انعدام كافة الحلول مع إسرائيل / د. فايز رشيد




د. فايز رشيد ( الخميس ) 15/3/2018 م …

ثبت بالملموس استحالة انتزاع تحقيق دولة فلسطينية من براثن الكيان الصهيوني، ذلك أن نتنياهو في تصريح حديث له، يرى الحق الفلسطيني في حكم ذاتي لهم فقط، وعلى بعض مناطق الضفة الغربية، بينما أقرّ الكنيست بالقراءة الأولى مشروع «الدولة القومية»، وهو بصدد مشروع قانون يقضي بسريان القوانين الإسرائيلية على المستعمرات في الضفة الغربية المحتلة.
ثم إن واقع الأمر جغرافيا لم يعد يسمح مطلقا بإقامة دولة مستقلة، خاصة أن الاستيطان استولى على 65% من مساحة الضفة الغربية، وما زالوا يصادرون يوميا مساحات كبيرة من أرضنا. ثم لنتذكر اللاءات الإسرائيلية الست لغالبية الحقوق الفلسطينية: حق العودة، الانسحاب من كل حدود 67، الانسحاب من القدس، سحب المستوطنات الكبيرة، الإشراف الأمني الإسرائيلي على الدولة وحدودها، وضرورة اعتراف الفلسطينيين بيهودية دولة إسرائيل.
بالنسبة للموقف الأمريكي، خاصة بعد قرار ترامب حول القدس، فإن الإدارة الأمريكية أكثر صهيونية من نتنياهو، إضافة إلى رسالة الضمانات الاستراتيجية، التي قدمتها الولايات المتحدة للكيان عام 2004، وفيها تتعهد أمريكا، بعدم الضغط على إسرائيل لقبول ما لا تريده! ثم إن ميزان القوى حاليا في صالح إسرائيل، في ظل استعداد رسمي عربي للتطبيع معها من دون ثمن مسبق، أي أنه حتى ما يسمى»بـ مبادرة السلام العربية»، يجري التخلي عنها من قبل بعض أطراف النظام الرسمي العربي. أما بالنسبة للمراهنة على إمكانية إقامة دولة فلسطينية من خلال استراتيجية التفاوض، فقد أثبت هذا المبدأ فشله. كل ذلك، إلى جانب تصريحات عديدة لمسؤولين إسرائيليين، أكدوا فيها ألا دولة فلسطينية ستقام بين النهر والبحر، غير دولة إسرائيل.
من جانب ثان، فإن بعض الكتّاب الصهاينة بدأوا يحذرون حكومتهم في مقالات لهم، من أنها ستجد نفسها أمام حل الدولة الثنائية القومية بالمعنى الاستراتيجي. هذا الحل ترفضه إسرائيل، مع التأكيد على خطأ مقولة (القومية اليهودية) التي تعاكس التاريخ والواقع والوقائع ومبدأ الأديان، فاليهودية ديانة وليست قومية، إضافة إلى خطأ مقولة (القومية الفلسطينية) باعتبار الفلسطينيين هم من القومية العربية، فإن العقبات الإسرائيلية لإقامة مثل هذه الدولة الثنائية القومية هي العقبات الأساسية. فإسرائيل ارتبطت وستظل مرتبطة في وجودها، بالاستعمار الكولونيالي الاستيطاني، وبالتالي، فإن الحديث عن إحدى الظاهرتين بمعزل عن الأخرى، ليس إلا استعراضاً أيديولوجياً بعيداً عن الموضوعية والقوانين الطبيعية والبشرية أيضاً. هذا الحل لا تقبله إسرائيل للأسباب التالية: الواقع الديموغرافي الجديد (على افتراض إمكانية هذا الحل)، وإمكانية زيادة عدد العرب عن اليهود. إن إحدى سمات الوجود الإسرائيلي هي التخلص من الفلسطينيين، ولهذا فإنه مباشرة وبعد إنشاء دولتها، قامت بتنفيذ الخطة «دالت» التي وضعها بن غوريون، وهي التطهير العرقي للفلسطينيين من خلال المذابح، وتهجير حوالي 800 ألف منهم.
وركز أحد مؤتمرات هرتسيليا الاستراتيجية السنوية على إبعاد الفلسطينيين في منطقة 48، وكان أحد قراراته، عدم السماح بالتفوق العددي للعرب في إسرائيل، فجاءت سلسلة من التقديرات، أحدها يقترح تبادل منطقة المثلث (منطقة الكثافة السكانية الفلسطينية في منطقة 48) مع أراض من الضفة الغربية، وجاء قرار الحكومة الإسرائيلية، الذي يسمح لوزير الداخلية الإسرائيلي بسحب مواطنة الفلسطينيين في القدس، ممن يسمونهم «مشجعي الإرهاب»، وفي منطقة 48 أجاز قانون سنّته الكنيست قبل أعوام، بسحب الجنسية من كل من يتعاطف مع «الإرهاب».
على صعيد آخر نادى بعض الكتّاب اليهود، (إيلان بابيه مثلاً) بحل الدولة الديمقراطية الواحدة، من محاضرة له في مقهى دار راية في حيفا. هذا التصور أيضاً يفتقد إلى العلمية والعملية، ولهذا الرأي أسبابه التالية:
أولاً: إن المعركة الفلسطينية الشعبية العربية مع إسرائيل هي معركة مفروضة علينا، لم يكن لدينا أي خيار فيها. هذه المعركة تقع في إطار المواجهة مع عدو استثنائي في عداوته لنا، فهو نمط من الاحتلال خاص، غير المستعمرين العاديين الذين يستعمرون بلداً لمدة قد تطول أو تقصر، ومن ثم يخرجون عائدين إلى ديارهم، ولذلك، نحن في مواجهة عدو اقتلاعي لنا، يرى أن له «حقا مقدسا» في فلسطين التاريخية وفي أراض عربية أخرى. لذلك وبالضرورة، فإن مواجهة هذا العدو تقتضي نضالاً استثنائياً فلسطينياً وعربياً.
ثانياً: في استعراض إمكانية حل الدولة الديمقراطية الواحدة، فإن العقبات الإسرائيلية لا يمكن مقارنتها بالعقبات الفلسطينية والعربية والإسلامية. فالدولة الديمقراطية تتناقض بالمطلق مع الهدف الاستراتيجي، الذي يسعى إليه الكيان، ويتمثل في إقامة «الدولة اليهودية» الخالية من العرب، التي تجمع اليهود من مختلف أنحاء العالم. كما تتناقض مع خط استراتيجي صهيوني، وهو بمثابة الخط الأحمر أمام الوجود الإسرائيلي نفسه، ونعني به: عودة اللاجئين الفلسطينيين إلى وطنهم التاريخي. وتتناقض أيضاً مع كل قوانين الأساس التي سنتها الكنيست عوضاً عن الدستور. وتتناقض مع الجذور التوراتية للسلوك الاسرائيلي المتمثل في العدوان الدائم على الفلسطينيين والعرب (الأغيار) في أفق استعلائي فوقي وتفوقي، عنصري مزنر بنظرة دونية إليهم. وتتناقض مع مسلك الحاخامات الذين أبقوا اليهود في إطار (الغيتو) الذي تحول إلى عنجهية (القلعة) بعد إقامة إسرائيل، فالحاخامات ورغم الادعاء بمرور ثلاثة آلاف سنة على استيطان اليهود في فلسطين، فإنهم حوّروا في الديانة، وفقا لما يريدونه على مدى التاريخ، وبمضي السنوات، ازدادوا انغلاقا وازدادت نظرتهم الدونية للأغيار (هذا ما يثبته الكاتب الإسرائيلي إسرائيل شاحاك في كتابه المعنون بـ»التاريخ اليهودي، الديانة اليهودية، وطأة ثلاثة آلاف سنة». لذلك فإن سبعة عقود مرّت على إقامة إسرائيل القسرية، لم تتطور فيها سوى العدوانية الممارسة على الآخر، ضمن دائرة نظرة الحاخامات نفسها.
وبالتالي فإن أي مراهنة على ثلاثة آلاف سنة مقبلة، لإجراء تحول مسلكي مناقض لما تمارسه إسرائيل حالياً، هي مراهنة بعيدة تماماً عن الموضوعية، بالطبع ضمن المعطيات الحالية، وعلى المدى القريب المنظور، عدا عن المناهج الإسرائيلية في رياض الأطفال والمدارس وفي المدارس الدينية والجامعات، التي لم تنتج على مدى ما يقارب السبعين عاماً، سوى التطور في بنية اليمين الديني المتطرف، إضافة إلى عسكرة المجتمع، من خلال تطور المؤسسة العسكرية – الأمنية بمفاهيمها التي تفرضها على الشارع الإسرائيلي وشروطها، تماماً كما تفرض المؤسسة الدينية شروطها في البنية الاجتماعية الإسرائيلية وفي الشارع أيضاً.
ثالثاً: واعتماداً على رؤية موضوعية تحليلية للتاريخ، والواقع، ومحاولة استشفاف للمستقبل بأفق علمي بعيداً عن الشطح يميناً أو يساراً، فالمطلوب وضع اليد على الجرح وجوهر الصراع، الذي لم يكن ولن يكون بإرادة منا. لذا فليبق التحرك السياسي الفلسطيني والعربي والدولي قائماً على حل الدولتين، كحل اعتراضي هادف إلى منع تصفية القضية الفلسطينية، وليبق متسلحاً بقرارات الشرعية الدولية، التي ضمنت للاجئين من أبناء شعبنا حقهم في العودة، والتي لا تعترف باحتلال إسرائيل للأراضي الفلسطينية في عام 1967، ولذلك تدعو إلى انسحابها من كافة هذه المناطق، بما في ذلك القدس الشرقية، ولكن لتبق لنا قناعاتنا الخاصة المتمثلة في أن الصراع تعيده إسرائيل إلى مربعه الأول، بإنكارها المطلق للحقوق الوطنية الفلسطينية.
من الجدير ذكره، أن كتابا جديدا صدر للمؤلف توماس سواريز بعنوان «كيف خلق الإرهاب إسرائيل الحديثة»، يتحدث فيه عن استهداف المنظمات الإرهابية الصهيونية للفلسطينيين، ولليهود غير الصهاينة، ولبريطانيا. نعم، هذه هي إسرائيل.

قد يعجبك ايضا

التعليقات مغلقة.