يحولونه صراعاً دينيا… إسكات الأذان وإغلاق الكنائس / د. فايز رشيد
د. فايز رشيد ( الخميس ) 1/3/2018 م …
المتابع للمتغيرات والقرارات الإسرائيلية، يكتشف بلا أدنى شك، أن وراء كل قرار تتخذه الحكومات الإسرائيلية، أهدافا مخفية بعيدة المدى، فما من قرار يؤخذ بحرفيته فقط. نعم، تهدف إسرائيل منذ عقود في محاولات محمومة لتحويل الصراع الفلسطيني العربي – الصهيوني من صراع وطني تحرري للضحية المعتدى عليها، ضد المعتدي السارق للأرض الفلسطينية، وللتاريخ والتراث والحضارة الفلسطينية، إلى صراع «يهودي مع كل من الإسلام والمسيحية»، وكأن صراع شعبنا هو مع الديانة اليهودية! هذا تضليل إرهابي وتحوير مقصود لشكل الصراع، لأن الكيان هو المستفيد الأول والأخير من هذا التحوير.
ولأننا ندرك حقيقة الصهيونية، فإن اسطوانتها المقبلة ستكون: الكره الإسلامي – المسيحي – العربي، لليهود كيهود! بمعنى آخر ستلصق بنا تهمة «العداء للسامية»! التهمة الجاهزة «إسرائيلياً» وصهيونياً لإلصاقها، بكل من يتحدث عن حقيقة: عدوانية وعنصرية ومذابح إسرائيل واغتصابها للحقوق الوطنية الفلسطينية والأخرى العربية.
وللدليل على صحة ما نقول: فإن مجموعة القوانين والاقتراحات التي تحاول الكنيست الإسرائيلية تشريعها، هي جزء من الهدف الإستراتيجي السياسي لها، بتحويل الصراع إلى ديني، ذلك، في سياق حملتها الداعية لفرض الفكر الصهيوني على العالم عامة، وعلى الجانب الفلسطيني خاصة، عن طريق إصرارها على تحقيق «يهودية الدولة».
إسرائيل تسعى إلى بسط سيادة الاحتلال على المسجد الأقصى، وقد صادقت بالقراءة الثانية والثالثة على القانون الذي سبق أن تقدم به باريف ليفين، الذي يميز بين المسيحيين والمسلمين من فلسطينيي الـ48، فتلك القوانين العنصرية تهدف إلى خلق واقع جديد على حساب شعبنا وحقوقه المتعلقة بالهوية الوطنية التاريخية، رغم عدم شرعيتها ومخالفتها للقانون الدولي. إسرائيل تسعى إلى استخدام الدين باعتباره ذريعة لفرض الولاية على أماكن دينية ليست ملكها! وإن محاولاتها مستمرة لممارسة التمييز العنصري بين أبناء الشعب الفلسطيني من مسيحيين ومسلمين ودروز .هذا الأمر يعيدنا إلى القرون الوسطى وإلى الحملات الصليبية على فلسطين، واستخدام التطرف والدين لإثارة الفتن والطائفية بين أبناء الشعب الواحد، من أجل السيطرة على شعب وأرض الآخرين،.نعم، في ظل غياب كامل للقيم الأخلاقية في إسرائيل، واقتراف كل ما لا يجوز فعله: القتل، التدمير، اغتيال الأطفال الأبرياء، إطلاق النار لمجرد الشك، في ظل كل ذلك، تثبت دولة الاحتلال بالممارسة أنها دولة غير ديمقراطية ولا تحترم مبادئ حقوق الإنسان، والفاشية التي تمارسها، ليس على شعب رازح تحت الاحتلال فقط ،وإنما داخل إسرائيل نفسها على أهلنا في منطقة 48، حيث ترسخ نظاماُ بائداً (حاربه العالم) من خلال القوانين العنصرية التي يشرعها «الكنيست» والتي تعتبر تعدياً على المبادئ الدولية التي تحرّم العنصرية والتطهير العرقي.
منذ إنشاء دولتها عام 1948 وقبل ذلك بسنوات عديدة، وبالإضافة إلى مذابحها وجرائمها وتهجيرها القسري للفلسطينيين من وطنهم، واستيلائها عنوة على الأرض الفلسطينية، فإن إسرائيل تسارع عاما بعد عام لتشريع قوانين التمييز العنصري ونشرها طولا وعرضا، وشن حملات التحريض على الكراهية والعنصرية وشيطنة الفلسطينيين والعرب، وتستمر في العدوان على الأرض والمقدسات والحقوق الفلسطينية، وعلى هوية شعبنا وثقافته الإنسانية والتاريخية. اليهود يعتقدون بامتياز التوراة على الكتب السماوية الأخرى، وأنهم خارج الشعوب وفوق المجتمعات، و»أن كافة الأجناس الأخرى، أقل قدراً عند الله من اليهود، لذلك فهم فوق كل الشعوب». هذا ما لا نقوله نحن، بل ما قاله المفكرون اليهود في كتبهم وفيها عرّفوا الصهيونية بأنها: «تشكيل سياسي حرص الحاخامات والبورجوازيون اليهود على إنشائه لهدف سيطرتهم الجماعية على فلسطين»، ومن هؤلاء الباحثين اليهود: شلومو ساند، نعوم تشومسكي، إيلان بابيه، نورمان فلنكشتاين، إسرائيل شاحاك وغيرهم كثيرون.
من جهة ثانية، أعلن الائتلاف الإسرائيلي الحاكم منذ أسبوع، عزمه الإسراع في سن قانون ما يسمى «الدولة القومية»، الذي ينفي حق الشعب الفلسطيني في وطنه، وقانون إسكات أذان المساجد، بعد قرابة عام على تمرير القانونين بالقراءة التمهيدية.. وأعلنت لجنة حكومية خاصة، أنها أدخلت على مشروع قانون إسكات الأذان، بندا «يجيز» للشرطة اقتحام المساجد ومصادرة مكبرات الصوت في حال كان الصوت مرتفعا، في حين سيتم حظر الأذان بمكبرات الصوت عند صلاة الفجر. وحسب مصادر برلمانية، فإن نتنياهو أمر في الأيام الأخيرة، بالإسراع في دفع قانون «القومية» العنصري الخطير، الذي أقر بالقراءة التمهيدية في أوائل مايو العام الماضي 2017. كما أمر بتسريع قانون إسكات أذان المساجد، الذي أقره الكنيست بالقراءة التمهيدية في أوائل مارس 2017، ولم يتم الدفع بالقانونين للكنيست إلا قبل ايام قليلة، وحسب التقدير فإن نتنياهو معني بحرف الأنظار عن قضايا الفساد المتورط بها.
للعلم، تاريخ العلاقة بين المسلمين واليهود يمتد طويلاً في التاريخ: في الأندلس، احتضن المسلمون اليهود المهجرّين قسراً من مناطق أوروبية مختلفة. وفي عام 1492 عندما أصدر الملك الإسباني فرديناند مرسوماً بطرد اليهود ما لم يعتنقوا المسيحية، عرض السلطان العثماني بايزيد عليهم الهجرة إلى مناطق الدولة العثمانية، لكن معظمهم استقر في شمال إفريقيا، فهي الأقرب إلى الأندلس.
في الوطن العربي عاش اليهود مع المسلمين في أقطارهم في سلام ووئام، كذلك في فلسطين. على صعيد آخر، أغلق بطاركة ورؤساء كنائس مسيحية، كنيسة القيامة في القدس المحتلة، احتجاجاً على عدوان الاحتلال الإسرائيلي بحق الشعب الفلسطيني، وسياسته الخاصة بفرض الضرائب الباهظة جدا على الكنائس والمؤسسات المسيحية في المدينة المحتلة، لذا قرر رؤساء كنائس الروم الكاثوليك والروم الأرثوذكس والأرمن إغلاق الكنيسة حتى إشعار آخر، لأول مرة منذ الاحتلال الإسرائيلي للقدس عام 1967، متهمين سلطات الاحتلال، في بيانهم المشترك، «بهجوم ممنهج لم يسبق له مثيل على المسيحيين في القدس المحتلة»، في إطار سياستها الجديدة للضرائب ومشروع قانون حول الملكية. وقال رئيس أساقفة سبسطية للروم الأرثوذكس المطران عطا الله حنا، إن قرار إغلاق كنيسة القيامة «تعبير عن رفض الإجراء الإسرائيلي بفرض الضرائب على الكنائس والمؤسسات المسيحية في القدس المحتلة». وأضاف إنه «يحق لكنائسنا التعبير عن رفضها واحتجاجها، وسط إجماع كل الكنائس المسيحية في عموم فلسطين المحتلة على رفض قرار الاحتلال الظالم، الذي يشكل تطاولاً على المقدسات الدينية، ويستهدف سياسياً، الضغط على الكنائس والمؤسسات المسيحية في القدس المحتلة».
من جانبها دعت ممثلة وزارة المالية الإسرائيلية برئاسة الوزير كحلون، إلى الاستيلاء على إدارة الكنائس وعقاراتها ومؤسساتها من الحكومة الإسرائيلية. بالطبع إسرائيل تدعو إلى تقاسم الأقصى بين اليهود والمسلمين، وهي تحفر الأنفاق تحته لينهار تلقائيا وتبني هيكلها المزعوم مكانه. إسرائيل بعد قرار ترامب حول القدس، تريد المدينة وتريد كل دولتها، يهودية نقية خالصة، خالية من العرب الفلسطينيين، مسيحيين ومسلمين. لأجل أهداف رسمتها بدقة: محاولة تحويل الصراع إلى «ديني»، فهي ستكون المستفيد الأول والأخير من ذلك: يغطي حقيقة وأساس الصراع معها، ويكسبها قطاعات أكبر من يهود العالم، حيث سيبدو اليهود أقلية أمام مئات ملايين العرب المسلمين، لذا سيزيد ذلك من حجم مؤيديها على الساحة العالمية باعتبارها أقلية، وهذا سيحقق مزيداً من التعاطف مع خطواتها العنصرية والترانسفيربة للعرب وسيطرتها على كل الأماكن المقدسة، إسلامية ومسيحية، وسيثّبت الدعم المادي والمعنوي لهذا الوجود. كل ذلك، بالإضافة إلى شطب القضية الفلسطينية والحقوق الوطنية لشعبنا وقضايا اللاجئين والعودة، ومسح الرواية العربية الفلسطينية، وإحلال الرواية الصهيونية المختلقة محلها، والتركيز على المطالبة بقيمة 7 مليارات دولار من الدول العربية، هي قيمة أملاك اليهود بالسعر الحالي، التي تدعي إسرائيل أن السلطات العربية أجبرتهم على الهجرة إلى إسرائيل.. فليتنبه شعبنا وأمتنا ودولنا العربية والإسلامية ومسيحيونا لمخططاتها القذرة على هذا الصعيد.
التعليقات مغلقة.