أزمة الهجرة غير الشرعية: سورية تحت المنظار / د.خيام الزعبي
د.خيام الزعبي * ( سورية ) الأربعاء 29/4/2015 م …
*مدير مكتب صحيفة العالم الجديد بدمشق
الهجرة غير الشرعية مصطلح برز في العقود الأخيرة وأخذ وضعاً مميزاً في وسائل الإعلام العربية والأوروبية، وعدد من منظمات المجتمع المدني والمؤسسات الحكومية الإقليمية والدولية،حتى أصبحت إحدى القضايا القليلة التي يضطر معها العالم الأول للنزول عن كبريائه والتعامل مع العالم الثالث بوصفه لاعباً أساسياً له دوره الرئيسي في الحد من تلك الظاهرة، وسورية على وجه الخصوص تعد أحد الميادين الأساسية التي تجري على أرضها دراما الهجرة، إذ عدّ المواطن السوري صيداً ثميناً لعصابات التزوير، حيث يتم إعطاءه جوازات سفر وتسهيلات تكلفة ما بين الـ 10 آلاف دولار و30 ألف دولار، ليكتشف لاحقاً في أحد المطارات الدولية أن الجوازات التي بين يديه مزورة ويتم إعادته الى بلاده أو إعتقاله، أو على متن قارب صغير مكتظ بالمهاجرين المغامرين، تتلاعب به الأمواج حتى تسلمه الى حرس السواحل، أو ينتهي به الأمر الى الإستقرار في قاع البحر.
إن كانت تداعيات الحرب الجارية في المنطقة دفعت قضية الهجرة غير الشرعية إلى السطح بشكل لافت، إلا أن الفاتورة التي دفعها ولا يزال يدفعها السوريون باتت جسيمة وباهظة الثمن، حيث فاقت أثارها كل التوقعات، قياساً لتقديرات الأرقام الصادرة من المنظمات الدولية والتي تفيد بأن السوريون، أصبحوا أكبر مجموعة مهجرة في العالم، ويشكلون اليوم نحو 23% من مجموع المهجرين في العالم، وذكرت أخر إحصائية للأمم المتحدة أن ثلاثة ملايين لاجئ سوري نزحوا إلى الخارج و6.5 ملايين نازح داخل سورية، وهو ما يعني أن قرب نصف السوريين جميعا أجبروا على ترك بيوتهم والنجاة بأرواحهم، فتطورالصراع في سورية، لم يعد فقط مزيداً من عمليات القتل والتدمير، بل أصبح في نتائجها مزيد من اللاجئين في بلدان الجوار، والهجرة ذاتها لم تعد قائمة بصورتها العادية، إنما تحولت إلى هجرة غير شرعية، الأمر الذي يشكل خرقاً لنظام الهجرة والأمن المعتمد وخاصة في البلدان الأوروبية، فتفشي ظاهرة الهجرة غير الشرعية والتي تعني مخاطر حتمية بالنفس لقاء أمل ضئيل بحياة أفضل، ليست إلا مدلولاً حاداً على شيوع اليأس لدى الشباب وعمق الأزمة والضغوط الحاصة عليهم، وفقدان الإنتماء للوطن أو الثقة به.
في إطار ذلك تبقى ظاهرة الهجرة غير الشرعية هاجساً يقض دول العالم بإستمرار إلا أن تنامي أعداد ضحياها بشكل مطرد في الآونة الأخيرة، فرض على المجتمع الدولي إطلاق نواقيس الخطر للتحذير، فمن تداعياتها الكارثية التي تهدد أولاً حياة المهاجرين وأمن وإستقرار الدول المعنية ثانياً، إذ أصبحت أخبار غرق مراكب المهاجرين غير شرعيين عبر البحر الأبيض المتوسط بإتجاه القارة الأفريقية شبة يومية، إذ أن أكثر من 1750 مهاجراً قتلوا في المتوسط منذ مطلع العام 2015، وهو عدد أكبر 30 مرة من حصيلة الفترة نفسها من 2014.
في ضوء الأزمات وويلات الحرب والإضطرابات الأمنية وتردي الأوضاع الإقتصادية فإن النسبة الأكبر من الشباب يقعون في دائرة المحظور من خلال اللجوء الى سماسرة السوق ومكاتب السفريات غير القانونية ووسطاء الهجرة الذين يتقاضون مبالغ مالية كبيرة، وقد نشطت على الحدود مع ليبيا حركة التهريب البشري وعصابات للنصب على الشباب، وتتقاضى منهم مبالغ طائلة بدعوى توفير فرص عمل لهم في أوروبا ثم يهربون بهذه الاموال دون أن يحاسبهم أحد، وتنتهي رحلة الشباب إما بالموت أو السجن أو الترحيل، ونتيجة لعدم توفر الوعي لدى هؤلاء الشباب بمخاطر الهجرة غير الشرعية يلقون حتفهم وهم في طريقهم الى أحد الموانئ الأوروبية حيث يتم تسفيرهم على متن مراكب قديمة ومتهالكة والنتيجة غرقهم وسط البحر المتوسط وحتى من ينجو منهم يصل الى أوروبا يعتبر مخالفاً للقوانين الأوروبية، ويتم إعادته مرة أخرى الى أرض الوطن مرحلاً مهاناً الى بلده مرة أخرى، فالهجرة غير الشرعية أصبحت السوق السوداء للإتجار بالشباب.
باتت ليبيا اليوم منطقة جذب وهو ما يجعلها صاحبة العبء الأكبر لمئات الألوف من المهاجرين من دول منطقة الشرق الأوسط، إذ أضحت المعبر الأمثل في نظر المهاجرين للوصول الى أوروبا، عن طريق قطع البحر، فإنهيار اقتصاد البلاد والهروب من الفقر والبطالة وتلاشي الأمل في الحصول على فرص العمل، والفساد السياسي والجهوي والقهر المستشري في الدول العربية كل ذلك يدفع بالشباب الى الهجرة بكافة الوسائل رغم ما يكتنف بعضها من مخاطر وإنتهاكات جسيمة بحقهم، ولا ننسى الإنبهار بالغرب وهو سبب أساسي من أسباب الهجرة الى الخارج بعد الهوة الكبيرة التي باتت تفصل بين القارة الاوروبية وبين دول العالم النامي في النواحي الإقتصادية والتكنولوجية، فتنامي ظاهرة الهجرة غير الشرعية من ليبيا بشكل يدعو الى القلق الشديد هو الوضع الأمني المتهور في ليبيا، وإنتشار المجموعات المسلحة والتي منها المجموعات الإجرمية المنظمة التي تستغل عدم سيطرة الدولة على المنافذ البحرية لتهريب المهاجرين وتحقيق مكاسب مالية هائلة من وراء ذلك.
إن ظاهرة الهجرة غير الشرعية يتم التعامل معها بالنسبة الى المجتمع الدولي وأوروبا بإعتبارها جزءاً من الأزمة الليبية التي تتناحر فيها الأطراف سياسياً فيما تزدهر فيها التنظيمات الإرهابية وهو ما يجعل من ظاهرة الهجرة التي كانت تشكل ثقلاً على الإقتصاد الأوروبي تتخذ شكلاً جديداً من التهديدات بحيث تشكل ثقلاً على المنظومة الأمنية حيث يمكن للمجموعات الإرهابية أن ترسل خلايا نائمة الى أوروبا عبر سفن المهاجرين غير الشرعيين، وبالتالي فإن الوضع الليبي والسوري المعقد والمتنامي التعقيد جعل من التوصل الى حل سياسي للأزمة ضرورة ملحة للإستقرار والأمن ليس في سورية وليبيا فحسب وإنما في كل الدول المجاورة، وجعل من إضطراباتهما ما يشكل خطراً على السلام والأمن الدوليين.
في سياق متصل إن السياسات الأوروبية تجاه الهجرة خلال العقود الأخيرة كانت سياسات موجهة للصد أكثر مما هي موجهة للمساعدة، وهذه السياسات لم تقلل عدد المهاجرين بل زادت من عدد الموتى في البحر، وقرر الإتحاد الأوروبي مؤخراً زيادة الميزانية المخصصة لعمليات إنقاذ المهاجرين لتصبح 9 ملايين يورو بدلا من 2.9 مليون يورو، كما قرر محاربة شبكات التهريب، والنظر في إمكانية القيام بعمليات عسكرية ضد المهربين على السواحل الليبية قد تصل إلى تدمير السفن التي تُستعمل في تهريب المهاجرين عن طريق البحر، وإنطلاقاً من ذلك فإن الحل الأمثل لحل المشكلة من جذورها هو أن يشكل الإتحاد الأوروبي تحالفاً دولياً لمعرفة الأسباب الحقيقية التي تدفع المهاجرين لرمي أنفسهم وترك عائلاتهم وبلادهم من أجل الوصول لأوروبا ورغم أن قادة الإتحاد إستطاعت بإمتياز أن تحول قضية إنسانية الى قضية قانونية من خلال تعزيز إجراءات من شأنها التضييق على المهاجرين، لكنها تحتاج لمعالجة الأزمة بشكل واع أكثر من ذلك، من خلال دعم اللاجئين والمشردين بدلاً من الحرب على القراصنة والمهربين.
هنا لا بد من قول الحقيقة إن الدول الأوروبية التي يقصدونها المهاجرين، لم تعد نفس أوروبا قبل نصف قرن من الزمان تستقبل الأجانب بالترحيب والإحترام، فأوروبا اليوم تعاني من البطالة ومهددة بالإفلاس ودولها تستقبل بترحاب الأجانب المدعوين للمناسبات السياسية او الثقافية، ولهذه الاسباب تخشى من تدفق المهاجرين وخاصة العرب والمسلمين الغير شرعيين، لأنها تعتبرهم منافسين في سوق العمل للمواطن الأوروبي ويهددون وحدة الثقافة والهوية الأوروبية خاصة بعد تأكد إستحالة إندماجهم في الثقافة الأوروبية، في إطار ذلك نؤكد لهؤلاءالمتاجرين بمعاناة السوريين وغيرهم أن يكفوا عن الكذب والتضليل الإعلامي لهولاء الشباب بتصوير الأوضاع في أوروبا وكأنها جنة الديمقراطية والرخاء، وأن يتوقفوا عن تشجيع الشباب على الهجرة غير الشرعية وعن مساعدة الحالمين بالهروب الى أوروبا بإرسال المال والوثائق المزورة، وإرشادهم على عناوين مافيا تهريب البشر في مختلف الدول العربية دون إخبارهم بالمخاطر التي تصل الى الموت في المحاولات اليائسة للهروب من بلدانهم، وبإختصار شديد يمكنني القول إن الهجرة الي يحلم بها الشباب للوصول الى إحدى الدول الأوروبية أصبحت عُرضة لمصيدة الأحلام ولتجار البشر الذين يتاجروا بهم لمنافعهم الشخصية دون رحمة أو رأفة بهم.
التعليقات مغلقة.