ماذا بقي لإسرائيل بعد سقوط الصورة والدور؟ / ليلى نقولا
الوظيفة والدور اللذان حدّدتهما إسرائيل لنفسها كموقع مُتقدّم للجبهة الغربية في حربها واستعمارها للمنطقة، فقد أتت التطوّرات التي حصلت منذ مجيء الأميركيين عسكرياً إلى المنطقة واحتلال العراق، وبعدها انخراط الأميركيين العسكري في سوريا، لتكشف أن إسرائيل لم تعد قادرة على الاضطلاع بالوظيفة وبالدور المنوطين بها وأهمها أن تكون “شرطي المنطقة”، أو “العصا” التي يتم التهديد بها كلما تجرّأ أحد على تحدّي “قواعد اللعبة الأميركية” في المنطقة.
شكّل إسقاط الطائرة الإسرائيلية من طراز F16 من قِبَل الدفاعات الجوّية السورية، تعديلاً جوهرياً على قواعد الاشتباك في الصراع الدائر في سوريا، خاصة بعدما استمرت إسرائيل بشنّ غارات جوّية من وقت إلى آخر داخل الأراضي السورية، مُتذرّعة بما تقول أنه “مخازن أسلحة لحزب الله” أو “قواعد إيرانية” داخل الأراضي السورية.
ولقد كُتِبَ الكثير عن الموضوع العسكري وأستفاض المُحلّلون العسكريون في توصيف هذا الحدث وأهميته على مستوى الردع بين المحورين المُتقاتلين في المنطقة، وأهمية خسارة إسرائيل للتفوّق الجوّي في صراع مستمر منذ عقود، استطاعت أن تفرض فيه إسرائيل نفسها “كقوّة لا تُقهَر” إلى أن حصلت حرب تموز 2006 فسقطت مقولة “النزهة داخل الأراضي اللبنانية” واستمر التفوّق الجوّي إلى أن قام محور المقاومة بإسقاط الطائرة الإسرائيلية الأسبوع الماضي وما تلاه من تصريحات، أشارت إلى أن عهد التفوّق الجوّي سيصبح من الماضي أيضاً.
ولعلّ الأحداث المستمرّة منذ إعلان ترامب اعترافه بالقدس عاصمة لإسرائيل، وما تلاه من ردود دولية مُدينة هذا الاعتراف، ثم الانتفاضة الشعبية الداخلية في فلسطين المحتلة ومشاهِد اعتقال الأطفال وتعذيبهم، ثم العدوان الإسرائيلي المستمر على الأراضي السورية، تثير ملاحظات عدّة حول “صورة التفوّق النوعي” الإسرائيلي السابقة.
مُستمدّة من مفاهيم توراتية وتلمودية، عمل الاسرائيليون على تكريس صورة “الشعب المختار” و”المتفوّق أخلاقياً وعسكرياً” وذلك في كتابات المُفكّرين الصهاينة الأوائل، وبالتحديد، تيودور هرتزل الذي قال في كتابه: ” فلسطين هي الوطن التاريخي لليهود، ومن هناك سوف نشكّل جزءاً من استحكامات أوروبا في مواجهة آسيا كموقع أمامي للحضارة في مواجهة البربرية”.
في هذه العبارة، نجد صورة رسمها هرتزل وعملت الصهيونية العالمية على ترسيخها لغاية اليوم، وهي ترتكز على معايير ثلاثة:
1- التركيز على تمجيد الذات ورفع “الأنا” إلى مستوى أعلى من البشر الآخرين، وهي صورة تتلاءم مع الصورة التي تقدّمها النصوص الدينية اليهودية.
2- العمل على تشويه صورة الآخر، فالآخر هو “البربري العنيف” مقابل “الحضارة والرقيّ والتمدّن”.
3- صاغ هرتزل لليهود وللدولة الموعودة، وظيفة ودوراً هامين جداً تتجلّى في حيازة “موقع أمامي متقدّم” للغرب في مواجهة “العدو”، بغضّ النظر عن الصفات التي يتّخذها هذا “العدو” والتي تتبدّل بتبدُّل اللحظة التاريخية، فقد يكون “البربري” في لحظة تاريخية مُعيّنة، لينتقل إلى “الإرهابي”، ثم إلى “الإيراني اليوم الذي يُهدّد العالم وأميركا من خلال سعيه إلى امتلاك السلاح النووري” .
في ما بعد أضيفت إلى هذه الصورة، صورة أخرى تتلاءم مع مرحلة تاريخية مختلفة أي مرحلة تأسيس الدولة، وهي صورة “الضحية المظلومة” التي تأتي لتبرّر للمتفوّقين أخلاقياً وقِيَمياً (الإسرائيليون) ما يقومون به من مجازر وعدوان وتعديات، وهو ما نجده مستمراً من خلال بيان البنتاغون والبيت الأبيض اللذان عبّرا عن دعمهما لإسرائيل في “حقها في الدفاع عن النفس في سوريا”، بعد إسقاط طائرة أف 16.
وبالرغم من تناقض صورة الضحية مع صورة القوّة التي لا تُقهَر، فقد استطاعت إسرائيل أن تجعل العقل الغربي يقبل صورتين مُتناقضتين من دون تفكير: صورة الضحية المغلوب على أمرها والمُهدَّدة في وجودها، وصورة القوّة العاتية التي لا تُقهَر.
وفي كلا الحالين، لقد ساهم الإعلام الحديث و”السوشيال ميديا”، ومن خلال الصوَر التي تُبثّ من فلسطين المحتلة، في تحطيم صورة التفوّق الأخلاقي و”الديمقراطية الوحيدة في الشرق الأوسط”، التي عمل عليها الإسرائيليون طويلاً، أما الأحداث العسكرية والميدانية المستمرة منذ حرب تموز 2006 ولغاية اليوم، فقد أثبتت نظرية “عجز القوّة” الإسرائيلية، وأعطت ردود الأفعال الإسرائيلية و”ضبط النفس” الذي يمارسونه الدليل القاطِع على أن قرار الحرب لم يعد بأيدي الإسرائيليين منفردين، بل صار ملك منظومة توازن عسكري استراتيجي في المنطقة، وهو ما تُثبته التهديدات الإسرائيلية المُتتالية للبنان وسوريا والتي تبقى في إطار التلويح والتهديد لغاية الآن.
أما الوظيفة والدور اللذان حدّدتهما إسرائيل لنفسها كموقع مُتقدّم للجبهة الغربية في حربها واستعمارها للمنطقة، فقد أتت التطوّرات التي حصلت منذ مجيء الأميركيين عسكرياً إلى المنطقة واحتلال العراق، وبعدها انخراط الأميركيين العسكري في سوريا، لتكشف أن إسرائيل لم تعد قادرة على الاضطلاع بالوظيفة وبالدور المنوطين بها وأهمها أن تكون “شرطي المنطقة”، أو “العصا” التي يتم التهديد بها كلما تجرّأ أحد على تحدّي “قواعد اللعبة الأميركية” في المنطقة.
التعليقات مغلقة.