أثر ثورة اكتوبر على المسألة النسائية / ليلى نفاع




ليلى نفاع * ( الأردن ) الأحد 11/3/2018 م …

مقدمة
ليس الحنين الى ايام ثورة اكتوبر هو ما يدفعنا الى اعادة قراءة اهمية ما حدث في 24 اكتوبر قبل 100 عام، وانما ما قدمته للبشرية من نموذج بديل للرأسمالية وبديل عن النهج الفاشي وتجربة اولى لبناء الاشتراكية. هناك الكثير الذي يجب ان نتذكره ان كان من باب الاعجاب او من باب النقد. فالتغيرات الاجتماعية التي حدثت بفضل السياسات الجديدة المبنية على رؤية اشتراكية هو الارث الملهم للثورة والذي ما زال له قيمة الى يومنا هذا. كثيرا ما يتبادر الى الذهن السؤال التالي: لماذا هزت ثورة اكتوبر العالم بهذه القوة، ولماذا شبه انتهاء الاتحاد السوفيتي بالزلزال؟ ولماذا تم القول ان بداية القرن العشرين كان في الحقيقة عام 1917 ونهايته في الحقيقة جاءت قبل عام 2000 اي في عام 1989، حين تم التخلي عن مبادئ ثورة اكتوبر في ارضها؟
ارث ثورة اكتوبر
للاجابة على هذه الاسئلة، دعونا نقر منذ البداية ان ثورة اكتوبر اخذت مكانها في التاريخ باعتبارها الثورة التي ارست بداية الانتقال من الراسمالية الى الاشتراكية. وبغض النظر عما آل اليه الوضع في روسيا والاتحاد السوفيتي والدول الاشتراكية بعد ذلك فان الانتقال من الراسمالية الى الاشتراكية سيأخذ، من وجهة نظري، عددا من الثورات ليتم انجازه، في نهاية المطاف.
الماركسيون يفهمون ان الثورة تعني ازاحة الطبقات القديمة عن السلطة وانتقال السلطة الى ايدي طبقة جديدة يعني تكوينا اجتماعيا جديدا. وهذا ما تم في ثورة اكتوبر بعد ان تم انضاج الثورة على ايدي الشيوعيين بقيادة لينين، بالوصول الى اعماق المجتمع، ومساعدة جماهير الشعب لتاخذ مصيرها بيدها، بحيث وقف الشعب بصلابة وشجاعة في سبيل نجاح ثورته.
ولكن العداء لثورة اكتوبر وللشيوعيين اصبح الشغل الشاغل للراسماليين (وعملائهم طبعا) لخطورة، ليس فقط طروحات ثورة اكتوبر الفكرية ضد الرأسمالية والتي هزت العالم بل للمنجزات التي حققتها روسيا وبعدها الاتحاد السوفيتي والدول الاشتراكية. هذه المنجزات دفعت الدول الرأسمالية لتقديم التنازلات للعمال والنساء والشعوب المضطهدة على جميع الاصعدة ولكنهم في الوقت ذاته بدأوا الدعاية الرهيبة للثورة المضادة والتي نرى نتائجها حتى في ايامنا هذه.
السياق التاريخي
كان اسقاط الاقطاع هدف الثورات الاوربية التي توالت بعد الثورة الفرنسية طيلة القرن التاسع عشر. اذ علينا ان نتذكر انه لولا الثورات في اميركا وبريطانيا واوربا بشكل عام لما سقط الاقطاع ولما قامت الثورات الصناعية التي جاءت بالرأسمالية كشكل اجتماعي متطور. الرأسمالية جاءت بالمصانع والعمال ولكن على قاعدة توليد الربح من استغلال جهد العمال.
كغيرها من الثورات التي حدثت في الدول الاشتراكية والتي اهتدت بالفكر الماركسي، كان اسقاط الراسمالية هدف ثورة اكتوبر. للاسف لم تنجح الثورة في المانيا عام 1923 ولكن ثورة اكتوبر نجحت بفضل عدد من العوامل التي كان في مقدمتها قيادة لينين الذي نجح بالتعرف على نقاط الضعف في نمو الرأسمالية في روسيا وسعى للعمل التنويري واعداد الكوادر في المصانع الكبرى بشكل متوالي لتحل محل الذين كان البوليس السري يلقي القبض عليهم او ينفيهم او يغتالهم. هذا ما عكسته لنا قصة “الام” الرائعة لمكسيم غوركي التي شكلت وجدان احرار العالم. وهذا ما نلمسه من حوارات اكساندرا كولانتاي حول المسالة النسائية. اما الكتيب الذي يحوي هذه الحوارات ما زال صالحا كفكر ثوري حتى يومنا الحالي. وسيبقى الحوار البناء هو الطريق الوحيد لتقدم الحركة النسائية. معظم الحوارات النسائية كانت تجري بين كولانتاي ولينين وبين روزا لوكسمبورغ ولينين وبين كلارا زيتكين ولينين وتتناول مسائل غاية في التعقيد خاصة فيما يتعلق بالحب وبالعائلة. وكثيرا من الناشطات النسويات في الموجة الرابعة من النظرية النسوية يعكسن رفضهن لموقف لينين من التمسك بالعائلة كوحدة اساسية للمجتمع.
دور لينين الحاسم
تجلت عبقرية لينين بالدعوة لتضامن العمال والفلاحين في روسيا حيث كان الفلاحون يشكلون الجانب الاكبر من الناس المتضررين من الاقطاع والخارجين للتو من عبودية “القنانة اي بيع الانسان الفلاح واسرته مع الارض” الى جانب العدد المتزايد من العمال المتضررين من الرأسماليين. “لقد حدثت ثورة العمال والفلاحين التي تحدث البلاشفة طوال الوقت عن ضرورتها … ولقد بدأت من الآن صفحة جديدة في تاريخ روسيا، وينبغي على الثورة الروسية الحالية، الثالثة (1905 الاولى، شباط 1917 الثانية، 17 اكتوبر حسب الرزنامة القديمة) ان تؤدي في محصلتها النهائية، الى انتصار الاشتراكية” فلاديمير لينين.
سرعان ما انتشر العداء لفكر “لينين” واصبح الاستهزاء طريق الرأسماليين في نشر الاخبار عنه. فندما دعا للانسحاب من الحرب ورفع شعار الخبز والارض والسلام اصبح بمفهوم الراسماليين “خائن” وعندما كشف مخططات تقسيم الشرق الاوسط وتنازل عن حصة روسيا في سايكس بيكو اصبح “خطيراً بطريقة غير مسبوقة”. وتحت هذا الستار تم فتح جبهة ضد روسيا وفرض الحصار عليها من قبل كل من بريطانيا وفرنسا واليابان وايطاليا وبولونيا. بالمقابل انطلقت المسيرات والتظاهرات وعمت ارجاء المعمورة من القاهرة حتى شنغهاي. ومن اجل ايقاف المد الثوري الذي ساد العالم اطلق الراسماليون “حمى” معاداة الشيوعية وضد كل ما يتعلق بالاشتراكية وسرعان ما سادت في الولايات المتحدة الامريكية عام 1919 وفي ايطاليا عام 1920 وعمت كل اوربا منذ 1930 وعادت للظهور في الولايات المتحدة عام 1946. كان الهدف نشر الخوف من عدو “غير حقيقي” لاعادة اللحمة بين الراسماليين.
اخافت ثورة اكتوبر حكام الولايات المتحدة واطلقوا مقولة “البعبع الاحمر” لاثارة ما يسمى بالوطنية عندهم. وتحت هذه الحجة لعبت الصحافة دورا كارثيا باختلاق قصص واساطير غير حقيقية مما ساعد على اعتقال مئات الآلاف وزجهم في السجون وطرد مئات الآلاف خارج الولايات المتحدة لطمس اي تعاطف مع ثورة البلاشفة.
بزوغ حركة التحرر الوطني العالمية
كان لثورة اكتوبر الاشتراكية اثر هائل على الشعوب المضطهدة. فقد فتحت هذه الثورة بالذات المجال لانطلاق حركة عالمية للتحرر القومي والاجتماعي لشعوب الارض “المضطهدة” في آسيا وافريقيا وامريكا اللاتينية. وجرى تسريع انخراط اعداد كبيرة من جماهير الشعوب في حركة عالمية للتحرر الوطني وتحولت هذه الحركة جنبا الى جنب مع الاحزاب الشيوعية التي بزغت ما قبل ثورة اكتوبر ولكن استقر امرها بعدها، كجزء لا يتجزأ من العملية الثورية في القرن العشرين.
اما الشعوب “المضطهدة” فقد تجاوبت مع الدعوة الجديدة “يا عمال العالم والشعوب المضطهدة اتحدوا” لتنطلق اوسع حركة تحررية شهدتها البشرية لتخليص الناس من ربقة الظلم والسيطرة الطبقية والقومية والعرقية والذكورية. لم تذهب نبوءة لينين بحتمية انتصار نضال جميع شعوب المستعمرات والبلدان الواقعة تحت قهر الامبريالية هباءً، بل ترجمت الى اكبر حركة في التاريخ للتغير الطبقي والتكوين الاجتماعي الجديد. فقد انهارت المنظومة الاستعمارية وانخرطت البلدان في التحرر من اجل الاستقلال السياسي ومن ثم الاستقلال الاقتصادي بدعم واضح وصريح من دولة ثورة اكتوبر التي بدأت ترسي اسس جديدة للعلاقات بين الدول. وهنا لا بد من الاشارة الى ان اول مرسوم كان مرسوم الارض (اي وضع حد لسيطرة الاقطاع) واول وثيقة في السياسة الخارجية كان مرسوم السلام والذي اعلن عن الغاء المعاهدات السرية ومن ابرزها اتفاقية سايكس بيكو التي قسمت الدول العربية بين بريطانيا وفرنسا وروسياالتي تقاسمت ورثة الدولة العثمانية. ولكن روسيا التي نفضت عن كاهلها ربقة الاستعباد، فضحت هذا التقسيم الاستعماري وخرجت منه.
بزوغ حركة نسائية عالمية
بدأت الحركة النسائية التقدمية بالبزوغ قبل ثورة اكتوبر على ايدي الاشتراكيات والاشتراكيين الاوربيين اللواتي والذين التزموا بالمنهج الماركسي في مرحلة انهاء علاقات الاقطاع ورفض العلاقات الرأسمالية التي قامت على اكتاف العمال ولكنها (اي الراسمالية) سرعان ما بدأت في اضطهادهم لجني ارباح غير مسبوقة من ثمار الثورة الصناعية ومن نهب خيرات الشعوب المضطهدة.
برزت قائدات نسائيات متميزات لديهن رؤية ثاقبة لكيفية تناول “المسألة النسائية” وتقديم الحلول لانهاء الظلم التاريخي والاضطهاد الوحشي الموروث جنبا الى جنب مع اغلاق الفجوة التاريخية التي ابعدت النساء عن الفضاء العام. وان كنا نذكر اسماء روزا لكسمبورغ وكلارا زيتكن الالمانيتين والكساندرا كولانتياين وناديجدا كوبسكايا (زوجة لينين)، فاننا نذكر القليل لان مؤتمرات النساء الاشتراكيات السنوية كانت تضم المئات من المشاركات. وفي المقابل كانت النساء الاشتراكيات في الولايات المتحدة الامريكية يعقدن المؤتمرات السنوية ويضعن الخطط للارتقاء بنضال النساء باتجاه حل “المسألة النسائية”. وكانت النساء في الولايات المتحدة الامريكية في مقدمة الصفوف للدفاع عن مطالب العمال والعاملات بـ 8 ساعات عمل. على سبيل المثال. وقد حازت قصة “العقب الحديدية” لجاك لندن على محبة وعطف العالم مع الفكر الاشتراكي ونضال النساء داخل الولايات المتحدة الامريكية ما قبل وبعد ما سماه ثورة 1908 الاشتراكية والتي خسروا فيها مقابل توطيد اقدام الراسماليين.
توطدت اقدام النساء الاشتراكيات في اوربا وبدأت حركة جماهيرية مطلبية لحقوق النساء. وقد شهدت هذه الحركة توسعا كبيرا شمل معظم البلدان الاوربية، وبعد الحرب العالمية الثانية اثمرت هذه الحركة انشاء الاتحاد النسائي الديمقراطي العالمي الذي وحد اصوات النساء على الساحة العالمية واظهر قوتهن النضالية.
سارت الحركة النسائية العالمية في المسار نفسه الذي سارت فيه حركة التحرر الوطني، لوضع نهاية للاستغلال وتحقيق المساواة ولكن في قالب اجتماعي مختلف لم يقتصر على تغيير التكوين الاجتماعي كما في الدول “المضطهدة” بل امتد ليشمل جميع الدول وجميع الشعوب بسبب طبيعة “النضال النسوي ضد السيطرة الذكورية التي سادت في جميع الدول لقرون عديدة”.
شغفت الرائدات الاشتراكيات بكتابات ماركس وانجلز اللذين اسسا الماركسية والمنهج التحليلي للاضطهاد. فقد اولى ماركس ورفيقه انجلز اهمية كبيرة لتوضيح نوع الاضطهاد الموجه للنساء والذي ساد منذ انهيار عهد الامومة التاريخي ونشوء الملكية الخاصة وبداية السيطرة الذكورية في العهود التالية وانتقلا للحديث عن كيفية انهاء هذا الاضطهاد. اظهرت مؤلفات انجلز عن اصل العائلة وادبيات ماركس وانجلز وخاصة البيان الشيوعي، الاهتمام الكبير للحركة الشيوعية برفع الظلم عن النساء عبر تحليل ممنهج لانهاء الاسباب الكامنة وراء هذا الظلم والاضطهاد.
تبع ذلك، نمو حركة النساء الاشتراكيات والتي شهدت اوجها في الدول الاوربية عشية ثورة اكتوبر. ففي عام 1908 تم اقتراح عبر اللقاء السنوي للنساء الاشتراكيات تحديد يوم 8 آذار كيوم عالمي للنساء باقتراح من قبل المناضلة الاشتراكية المناضلة كلارا زيتكن تخليدا لذكرى النساء الامريكيات اللواتي فقدن حياتهن وهن يطالبن بيوم عمل لا يزيد عن 8 ساعات عام 1858. وقد اخذت النساء الاشتراكيات حول العالم بهذا المقترح وبدأ الاحتفال بيوم المرأة العالمي منذ 1910 اي قبل ثورة اكتوبر.
تابعت النساء الاشتراكيات نضالهن ورحبن بثورة اكتوبر بشكل كبير. وقد انتقلت كلارا زيتكن من برلين الى موسكو بعد انتصار ثورة اكتوبر ورافقت لينين لعدة اشهر وعقدت جلسات المناقشة معه حول الاجراءات العملية والحلول لانهاء التمييز ضد النساء وكتبت ونشرت الحوارات كلها. وكان لينين قد عين اول وزيرة في وزارته ولم تكن سوى المناضلة الروسية الكساندرا كولانتاي الاسطورة التي استطاعت نقل رسائل لينين ومقالاته لرفاقه في الداخل حين كان منفيا في الدول الاوربية.
كان المعيار الحاسم للنساء الاشتراكيات هو الاختيار المبدئي بين الراسمالية والاشتراكية. وكان المعيار الحاسم للنساء في البلدان التي بقيت ضمن البنية الاقتصادية العالمية للرأسمالية هو اختيار التنمية الاجتماعية التي تنحاز للاتجاهات الديمقراطية المعادية للامبريالية والمعادية لاولئك الذين يعيقون الوصول الى المساواة بين النساء والرجال: الذكورية والراسمالية والتسلح.
عدم حل القضية النسائية باعتماد قيم المساواة والمواطنة ولد قضايا اجتماعية بالغة التعقيد من بينها الخلل الاجتماعي الناجم عن الاستقطاب الطبقي وزيادة الهوة بين القلة الاستغلالية وبين مجموع الناس مما ولد الفقر والتخلف الهيكلي، خاصة بين النساء عبر ما اخذ يعرف بمصطلح “تأنيث الفقر”. هذا الى جانب استنزاف البيئة والدفع باحتدام التناقضات الداخلية في كل بلد.
وقد حددت الحركة النسائية موقفها خلال القرن العشرين بالانحياز التدريجي نحو “المحتوى الاجتماعي” لانصاف النساء كل النساء. والظاهرة الجديدة في الموجة الثالثة والرابعة لما اصبح يسمى بـ “النظرية النسوية” التي تدعو الى النضال ضد الذكورية عن طريق الابتعاد عن الرأسمالية وعن الشرور الناجمة عن التسلح والحروب والاقتراب من المنهج السلمي المرافق للايديولوجية الاشتراكية.
فقد تبين لها ان القوى الراسمالية تزداد شراسة ضد كل من يتوجه في عمله نحو “المحتوى الاجتماعي” لانه يكشف ان الارباح التي تجلبها القوى الامبريالية الناجمة عن نهب الشعوب واستغلال الطبقات الفقيرة والارباح الخيالية التي يجنيها الرأسماليون من التسلح والحروب والتي تذهب الى فئة تزداد تركيزا (تتقلص اعدادها) في القيادات العليا الراسمالية تؤدي الى التضييق على من يدافع عن “المحتوى الاجتماعي”. وحيث ان الذين واللواتي يدافعون عن المحتوى الاجتماعي اصبحوا في مرمى نيران الراسماليين والسلطات الخاضعة لهم. فقد اتضح انه لا يمكن الاستمرار الا باتباع المنهج الاشتراكي والذي يستتبع الحاجة لنهج التضامن “الاممي” بين جميع العاملين لاستمرار المحتوى الاجتماعي من جانب وتأطيره في منظمات تعمل على الارض، من جانب آخر.
ومثل هذه المواقف الجذرية من قبل الحركات النسائية والنسوية لمقاومة الامبريالية والتسلح والذكورية اخذت تجتاح العالم الآن وترسخ اقدامها بالرغم من خسارة السند الاممي بعد خسارة التجربة الفريدة لثورة اكتوبر. يرافق ذلك خروج نظريات تبالغ في تحميل النساء مهمة قيادة “المحتوى الاجتماعي” او تتنبأ بثورة اجتماعية سياسية قادمة بقيادة النساء.
تأثير ثورة اكتوبر على القضية النسائية والحركة النسائية العربية
لم تكن رائدات الحركة النسوية العربية بمعزل عن التأثير الكبير لثورة اكتوبر، فان الانتصار المدوي لثورة اكتوبر والعمل السريع لتثبيت الحقوق المتساوية للنساء بالاضافة الى المناداة بالمساواة التامة بين الشعوب قد اثارت حماس النساء في ارجاء الارض بسبب طول زمن الظلم الاجتماعي الذي ترافق مع الظلم السياسي والاقتصادي الموجه ضد النساء. ولعل الظاهرة العربية المدوية بخلع الحجاب وحرقه في ساحة عامة من قبل هدى شعراوي في مصر، والتي كانت من اكبر الداعمات لثورة سعد زغلول عام 1919، كانت المؤشر الذي اظهر تأثير ثورة اكتوبر التي قامت في عام 1917، اي قبل سنتين.
* دور الاحزاب الشيوعية العربية في التوعية بقضايا تحرر النساء
لعبت الاحزاب الشيوعية ومثلها الاحزاب اليسارية دوراً هاماً في التوعية بحقوق النساء المتساوية ووضعت حل “القضية النسائية” في مقدمة غاياتها. وسار هذا الاتجاه في مسارين، المسار الاول تعمد توعية اعضاء الاحزاب وتغيير مفاهيمهم التي نشأوا على اساسها. اما المسار الثاني فكان في اتجاه التوعية العامة والتوعية بين صفوف القادة السياسيين للانتقال من الاهمال المتعمد لقضايا حقوق النساء الى الاهتمام بتطبيق حلول للتعقيدات الناجمة عن التمييز والعنف الممنهج ضد النساء. ولا ابالغ اذا ذكرت ان هذه الاحزاب اولت قضية حقوق النساء الاهتمام نفسه الذي اولته لحقوق العمال وحقوق الشعب.
* نمو حركات نسائية مرافقة لنمو الوعي بالتحرر من الاستعمار والربط بين المسألتين وتأثير القضية الفلسطينية على الحركة النضالية للنساء العربيات.
عند مراجعة الجهود الجبارة التي بذلتها كوادر الاحزاب الشيوعية في التوعية لحقوق النساء نجد الربط بين القضية النسائية وقضية التحرر الوطني. فقد تضمنت برامج الاحزاب عبر سنوات عمرها، هدفا خاصا دائما حول ضرورة نيل النساء حقوقهن. كما تضمنت ادبيات الاحزاب الشيوعية واليسارية بمختلف الظروف السياسية تحليلات لضرورة نيل النساء حقوقهن.
* العلاقات الاممية بين النساء في الحركة النسائية العالمية
في هذا السياق لا بد من الاشارة الى ان الاحزاب الشيوعية قد تبنت في وقت مبكر اقامة علاقات اممية بين النساء المناضلات في سبيل حقوق النساء وسهلت مهمتها على مدى عقود طويلة. ونستطيع عبر ادبيات الحركة النسائية التقدمية ومن بينها بشكل خاص الاتحاد النسائي الديمقراطي العالمي والذي تأسس في عام 1945، حين كان الحزب الشيوعي الفرنسي مشاركا في الحكم. وقد لعب هذا الاتحاد دوراً بارزاً في تجميع القوى النسائية التقدمية وتوحيد صوتها وجهودها. وما زال هذا الاتحاد قائماً بالرغم من انكفاء ثورة اكتوبر.
ولا بد من الاشارة الى ان الاتحاد النسائي الديمقراطي العالمي قد لعب دورا كبيرا في دعم الحركة النسائية العربية عبر المؤتمرات الدورية وعبر مجلة “نساء العالم”. فقد شكلت اللقاءات الدورية للمناضلات العربيات خلال المؤتمرات المختلفة فرصا لتطوير الاستراتيجيات الخاصة بكل بلد ورسم السياسات التي من الواجب اتباعها.
الحلول الحالية
عند استعراض الوضع الحالي، بعد انكفاء تأثير ثورة اكتوبر، يأتي الحديث عن الحلول الحالية بالاتكاء على التراث المتجذر والتأثير الكبير لافكار ثورة اكتوبر. تشير الدراسات الجديدة العديدة ان حل “القضية النسائية” يتطلب:
– توجيه الجهود لحماية القوى الطليعية التي تتصدى للدفاع عن “المحتوى الاجتماعي” وليس لمحاربتها خاصة في البلدان الواقعة تحت السيطرة الكاملة للراسماليين الخارجيين.
– تشجيع النساء على الانخراط في الحياة السياسية النشطة لمجتمعاتها لربط اعادة البناء الاجتماعي بمحاربة الامبريالية (وافرازاتها من مثل الصهيونية) والتسلح الذي يولد الحروب وما ينجم عنها من دمار يعيد عجلة التقدم والذكورية التي تحرم النساء من المشاركة المجتمعية لتعطيل النضال الجماعي ضد القوى التي تحارب التجديد الاجتماعي.
– تعزيز التضامن ما بين القوى المناضلة ضد الامبريالية، خاصة الطبقة العاملة في الدول المتقدمة وحركة التحرر الوطني في البلدان التابعة والقوى والاحزاب الاشتراكية التي حافظت على دورها.
– مواكبة التقدم العلمي المعرفي الذي هو وحده القادر على اطلاق طاقاتهن لمواكبة التقدم العلمي والاستفادة من منجزات العلم التقنية والمعرفية. فاذا كانت النساء على هامش التطورات التي رافقت ليس فقط قيام ثورة اكتوبر والثمرات التي طرحتها، كما كانت النساء على الهامش اثناء بناء حركات التحرر المحلية. منذ الآن فصاعداً لا يمكن السير مجدداً دون المشاركة الفاعلة للنساء.
وهذا بدوره يتطلب:
– تعميم الاستفادة من منجزات العلم والتقنية والمعرفة بين صفوف النساء وانخراطهن في البناء المستقل للاقتصاد في بلدان التحرر الوطني.
– وقف كل اشكال النهب الرأسمالي الامبريالي لخيرات الشعوب ووقف الحروب على مختلف مسمياتها والمعالجة السريعة لآثارها خاصة على الفئات المهمشة من مثل النساء اللاجئات ضحايا مختلف اشكال الحروب. حددت ثورة اكتوبر الاتجاه العام للتطور في القرن العشرين.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
*مداخلة في ندوة الذكرى المئوية لثورة اكتوبر الاشتراكية التي اقيمت في عمان يومي 18- 19/ 11/ 2017.
** عضو اللجنة المركزية للحزب الشيوعي الاردني

قد يعجبك ايضا

التعليقات مغلقة.