مواطن مقدسي يتشبث بالبقاء في بيته وينسف مقولة أن الفلسطيني باع أرضه للعدو الصهيوني
أن تحظى بصلاةٍ في باحات المسجد الأقصى، فهذا حلم يراود عامة المسلمين، وخاصة بعد سيطرة الاحتلال على القدس ومقدساتها، ولكن أن تكون صاحب بيت صغير ملاصق لهذا المكان المقدس، وبين منزلك وجدار حائط البراق “متر واحد” فهذا سيُغنيك عن قصور قارون، وهذا مايحظى به المقدسي عماد أبو خديجة، ابن مدينة اللد، والذي هُجر منها قسراً إلى مدينة القدس إبان نكبة 1948م، والذي يخوض معركة البقاء مع سلطات الاحتلال الإسرائيلي، لمحاولتها سحب البساط من تحته بالتسويف وشل حريته، وبفرض الضرائب غير المتوقعة، ودفع التراخيص المُضاعفة على بيته الملاصق لحائط البراق.
ويملك أبو خديجة أيضاً عقاراً صغيراً بجانب بيته، يسرد لنا قصته؛ لتكون خير دليلٍ وجواباً للمشككين في بيع الفلسطينيين مقدراتهم للمحتل.
يُخرج أبو خديجة، جمال وسِحر هذا المكان، بعد أن كان مدفوناً منذ ألفي عام، يحاول ترميمه بنفسه، وإزاحة التراب الذي كان يغطي هذا المكان الأثري المملوكي، ليرى النور متحدثاً عن تاريخ وجوده قائلاً: “هذا المكان موجود منذ ألفي عام، حسب ما صرحت به لنا سلطة الآثار الإسرائيلية، حيث مضى عليه ثلاث حَِقبٍ من الزمن: بيزنطي، وصليبي، ومملوكي”.
ورغم صعوبة الأمر، إلا أنه لم يستسلم أمام عراقة هذا الكنز المقدسي، حسب وصفه، ليواصل إبراز تفاصيل جدرانه، والتصميم الجميل الذي كان أشبه بالمنسي، فقام بتوسعته من مساحة 10 أمتار إلى 400 متر، ليحوله إلى مكانٍ للزوار، ويعتبره أرض وقف إسلامي، كان العمل بمفرده وبيديه عوضاً عن ماكينات الحفر، ومعه دلو صغير، يضعه أسفل صدره وظهره ملاصقاً للسقف، ليستمر على هذا الحال ثلاثين عاماً، دون كللٍ أو ملل، بل رغبة في كشف الملامح التاريخية لهذه البلاد، بعد أن دق جميع أبواب المؤسسات المحلية والدولية، لتقديم يد العون له، ليكون ردهم عليه حسب قوله: “نحن ندعم مشاريع رسمية ومؤسسات، وليس مشاريع خاصة” إلى أن وجد طوق النجاة من خلال مؤسسة (تيكا) التركية، والتي وجه لها شكراً خاصاً، لتقديمها بعض المساعدات.
وقد يتوغل في ذهن القارئ سؤال، كيف لكيان غاصب سرق وطناً بعنوة السلاح لا يستطيع أن يحصل على هذا العقار؟ ليجيب أبو خديجة عن هذا التساؤل قائلاً: “طلبت سلطات الأثار الإسرائيلية مني شخصياً دليلاً قانونياً، يقضي بحق عائلتي لهذا المكان، فقدمنا لهم وثائق وأوراقاً تُثبت بملكية والدي لهذا المحل منذ ثمانين عاماً “ليكون هذا المحل أقدم من وجود الاحتلال الإسرائيلي الزائف على أرض فلسطين”.
ويواجه أبو خديجة إغراءات وعروضاً فائقة الخيال، لم يتصورها أي عقل، حتى إن سلطات الاحتلال، قدمت له عرضاً ظناً منها بأن مبادئه ستتلون فوراً، فأغرته بمبلغ “24 مليون دولار” مقابل بيعه، وكان هذا الرقم قبل عامين، أي قبل أن يكتشف أبو خديجة الأنفاق والسراديب الموجودة في داخل هذا المحل، والتي تصل مباشرة إلى حائط البراق، والمسجد الأقصى، وكنيسة القيامة، حيث كانت إجابته في كل مرة الرفض وبقوة، بل سيستمر في تطوير وتوسيع هذا العقار أمام المضايقات والعقوبات الضريبية، وعادت سلطات الآثار بعد اكتشافه لتلك الأنفاق، لتقول له بالحرف الواحد: “هي ورقة بيضة واكتب عليها المبلغ يلي بتعيش من وراه سلطان زمانك” ليُحجّم ابو خديجة مطامعهم قائلاً: “لا أريد أن أعيش سلطاناً بهذه الدنيا، بدي أعيش خدام لأصغر طفل مقدسي في سبيل الحفاظ على الأمانة الإلهية”.
ويواصل هذا الحاج، إرسال رسالته هو وأبناء الشعب الفلسطيني للكيان المحتل، “أن هذا الإرث لن يُسرق، ولن يُفرط به، فإما أن نكون أو نكون، ولا خيار غير ذلك، وأن هذه البلاد بمقدراتها ومقدساتها وتاريخها وحضارتها، ستحميها الأجيال القادمة، التي عاشت طفولتها وحياتها تحت حُكمِ وعربدةِ الاحتلال، وستكون هذه الأجيال خير أمة استأمنها الله على مسرى نبيه محمد، ومهد عيسى عليه السلام.
التعليقات مغلقة.