العرس الفلسطيني في المهجر الأمريكي – إحياء للتراث وتمسك بالتقاليد

 

الأردن العربي – عبد الحميد صيام – نيوجيرسي ( الأربعاء ) 6/5/2015 م …

 من يتابع مراسم الأعراس الفلسطينية في المهجر الأمريكي يكاد يصاب بالذهول لشدة تمسك الفلسطينيين بتراثهم الأصيل وتقاليد الزواج المتوارثة عن الأجداد والآباء حتى يصاب بالحيرة ويسأل «أنحن في فلسطين أم في أمريكا؟». والجواب الصحيح لهذا السؤال كما خبرناه لسنوات طويلة أن «فلسطين في أمريكا» وأن الجالية الفلسطينية التي تنامى عددها بعد حرب حزيران/يونيو 1967 رحّـلت معها إلى المهجر الأمريكي عاداتها وتقاليدها ولهجتها الفلاحية التي تكاد تفصح عن القرية أو البلدة التي ينتمي إليها المتكلم.

يقول عالم الاجتماع إريك هوبسباوم «إن المجتمعات المهاجرة تحاول أن تعيد تكوين تقاليدها القديمة بتفاصيل دقيقة كنوع من التمسك المبالغ فيه بالهوية كما تعيد تكرار بعض الطقوس والعادات المقبولة والتي تحمل رمزية عالية كنوع من إعادة ترسيخ تلك العادات والتقاليد التي تعني استمرار الماضي في الحاضر بشكل آلي».(إختراع التقاليد 1993).

الجاليات الفلسطينية التي في معظمها تعود لأصول فلاحية غالبيتها الساحقة من قرى رام الله والقدس تشعر أنها مهددة بهويتها وأن مهمة الوالدين الأساسية أن يحافظا على هوية الأولاد العربية الفلسطينية. ويتم ذلك عن طريق مجموعة من الممارسات الأساسية وأولها زيارة الوطن في الإجازة الصيفية. فبعد عطلة المدارس في نهايات شهر حزيران/يونيو تبدأ العائلات بالعودة لقضاء العطلة الصيفية في القرى والمدن الفلسطينية بين الأهل والجيران والأصدقاء. وهذه الزيارت على قدر كبير من الأهمية لأنها تفتح مجالات واسعة للأطفال للتعرف على الوطن ومدنه وقراه من جهة والتعرف على أبناء البلدة وتكوين صداقات محلية. والأهم من ذلك التقاط اللهجة الفلسطينية التي يضطر الأطفال إلى إستخدامها أثناء وجودهم هناك ويحملونها معهم إلى المهجر وتصبح لغة أساسية في التخاطب اليومي مع الأهل.

والممارسة الثانية التي يتبعها أبناء الجاليات العربية هنا وخاصة الفلسطينيين هي الإلتحاق بالمدارس العربية الإسلامية للتأكد من نمو الطفل في بيئة تنمي عمق الإنتماء للوطن وتساهم في التقاط اللغة العربية وتساعد في فهم القيم العربية الإسلامية.

أما الممارسة الثالثة والتي يحرص الأهل على إتباعها فهي التأكد من إختيار الإبن والبنت لشريك حياة من أصول فلسطينية وإن تعذر ذلك لأسباب خارجة عن إرادة الأهل فيمكن للزوجة أن تكون عربية وبدرجة أقل كثيرا أن يكون الزوج عربيا.

كان المهاجرون الأوائل الذين وصلوا الولايات المتحدة ودول أمريكا اللاتينية وخاصة بعد نكبة عام 1948 في غالبيتهم يتزوجون من أجنبيات لعدم توفر العربيات من جهة ولتسهيل الحصول على أوراق الإقامة والتجنس. فنشأت أجيال مغربة تماما في معظمها لا تشعر بانتمائها إلى العروبة أو الإسلام. لكن هذه الأوضاع بدأت تتغير مع وصول أعداد كبيرة من المهاجرين الفلسطينيين في أواسط السبعينيات والثمانينيات. بدأت المدارس الإسلامية تفتح والتجمعات السكانية والبؤر القروية تنتشر وعلى إثر ذلك تغيرت خريطة الزواج تماما وأصبح الزواج من أجنبية للشاب أمرا نادرا وللفتاة أكثر ندرة.

العودة إلى التقاليد

مع نشوء جيل كامل من الفلسطينيين في المهجر الأمريكي ينتمي من جهة للعروبة والإسلام من الناحية الثقافية والدينية ومن جهة أخرى لا توجد لديه عقدة التناقض حيال جنسيته الأمريكية التي يعاني منها الآباء لأنهم حصلوا عليها بالتجنس لا بالولادة ولأنهم يتكلمون اللغة الإنكليزية بدون لكنة أجنبية مثل آبائهم. أبناء هذا الجيل في غالبيتهم جمعوا مجد الحضارتين. فهم عرب من جهة يفتخرون بإنتمائهم الثقافي والديني وهم أمريكيون تماما ويقطفون ثمار كافة الإمتيازات التي توفرها لهم المواطنة الأمريكية وخاصة في ميدان التعليم والثقافة والعمل والسفر وحرية التعبير والتجمع والرأي. بعض هؤلاء الشباب وبتأثير من المسجد إتجهوا نحو إعادة تعريف أنفسهم كمسلمين أولا وبعضهم آثر أن يبقى ضمن إزدواجية التعريف «عربي أمريكي أو فلسطيني أمريكي أو مصري أمريكي».

طقوس العرس الفلسطيني تعتبر من الممارسات الأكثر تعبيرا عن الإلتزام بالتقاليد الفلسطينية التي توحي بترسيخ قيم القرية التي حملها الآباء معهم والتطور الحضاري والتأثر بالبيئة الأمريكية المنفتحة. وسنتابع في هذا المقال الخطوات التقليدية التي يتبعها أهل العريس والعريس لإتمام عملية الفرح التي تعتبر أكبر المناسبات وأسعدها للعائلة الفلسطينية وتتفوق على كل المناسبات الأخرى بما فيها التخرج من الجامعة.

يعتبر العرس بالنسبة للفلسطيني أكثر من مجرد تكوين أسرة. إنه رد على التحدي الذي تمثله إسرائيل. إنه رفض الذوبان والاختفاء والانصهار والنسيان. إنه الاستمرار في النضال بكافة أشكاله ومنها الإنجاب. الفلسطينيون لا يحتفلون بأعياد الاستقلال أو الجلاء أو التأميم أو التحرير أو مولد ووفاة الزعيم. حياة الفلسطيني موزعة بين المنفى في المنفى أو المنفى في الوطن المحاصر والمكبل. والاحتفال بنضوج الولد أو البنت ووصوله مرحلة الزواج ثم الاحتفال بالعرس أمر مبالغ فيه كنوع من التعبير يليق بمنظومة الاستمرار. الولادة شيء يقدسه الفلسطينيون ويعتبرون المرأة التي لا تنجب خسارة لزوجها وأهل زوجها ولوطنها كذلك.

«الطـلبة»- أو طلب يد الفتاة

قبل التوجه لبيت أهل العروس تكون الاتصالات بين العائلتين قد أنجزت ووافق أهل العروسين على كافة التفاصيل. يدعو والد العريس أقاربه وأصدقاءه وفي الليلة المتفق عليها يتوجه الجمع المدعو «الجاهة» إلى بيت العروس ويقفون بالباب ويكون بانتظارهم أهل العروس وأقاربها. يتحدث أحد رجال الجاهة من كبار السن الذي يطلب رسميا يد العروس «لولدنا فلان» ويتمنى على والد العروس وأقاربها أن يكون الطلب مقبولا مؤكدا أن جميع الشروط التي يطلوبنها مقبولة سلفا: «نحن الجِـمال ولكم أن تحملوا عليها ما تشاؤون». فيرد شخص من أهل العروس من كبار السن أيضا ليقول: «أهلا بالجاهة الكريمة طلبكم مقبول بدون أي مقابل. وعلى سنة الله ورسوله نقرأ الفاتحة». بعد قراءة الفاتحة تنطلق الزغاريد من والدة العريس وأخواته وقريباته. ويقوم العريس بتقبيل والد العروس وإخوتها وأعمامها وأقاربها وتتم تهنئة العريس وأقاربه ويدعى الجميع للجلوس وتناول القهوة والحلويات. وللعلم فإن حكاية المهر المقدم إختفت إلا من رمزيتها بالنص على أن المهر «دينار واحد من الذهب». أما المهر المؤجل فما زال بعض الآباء يتمسك به.

الخطبة

بعد قراءة الفاتحة تصبح العلاقة بين العريس والعروس شبه رسمية. لكن لأن عدد الذين حضروا «الطلبة» قليل نسبيا يتم تعيين يوم للإحتفال رسميا بالخطبة. يتم حجز قاعة كبيرة ودعوة العديد من الأقارب والأصدقاء نساء ورجالا للاحتفال بهذه المناسبة البهيجة. ويحيي الحفلة مطربون محليون معروفون تتفاوت أجورهم حسب شعبية المغني وفرقته. وقد ظل فهيم دندن الفلسطيني من بلدة مجد الكروم أكثر المغنين جاذبية وشعبية خلال عقدي الثمانينيات والتسعينيات إلى أن ظهر عدد من المنافسين في العقد الأول من هذا القرن من بينهم محمد كبها من قرية برطعا في فلسطين التاريخية والمغني ماهر حلبي من بلدة دير الأسد وأخيرا أمير دندن إبن أخي فهيم.

وتجمع حفلة الخطبة الحداثة مع التراث حيث تبدأ بتجمع للنساء في وسط الساحة يرددن الأغاني التراثية المعروفة مع تحريف كلماتها لتشمل إسم العريس ووالده وعائلته واسم العروس وأهلها. وغالبا ما تقوم والدة العريس وأخواته وقريباته بالرقص في وسط الدائرة يشاركهن الرقص العديد من النساء القريبات والصديقات. تنفض الدائرة بعد أن يبدأ المغني وفرقته في عزف الموسيقى وتبدأ بعدها حفلة الخطوبة التي تجمع بين الأصالة والحداثة حيث يؤدي الشباب الدبكات الشعبية على أغاني الدلعونا وظريف الطول وعلّ الكوفية بالإضافة إلى الرقصات على أحدث الأغاني العربية لكاظم الساهر ووائل كفوري وراغب علامة وديانا حداد ونانسي عجرم. ويتخلل الحفل كثير من الأغاني الوطنية التي تلهب حماس الحضور فيرقصون بالأعلام الفلسطينية ويحمل بعض الشباب العريس على أكتافهم إشارة إلى محبته وشعبيته بين الأصدقاء. ولا تكاد تخلو حفلة في منطقة نيويورك الكبرى من مشاركة عازف الشبابة الأول «أبو صيام» لتقديم معزوفاته التي تصاحبها دبكة شعبية خاصة لا يتقنها الكثير من أبناء الجيل الجديد. يتم توزيع الحلوى والمشروبات العادية في حفلة الخطوبة التي تستغرق غالبا نحو أربع ساعات متواصلة.

ليلة الحناء

ليلة الحناء مرتبطة بحفلة العرس وغالبا ما تسبقها بيومين أو ثلاثة. فبين الخطبة ومراسم العرس وقت قد يصل إلى سنة أو أكثر يتم خلالها الإعداد والتخطيط الدقيق للعرس من جهة ومن جهة يعطى الخطيبان وعائلتاهما فرصة التعرف على بعضهما البعض. وقد تفسخ الخطوبة في هذه الفترة لو إكتشف أحدهما أن الشريك الآخر غير ما كان يأمل أو يتمنى.

يقتصر الحضور في ليلة الحناء على العائلتين وأقاربهما والأصدقاء المقربين جدا. ويتم تحضير ملابس تراثية خاصة مطرزة بالحرير الثمين لهذه الليلة عادة يتم إنجازها في رام الله وقراها وخاصة في محل التراث الفلسطيني لصاحبته نادية خليل (أم احمد) المشهور في قلب المدينة. ويستغرق تجهيز الملابس التراثية شهورا طويلة وقد تصل تكاليف الثوب الواحد ما يزيد عن الألف دولار. وتتسابق نساء العائلة في أن يكون ثوبها المطرز أجمل من الأثواب الأخرى. وغالبا ما تبقي العروس مكان وطراز ثوبها سرا كي لا يتم تقليده أو إستخدام اللون نفسه من قبل الفتيات الأخريات.

تبدأ النساء تتوافد إلى القاعة ليلة الحناء باثوابهن التراثية الأصيلة والتي تتميز بالجمال والتفنن في تصميماته وكثرة الحرير المطرز والقصب المضاف إليه ليزيده رونقا وجمالا. كما تحرص والدة العريس وأخواته وقريباته أن يلبسن «الشكة» أو الوقاة المصفوفة بقطع الذهب الخالص بنوعيه الصغير ويصل العدد إلى 70 قطعة يتقدمها صف آخر من الذهب العثملي الغالي ويصل العدد إلى نحو 18 قطعة. ومن لا تملك مثل هذه الشكة في هذه الليلة الزاهية تستعير عادة شكة قريبة لها أو صديقة. تدخل إلى القاعة وكأنها معرض فني راق للملابس التراثية وتحتار في تحديد أي الأثواب أجمل.

تبدأ الحفلة بإعلان دخول العروس محاطة بوالدها وأعمامها وأخوالها وتتسمر العيون نحو الباب لمشاهدة مفاجأة الثوب الذي تلبسه. يطلق المغني عادة أغنية تراثية تتعلق بالحناء مثل «سبل عيونو ومد أيده يحنونو غزال زغير وكيف أهلو سمحولو» و «يا حنا يا أخضر يا لايق عأمو- هنولي العريس هالغالي عا أمه». وتقفز النساء المقربات أمام العروس ليرقصن لها ويزغردن. تسير العروس ببطء إلى أن تصل الخيمة المنصوبة في نهاية ساحة الرقص وتكون مزينة بقطع تراثية مثل السيف والزرابي والنرجيلة والفوانيس القديمة وغير ذلك. وتجلس إلى مقعدها بانتظار قدوم العريس. تتحول الأنظار مرة أخرى إلى مدخل القاعة حيث يعلن عريف الحفلة عن إستقبال «زين الشباب ونجم الحفل» مصحوبا بوالده وأعمامه وأخواله. ويقفز كل شباب العائلة والأصدقاء للرقص أمامه واستقباله في موكب بهيج يسير نحو المقعد الذي ينتظره قرب العروس. وقد يستغرق قطع المسافة القصيرة نحو 20 دقيقة أو أكثر. والرقصات أمام العريس تتم بالتناوب مرة للرجال ومرة للنساء إلى أن يصل الكرسي فتقف العروس وتستقبله ويجلسان معا. وتبدأ الحفلة التي تستغرق نحو أربع ساعات. تتميز حفلة الحناء بأنها تراثية بامتياز ويتم التنافس على من تكون حفلته أكثر التصاقا بالتراث الفلسطيني. فالأغاني في غالبيتها تراثية والملابس والديكور حتى الهدايا التذكارية تحمل طابعا تراثيا مثل خريطة مذهبة لفلسطين أو قارورة زيت صغيرة في صندوق جميل من زيت فلسطين أو صندوق مجوهرات صغير مصنوع في بيت لحم. تتخلل حفلة الحناء وقفتان أساسيتان. فقرة قيام العريس بتلبيس هداياه من الذهب للعروس تساعده أمه أو أم العروس التي تقوم بوضع القطع على عنق إبنتها أو يديها. ويتم عرض القطع على الحضور على وسادة خاصة كي يشاهد الجميع كرم العريس وأهله مقابل كرم والد العروس الذي رفض أن يأخذ مهرا لابنته.

والفقرة المهمة الأخرى تشمل دخولا مشتركا للعريس والعروس بعد تلبيسة الذهب. يخرجان من القاعة وتصطف سبع نساء أو ثمان أمامهما كل تحمل سلة صغيرة فيها صرات من الحناء الأخضر الطبيعي ملفوفة بمناديل ملونة. ويعلن عريف الحفل عن استقبال العريس والعروس معا لأول مرة فيتقدم موكب حاملات الحناء أمام العروسين. وفي هذه الدخلة يلبس العريس العباءة الفلسطينية والحطة والعقال وقد تحمل العروس جرة بين يديها للتأكيد على أصالة التراث ويمشيان ببطء. والد أو عم العروس يسير إلى جانبها وعم أو خال العريس يسير إلى جانبه والنساء السبع يتمايلن بصواني الحناء المزينة بالمناديل الملونة ويرقصن أمام العريس والعروس بأثوابهن المطرزة وشكك الذهب اللامع على رؤوسهن. لوحة فنية في منتهى الجمال تحتاج إلى فنان يرسمها ويلتقط تلك العناصر الجمالية فيها لتخليدها بالريشة بدل الكاميرا.

يستمر الحفل على أنغام الأغاني التراثية والشبابة واليرغول والدبكات الشعبية التي يلتقطها الصغار بسرعة، فترى في حلقات الدبكة الأطفال في سن السابعة والثامنة يتقنون الحركات المعقدة للدبكة بشكل مذهل. وعادة ما تدخل أم العريس فقط لترافق إبنها أو زوجها داخل دبكات الشباب. وكأن والدة العروس مسموح لها أن تعبر عن فرحتها بالطريقة التي تريد.

تنتهي ليلة الحناء بصف طويل من المدعوين لتهنئة العريس والعروس والتقاط صور تذكارية معهما ويقولون لهما «لقاؤنا معكم في حفلة العرس».

العرس ويوم الزفة

الجزء الأخير من مراسم العرس يتم في قاعة كبيرة حسب عدد المدعوين الذين قد يزيد عددهم عن ألف. لكن بعض الأعراس تختصر العدد إلى الأهل والمقربين بحيث لا يزيد العدد عن 400 شخص. وحفلة العرس معقدة ومكلفة في الوقت نفسه. ويتحمل العريس كافة المصاريف من تكاليف العشاء إلى الورد الطبيعي الذي يوضع على الطاولات إلى المغني ومصور الفيديو والكاميرا العادية وسيارة الليموزين التي تأخذ العريس أولا من باب بيته ثم العروس من بيت أبيها. يتجمع أقارب العريس في بيت والده ويعملون زفة قصيرة في الشارع مما يثير دهشة الجيران الأمريكيين فيلتمون على الرصيف الآخر يشاهدون هذا المنظر الغريب والعريس في منتصف الدائرة وأقاربه يرددون أغان شعبية تتعلق بزفة العريس وحمامه وقص شعره حتى لو لم تبق هذه العادات في المهجر.

ينطلقون إلى بيت العروس فيجدون أهلها بالانتظار ويتقدم أحد أقارب العريس ويقول للحشد المنتظر: هذه الجاهة الكريمة جاءت لتأخذ عروستنا بعد أن قدمنا كل ما طلبتموه. فيرد عليه رجل من أهل العروس ويقول: لقد «كفيتم ووفيتم» وحلال عليكم عروستكم. فتخرج في تلك اللحظة العروس مصحوبة بوالدها وأخيها أو عمها ويسيران بها إلى سيارة الليموزين فيفتح العريس لها الباب ويجلسها في المقعد الخلفي ثم يجلس بجانبها وينطلق الجميع إلى قاعة العرس.

تستغرق حفلة العرس خمس ساعات على الأقل تتخللها الرقصات والدبكات الشعبية والتراثية. وقد بدأ أبناء الجالية مؤخرا يحيون فقرة تراث آخر هي السحجة. حيث يصطف الرجال في صفين متقابلين ويقوم حاد أو بدّيع بقيادة السحجة مرددا الأغاني التراثية والجميع يعيد من ورائه. كما تتضمن الحفلة زفة تراثية يقوم فيها أصدقاء العريس بحمله على أكتافهم وأحيانا يقذفونه إلى أعلى ويلتقطونه ويكررون المشهد مرات عدة.

بعد فترة العشاء يبدأ بعض المدعوين بمغادرة القاعة بعد تهنئة العرسان وأهاليهما ووضع مغلف في صندوق خاص نصب قرب مقصورة العريس والعروس، يحتوي مبلغا ماليا يسمى «النقوط». وتعتمد كمية النقوط على مدى علاقة الشخص بالعريس أو العروس وأهاليهما ومدى شعبية العريس وأهله واحترام الناس لهم وقيامهم بالواجبات الشبيهة بالإضافة إلى تقديرات المدعو بتكاليف العشاء المقدم تلك الليلة. وغالبا ما تغطي كمية النقوط مصاريف تلك الليلة الجميلة والتي تنتهي بصف طويل من المهنئين الذين يصرون على تقديم التهاني والتقاط الصور التذكارية مع العروسين. كما يقوم أهالي العروس بتـــقديم نقـــوط من الذهب لابنتــهم يشكونه على فستانها أمام الناس فيتزين صدرها وعنقها ويداها بالقطع والعقود والأساور الذهبية الجميلة.

ملاحظة أخيرة

رغم أن الغالبية الساحقة من أبناء الجالية الفلسطينية يتبعون إلى حد ما هذه الخطوات في أعراسهم إلا أن موجة التدين وانتشار الأفكار المتعصبة دينيا في السنوات الأخيرة قد أدت بالبعض إلى عقد الأعراس المنفصلة التي تحشر النساء في قاعة والرجال في قاعة أخرى مجاورة ويتصدر المشايخ تلك الحفلات بخطبهم ومواعظهم وأدعيتهم. ويتحول العرس إلى نسخة متشابهة عن أي عرس آخر سوري أو لبناني أو مغربي. فالتيار الديني يحاول أن يستبدل التراث المحلي والتقاليد العريقة بما يسمونه «العرس الإسلامي» في إشارة مبطنة كأن الأعراس المختلطة لا علاقة لها بالإسلام. وللعلم فإن الأعراس المختلطة عادة ما ينتج عنها لاحقا عرسيان أو ثلاثة أو أكثر حيث تكون فرصة للشباب والشابات أن يشاهدوا بعضهم البعض في مثل هذا الجو البهيج الذي يشكل فرصة ذهبية لعازب أن يجد شريكة حياته.

 

قد يعجبك ايضا

التعليقات مغلقة.