أمريكا: ولّى زمن الزعرنة / نضال نعيسة


نضال نعيسة ( سورية ) الأحد 18/3/2018 م …




كانت الدعاية الإعلامية والسينمائية الجبارة هي التي رسمت صورة الأسطورة والبعبع الأمريكي في أذهان الآخرين أكثر من أي شيء آخر. فقد ظهرت قوة الولايات المتحدة على أشلاء وضعف وتضعضع واستنزاف الخصوم في أعقاب الحرب العالمية الثانية، أكثر مما يعزى لقوة خارقة وحقيقية لا تقهر في حينه. فباستثناء الهجوم على ميناء “بيرل هاربر” من قبل الكاميكاز الياباني، لم تتعرض الولايات المتحدة لأي هجوم خطير أو تهديد فعلي لأمنها، ولم تشارك عملياً، بقوات برية، في الحرب العالمية الثانية، وعلى نحو جدي إلا في إنزال النورماندي الشهير، (الاسم الكودي لها عملية “نيبتون” Neptune’s Operation)، على السواحل الفرنسية في يونيو من العام 1944 م، وقت كان الرايخ الثالث يترنح عملياً وأمر سقوطه هو تحصيل حاصل، فيما تكفل الجيش الأحمر الروسي، وقتذاك، وكان حقيقة هو العامل الأمضى في حسم المعركة، باقتحام مقر الرايخ ورفع العلم الأحمر فوقه مؤذنا بنهاية هتلر وسقوط الرايخ الثالث ودفن تلك الحقبة الفاشية للأبد، وهذا لا يعني بالمطلق نفي عوامل قوة محتملة لدى الولايات المتحدة، لكن تجارب الحروب الأمريكية اللاحقة، من فييتنام للعراق، مروراً بأفغانستان، لم تربح منها أمريكا أية حرب على الإطلاق، تؤكد خواء وخرافة التفوق العسكري الأمريكي الاستعراضي الدعائي بمجمله.

إذ تظهر، وتؤكد التطورات اللاحقة، لاسيما الحرب على سوريا، فشل الولايات المتحدة الذريع، سواء عبر وكلائها المحليين من جيش حر، و”دواعش” وفصائل إسلامية أخرى دمغتهم باسم “ثوار سوريا”، أو عبر تواجدها المباشر في شمال شرق سوريا، من تحقيق أي اختراق ناجز في أهدافها المعلنة سواء لجهة إسقاط نظام الحكم في سوريا، أو التأثير في مجريات الحرب و”نصرة” حلفائها ومرتزقتها “ثوار سوريا” على الأرض.

غير أن تداعيات الحدث السوري في مساراته الدولية تظهر وعلى نحو مضطرد وتؤكد حقيقة واحدة وهي أن أمريكا مجرد نمر من ورق، وما تصريحات مسؤوليها النارية وعنترياتهم الفارغة إلا جعجعة بلا طحين. فقد استطاع الروس، إحداث نقلة نوعية، وقلب كل موازين القوى، شكـّل هزيمة عسكرية واستراتيجية، بآن للمشروع الأمريكي برمته، وأظهرت التفوق العسكري الروسي، وقدرته على إفناء الولايات المتحدة من الوجود عبر منظومة الأسلحة النوعية والاستراتيجية المتطورة التي أفصح عنها الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في خطابه السنوي للأمة في الأول من مارس/آذار الجاري، وكان-الخطاب- رسائل تهديد وتقريع مباشرة للولايات المتحدة، بأنها لم تعد تمتلك، أو لم تكن تمتلك أصلاً، اليد العليا، في إدارة الكون ولكي تكف من بعدها عن مناكفة، وأن تقلع عن أية محاولة للتحرش بالروس أو مجرد التفكير بأية منازلة معهم.

إلاّ أن التطور اللافت الأبرز في هذا السياق، هو الإعلان عن قمة مرتقبة بين الرئيس الأمريكي دونالد ترامب والزعيم الكوري الشمالي كيم جون أون، فيما يشبه التراجع والإذعان الأمريكي والخضوع لمنطق العقل والبراغماتية بعد مسلسل طويل من العنتريات والتصريحات والتراشق الدعائي النووي بين البلدين، بما ستضمن-أي القمة- لجماً للجموح الأمريكي ووضع حد للبطر و”الزعرنة” وغطرسة القوة التي أظهرتها في العقود الماضية بعد تربعها على العرش القطبي الكوني الأحادي وتفكيرها بترتيب العالم على مزاجها الكيفي الديمقراطي المعهود.

لا يمكن وصف السلوك الأمريكي الدائم بالعالم إلا بـ”الزعرنة” و”الشيطنة” و”الولدنة”، والخروج عن القانون الدولي والاستهتار بمواثيق الأمم المتحدة، وأن هذه السياسات الطائشة واللا مسؤولة بدأت تصطدم وتهدد مصالح أقطاب دولية صاعدة وواعدة باتت مضطرة لإظهار العين الحمراء للأمريكيين وإعادتهم إلى رشدهم وحجمهم الطبيعي.

قد يعجبك ايضا

التعليقات مغلقة.