مرة أخرى.. عن حليقي الرؤوس..! / محمود كريشان

  محمود كريشان ( الأردن ) الجمعة 16/3/2018 م …



اسهاما منها في الحملات الترويجية للاماكن السياحية في الاردن، وتحت عنوان “اعرف بلدك”، نظمت المدرسة القروية رحلة لطلابها الى العاصمة عمان، مقابل مبلغ “ثلاث نيرات” عن الرأس الواحد. ومع اطلالة الصباح في القرية الوادعة، انطلق باص “الكوستر” ممتلئا عن بكرة ابيه بالطلبة. وقف مدير المدرسة “عقيل” في ممر الباص، و “عنقر” شماغه “المهدب”، مزهوا ببدلة السفاري “البيج”، وقلم الـ”BIC” الأزرق يلالي من جيبة جاكيته الخارجية، وبدأ يلقي تعليماته المشددة على الطلبة بالالتزام بالنظافة وعدم التدخين او الضحك “تحت طائلة المسؤولية”..مناشدا اياهم الالتزام ايضا بالغناء الجاد مثل “نزلنا على “السي تاون” او “البستان”!.. او “خدك ياقرص الجبنة” مثلا!. على طول الطريق الصحراوي، كان “عقيل” يقدم شرحا مستفيضا عن ذاكرة المكان والزمان للمناطق التي يمر منها الباص، الى ان وصل الباص الى استراحات “ضبعه”، حيث تنهد عقيل مطولا و”صفن” بمشهد ركاب الباصات والسيارات وهم يدخلون ويخرجون الى الاستراحات ، وتساءل في قرارة نفسه،هل يصبح الوطن مثل استراحة ضبعه؟..لا تعرف من هو “الرايح” من “الجاي”. عموما..وصل الباص بيمن الله ورعايته، الى “رأس العين” في العاصمة، حيث هبط الجميع” وتحولقوا حول معلمهم باطار دائري، وكان “عقيل” اشبه مايكون بدليل سياحي و خاطبهم حرفيا: هذا صباح عمان الجميل وهناك في سقف السيل يقبع سوق الحراميه و”هم كثر” ، وخلفه سوق الخضار القديم وبالاتجاه الاخر يوجد سبيل الحوريات الاثري، وبعده المدرج الروماني، وهذا المسجد الحسيني الكبير وامامه مجموعات المتسولين الذين لا تعلم عنهم فرق مكافحة التسول ولا الرفيقة المناضلة هالة لطوف، وهاهو شارع فيصل او شارع الصرافة وتبديل العملات رغم عدم توفر اي نشاط في هذا المجال الا ان محال الصرافة بازدياد لاسباب معروفة لامتسع للحديث عنها في هذه العجالة. بعد هذه المداخلة البريئة، افترش الطلبة ساحة مليئة بالاعشاب والزهور الايطالية في جبل عمان، واصبحوا يضعون ماجلبوه من دكاكين القرية، من اطعمة ومعلبات ايذانا ببدء مراسم الغداء الجماعي، وقد ازدانت سفرتهم الارضية باشياء عديدة مثل علب “الطن” و”السردين” الميلو الاصفر، و”البلابيف بعظمه” وارغفة خبز الطابون والبصل الاخضر والبندورة والخيار والففل الحار ايضا. في تلك الاثناء انتهى الدوام الرسمي في الدوار الرابع، مرت سيارات فارهة جدا، بنمر حمراء تحمل حليقي الرؤوس بنظاراتهم السوداء، يمضون لتناول الغداء ايضا.. ولكن ربما في مطعم “سنترو” او “فخرالدين” او حتى في “روميرو”، ضمن طقوس يومية معتادة. “عقيل” وبعد ذلك المشهد البرجوازي الذي يمارسه يوميا هؤلاء على نفقة هذا الشعب الأبي، قال بحزم وشدة وبعد ان سمع “تمتمات” الطلبة بخصوص ذلك المنظر : اللي بفتح ثمه، بترفش ببطنه!..ولا يلام بذلك فهو لم يكمل تقاعده، وراتبه محول للبنك، نظير قرض مالي “طازه”!..واضاف: بدل هاي الثرثرة، اشوف مين فيكم يعرف اسم الشاعر القائل : موطني الاردن لكني به.. كلما داويت جرحا سال جرح قفز احد الطلبة عاليا ووقف في منتصف الطلبة واجاب انه الشاعر مصطفى وهبي التل “عرار”..وليأذن لي معلمي “عقيل” ان القي كلمة بإسم الطلبة . قال الطالب : حين جاعت النشمية ، وذوي الدحنون في وجنتيها ، وشقـّق الظمأ شفتيها ، ومات الضياء في عينيها ، واصبح الجوع قوتها..حين غادر الحناء ورائحة القمح الارض، على رجع الصدى والقهر والوجع، تسلل عندها حليقو الرؤوس الى كبرى الوظائف والمناصب ، برطنهم وأطواقهم وأساورهم وعولمتهم وشهاداتهم المزعومة من كبرى جامعات امريكا واوروبا، بعيونهم التي لم تتكحـّل بأطراف حوران ، وما أستظلت بوارفات عجلون ، ولم تسمع من قبل بديوان عشيات وادي اليابس ولا أغمضها غبار معــان ، ولا تلاعب برموشها ندى البلقاء. تابع الطالب وسط انبهار عقيل وطلابه : قسما بجلال الله ان فواتير سفرهم ومياوماتهم واطعمتهم، هي من بطاقات معالجتنا في المستشفيات الحكومية، ومن رسوم كتبنا المدرسية، ومن اثمان ادويتنا، وضرائب دفعناها….. يا جماعة حليقو الرؤوس ليسوا منّا ولسنا منهم !؟؟؟؟ ترقرق الدمع سخيا من عيون الجميع، واعلن “عقيل” انه سيعرض شماغه للبيع وبأبخس الأثمان ..وكفى ! غادر عقيل وطلابه الدوار الرابع وكلمات الطالب الاخيرة عن حليقي الرؤوس جرس يقرع في ادمغتهم .

 

قد يعجبك ايضا

التعليقات مغلقة.