قــــالت محدّثتي / بثينة شعبان

 




بثينة شعبان ( سورية ) الثلاثاء 20/2/2018 م …

أطلّت محدّثتي منذ أيام بابتسامتها الرصينة، يحيط بها جيش من الغزاة الخائفين المرتبكين

قالت محدثتي منذ نعومةِ أظفاري وأنا أراهم يوجهون التهم والإهانات لكلّ الذين أحبّهم من أهل وإخوة وأصدقاء وصديقات. منذ نعومة أظفاري وأنا أخشى من كون الأبواب التي في بيتنا غير قادرة على تحقيق الستر والأمان لنا لأنّ جنوداً مدجّجين بالسلاح يمكن أن يصفعوا الباب، أيّ باب، فيردونه قتيلاً ونجد أنفسنا نحن في العراء وجهاً لوجه مع غرباء حاقدين لا يقيمون للخصوصية وزناً ولا يعرفون للحرمة معنى، سواء كنت في الحمام، أو في غرفة النوم أخلع ملابسي المدرسيّة.

أنا أخشى دائماً أن أجد نفسي، وحتى في غرفة نومي وجهاً لوجه مع وجوه تنضح حقداً وكراهية. لقد واجهتُ هذه الوجوه في بيتي وبيوت أعمامي وعمّاتي وأخوالي وخالاتي كما واجهتها وأنا في طريقي إلى المدرسة، أو في طريق العودة منها، وحاولت جاهدة أن أفهم لماذا كلّ هذا الحقد، ولماذا كلّ هذه الكراهية، وهل يمكن لي إذا قمتُ بشيء ما أن أخفف من غلواء كرهها أو من عمق شعوري بالخوف من اقتحامها حياتي في أيّ لحظة وفي أيّ مكان.

قرأتُ وراقبتُ وسألت وحاورتُ زميلاتي وزملائي، وفهمتُ أنّ مجرّد وجودنا على هذه الأرض يعتبره البعض تهديداً لهم، حتى وإن لم نقم بأيّ حركة، وأنّه لا يطمئنهم شيء في الوجود سوى أن يرونا جثثاً هامدة لا حراك فيها، ولا قدرة لها على اجتراح أيّ فعل من أجل حياة حرّة كريمة. حين وصلتُ إلى قناعتي هذه بعد سنوات من طفولة حائرة تحاول أن ترسي على برّ في هذا الوجود العاصف بنا جميعاً والمربك للكبار والصغار على حدّ سواء، حينها قرّرتُ ألّا أخاف، وقرّرتُ أنّ الجدران والأبواب المغلقة لا تحميني من حقد هؤلاء، بل الذي يحميني حقيقةً هو ذلك الإيمان المتجذّر في أعماقي وقررت أنني لن أكون صامتةً بعد اليوم، ولن أسمح لهم أن يفرحوا بجثّتي، ويحتفلوا بإعدام صوت آخر يفضح عنصريتهم وحقدهم وظلمهم أمام الناس، حينذاك قرّرت أنّ كرامتي تكمن فقط في صلابة إيماني بهذه الأرض وهذا الوجود، وأنه لا أحد مهما كان مدجّجاً بالسلاح والحقد، قادراً على اختراق خصوصيتي لأنّني جبلتها مع تراب أرضي، ومع سويعات تاريخي، ومع أحلام زملائي وزميلاتي أننا لن نرضى بأقلّ ممّا يصون الكرامة مرّةً وإلى الأبد. ولكنّ أساطير حقدهم اخترقت قلبي الصغير، وعلمت ما فيه من تصميم وتحدّ، فاجتمع جنود مدجّجون بالسلاح وحاولوا شتمي، وكنت أنا هذه المرّة التي صفعتهم فيها لأنني أنا التي أملك هذه الأرض، وأنا التي أحيا عليها حرّة، حتى وإن توهّموا أنهم يسجنونني فأنا السّجانة وهم السجناء. هم الذين يخافون من صوتي اليوم، ومن شجاعتي ومن كلماتي أن يصل صداها إلى أرجاء المعمورة. منعوني من الحديث مع والدي ووالدتي اللذين يناديان اسمي وأنا أرسل بابتسامتي الهادئة صفحاتٍ وصفحات من الحبّ والثبات على الموقف. لقد اكتشفتُ اليوم أنّ كلّ أسلحتهم واهية، وأنّ سلاحنا نحن البسيط هو الإيمان والصمود، وهو أن نوصل صوتنا إلى العالم، ليصل إلى كلّ بيت، وكلّ امرأة وكلّ طفل، لنقول لهم من هؤلاء فعلاً ومن نحن حقاً. نحن الحقيقة، حقيقة الأرض والتاريخ والجغرافيا، نحن أصحاب الحقّ، ونحن الذين نمتلك المستقبل، ونحن الذين لا خوف عليهم ولا هم يحزنون.

أطلّت محدّثتي، ذات الستة عشر ربيعاً، منذ أيام بشعرها الذهبي الجميل، ووجهها الهادئ وابتسامتها الرصينة، يحيط بها جيش من الغزاة الخائفين المرتبكين، بعدما منعوها من أن تقول شيئاً أو أن تلتقي بأحد حتى مع والديها، رغم أنهم سجنوا جسدها الغضّ. لكنهم يعلمون أنهم غير قادرين على سجن روحها وصوتها وضميرها وإيمانها. هذه الطفلة التي لا تحمل سلاحاً، ولا تهدّد أحداً، هدّدت وجودهم كلّه وهزّت كيانهم. وسؤالي يا حبيبتي  الجميلة: ألم يخجل حكّام عرب منك وهم يتزلفون للطغاة بدفع المليارات من الجزية، ولم يفكروا على مدى قرن ولم يبادروا لرفع هذا الظلم عنك وعن أهليك جميعاً؟ ألم يخجل من يتبوأون كراسي الحكم ويسيرون على السجاد الأحمر حيثما توجّهوا ويحيطون أنفسهم بالعباد الذين يجب أن يُقدّموا لهم الحماية، نظرياً لانهم  مؤتمنون على حياة وحرية ومصلحة شعوبهم، ألم يخجلوا منك يا عهد التميمي وأنت تقفين وحيدة في مواجهة أعتى آلة عنصرية استعمارية حاقدة؟ ألم يطفئوا الشاشات خجلاً منك، وينسحبوا إلى الظلمات ليستروا قصورهم وجهلهم وتواطؤهم مع الأعداء ضدّك أيتها الطفلة الملكة، أيتها المقاومة الصلبة، أيتها الأيقونة التي تليق بكلّ الأحرار والشرفاء في كلّ أنحاء العالم، والتي تشكّل مخرزاً ليس فقط في أعين الأعداء وإنما أيضاً في أعين الحكام العار المتواطئين على قضاياهم، والمنافقين والكاذبين على شعوبهم، والمتستّرين وراء أوجه العظمة والقوّة، فقط ليخفوا جبنهم وضعفهم المشين والمخزي؟!!

قد يعجبك ايضا

التعليقات مغلقة.