرار، بل وبالتنازُل الضمني عن أجزاء في سيناء وفي حلايب وشلاتين على الحدود الجنوبية مع السودان؟ ونفس الحال في السبع سنوات العِجاف في سوريا (2011-2017) والتي ساهم الدور الإخواني (باعتبارها الجماعة الأبرز والأشمل سياسياً وتمويلياً للمسلّحين) في إدخال سوريا حلبة التجاذبات الاقليمية، كمُقدّمة ضرورية للتفتيت الوطني، وما بيانهم الأخير عن (عفرين) والمُتضمّن نصّاً (حق تركيا في اتخاذ الخطوات اللازمة بما فيها احتلال الأرض السورية للدفاع عن أمنها القومي!!) أليس هذا كله ما يدحض دعوة الإخوان للوحدة ورفض الجماعات الانفصالية، وهي سيّدة تلك الجماعات، وعنوانها الدائم قبل هذا الربيع العربي (المُزيَّف) وبعده؟
ثانياً: وإذا ما ابتعدنا قليلاً عن (بيان عفرين) فإننا نعتقد أن الإخوان، في ضوء ما يجري في سوريا، وفي مصر (تحديداً) قد باتوا في مِحنة حقيقية جديدة، وهنا أصل الداء، وهي محبّة (الخريف)، والنهاية التدريجية كجماعة دولية كبيرة وهو خريف يتّصف، بالتخبّط، وسوء التقدير السياسي لمُجريات الهزيمة التي يعيشها هذا (الربيع العربي) وحوامله من تيّارات وجماعات تكفيرية، إن ما كان يصلُح أن يقوله (الإخوان) عام 2011، لم يعد صالحاً اليوم (2018) أن يُقال، فلقد تلقّت داعش والنصرة والجيش الحر، وولاية سيناء وأنصار الشريعة وفجر ليبيا، ضربات مؤلِمة أدّت تدريجاً إلى هزيمتهم، وهي جماعات لا تنفي جذور علاقاتها- على الأقل السياسية- بالإخوان المسلمين؛ إن الدولة الوطنية، بجيشها الموحَّد، في سوريا ومصر تحديداً (ومن قبل في العراق)، تتقدّم على الأرض رغم الصعوبات التي لاتزال قائمة، وفي المقابل يتراجع المشروع الإرهابي مع داعميه، بل إن بعضهم بدأ ينقلب على تلك الجماعات التي صُنِعت على عينه، وعلى نفطه وفتاويه الوهّابية؛ وداخل مراكزه الحدودية (مثل معسكرات أضنة التركية).. هذه التحويلات والهزائم، لا يقرأها جيّداً الإخوان المسلمون، ولاتزال القيادات خاصة مَن هم خارج المُعتقلات (لأن الصف الأول في بلد المنشأ مصر كله الآن في السجون) لا يُحسنون قراءة تلك الهزائم التي مُنوا بها هم وحلفاءهم من التنظيمات المسلّحة، وهو فَهْمٌ قاصِر أدّى إلى مواقف خاطئة، ومُهلِكة في آن؛ سُرعان ما أدخلتهم في هذا الخريف السياسي الطويل!
ثالثاً: إن أحد أهم مظاهر (خريف الإخوان) هو هذا الرّفع للغطاء الخليجي (المالي والسياسي) عنهم، إلى حد إصدار وثائق توقيف ومنع دولية بحقّهم، وجرى رفع الغطاء بعد أزمة قطر مع الدول الأربع والتي بدأت في يونيو حزيران (2017)، فالسعودية تحديداً كانت أحد أبرز الداعمين مالياً (ودَعَوياً وهّابياً) للإخوان، طيلة سنوات عُمرهم المديد والذي وصل هذا الشهر إلى تسعين عاماً (أنشِئت جماعة الإخوان عام 1928)؛ الآن السعودية تقف بقوّة ضد جماعة الإخوان، ومعها الإمارات والبحرين والكويت ومن خلفهم جميعاً مصر، ولم يبق إلا (قطر) والتي رغم الروابط القوّية بين أميرها الحالي (تميم) والقول بأنه أصلاً ينتمي إلى جماعة الإخوان وأنه انضمّ إليهم عبْر الشيخ يوسف القرضاوي، إلا أن قطر ذاتها بدأت تتراجع تدريجاً في مجال دعمها الواسع للإخوان وإن لم تتخل بالكامل عنهم، ربما لحاجتها إليهم في (وظائف) و(معارك) خارج الحدود، كما كان يجري إبان الربيع العربي!
إن رفع الغطاء الخليجي عن الإخوان، مثَّل ضربة سياسية ومالية شديدة التأثير على بُنية التنظيم الاقليمية؛ ما ساهم في إدخال الإخوان في مرحلة الخريف السياسي؛ خاصة وأن هذه الدول الخليجية، ترى في “الإخوان” مصدراً لتهديد أمنها القومي، من خلال العلاقات المُمتدّة بين “الإخوان” في سوريا ومصر، والجماعات الدينية المُتشدّدة في تلك الدول؛ فضلاً عن الخوف المستقبلي من أن تنتقل إليهم (الحال السورية) التي كان الإخوان أحد أبرز قادتها، خاصة والبيئة الشعبية والدينية في تلك المشيخيات الخليجية مُهيأة لهذا النوع من التطرّف وتوظيف الدِين في لعبة السياسة.
رابعاً: إن الإخوان وهم يعيشون خريفهم السياسي، يتخبطون في قراراتهم ومواقفهم، ولقد تجاوز الأمر سوريا وليبيا لتذهب أشكال التخبط وتتنوع في مناطق الاشتعال الطائفية والمذهبية والسياسية العربية، وتأتي العراق واليمن وليبيا على قمتها، فإذا ما بحثنا عن دور للإخوان المسلمين هناك سنجد مواقف مضطربة، وقرارات خاطئة ودائماً تقف في مواجهة الشعوب وحقوقها المشروعة ودائماً تنحاز إلى قوى إقليمية، ودولية ظالمة ومعتدية، أو تمسك العصا من المنتصف في حروب عدوانية (مثل حالة اليمن) فتصبح أسوأ من المعتدي، في جرائمه ضد الشعب الأعزل.
خلاصة القول، إن (خريف الإخوان) سيمتد لسنوات طويلة قادمة، ربما لن تقل عن السنوات السبع لما سُمي بالربيع العربي، وقد تتجاوزها إلى العشر سنوات وإن كان من نصيحة، تهدي، لهم، في خريفهم، وآملاً في أن يعودوا ثانية إلى (ربيعهم) الحقيقي كما ينبغي له، أن يكون، فهو أن تعيد الجماعة بوصلتها التي انحرفت إلى الاتجاه الصحيح، والذي يتمثل أولاً في اتجاه الوحدة للدول الوطنية، ودعم جيوشها في حربهم ضد الإرهاب الملتحف زيفاً بعباءة الدين أو العرقية، أو العدوان للجار الطامع تاريخياً (كما هو حال تركيا – أردوغان مع سوريا). وثانياً: أن تتجه البوصلة ثانية، وعبر السياسة أو السلاح إلى فلسطين، ودعم حركات المقاومة بها بلا شروط مذهبية أو سياسية، وبدون تخصيص أيديولوجي (كأن تدعم حماس فقط لأنها إخوانية.. فثمة 13 فصيلاً مقاوماً في فلسطين موجودين هناك ويحتاجون إلى الدعم!). وثالثاً: أن تكف الجماعة عن خلط السياسة بالدعوة أو بالدين (على الطريقة الوهابية الإخوانية)؛ وتحديداً في حالة مصر، فثمة حساسية شديدة، لدى الرأي العام المصري، تجاه هذا الأمر، خاصة بعد تجربتهم المريرة مع حكم الإخوان عام (2012-2013). والتي أصبح بعدها الموقف ضد الإخوان ليس موجوداً فقط عند أجهزة الدولة وجيشها وشرطتها بل لدى قطاعات واسعة من الشعب. إن تفكيك هذا العداء يحتاج إلى شجاعة في نقد الذات، ونقد التجربة وإعادة تصويب البوصلة في الاتجاه الصحيح لخدمة الأوطان وليس لخدمة الجماعة فقط، وهنا فقط، ساعتها، قد …. قد…. ينتهي (الخريف) ويبدأ “الربيع” الإخواني الصحيح.. والله أعلم.
التعليقات مغلقة.