في ذكرى النكبة ، أقول : الثورة شاخت والنكبة تبعتها نكبات / ابراهيم ابو عتيلة
ابراهيم ابو عتيلة ( الأردن ) الأربعاء 6/5/2015 م …
تمر الأيام ثقيلة على الأمة العربية مخلفةً سنين قاسية ونحن على موعد مع الذكرى السابعة والستين للنكبة الفلسطينية الكبرى ، يوم تآمرت قوى الشر في العالم لتخلق الكيان الصهيوني على أرض فلسطين ، هذا الكيان الذي كان ثمن خلقه باهظاً على شعب مسالم لاذنب له إلا أنه شعب فلسطين منذ فجر التاريخ ، ففي مايو / أيار 1948 توجت الصهيونية وقوى الاستعمار الداعمة لها جهودهما بإنشاء ” اسرائيل ” وذلك بعد سلسلة من الخطوات التي بدأتها سنة 1896 يوم عقد أرباب الصهاينة مؤتمرهم الصهيوني الأول في بال / سويسرا ليقرروا إنشاء وطن قومي لليهود في فلسطين ، وما كادت الحرب العالمية الأولى تضع أوزارها حتى قامت بريطانيا بوعد الصهاينة منحهم أرض فلسطين ، وكأن فلسطين أرضاً دون شعب يملكها ، وكأن بريطانيا هي صاحبة هذه الأرض وتمتلك حق التصرف بها وبمصير شعبها في الثاني من شهر نوفمبر / تشرين الثاني لسنة 1917 أصدر بلفور وزير خارجية بريطانيا وعده المشؤوم معرباً فيه التزام بريطانيا إنشاء وطن قومي لليهود في فلسطين … ولقد عملت بريطانيا أثناء فترة انتدابها على فلسطين كل جهدها لإخراج هذا الوعد إلى حيز التنفيذ ، فلقامت بتسهيل هجرة اليهود إلى فلسطين وتمكينهم من امتلاك الأراضي كما قامت بتسهيل حصول الصهاينة على السلاح والتدريب في حين قابل ذلك التضييق التام على أبناء فلسطين وعدم السماح لأي منهم باقتناء ولو حتى سكيناً للدفاع عن نفسه ، وفي اليوم التي أعلنت فيه بريطانيا انتهاء انتدابها على فلسطين في الخامس عشر من مايو / ايار 1948 قام الصهاينة من جهتهم بإعلان كيانهم البغيض وترتب على ذلك هجرة أكثر من سبعماية وخمسين ألف فلسطيني إلى بقاع العالم المختلفة حيث اصطلح على تسمية ذلك اليوم بيوم النكبة ، وهو اليوم الذي يقوم به الفلسطينيون في كل عام بإحياء ذكراه الأليمة معلنين به ايضاً تمسكهم بحقهم التاريخي في العودة وهو الحق الذي توارثوه جيلاً بعد جيل ، وهو الحق الذي كفلته وتكفله كل الشرائع والمواثيق الدولية حتى شريعة وقرارت منظومة الأمم المتحدة وجمعيتها العامة … ولكن … هيهات .. فالحق لابد له من قوة تسانده وتضعه موضع التنفيذ .
ولم تقف الصهيونية والقوى الاستعمارية عند حد إقامة الكيان الصهيوني فكان لا بد لها من أن تقوم بعمل ما يضمن استمرار هذا الكيان ، حيث بدأت تلك القوى بلعب دورها في بث الخراب والفرقة والدمار في مناطق العالم العربي المختلفة ، فكان العدوان الثلاثي على مصر سنة 1956 ثم جاءت حرب يونيو/ حزيران 1967 وهزيمة العرب النكراء فيها حين احتل الصهاينة الجزء المتبقي من فلسطين بالإضافة للجولان العربية السورية وسيناء العربية المصرية … وما زال العرب منذ ذلك اليوم يحلمون بإزالة آثار تلك الهزيمة النكراء ، بمفاوضات ماراثونية حيناً وسكوت وخنوع ورهان على الأمم المتحدة في أحيان أخرى .
وفي هذه الأثناء بدأت المؤامرة على الأمة العربية تأخذ مساراً ومنحى آخر ، فتعمقت القطرية في أركان العالم العربي كأساس لإفشال اي حس وحدوي تجسيداً للفرقة ، وقامت القوى الاستعمارية ومن حالفها ببذر بذور الطائفية والمذهبية البغيضة مستغلين بساطة الانسان العربي وكونه متديناً بالفطرة مسخرين بذلك تجار الدين الظلاميين ورجالات الدين السياسي من كل الطوائف لضمان تعميق الفرقة بين العرب ، كل ذلك بهدف إضعاف العرب وتقوية الكيان الصهيوني وإبعاد اي خطر محتمل عنه ، فوصل الأمر إلى إحتلال العراق وتدمير جيشه وقوته وبث الفرقة والتنازع بين أبناءه وصولاً إلى الهدف الأكبر بتقسيم العراق والسيطرة عليه ، واستمر الحال يزداد سوءاً إلى أن أخترعت قوى الاستعمار لعبة أو أكذوبة الربيع العربي التي صدقها البعض من العرب ودفع الجميع ثمناً لها.. وبدأ الذبح والقتل والتنكيل على الهوية في مناطق مختلفة من عالمنا العربي كما تم تدمير ليبيا وسفك الدم العربي في سوريا من خلال افتعال واشعال حرب أهلية كان وما زال وقودها ابناء سوريا الكرام ، ودخلت اليمن على الخط فبدأ فيها صراع ونزاع اشبه بالحرب الأهليه كما لم تسلم مصر العروبة من التآمر ومحاولة جرها إلى النزاع الأهلي من اجل انهاكها وإنهاك الجيش المصري تمكيناً للكيان الصهيوني بمزيد من القوة والمنعة في المنطقة وكل ذلك بالإضافة لما فعلوه في الصومال من حل الدولة وتقسيم السودان وحروبه القبلية والأهلية … ولعل أي مهتم بتاريخ وجغرافية المنطقة يصل إلى النتيجة الفاضحة والواضحة بأن كل ما جرى ويجري في المنطقة العربية من نكسات ونكبات وصراعات يرتبط ارتباطاً مباشراً بحماية أمن الكيان الصهيوني واستمرار وجوده كقوة ليس لها منازع في منطقتنا .
ومع ذكرى النكبة استذكر مدى الرغبة والإرادة لدى ابناء الشعب الفلسطيني بالعودة وحفاظهم على حقهم في تقرير مصيرهم على أرض فلسطين التاريخية ، فمنذ عام 1948 قام الفلسطينيون بمحاولات متعددة لتنظيم أنفسهم من أجل محاربة الصهاينة وتحرير فلسطين ، إلى أن جاء عام 1964 وتحديداً مؤتمر القمة العربي المنعقد في القاهرة خلال الفترة ما بين (13-16 يناير / كانون ثاني 1964) الذي أقر بضرورة إنشاء كيان فلسطيني ، وتم على إثره إعلان قيام منظمة التحرير الفلسطينية خلال المؤتمر القومي الفلسطيني الذي عقد في القدس بتاريخ 28 مايو / أيار 1964 ، كما عقد المجلس الوطني الفلسطيني جلسته الأولى ليؤكد على إنه لا حياة ولا حرية ولا وحدة للعرب من دون تحرير فلسطين ، كما تم إقرار الميثاق الوطني الفلسطيني، والنظام الأساسي لمنظمة التحرير الفلسطينية وتقرر إنشاء صندوق قومي فلسطيني وتشكيل جيش التحرير الفلسطيني ، وكان الهدف المعلن والموثق هو تحرير فلسطين ، كل فلسطين ، كما تم الاعتراف من قبل الدول العربية باعتبار منظمة التحرير الفلسطينية الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني وذلك في مؤتمر القمة الذي عقد في الرباط سنة 1974.
ومع تأسيس المنظمة ، وبدلاً من أن تنضوي كافة القوى التيارات الفلسطينية تحت مظلة هذه المنظمة ، تم تشكيل عدد من المنظمات والفصائل الفلسطينية فانطلقت فتح مع بداية عام 1965 وتبعتها بسنتين تشكيل الجبهة الشعبية وتوالت الفصائل بالتشكيل إلى ان تم تشكلت حماس كذراع عسكري لجماعة الأخوان المسلمين في نهاية الثمانينات من القرن الماضي ، ووصل عدد الفصائل والتنظيمات الفلسطينية إلى أقل من العشرين فصيلاً بقليل أغلبها أعضاء في منظمة التحرير الفلسطينية وبعضها ليست كذلك .. وكل تلك الفصائل أعلنت الثورة في أنظمتها الأساسية وبيانات تأسيسها وهدفها الاستراتيجي بتحرير فلسطين … واصبح لذكرى انطلاقة الثورة يوماً يُحتفل به وهو اليوم الذي أعلن فيه انطلاقة فتح بصفتها التنظيم الأكبر والمهيمن على منظمة التحرير الفلسطينية إلى أن وصلنا هذا العام للذكرى الخمسين والعيد الماسي لانطلاقة الثورة …
ثورة عمرها خمسون عاماً وهي التي لم تحقق أي من أهدافها بعد ، إن تاريخ الشعوب حافل بالثورات وكل ثورة منها كانت تمضي لتحقيق أهدافها خلال فترة زمنية محدودة وهي في غالبيتها لم تتجاوز عدد اصابع اليد الواحدة وربما كانت الثورة الجزائرية هي الأطول عمراً فقد استمرت تلك الثورة ثماني سنين .. نعرف ونقدر بأن الاستعمار الاستيطاني الاحلالي والتخلص منه أعقد وأصعب من غيره من أشكال الاستعمار الأخرى ، ونعرف جيداً بأن مناصري وداعمي الكيان الصهيوني لا ينحصرون بابناء صهيون بل هم كل قوى الشر والاستعمار في العالم وهم الذين يسعون ليس فقط لدعم الكيان الصهيوني بل واستنزاف الموارد العربية والسيطرة عليها أيضاً ، ولكن أن يبلع عمر ثورة خمسين عاماً دون أن تتمكن من تحقيق شيء فهذا بحد ذاته شيء مستغرب ، وربما .. أقول ربما نجد تبريراً لذلك لو بقيت الأهداف الاستراتيجية هي ذات الأهداف التي تشكلت فصائل الثورة من أجلها وتم إنشاء منظمة التحرير الفلسطينية منذ البداية لتحقيقها ، ولكن ما حصل ويحصل فقد كان عكس ذلك بالقطع .. فقد تراجعت منظمة التحرير بفصائلها المتعددة تراجعاً كبيراً منذ انطلاقتها حتى الآن ولعل فيما يلي بعض الأمثلة على هذه التراجعات :-
توقيع اتفاقية اوسلو مع الصهاينة وهي الاتفاقية التي اعترفت بحق اسرائيل بالوجود حيث قامت المنظمة – الثورة – بالاعتراف بالكيان الصهيوني والتنازل رسمياً عن 78% من أراضي فلسطين التاريخية .
إلغاء الميثاق الوطني الفلسطيني الذي ينص على حق العودة إلى فلسطين التاريخية وهو الميثاق الذي عرف فلسطين بموقعها التاريخي من النهر إلى البحر .
العمل على حماية أمن إسرائيل بالإنابة من خلال ما سُمي التنسيق الأمني المستند إلى اتفاقية أوسلو.
الموافقة على تقسيم الاراضي الفلسطينية التي احتلت عام 1967 إلى 3 أصناف أ ، ب ، ج ، 18% من أراضي أراضي الضفة الغربية فقط تحت السيطرة الإدارية والأمنية الفلسطينية وهذا أيضاً أمر لم يطبق على أرض الواقع والمتابع لعمليات الاعتقال وانتهاك حرمات المنازل في تلك المنطقة يعرف حق المعرفة بأن ذلك لم يتحقق أيضاً .
عدم قدرة المنظمة على تبني قضايا اللاجئين في الشتات أو الدفاع عنهم بأي شكل من الأشكال كما هو الحال باللاجئين الفلسطينيين في العراق وفي أزمة مخيم اليرموك في سوريا وفي حال مخيمات لبنان ، فكيف تكون منظمة كتلك ممثلاً شرعياً ووحيداً لشعب لم تبذل جهداً في حمايته .
تجسيد الإنقسام الفلسطيني على أرض الواقع بين قطاع غزة والضفة الغربية على أرضية الخلاف بين حماس وفتح وتبادل التهم بين كلا الفصيلين .
تراجع اليسار الفلسطيني وانحسار دوره بالانتقاد لقرارت منظمة التحرير الفلسطينية ورئاستها والمشاركة بتنفيذ تلك القرارت .
تبني خيار المفاوضات كخيار وحيد لتحقيق الحقوق المشروعة والتخلي عن المقاومة المسلحة.
التراجع عن المطالبة بحق العودة واعتباره شيئاً من الماضي واللهاث وراء إنشاء دويلة فلسطينية على الأراضي التي تقبل اسرائيل الإنسحاب منها من الأراضي التي أُحتلت عام 1967 .
ومن هنا أستطيع القول بإن النكبة قد استمرت وزادت حدتها وآثارها بل وامتدت إلى أن خلقت نكبات في مواقع أخرى من عالمنا العربي من أجل حماية الكيان الصهيوني واستمرار وجوده .. ومع استمرارية هذه النكبة فإننا نشاهد على الجانب الآخر تراجعاً هائلاً من الثورة الفلسطينية وقيادتها عن تحرير فلسطين وعن الهدف التي أنشأت من أجله ، وهو تراجع لم يكن أحد يتصور حدوثه من قبل وربما كان السبب وراء ذلك هو مرض الشيخوخة والترهل الذي أصاب هذه الثورة ، فثورة بلغت من العمر خمسين عاماً دون أن تتمكن من تحقيق حد أدنى من حقوق شعبها لا يحق استعمال صفة الثورة ولا بد لها والحالة هذه من إعادة صياغة واقعها وتثويرها من جديد وما يترتب على ذلك من إعادة إحياء برامجها التي تم اقرارها في ستينات القرن الماضي كما يستوجب الأمر إعادة هيكلة وتطوير المنظمة والعودة للميثاق الوطني الفلسطيني والكف عن مهاترات المفاوضات وما يسمى بحل الدولتين .
وحتى لا أكون واهماً فيما ذهبت إليه … أقول ليتفق الفلسطينيون على برنامج وطني واضح يأخذ بعين الاعتبار البعد العربي الذي لا يمكن الانسلاخ عنه والتي أثبتت الأحداث بأن كل ما جرى ويجري في العالم العربي ما هو إلا لحماية أمن الكيان الصهيوني وتعميق النكبة الفلسطينية لتصبح نكبة أو نكبات عربية شاملة ، والبرنامج المطلوب يجب ان يكون برنامجاً أكثر واقعية من حل الدولتين ، برنامج يطالب بحل يحقق أولاً حق العودة ولو كان ذلك من خلال إنشاء الدولة الديمقراطية الواحدة التي يتعايش فيها الجميع متساوين في الحقوق والواجبات دون تمييز حسب العرق أو الدين أو الجنس .
التعليقات مغلقة.