ثورة اكتوبر الاشتراكية وحركات التحرر الوطني / د. عيسى دباح

نتيجة بحث الصور عن لينين ستالين تروتسكي

د. عيسى دباح ( الأردن ) الثلاثاء 20/3/2018 م …
ثورة اكتوبر الاشتراكية في روسيا في عام 1917 هي أهم حدث في تاريخ البشرية، لانها الثورة التي فتحت عهداً جديداً في التاريخ، عهد الانتقال من استغلال الانسان للانسان الى عهد أخوة الشعوب المتساوية، والعدالة الاجتماعية، والقضاء على الاستعمار، وديمقراطية حكم الأغلبية الحقيقي، والقضاء على الحروب…وانتهاء الاتحاد السوفياتي لا يعني بتاتاً فشل الاشتراكية او فشل مبادئ أو انجازات ثورة اكتوبر، حيث ان هذه المبادئ في قلوب ملايين البشر، كما ان دول وشعوب عديدة أخرى غير روسيا تسير في طريق بناء الاشتراكية، كما أن الأحزاب الشيوعية والعمالية موجودة في كافة الدول.




إن ثورة اكتوبر ستبقى الحدث الأهم في التاريخ، وفقط سوف تتفوق عليها “ثورة” الانتقال من المجتمع الاشتراكي الى المجتمع الشيوعي”.

للملاحظة، روسيا الرسمية هذه الأيام لم تحتفل بالذكرى المئوية لثورة اكتوبر، مع أن واقع روسيا الحالي يذكر بالانجازات العظيمة التي حققها الاتحاد السوفياتي، وقد قامت المحطات التلفزيونية الرئيسية بعرض أفلام وبرامج بمناسبة مئوية ثورة اكتوبر أغلبها معادية، حيث قُدم لينين على أنه عميل للإمبريالية الألمانية، واما ستالين فقد قُدم كلص بنوك ونكره، وقُدم ترتسكي كعبقري والزعيم الحقيقي للثورة… وفي المقابل نظم الحزب الشيوعي الروسي احتفالات جماهيرية مميزة في كافة المدن الروسية احتفاءً بمئوية ثورة اكتوبر، وفي موسكو زار آلاف الروس بالورود ضريح قائد أكتوبر العظيم فلاديمير لينين، ومما يميز الحزب الشيوعي الروسي أنه أعاد تنظيم صفوفه على اساس أفكار ومبادئ لينين وستالين، وهو الحزب الثاني حالياً في روسيا، بعد حزب السلطة!.

سأذكر الان فقط بعض العناوين لدور ثورة اكتوبر والدول السوفياتية في دعم كافة القضايا العادلة لنضال شعوب الامبراطورية القيصرية والشعوب الرازحة تحت الاحتلال في أوروبا وآسيا وافريقيا وامريكا اللاتينية من اجل تحررها واقامة دولها المستقلة، حيث الأمثلة على ذلك عديدة، ففي إطار الامبراطورية الروسية وتطبيقاً للمبدأ اللينيني في حق الشعوب في تقرير مصيرها، اعترفت الحكومة السوفياتية الأولى برئاسة لينين بحق الشعوب الرازحة تحت الحكم القيصري بالاستقلال وإقامة دولها القومية مثل فنلندا وبولندا او اكرانيا واستونيا ولاثفيا ولثوانيا وجورجيا وارمينيا وأذربيجان وبخارى والشرق الاقصى.. كما تخلت الحكومة السوفياتية عن كافة الاتفاقيات السرية مع الدول الامبريالية ومنها اتفاقية “سايكس بيكو سيزانوف” والتي أعلنت بنودها الحكومة السوفياتية، وعلمنا بها نحن العرب، حيث نكثت بها بريطانيا بوعودها لشريف مكة الحسين بن علي، وحسب هذه الاتفاقية كانت حصة روسيا القيصرية امتلاك مدينة القسطنطينية / اسطنبول ومضائق البسفور والدردينل… وعندما ناضل كمال اتاتورك لتحرير تركيا من الاحتلال البريطاني وطلب مساعدة الحكومة السوفياتية قدمت له حكومة لينين مساعدات وأسلحة بقيمة عشرة ملايين روبل ذهبي، في الوقت الذي كانت روسيا السوفياتية تتعرض لعدوان من (14) دولة امبريالية وحيث كانت المجاعة آنذاك منتشرة في كافة أنحاء روسيا، وعندما قام الحسين بن علي بسؤال المقيم البريطاني في مصر – مكماهون – عن صحة نشر الحكومة السوفياتية لاتفاقية سايكس بيكو حول تقاسم الوطن العربي بين بريطانيا وفرنسا، رد مكماهون – لا تصدقوا حكومة البلاشفة فهؤلاء كفرة ونحن واياكم مؤمنون – وما زال خداعنا مستمراً حتى اليوم.

ودعماً لحقوق شعوب الشرق، وبمبادرة من لينين انعقد في عام 1920 المؤتمر الاول لشعوب الشرق بهدف تعزيز ورص قوى التحرر الوطني والاجتماعي، حيث حضره ألفي مندوب من ضمنهم وفود من مصر وسوريا، وكان شعار هذا المؤتمر من كلمات ماركس وانجلز “ان شعبنا يضطهد شعوباً اخرى لا يمكن ان يكون حراً”. وقد انتخب لينين رئيساً فخرياً لهذا المؤتمر، وكبادرة احترام الى شعوب الشرق المسلمة امر لينين باعادة مصحف عثمان الذي نهبه القياصرة من اوزبكستان باعادته الى طشقند في قطار خاص عليه التوقف في المدن المسلمة حيث يتبرك منه السكان.

ان فلاديمير لينين المفكر والثائر والقائد العبقري، مؤسس الحزب الشيوعي وقائد ثورة اكتوبر/ اعظم حدث في القرن العشرين/ ومؤسس الدولة الاشتراكية الاولى في العالم، قائد الطبقة العاملة الروسية والعالمية، كتب الكثير وعمل كثيراً لدعم حركات التحرر الوطني في مختلف بقاع العالم ومن أقواله ” ان سمات ثورة اكتوبرلها قيمة دولية بقدر تأثيرها في البلدان قاطبة” وكتب أيضاً “وأرست ثورة اكتوبر الاشتراكية بداية تبدلات اجتماعية شاملة في العالم المعاصر، فقد اعطت زخماً قوياً لجميع فصائل الحركات الثورية العالمية، وكشفت في امكانيات وآفاق جديدة لانتشار الحركة العمالية العالمية وحركة التحرر الوطني. وبتأثير أكتوبر العظيم نشأت أحزاب شيوعية في بلدان كثيرة ومنها الواقعة في منطقة الحركة الوطنية التحررية.

كما قامت في عام 1918 الحكومة السوفياتية بتأسيس جامعة سفيردلوف الشيوعية لتعليم وتدريب القيادات السوفياتية الشابة وكذلك مناضلي حركات التحرر الوطني من مختلف الدول، وفي عام 1921 تم تأسيس جامعة اخرى من هذا النوع سميت جامعة كادحي الشرق، وقد درس في هذه الجامعات العديد من مناضلي شعوبنا العربية.

كان موقف كل من لينين وستالين من الصهيونية موقفاً مبدئياً معادياً على اساس ما كتبه لينين “أن الصهيونية اكثر الافكار رجعية في الحركة البرجوازية لليهود”، وقام الاثنان بتعرية الصهيونية وكشف خطرها على الحركة الثورية في روسيا خاصة، وبين اليهود في كل اماكن تواجدهم. لقد رفض لينين (البوند – وهو اتحاد العمال الاشتراكيين) ان يكون بين الاتحادات العمالية في السلطة السوفياتية، كما رفض الكومنترن باقتراح من لينين نفسه قبول عضوية “الحزب الشيوعي اليهودي الروسي” في عضويته الى جانب الاحزاب الشيوعية العالمية. كما أصر لينين على حل هذا الحزب ومن يرغب من اعضائه الانضمام الى صفوف الحزب البلشفي أن يكون الانتساب فردياً، وهذا ما كان.

اما ستالين فقد ركز في مؤلفه النظري والهام “الماركسية والمسألة القومية” الصادر في عام 1913 على موضوع اليهود، نافياً بشكل حازم انهم يشكلون قومية، مؤكداً ان كل ما يجمع يهود العالم هو معتقدهم الديني، مثلهم مثل كافة المؤمنين بأية ديانة اخرى من قبل افراد من شعوب مختلفة، وانكر ادعاء اليهود ان الله منحهم أرض “الميعاد” وما هذا الادعاء إلا هراء مضحك لا ينطلي إلا على الاغبياء، وقد وصف ستالين ادعاء اليهود هذا باوصاف لا يمكن ذكرها في عالمنا العربي “المؤمن” حيث سيطرة فكر الاسلام السياسي بشكل واسع في المجتمع العربي – وكان ستالين على حق.

ومع ذلك فقد كانت الافكار الصهيونية تنتشر بقوة في الدول الاوروبية وكذلك في روسيا السوفياتية، خاصة وانه خلال القرنين الثامن عشر والتاسع عشر انتشرت التنظيمات اليهودية في الامبراطورية الروسية. وهكذا بعد ثورة اكتوبر اخذت الهجرة اليهودية الى فلسطين تتزايد بينهم مما أثار قلق السلطة السوفياتية. ومع حلول الذكرى العاشرة لوعد بلفور الاستعماري، قررت الحكومة السوفياتية وقف هجرة يهود الاتحاد السوفياتي الى فلسطين، واعلنت أن هجرة اليهود الى فلسطين هو برنامج استعماري ضد حركة تحرر شعوب الشرق المسلمة. ومع تقدير الحكومة السوفياتية برغبة قطاع واسع من اليهود ان تكون لهم دولة خاصة بهم، فقد قررت الحكومة السوفياتية بتاريخ 28/3/1928 اقامة دولة لليهود ضمن أراضي الاتحاد السوفياتي تقوم على أسس اشتراكية، وليست دولة برجوازية صهيونية تقوم على اساس اوهام دينية توراتية. وقد خصصت الحكومة السوفياتية منطقة بيربيجان في الشرق الروسي وبنفس مساحة فلسطين تقريباً لاقامة “المنطقة اليهودية ذات الحكم الذاتي” للراغبين من اليهود السوفيات واليهود الراغبين من كافة دول العالم للقدوم والعيش فيها – وقد حضر العديد من يهود اوروبا والولايات المتحدة الى هناك.

اما نحن العرب فما زلنا نحتفل بذكرى وعد بلفور الذي بلغ هذا الشهر عمره المائة عام، ننظم احتفالات خشبية متكررة بدون فعل حقيقي لافشال اهداف هذا الوعد الاستعماري الظالم. وما أخشاه اننا في المستقبل قد نوزع الحلوى بهذه المناسبة ونغني للوعد المشؤوم /عيد سعيد. لقد نظمت الاحزاب الوطنية الاردنية ومن ضمنها حزبنا الشيوعي قبل ايام ندوة فاشلة بهذه المناسبة وليست بالمرة بمستوى خطوة هذا الوعد… وعليه فإنني أقترح على حزبنا أن يبادر الى مجابهة نتائج هذا الوعد الاستعماري البريطاني بالفعل الجماهيري والدعوة محلياً وعربياً ودولياً الى مقاطعة بريطانيا وبضائعها، بدلاً من استعطافها لتقديم اعتذار لا يغني ولا يسمن. إنني أرى هذه الخطوة الثورية من شأنها أن تعيد الموقف الوطني الحقيقي للنضال ضد هذا الوعد المجرم، كما يعبق ألف نضال جماهير شعبنا وخاصة فئة الشباب الى درب النضال الوطني الفاعل، ولنتعلم من نضالات كافة الشعوب التي حققت تحرير اوطانها والاستقلال بالحزم والتضحيات بكل ما هو نفيس في سبيل الوطن.

ان نضال وتضحيات شيوعيي العالم، ومن ضمنهم حزبنا الشيوعي، مشهود لها، فهل يخطو حزبنا الشيوعي الاردني نحو جذوره الثورية الوطنية في التصدي الفعلي – لا الكلامي لاعداء شعبنا ووطننا؟

قد يعجبك ايضا

التعليقات مغلقة.