قصة الشهيد الشيوعي اللبناني ( علي أيوب ) والمواجهة..

نتيجة بحث الصور عن الشيوعي اللبناني

الجمعة 2/3/2018 م …




الأردن العربي –

لن نسأل السيدة الجالسة الآن بقرب زوجها عن عمرها. هذا تهذيب لا بد منه مع السيدة ذات الوجه المشرق تحت الحجاب الذي يكشف عن مقدمة الرأس. غير أنها مُربِكة لمن يجلس معها. تنساب لهجتها البنت جبيلية بهدوء. تحكي بأنغام الصوت نفسها التي تستخدمها امرأة ثانية في عمرها وهي تروي مثلاً كيف كانت تدق اللحم على البلاطة. لكن نجمة تحكي عن بنادق ونضال ومسدسات.
تروي لنا الخضرة تجربة اخرى، بخفر اللغة ذاته. تقول إنها استيقظت فجر يوم ما على ضجة. يقولون في الخارج إن الاسرائيليين هجموا على بنت جبيل وعيناثا. كان ذلك فجر الجمعة في 25 شباط .1972 شنوا هجوماً برياً وجوياً شمل مناطق لبنانية واسعة على الحدود وفي العمق، وتركز بشكل خاص على مناطق بنت جبيل والعرقوب وراشيا الوادي. وفي خبر صحيفة النداء الصادر في اليوم التالي نقرأ: «ان قوة اسرائيلية كبيرة محمولة بالآلات التي قدرت بنحو 62 دبابة اجتازت الحدود اللبنانية فجر امس من نقطة «الكيلو 9» واجتازت في طريقها بلدة عيثرون حيث نسفت منزلاً في مثلث بنت جبيل مارون الراس، كما اجتازت مدخل بنت جبيل (حي المسلخ) ومنه توجهت الى عيناثا حيث حاصر قسم منها البلدة وراح يقصفها بالمدافع بشكل عنيف، بينما دخل قسم آخر البلدة وراح ينسف المنازل».
أفاقت نجمة مذعورة. كانت تمد فراشها بالقرب من خزانة ثيابها. في الخزانة، وبين الثياب، كانت تضع القنابل. وإذا غدروني أفجر القنابل «فيّ وفيهم». «سحبتُ جعبتي وبارودتي وحطيتهم على الأرض». كانت تعمل بصمت لئلا يفيق والدها ويكشفها. بينما تحاول سحب مسدسها والقنابل باغتها صوت شقيقتها آتية وهي تصرخ بأعلى صوتها. رمت حطة ابيها على البندقية والجعبة وخرجت الى أختها. أمسكتها هذه وأخذتها معها كي لا تغادر الخضرة الى المعركة. دخل الإسرائيليون الى بنت جبيل ووصلوا الى بيتها يبحثون عنها. ادّعى الأب أنه لا يسمع جيداً وأن ابنته في بيروت، هي غير هذه المنشورة صورتها في الجريدة التي يحملها الاسرائيليون. أخرجوه وأطلقوا النار بين قدميه. ثم تركوا الرجل العجوز بعدما وضعوا حارساً على باب البيت. نجمة القلقة على ابيها إذا ما وجد الاسرائيليون السلاح، ارسلت اختها لتجلب القنابل من الخزانة. ذهبت هذه وحيّت الجندي الحارس على باب البيت وشرحت له انها آتية بالطعام لأبيها وستأخذ ثيابه لتغسلها. وضعت القنابل والمسدس في الثياب وخرجت. بعد ساعة أتت شقيقة ثانية «لتأخذ فراشاً» من البيت. كانت الجعبة والبندقية تحت الحطة. وضعتهما في الفراش وخرجت.
في هذا الوقت، مشت نجمة صوب عيناثا التي يتقدم نحوها الاسرائيليون. وقفت خارج مركز الصاعقة. مرّ بها علي ايوب فجراً واضعاً «التشيكية» على كتفه وكان يمشي على رأس إبهام قدمه اليمنى المصابة بحروق بالغة. في القدم نفسها كان يرتدي مشاية بلاستيكية وفي الثانية حذاءً عسكرياً. حيّته نجمة، فقال لها «ما رح يفوتوا إلا على جثثنا». غاب أبو حسن ساعات. ظهراً جاءت صبية تركض صارخة: «قتلوا علي أيوّب». ذهبت نجمة وآخرون الى حيث سقط ابو حسن شهيداً. سحبوه من أمام ركام البيت الترابي المهجور الذي تحصن فيه الشيوعي وأطلق ثلاثين طلقة من «التشيكية» على الدبابة الاسرائيلية التي نسفت البيت فوق رأسه. غادر الاسرائيليون عيناثا عند العاشرة والنصف صباحاً. أما الشيوعيون فظلوا لوقت طويل يحكون عن الرجل الذي لم يستشهد قبل إطلاق كل ما في جعبته وقلبه من رصاص… ولم يهرب.
حكوا عن الطلقات الثلاثين الفارغة بحب هائل. وفي اليوم التالي على استشهاده، نشرت «النداء» مقالاً لجورج حاوي جاء فيه «نحن الشيوعيين، واحد منا علي ايوب، ابو حسن. بندقيته التشيكية جمعنا ثمنها ليرة ليرة، وكذلك الرصاصات الثلاثون التي وجدت الى جانبه فارغة (…) واحد منا أبو حسن. من ابناء هذا الشعب الشجاع الطيب. قليل الكلام. بشوش الوجه. حسن السيرة. بسيط. متين الاعصاب. عنوان للصمود. للثقة بالنفس. إنسان. شيوعي».
بعد يومين رأت نجمة زوجة الشهيد تمشي ومعها طفلاها آتية الى حيث تجتمع النسوة في العزاء. مشت خلفها. رفعت صوتها الجميل الحزين بغناء العتابا التي ترثي الراحل. النسوة بكين، ونجمة المجروحة بكت وهي تتذكر الأخضر العربي.
زينب خنافر زوجة الشهيد ابو حسن، ستستشهد في حرب تموز 2006 في مجزرة في عيناثا. ولن يرفع الركام عنها وعن الشهداء السبعة عشر معها إلا في اليوم التالي لوقف إطلاق النار.
Image may contain: 1 person

قد يعجبك ايضا

التعليقات مغلقة.