انتحار مجلس النواب / المحامي محمد الصبيحي

المحامي محمد الصبيحي ( الأردن ) الإثنين 19/2/2018 م …



بمنح مجلس النواب ثقة ثانية للحكومة نستطيع ان نقول مبروك للشعب الاردني فقد اعلن النواب عن وفاة مجلسهم، الشعب الذي يطالب برحيل مجلس النواب في الساحات والشوارع لا يحتاج بعد الان الى اجهاد نفسه بالهتافات ضد المجلس فقد انتحر المجلس ومات، ولن يكون له وجود بعد اليوم ولا حاجة لميكروفونات التلفزيون ولا للحاجز الزجاجي على الشرفات، اذ لم يعد لهذا المجلس اي وظيفة يقوم بها تجاه الشعب، فبعد ما اقترفته الحكومة بحق فقراء الشعب يطرح نواب مذكرة حجب ثقة عن الحكومة وهم يعرفون مسبقا انها لن تمر ولن تسقط الحكومة !!

أليس الهدف المخفي هو منح الحكومة ثقة ثانية ؟؟ اليس الهدف ارسال رسالة الى الشعب بان الحكومة باقية مهما فعلت ؟؟ ورسالة الى ولي الامر بإطالة عمر الحكومة وتفويت الفرصة على اقالتها ؟؟ اذ كيف يمكن ديمقراطيا اقالة حكومة حصلت للتو على ثقة مجلس النواب ؟؟.

ان مذكرة حجب الثقة في تقديري لم تكن أكثر من مسرحية فاشلة الاخراج رغم كل المؤثرات الصوتية التي رافقتها ابتداء من اتهام رئيس المجلس بعرقلة المذكرة مرورا بتسريب اخبار عن حملة وزارية استباقية من الحكومة باتجاه النواب لأفشال المذكرة وانتهاء بالاحاديث والتصريحات النارية لمن ساهموا بإخراج وانتاج المسرحية من النواب الذين حجبوا الثقة.

مسرحية كان احد اهم اهدافها منح الحكومة مزيدا من الصلاحيات في اتخاذ قرارات جائرة اخرى بحق هذا الشعب المبتلى بحكومته ونوابه.. مسرحية كان حاجبوا الثقة فيها مجرد ديكور مسرح او شهود زور على ديمقراطية مزيفة.

ان من يستحق العتاب واللوم والغضب ليس السادة الذين منحوا الثقة فقد وقفوا مع اجتهادات جاءتهم او اجتهدوها أو وقفوا مع مصالحهم، أو مع مخاوفهم من حل المجلس وانعدام فرصتهم في العودة اليه مرة أخرى، وانما اللوم والعتب والغضب على اولئك السادة النواب المحسوبون معارضة سياسية، أو يتوهمون أنهم معارضة وهم الذين يمنحون المشروعية الديمقراطية والسياسية والدستورية للحكومة !! وغدا سيقف رئيس الوزراء او أي وزير ليقول لنا ان اغلبية الشعب مع الحكومة ولا يشكل المعارضون سواء في الشوارع او في اي زاوية في الوطن اكثر من اربعين في المائة من الشعب وهذا امر طبيعي في الديمقراطيات الحية , وسيضيف قائلا : لقد استمعنا للمعارضة في مجلس الشعب ونحن نحترم رأيهم فهذه هي الديمقراطية الحقيقية وهذا هو النموذج الاردني الذي ينبغي أن يحتذي في العالم العربي , وعندها لن نجد ما نرد به عليه .

اما اذا كان حاجبوا الثقة صادقين في حجبهم معارضين فعلا لسياسات الحكومة ومنكرين انها كانت مسرحية مكشوفة، فان افضل ما يمكنهم فعله الان قرار شجاع بإسقاط مجلس النواب نفسه، فليقدم اربعون نائبا او أكثر استقالتهم من المجلس، وليتركوا المجلس للحكومة وحلفائها ولننظر ما سيفعلون بمجلسهم وحاجزهم الزجاجي بعد ان وضعوا بينهم وبين الشعب حوائط فصل لن تهدم الا بتغيير النهج والاشخاص معا.

لقد انتحر مجلس النواب وكلنا يعرف كيف تدار الامور تحت وخارج القبة ونعرف كيف انتحر ولماذا ولكن السؤال الاخير والاكثر الحاحا: من الذي وضع للمجلس السم وزوده بوسيلة الانتحار؟؟.


قد يعجبك ايضا

التعليقات مغلقة.