عباس في عين «عاصِفة» صهيوأميركية: «إبن الكلب» .. بعد «يِخرِب بيتَك» / محمد خروب
وفّر الرئيس الفلسطيني لأطراف «صفقة القرن»، المُعلَن منهم أو الذين يتواطؤون سِراً وهُم كثر.. ذخيرة وريح إسناد لأشرعتهم, كي يُمضوا قُدماً في إبعاد الانظار عن طبيعة واهداف مشروعهم الإجرامي, الرامي الى تصفية القضية الفلسطينية وشطبها من على جدول الاعمال الدولي, كقضية تحرّر وطني لشعب تم سلب وطنه وحرمانه من حق تقرير مصيره واقامة دولته المستقلة. وهي مهمة دأبت الصهيونية العالمية والقوى الغربية الداعمة لمشروعها الكولينالي الإحلالي الإستيطاني وعلى رأسها الولايات المتحدة الأميركية, وقوى الاستعمار القديم في أوروبا وخصوصاً بريطانيا, العمل على انجاز هذا الهدف(التصفِية) طال سبعة عقود, الى ان نجحت في العقد الاخير باستمالة بعض الدول العربية, التي تبنّت خطاب هذا التحالف وراحت تروِّج له وتتغنى بفضائِله وتدعو ضمن امور اخرى, الى حشد الجهود والإمكانات العربية لمواجهة المشروع «الاخطر» من المشروع الصهيوني وهو المشروع الإيراني..(…).
نقول: وفّر الرئيس الفلسطيني محمود عباس ذخيرة لهذا المعسكر , عندما استبدّ به الغضب (غضب مشروع كما تجب الاشارة) فنعت السفير الاميركي في اسرائيل وهو مستوطن يهودي وداعم متحمس لا يخفي انحيازه للمشروع الاستيطاني الصهيوني الذي يرى به «حقاً»لليهود في «أرضِهم».. بانه « ابن كلب», ما اثار عاصفة من ردود الفعل والانتقادات. كان اكثر لفتاً هو ما ادلى به السفير الاميركي ديفيد فريدمان نفسه, معتبرا ان وصف عباس له بـ»ابن الكلب» هو «لاسامية» وليس فقط خطاب سياسياً، فيما دعا المبعوث الاميركي للشرق الاوسط اليهودي واليميني المتطرف ايضا جيسون غرينبلاط, الرئيس عباس الى «الإختيار بين خطاب الكراهية, وجهود ملموسة لتحسين حياة شعبه, وإيصاله الى السلام والازدهار» زاعماً انه «وعلى الرغم من إهاناته غير اللائقة للغاية ضد اعضاء ادارة ترمب، فان الحدث الاخير هو اهانة صديقي المقرب والزميل فريدمان،…. نحن – يُواصِل – ملتزمون بالشعب الفلسطيني وفي صدد وضع اللمسات الاخيرة على خطتنا للسلام، وسوف نتقدم بها عندما تكون الظروف.. مناسِبة»
قادة اسرائيل وعلى رأسهم نتانياهو اغتنموا الفرصة هذه, لضخ المزيد من التحريض على الرئيس الفلسطيني وتسجيل نقاط لصالحهم, في ذروة الازمة السياسية والحزبية التي تعصف باسرائيل, على ضوء التحقيقات الجارية مع نتانياهو, ومحاولة الأخير الهروب الى الامام عبر اقتراح «حلّ الكنيست» والذهاب الى انتخابات مبكرة في حزيران القريب. وهو اقتراح عارَضَته احزاب عديدة, بعضها داخل الإئتلاف الحكومي الفاشي القائم الان, كون استطلاعات الرأي لا تمنحها فرصة لتعزيز مواقعها, بل ستُفقِدها بعض المقاعد التي تتوفر عليها الان، فيما يُهدّد بعض شركاء نتنياهو في الائتلاف, بإسقاط الحكومة اذا ما وجَّهت النيابة العامة له لائحة اتهام رسمية.
نتنياهو قال رداً على نعت عباس السفير الاميركي بـ»ابن الكلب»: ان تهجُّم رئيس السلطة على السفير فريدمان, يدُل على ان قادة السلطة «فقدوا عقولهم», لان الإدارة الاميركية الحالية هي الوحيدة التي توقفت عن «تدليل» القادة الفلسطينيين منذ عشرات السنين».. فيما وقف وزير التعليم ورئيس حزب البيت اليهودي (حزب المستوطنين) نفتالي بينيت الى جانب فريدمان مخاطباً السفير الاميركي «…أنت الآن مُسجّل في تاريخ اسرائيل، فأنت صديق حقيقي لإسرائيل».. اما زعيم حزب يش عتيد (يوجد مستقبل) يائير لابيد، فقد طالَب الدول المانِحة للسلطة الفلسطينية والمجتمع الدولي, ليس فقط إدانة تصريحات عباس بل بفرض «عقوبات» عليه, اذا لم «يتراجَع» عن تصريحه ضد فريدمان.
الحملة الصهيوأميركية الشرِسة على عباس لن تتوقف, وستأخذ طابعا اكثر عدوانِية وتحريضا وغمزا من قناة عباس, وخصوصا بالتركيز على حالِه الصحية الذي بدأت وسائل الاعلام الاسرائيلية تصفها بانها خطيرة وانه مصاب بالسرطان وان ايام عباس معدودة,فيما هي تتحدث عن حرب الوراثة المستعرة الان في الدائرة الضيقة به. الحملة الراهنة ستكون اشدّ ضراوة من تلك التي وفرتها تصريحات عباس السابقة امام المجلس المركزي لمنظمة التحرير قبل شهرين, عندما قال مخاطِبا ترمب: «..يخرب بيتك».. وبخاصة ان وسائل الاعلام الاسرائيلية لا تتوقف عن التشهير بعباس وتتهمه بدعم «الارهاب», حيث استقبل قبل ايام احد الاسرى المحرَّرين الذي قتل ثلاثة اسرائيليين, فضلا عن تضخيم الارقام التي يدفعها الصندوق القومي الفلسطيني لأُسر الشهداء والاسرى, وهو مطلب اسرائيلي تبنّاه الكونغرس الاميركي, وصوّت لصالح «خصم» هذا المبلغ من المساعدات الاميركية للسلطة, بعد ان قام بتخفيض تلك المساعدات.
في السطر الأخير.. لم يكن الرئيس الفلسطيني في حاجة للخروج على نصٍ «مكتوب»ليقوم بنعت هذا المسؤول الاميركي صهيوني الهوى والهوية, بتلك الصفة المهينة التي يمكن للأعداء والمتربصين والمتواطئين, توظّيفها في غير صالح القضية الفلسطينية, رغم قناعة الجميع انها صفة اقل بشاعة بكثير, من الجرائم التي يرتكبها الاميركيون والصهاينة بحق الشعب الفلسطيني والامة العربية، لكنها «رغم ذلك» تُسهمِ في إبعاد الأنظار عن جوهر الصراع, وتمنح اشرعة الاعداء رياح إسناد لخطاب التحريض والاستغلال وتشويه الاهداف الفلسطينية.
التعليقات مغلقة.