قصة معمّر فلسطيني من شعب الجبارين … أبو حميد .. عاصر ثلاث دول ويحلم بدولة فلسطينية

 

الأردن العربي – كتب وديع عواودة ( الأحد ) 3/5/2015 م …

الشيخ محمد موسى تركي( أبو حميد) شيخ فلسطيني يبلغ 103 سنوات. عاصر الدولة العثمانية والانتداب البريطاني وإسرائيل ويمتنى أن يرى الدولة الفلسطينية قبل رحيله. حتى الصيف الماضي كان أبو حميد يواظب على الصلاة في المسجد ويتجول في الحي في مدينة طمرة داخل أراضي 48 ويأمل أن يعود لذلك بسرعة فور التئام كسر أصاب ساقه. وعند زيارته في بيته كان يقرأ على مسامعنا ما يكتب على شاشة التلفزيون دون نظارات وهكذا يقرأ الذكر الحكيم يوميا. وحسب بطاقة هويته ولد أبو حميد في 1912 حينما كان والده بعيدا جدا عن البيت يؤدي الخدمة العسكرية في تركيا وقد بلغه نبأ ولادة ابنه بواسطة صهره محمد نايف عواد بالتلغراف.

ظلم الأتراك

يستذكر أبو حميد أن والده أبلغ الضابط المسؤول عنه في الجيش العثماني محمد وحيد الدين واستجاب لطلبه بخلع اسمه على المولود(محمد). بيد أن الشيخ الفلسطيني ينظر بسلبية للحقبة العثمانية ويقول إن الأتراك قساة في تعاملهم مع المحليين ويشير لأعمال السخرة المرهقة التي أجبر عليها الجنود في بناء الثكنات وحفر القنوات.

أبو حميد الذي يتمتع بصحة وذاكرة نادرتين جدا ما زال يذكر جنودا عثمانيين يعتلون الخيول يداهمون بيت العائلة ويهددون أمه بالتعذيب إذا لم تبلغهم بمكان والده الهارب من الخدمة العسكرية. ولا شك يساور المعمّر الفلسطيني أن الانتداب البريطاني هو استعمار لكنه يراه أخف وطأة من الحكم العثماني ويحفظ للبريطانيين بناء المدارس والمستشفيات والمرافق العامة في البلاد. ويضيف «درست القرآن الكريم في الكتّاب قبل أن استكمل دراستي الابتدائية في مدرسة حكومية في أول عشرينيات القرن الماضي».

القرار بالبقاء

شارك أبو حميد شعبه في الثورة الفلسطينية الكبرى (1939-1936) بعدما اقتنى بندقية ألمانية من طراز «فلونت» واستشهد ابن بلدته محمد قاسم اسماعيل خلال اشتباك مع الإنكليز في معركة في منطقة الشاغور.

أبو حميد الذي عايش الفترة حينما كانت المنطقة الممتدة من حيفا إلى عكا ساحلا خاليا من البناء يستذكر مشاركته في مهاجمة دوريات بريطانية في شمال فلسطين منوها إلى دور الانتداب في تأسيس إسرائيل. ويوضح أبو حميد أن الثورة أخفقت في تحقيق هدفها لاختلال موازين القوى ولذا يعتقد أن الشيخ أحمد حميد ذياب قد أصاب حينما أقنع أهالي طمرة التي عدت 1500 نسمة بالتسليم عام 48 بعد سقوط عكا المجاورة وإلا لكان التدمير والتهجير مصيرها.

إسرائيل زائلة

ويؤكد أن فترة الحكم العسكري (1966 -1948) أقسى فترات الاحتلال الإسرائيلي بسبب الحصار ومصادرة الحق في الحركة والملاحقات والترهيب. ويبدي الشيخ ثقته في أن إسرائيل زائلة عما قريب لأنها تجسد الباطل ولأن الفلسطينيين قادرون على تذويبها بقوة الحق.

ويوضح أن إسرائيل لم تتغير في جوهرها ويدلل على معتقده ورؤيته المستقبلية بأن بني إسرائيل ضالون وظالمون في القرآن الكريم «يا موسى إن فيها قوماً جبارين وإنا لن ندخلها حتى يخرجوا منها فإن يخرجوا منها فإنا داخلون». ويضيف «مدّ الراحل ياسر عرفات يده للسلام معهم فقتلوه».

ولم تأت عثرات الزمان على الروح الفكاهية وخفة الظل وحب الحياة لدى الشيخ محمد، وردا على سؤال حول أمنياته يقول إنه يحن إلى «حبيبة قلبه أميرة الأمـيــرات» زوجــتــه تركية عواد التي رحلت في 2000 .

معمّر ابن معمّر

ويتابع أبو حميد الذي رحل والده عن 105 سنوات «تزوجنا عام 1935 وتقاسمنا الحلوة والمرة ودائما كانت أفضل مني فهي طاهرة ومتسامحة ومخلصة ومناضلة يعتمد عليها في تدبير الأمور وربت 11 ولدا ولذا حرمّت الزواج ثانية».

للشيخ أبو حميد سبع بنات وأربعة أبناء لكنه لا يحصي عدد الأحفاد ويقدرهم بأكثر من مئتين ولم يعد يذكر كل أسمائهم.

ويقول متوددا إنه كان وما زال شابا وسيما معتدا بنفسه وبجسمه الرشيق لافتا لكنية «المصفط» بسبب حرصه على هندامه، لكنه يتمنى لو أتيحت له فرصة العودة للإنضمام لحلقات الدبكة الشعبية وخاصة في حفلات الزفاف الشعبية.

ويحن أبو حميد لأوقات حلوة قضاها في لبنان وقال إنه كان وصديقه محمد عبد المجيد اعتادا الذهاب لها قبل 1948 للتمتع بحفلات أم كلثوم وليلى مراد وبالنسبة له بيروت وحيفا «زينة بلاد البحر».

طلاق من السيجارة

كما يبدي حنينه البالغ لأقربائه وأصدقائه الراحلين ويزعجه تباعد الناس عن بعضها البعض ويشمئز من «قلة إحترام الصغار للكبار اليوم» لكنه سعيد بما يوفره التطور من ترفيه وراحة للبشر ويتابع مبتسما «أنتظر أن يقتني لي أبنائي هاتفا محمولا لأبقى على اتصال مع بناتي».

بعد ستين عاما من «العشرة» طلق أبو حميد السيجارة وباتت رائحة الدخان تزعجه لكنه يفتتح نهاره بفنجان قهوة قبل تناول فطوره منوها أنه يتناول كافة أنواع الطعام ومدمن على «الأبيضين» الملح والسكر، لكنه يستنكف عنه بعد صلاة العشاء.

سر الحياة

وربما يكشف نجله وليد أحد أسرار عافيته بالإشارة إلى تميزه برحابة الصدر ومحبة الناس وتحاشي الزعل والحقد.

أبو حميد الذي سمع ذلك سارع للتعقيب بالتذكير «وَلا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ».

كما يشير وليد إلى عادة والده باستقبال كل زفة عريس أو عروس في الحي بالضيافة والهدايا «حتى بادر أحد الجيران لانتقاده في ذلك فأجابه بأن الحالة ميسورة والحمد لله».

وهل تخاف من الموت ؟ سألنا الشيخ المعمّر فقال جازما : «لا أخشى الموت لكنني لا أحبه».

 

 

 

قد يعجبك ايضا

التعليقات مغلقة.