المصادر الوطنية والسيادية الأردنية للطاقة بالأردن / د.باسل برقان
د.باسل برقان ( الأردن ) الجمعة 8/5/2015 م ..
تروج الحكومات المتعاقبة بأن الأردن دولة فقيرة معدومة المصادر مما يضطرها إلى إستيراد 96% من مصادر الطاقة من الخارج. وقد إعتمدت الدولة على إستيراد النفط العراقي سنوات الحصار على العراق بعد إجتياحه للكويت عام 1990وإستمرت الدولة الأردنية بالاعتماد على النفط العراقي كمصدر رئيسي للطاقة إلى أن تم إحتلال العراق عام 2003 من قبل الولايات المتحدة الأمريكية وعندها تحولت مرة أخرى إلى الإعتماد على مصدر رئيسي أخر وهو الغاز المصري.
باع النظام الحاكم المصري الغاز للأردن بأسعار تفضيلية أيضاً (وأعلى قليلاً مما كان يباع إلى الكيان الصهيوني), فقد كان الغاز يباع للأردن على سعر 2.20 دولار للوحدة الحرارية بينما الأسعار العالمية تتأرجح ما بين 6-10 دولارات للوحدة الحرارية.
مرة أخرى أدت أحداث في بلد المصدر (وهي مصر 2011) إلى إنقطاع تزويد مصدر الطاقة ولكن الدولة الأردنية لم تتعلم. فبإندلاع إحتجاجات الربيع العربي في مصر تقطع تزويد الأردن بهذا الغاز المصري الرخيص والمدعوم سعراً منذ بداية عام 2011 . وبالرغم من انقطاع فجائي مرتين خلال عشر سنوات بمصادر الطاقة الخارجية (من خارج الأردن) و المعتمد عليها إعتمادا شبه كاملاً من قبل الدولة الأردنية بالاضافة لوجود “الإستراتيجية الوطنية للطاقة “(1) والصادرة في عام 2003 وتم تجديدها في عام 2007 والتي تؤكد على ضرورة وجود خليط لمصادر الطاقة إلا أن الحكومات المتعاقبة لا تزال تصر على تكرار الخطأ وللمرة الثالثة بالإعتماد على مصدر واحد وإن كان إتفاقية تزويد كمية 300 مليون قدم مكعب يومياً من الغاز ومن الكيان الصهيوني ومدتها خمسة عشرة سنة. فهل هذا توجه وطني صائب بالرغم من بيان وبوضوح فشل سياسة الإعتماد على مصدر خارجي خلال العشر سنوات الماضية. والأهم من ذلك، هل يوجد لدى الأردن مصادر وطنية آمنة ومستدامة للطاقة أرخص من الغاز الصهيوني الذي تسرقه إسرائيل من الأراضي العربية المحتلة وأيضا أرخص واكثر آمانا من الطاقة النووية التي تخلى عنها الغرب دولة بعد الأخرى .
المصادر الوطنية للطاقة : –
أ- الطاقة المتجددة والمستدامة هي أحد المصادر الوطنية الرئيسية. فقد بدأت الدول الغربية والصناعية الكبرى التوجه الى الطاقة المتجددة النظيفة واحدة تلو الأخرى حيث وصل إعتماد الدنمارك على الطاقة من مصدر الرياح الى 39% من إستهلاكها السنوي في عام 2014 وهي تسير الى 100%(2) بينما وصل إعتماد ألمانيا (رابع أكبر إقتصاد بالعالم) الى 26 % من المصادر المتجددة في عام 2014 (3) وهي تسير الى 85% في عام 2035 .
لدى الأردن ظاهرة بيئية فريدة تمكنه من بناء الآلاف من محطات طاقة الرياح حيث يقع على غربه إخدود وادي الأردن بإنخفاض يصل الى ما يزيد عن 400 متر تحت سطح البحر ويقابله هضاب الأردن و يصل إرتفاعها الى 1000 متر فوق سطح البحر وهي ظاهرة تجعل جميع هذه المناطق المطلة على الغور الأردني قابلة لبناء محطات طاقة رياح . كما أن ما يزيد عن 80% من مساحة الأردن هي صحراء تسطع عليها الشمس لاكثر من 330 يوم بالسنة تربتها القاسية (وليست رخوة مما يقلل الغبار) تعد من أفضل المناطق لإنشاء محطات طاقة شمسية. وقد تقدمت مايقارب المائة شركة أردنية وطنية الى الحكومة لإنشاء محطات طاقة من هذه المصادر، ولكن تتباطئ الحكومة في التعاقد مع هذه الشركات مع أنها لا تكلف الدولة فلساً واحداً كون الإستثمارات هي من رأس مال القطاع الخاص. وقد حددت الدولة الأردنية حد أعلى للتعرفة لتقوم هذه الشركات ببيع الكهرباء المنتجة الى شركات التوزيع تتمثل بحد أعلى 8 قروش للكيلو واط من طاقة رياح وعشرة قروش للكيلو واط من الطاقة الشمسية. والعديد من هذه الشركات تقدمت بأسعار اقل من ذلك بكثير كون الطاقة المتجددة مجدية وإقتصادية ومستدامة . وآخر مشروع تم التعاقد به بالإمارات العربية المتحدة كان العقد على سعر بيع 5.9 سنت أمريكي للكيلو واط من الطاقة الشمسية مما يؤكد بأنها مجدية وأرخص من الغاز والنفط وأي نوع مصدر طاقة بالعالم. وعلى مساحة لا تزيد عن 300 كم مربع في منطقة معان، يمكن إنتاج الطاقة من الشمس لإنارة كل الأردن. ويمكن الآن تخزين الطاقة ببطاريات الملح لمدة 15 ساعة مثل التي بنيت في إسبانيا أو كاليفورنيا بأمريكا. بالإضافة إلى أنه يمكن إستغلال الفائض من كهرباء الطاقة الشمسية لضخ مياه إلى سد بأعلى الهضاب المطلة على البحر الميت ثم إعادة تسييل هذه المياه ليلاً لتدوير توربينات وإنتاج الكهرباء. ولكن بالأثناء، تبقي الدولة على إستيراد الوقود الثقيل لإنتاج الطاقة والتي تدعي بأنه يكلف 18 قرشاً بالكيلو واط وقد صدر خبراً بالصحف المحلية يوضح بأنه حتى شركة أكواباور السعودية صاحبة أكبر حصة في شركة توليد الكهرباء المركزية الأردنية غاضبة ومعاتبة كون الحكومة رفضت طلب أكواباور لإنشاء مشاريع تقدمت بها لتوليد الكهرباء من الطاقة الشمسية والصخر الزيتي (4).
ب- لقد صرحت الدولة الأردنية عن وجود مخزون هائل من الصخر الزيتي يقدر بأربعين مليار برميل نفط مكافىء وفي طبقات سطحية وغير عميقة. وإذا كان إستهلاك الأردن اليومي هو معدل 120 الف برميل نفط ، فان معادلة بسيطة تبين بان هذا الإحتياطي يكفي الأردن ما يزيد عن 900 سنة. وقد أكدت مصادر شركة شل الدنماركية بأنه عند إحتساب الطبقات العميقة في شرق الأردن فإن الإحتياطي قد يصل إلى 200 مليار برميل نفط مكافىء(5). وبعد 8 سنوات من تقديم شركة إنفيت طلب للإستثمار في الصخر الزيتي وافقت الحكومة الأردنية لهم لبناء محطة لإنتاج 470 ميغاواط والتي تشكل سدس الطاقة القصوى المستهلكة بالأردن. وتنتظر ما يقارب عشر شركات أخرى طالبت بالإستثمار بالصخر الزيتي قرار الحكومة منذ سنوات والذي يبدو مرة أخرى ان هنالك مماطلة واضحة لترخيص هذا المصدر.
ج- ميناء الغاز المسال; طالب خبراء الطاقة بإنشاء ميناء لإستقبال الغاز المسال في العقبة في بداية عام 2011 وفي بداية التفجيرات التي توالت على خط الغاز المصري. إستغرق بناء هذا الميناء وإستقدام سفينة عائمة لحفظ الغاز المسال 5 سنوات والذي من المنتظر أن ينتهي في عام 2015. مثل هذه الموانئ تنشأ خلال أشهر معدودة فقط وليس 5 سنوات. إن وجود ميناء الغاز المسال يمكن الأردن من التفاوض مع الدول المنتجة للغاز للتعاقد والشراء منها مثل قطر والجزائر وروسيا وقبرص وغيرها.
د- إنسحبت شركة بريتش بتروليوم فجأة في نهاية عام 2013 من البحث على الغاز في شرق الأردن بالرغم من أنها صرفت ما لايقل عن 257 مليون دولار وحصلت من الحكومة الأردنية على تجديد لسنة خامسة (6). وكان تصريح الشركة بأنها إصطدمت بطبقة صخرية صعبة خلال حفرها البئر 47 مما قد يكلفها مبالغ طائلة ثمن رؤوس الحفر غالية الثمن. إلا أن بعض الخبراء تؤكد بأن سبب إنسحاب الشركة هو سياسي بحت وقد يكون عائد إلى إتفاقية الاردن على إستيراد الغاز الصهيوني.
التعليقات مغلقة.